لكم غزة ولنا الضفة وللاحتلال كل شيء.. حينما يكون الجرح فلسطينياً حوار مع الدكتور أحمد أبو مطر

  أجرى الحوار : لافا خالد 

 لم يبقى له مكان في بلاد العرب التي تحولت لأكفان وليس لأوطان  أختار أوربا  والغربة بديلاً عن شتات بدأ من الوطن الجرح فلسطين ؟ لاينتمي لإمارة غزة ولا لولاية فتح في الضفة , جريء الطرح في أفكاره غزير الإنتاج بنتاجاته الإبداعية  مع الدكتور أحمد أبو مطر كان الحوار عن الحالة المبعثرة للقضية الفلسطينية  أسبابها النتائج والتداعيات ورؤاه بكل جرأة في قضايا جوهرية أخرى ؟

لافا خالد –  لنبدأ من رحلة البداية  كيف تعرف بنفسك وكيف تقييم تجربتك ككاتب مغترب هل هو شتات فلسطيني  أم أشياء أخرى ؟ لما اخترت أوربا مسكناً ؟
أنا فلسطيني من مواليد عام 1944 أي أربعة سنوات قبل نكبة فلسطين، هاجرت بعدها مع أسرتي لمدينة رفح في قطاع غزة، حيث نشأت وتعلمت في مخيم رفح حيث ما زالت أسرتي تعيش حتى اليوم .

عشت هناك شظف الحياة حيث كنا نعتمد فقط على ما توزعه علينا وكالة الغوث مرة كل إسبوعين ، ورغم ذلك كان التحدي هو سمة حياتنا في المخيم .

بعد الدراسة الثانوية ذهبت للقاهرة حيث درست لدرجة الليسانس في الأدب العربي ، ثم الماجستير ، والدكتوراة عام 1979 .

وخلال هذه الرحلة الحياتية عملت في الأردن والكويت ثم جامعة طرابلس في ليبيا وجامعة البصرة في العراق ، وعشت حصار بيروت عام 1982 وأصدرت عن تلك التجربة كتابي ( بيروت وعي الذات )، وعشت في دمشق ثماني سنوات وطردت منها بسبب كتاباتي ، ولم تقبلني أية عاصمة عربية للإقامة فيها ، فتوجهت للملكة النرويجية حيث منحتني اللجوء السياسي ، وأقيم فيها منذ عام 1991  أي أنني لم أختر المنفى والغربة اختيارا ولكنني اضطررت إليه بسبب فقدان الحرية والكرامة في الأقطار العربية .

خلال هذه الرحلة الحياتية أصدرت ما يزيد على عشرة كتب ، كان أولها ( الرواية في الأدب الفلسطيني ) وآخرها ( أحداث الحادي عشر من سبتمبر كما يراها كتاب ومفكرون عرب ) ، ومن ضمن هذه الكتب واحد عن تجربة الديكتاتور صدام بعنوان ( سقوط ديكتاتور ).

في المنفى الذي أصبح وطني الحقيقي تذوقت الحرية والديمقراطية الحقيقية ، فاكتشفت أن شعار ( بلاد العرب أوطاني ) أصبح في بلادنا العربية ( بلاد العرب أكفاني ! ).

لافا خالد – فلسطين قضية العرب الأولى هل لازالت كذلك أم هي الورقة الرابحة بأيدي مختلف الأطراف ؟

ج- لم تكن فلسطين يوما قضية العرب الأولى ، كانت وما زالت القضية الأولى للأنظمة العربية التي تستغلها لمصالحها ودوام القمع والاستبداد ، فباسم فلسطين قامت كل الانقلابات العسكرية ، وترسخت أنظمة الاستبداد وقمع الحريات الديمقراطية وفتح السجون والمعتقلات التي أصبحت أكثر من المستشفيات في بلاد العروبة ، واليوم ترفض هذه الأنظمة دعوات الإصلاح باسم تحرير فلسطين الذي لن يأت طالما هذه الأنظمة موجودة .

لافا خالد – ما الذي يحدث في فلسطين ؟ ومن يتحمل التبعات ؟ وهل بقي متسع فرصة للحوار بين أطراف النزاع الأساسيين  في المشهد الفلسطيني ؟

ج-الذي يحدث هو صراع على السلطة والكراسي في  دولة خيالية لم تقم حتى على الورق .

حركة فتح لم تصدق أنها خسرت الانتخابات وحركة حماس لم تصدق أنها ربحتها ، لذلك يتصارعون حتى تعود فتح للسلطة وكي تبقى حماس ممسكة بالسلطة رغم أنها سلطة شكلية تحت الاحتلال ، لذلك واجهوا بعض بجرأة وشجاعة متناهية لم يواجهوا الاحتلال بنسبة بسيطة منها ، وأظهروا في وجه بعض أسلحة لم نراها في مواجهة الاحتلال..في رأيي أنهم من الطرفين الفتحاوي والحمساوي مجموعة من اللصوص ، ولم يبق مجال للحوار بينهم فاللصوص لا يتحاورون الكل يريد المسروقات له وحده ، وهاهي المسروقات تمّ توزيعها ، إمارة حماس في غزة ودويلة فتح في رام الله ، والخاسر هو الشعب الفلسطيني .

والطرفان

 لافا خالد -ما هو الغسيل الفلسطيني المتسخ غير المعيب نشره كما كتبت في إحدى المقالات  ؟ هل هي الديمقراطية أن يعيش العالم لحظات حياة المواطن الفلسطيني المؤسفة دائماً ، في نفس الوقت الذي تتكتم معظم البلدان العربية على نشر ولو خبر بسيط عن أي قضية داخلية ؟

ج-غالبية ممارسات الفصائل الفلسطينية في الأردن ولبنان و أخيرا المناطق الفلسطينية غسيل وسخ لا يشرف أحدا .

من يتخيل الاتهامات التي تنشر منذ أسابيع بين حماس و فتح حيث نتيجتها أن غالبية قيادات فتح وحماس جواسيس ،فهم ينشرون عن بعض بالأسماء أنهم جواسيس للاحتلال فماذا بقي للشعب الفلسطيني غير هذا الغسيل الوسخ ، الذي بدأ بخطف الطائرات وتفجيرها في مطار المفرق الأردني عام 1970 وينتهي بفضيحة حرب حماس وفتح المعيبة التي تجعل الشخص يخجل أن يقول أنه فلسطيني ، وكما قلت في سؤالك من المخجل أن يعيش العالم حياة الفلسطيني ويحاول التضامن معه ، وهم يفعلون في بعض أوسخ مما فعل الاحتلال ، والأنظمة العربية تنشر كل شيء عن فلسطين من باب الاستهلاك المحلي ، وفضائحها الداخلية ضد شعوبها في مستوى فضائح حماس و فتح….قاتلهم الله جميعا من أنظمة عربية وحمساوية وفتحاوية .

لافا خالد – تصريحات فتح بقطع الحوار ما هي خلفياته ؟ هل هي ضغوط خارجية أم إن حماس انتهجت غير خط المقاومة حتى سدت كل المنافذ بوجه  أي حوار معها ؟ من بيده مفاتيح حل الأزمة الفلسطينية القائمة ؟

ج- قرار فتح بقطع الحوار مع حماس نتيجة طبيعية لانقلاب حماس العسكري وسيطرتها بالسلاح على كل مؤسسات السلطة الفلسطينية وهو عمل معيب ، فبعد أن فعلوا كل هذه الجرائم يطلبون الحوار..لن يقوم حوار بينهم فحماس تواصل تطهير قطاع غزة من الفتحاويين وفتح تواصل تطهير الضفة الغربية من الحماسيين ، ولا أحد يمتلك مفاتيح للحل لأن كل طرف فلسطيني متمسك بموقفه المخجل ، وسوف يستمر هذا الوضع طويلا : إمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله ، ولن تعود القضية الفلسطينية للصدارة طالما هي تتعرض للتصفية على يد قياداتها .

لافا خالد –  كتبت إن انقلاب  حماس طعنة غدر  بالدور المصري ؟ لم مصر وحدها  ألا تتحمل حركة فتح بعضا من استعلائها ؟ لما اتفقت في البداية واختلفت بشكل أساء للقضية الفلسطينية بالشكل الذي شاهده العالم جميعا ؟

 ج- قصدت مصر بالتحديد لأن الوفد الأمني المصري منذ أربعة سنوات وهو مرابط في غزة للتوسط بين الطرفين ، فما كان يحق لحماس القيام بانقلابها العسكري والوساطة المصرية قائمة ، وقد تمّ خطف قيادات فتحاوية وهي في طريقها لاجتماع مع حماس في مقر الوفد الأمني المصري…أما واقعيا فهو غدر بالشعب الفلسطيني أولا وبقضيته الوطنية .

وأنا لا أتضامن مع فتح ضد حماس ، الطرفان مجرمان بحق الشعب الفلسطيني ، فتح بهيمنتها وسكوتها على الفساد وسرقة ثروة الشعب لصالح متنفذين منها ، وحماس بجرائمها الأخيرة بحيث أصبحت هي وفتح في كفتي ميزان فساد واحد .

لافا خالد – ما المطلوب من الفلسطينيين دونما استثناء  سياسيين وقواعد شعبية ؟

ج- المطلوب هو التوحد وراء أجندة وطنية واحدة لكن هذا أصبح مستحيلا بعد انقلاب حماس ومحاولة فتح العودة للسيطرة والتحكم ، لذلك فصراعهم الحالي سيستمر طويلا والشعب لن يستطيع مواجهة ذلك ، فقط سيتحمل المزيد من الشقاء والحياة الصعبة والجرائم من فتح وحماس والاحتلال.

لافا خالد – ماذا تعني لك

– حكومة الطوارئ  الفلسطينية ؟ 

حكومة طارئة ستنفذ بعض رؤاها في الضفة الغربية فقط ، ولن تستطيع التمدد بقوانينها في إمارة حماس الغزاوية ( لكم غزة ولنا الضفة وللاحتلال كل شيء ).

– حكومة حماس المقالة ؟

حكومة قوية قمعية ، بدأت بتأسيس نموذج لطالبان في غزة ، وستفرض الحجاب إجباريا على الفلسطينيات بما فيهن المسيحيات ، وستقفل الأندية ومقاهي الانترنت أو تضعها تحت رقابة مشددة وممنوع على المرأة دخولها بدون محرم ، وسيتم حرق العديد من الكتب كما فعل وزير تربية حماس قبل شهور قليلة من انقلابها عندما سحب من المدارس والمكتبات كتاب من التراث الشعبي عنوانه ( قوللي يا طير ) …بصراحة نموذج متطور في تخلفه عن نموذج طالبان في أفغانستان ، وأسألي سكان القطاع يقولون لك منذ أكثر من خمسة عشر سنة في الانتفاضة الأولى ، كان هؤلاء المتأسلمين يرمون ( مية النار الحارقة ) على وجوه الفتيات غير المحجبات .
 
– قضية اللاجئين وحق العودة وهل هو ممكن أم الحلم الذي لن يرى النور؟

العودة حق شرعي للفلسطيني لكنه من المستحيل تنفيذه طالما دولة إسرائيل قائمة فهو من الخطوط الحمر لهذه الدولة ، فالعودة تعني أن الفلسطينيين أكثر من ضعفي اليهود وهذا ما تسميه دولة إسرائيل ( القنبلة المنوية ) وترفضه بشكل قاطع ، ومن حق الفلسطيني التمسك به مهما كان مستحيلا .

–  السلاح الفلسطيني في المخيمات اللبنانية ؟

مرفوض ويجب جمعة لتمتد سيادة الدولة اللبنانية لكافة الأراضي اللبنانية على أن يترافق مع إنصاف اللاجىء الفلسطيني وتوفير حياة كريمة له، وهذا مطلب مشروع للحكومة اللبنانية فلماذا لا يجرؤ الفلسطينيون على حمل السلاح في أية دولة عربية ما عدا لبنان؟

– قضية فلسطيني نهر البارد ؟

قضية مصطنعة لحساب أنظمة إقليمية ، فما دخل مخيم نهر البارد بتحرير فلسطين كي يبدأ هؤلاء المرتزقة قتال الجيش اللبناني ؟ إنهم أدوات لصرف أنظار العالم عن المحكمة الدولية والملف النووي الإيراني ، و من أين وكيف جلب هؤلاء المرتزقة كل هذا السلاح..لذلك أنا مع قتلهم وتصفيتهم بأي شكل ، لأنهم لا علاقة لهم بالشعب الفلسطيني  وقضيته ..فتحرير فلسطين لا يبدأ من مخيم نهر البارد عبر أعمال هذه العصابة ومن يدعمها .

– قضية آلان جونستون المختطف من قبل جماعات فلسطينية ؟

تم الإفراج عنه يوم الأربعاء الموافق الرابع من يوليو عبر تمثيلية ومسرحية رديئة الإخراج، تثبت أن حماس كانت وراء خطفه ، وأفرجت عنه بعد نجاح انقلابها العسكري لتقول نحن نستطيع توفير الأمن ، بينما ملاحقة عناصر فتح تتم ليلا ونهارا بطريقة يمكن تسميتها ( تطهير فتحاوي ).

فمن يتخيل أن حماس ورئيس حكومتها المقال لم يتمكنوا الإفراج عنه طيلة مئة يوم ونجحوا في ذلك بعد إسبوعين من نجاح انقلابهم العسكري على السلطة الفلسطينية، ولكنه من الأمور المفرحة اففراج عنه فما ذنبه وهو صحفي مهني يغطي الأخبار بما فيها عذابات الفلسطيني على يد الاحتلال.

المحور الثاني

لافا خالد – تعارض بشدة النظام العراقي السابق وكتبت برأي صريح حقيقة ذاك النظام واعتبرت صدام قاتلاً ومجرماً في وقت الشارع الفلسطيني تظاهر لأجله وفتح بيوت عزاء ؟ هل يمثل ذلك رأي الشارع ولم ؟ أم هو موقف سياسي ضد أمريكا وحلفائها ؟

 ج- لا أعتقد ذلك، السبب يعود إلى التضليل الذي مورس في الشارع الفلسطيني من طرف بعض الجهات المستفيدة من نظام صدام ، والخطأ الفادح الذي يصل حد الجريمة المتمثل في تأييد ياسر عرفات وقيادة منظمته لصدام حسين واحتلاله لدولة الكويت، وكان ذلك عملا مشينا من ياسر عرفات أن يؤيد احتلال دولة عربية وهو وطنه محتل ، ولهذا السبب تم اغتيال صلاح خلف ( أبو إياد ) لأنه عارض موقف عرفات هذا وموقف صدام من احتلال الكويت ، وحتى الآن لم تعلن كافة الحقائق عن اغتيال صلاح خلف .

كذلك مارس صدام تضليلا في إطلاقه عدة صواريخ على إسرائيل ثبت أنها لم تكن تحمل متفجرات ، فقد كانت صواريخ ديكورية بدليل أنها لم تقتل إسرائيليا واحدا، بشهادة كل السياسيين العرب في إسرائيل .

وكان مخجلا تأييد احتلال الكويت التي كانت تأوي حوالي أربعمئة ألف فلسطيني ، وأنا واحد منهم وكنا نعيش بكرامة لا مثيل لها في قطر عربي ، وغالبية قيادة فتح عرفات كانت تقيم وتعمل في الكويت بما فيهم ياسر عرفات .

لافا خالد – تكتب عن مصر بحرارة وكأنك ابن النيل كيف تقرأ المشهد السياسي المصري ودوره في مختلف القضايا العربية والإقليمية والدولية ؟وهل هو دور ناجح أم جملة معطيات تعطي لمصر هذه الخصوصية ؟

ج- أنا هذه طبيعتي ، أكتب بحرارة عن أية قضية اقتنع بها ، أما كأنني ابن النيل فلا أعتقد ذلك رغم أنني عشت في القاهرة أربعة عشر عاما ودرست فيها من الثانوية العامة حتى درجة الدكتوراة..ولي كتابات نقدية ضد السياسة المصرية لا يجرؤ عربي على حدتها كما كتبت ضد فترة رئاسة خامسة لحسني مبارك وضد توريث ابنه جمال .

الدور المصري في القضايا العربية مؤثر وفاعل وسببه مصر كأكبر دولة عربية سكانا ومؤسسات وخبرات ، وقد تأسس ذلك الدور بحكم وجود الجامعة العربية في القاهرة  ودوما أمينها العام مصري .

وربما تقصدين نقدي لحماس وأن انقلابها العسكري كان طعنة لمصر ودورها ، وذلك قناعة مني بأن مصر بذلت الكثير للتوفيق بين حماس وفتح وكان لها وفد أمني برئاسة اللواء برهان حماد يقيم في غزة منذ أربعة سنوات والزيارات شبه الشهرية للفريق عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية لكل من غزة ورام الله ، وعندما مثلوا في فتح وحماس أنهم اتفقوا باعوا هذا الاتفاق الكاذب للملكة العربية السعودية  ، وذهبوا إلى مكة لأداء العمرة لبضعة ملايين من الدولارات ، وما إن دخلت حساباتهم حتى أعلنوا الحرب على بعض وعلى الشعب الفلسطيني ، ونسوا العمرة التي أدوها في مكة والاتفاق الذي وقعوه فيها .

لافا خالد -المشهد اللبناني يسير باتجاه القتل المستمر والسيارات المفخخة ؟ لم لبنان ؟ وهل ما يحدث في مخيم نهر البارد فيه تورط جهات فلسطينية أم إن الإعلام يساهم في توتر العلاقات وتشويه الحقائق ؟

ج- المشهد الدموي في لبنان يعيها الجميع  ، وكذلك حلفاء سوريا  من لبنانيين كحزب الله وفلسطينيين كجماعة أحمد جبريل وأبو موسى..والطرف الفلسطيني المسمى فتح الإسلام هو موجود فعلا ولكنه مجرد واجهة وغطاء ، و إلا من يصدق أن فتح الإسلام تحارب من أجل تحرير فلسطين وهل محاربة الجيش اللبناني يسهم في هذا التحرير ، وهل تحرير فلسطين يأتي من مخيم نهر البارد، وكما أقول دوما لماذا يتجرأ بعض الفلسطينيين على حمل السلاح في مخيمات لبنان فقط ، ولا تستطيع ذلك في مخيمات الفلسطينيين في سورية مثلا .

للأسف أينما وجدت المنظمات الفلسطينية جلبت معها القتل والخراب وكافة أعمالها لا علاقة لها بتحرير فلسطين..فهل خطف الطائرات وتفجيرها في الأردن عام 1970 له علاقة بتحرير فلسطين ، وهل كل الخراب في لبنان ومخيماتها أسهم خطوة واحدة في التحرير…قضية فلسطين كانت وما زالت سلعة للتجارة والمزايدات من الأنظمة العربية وغالبية القيادات والمنظمات الفلسطينية..فبماذا يختلف أحمد جبريل ونايف حواتمة مثلا عن القذافي وعلى عبد الله صالح مثلا وهما أمناء عامون لما يسمى الجبهة…منذ أربعين عاما؟.

لافا خالد – لنأتي إلى الساحة العراقية الأكثر دماراً واقتتالاً ؟ لم طبل الكثيرون من المثقفين العراقيين والعرب لأمريكا ؟ ما يحدث ألم يكشف زيف ديمقراطيتها ؟ أين هو السلاح الكيماوي العراقي الذي قامت الحروب تحت غطاء إنه موجود وخطر وتم طي الملف في مجلس الأمن دون الكشف عن أي شيء  ؟ وهل  قدر العراقيين العيش إما تحت إمرة سلطان جائر أو محتل لم يترك حرة لشيء وحرمة لأحد؟

ج- كافة الحيثيات في سؤالك صحيحة…المشكلة كما أرى في نسيج المجتمع العراقي ، فقد تخلصتم من نظام مجرم قاتل ، فلماذا لا تتفقوا على أجندة واحدة تحقق الأمن والسلم الاجتماعي في عراقكم ليصبح رحيل الاحتلال مطلب عراقي ؟.

العراقيون الآن غالبية مع بقاء الاحتلال الأمريكي وأقلية مع رحيل الاحتلال ، لذلك يتقاتلون بشكل إجرامي لا مثيل له في التاريخ حتى في الزمن المغولي الهولاكي….من يصدق هذا القتل على الهوية الطائفية ؟ تفجير حسينية مقابل جامع وتفجير جامع مقابل حسينية..مدينة تهتف ضد الاحتلال ومدن ترحب بالاحتلال وبعضها أصبح وضعها يقول ( الأرض بيتتكلم إيراني )….أنا أطرح على الجميع سؤالا ليتهم يفكرون  فيه : ما هي النتيجة لخروج الاحتلال الأمريكي غدا من العراق ؟  أقولها لكم بصراحة جارحة : النتيجة هي احتلال إيران لثلثي العراق وسط ترحيب سكان  الثلثين تلك!
لافا خالد – ما هو السيناريو الأمريكي  المقبل بعد العراق ؟ هل ستكون أيران ؟ لم تستهين أمريكا بالقدرات الإيرانية ؟ ألن يجلب الحرب مع إيران مزيدا من الدمار بل لربما تكون الشرارة لحرب كونية أخرى ؟

ج- كما أقرأ المشهد السياسي لا مواجهة أمريكية مع إيران مطلقا ، إنه مجرد لعبة شد الحبل بين الطرفين لتحسين شروط كل منهما في لعبة الأمم في المنطقة ، أمريكا لا تنسى الأفضال التي قدمتها لها لإيران في إسقاط نظام طالبان ، رغم أن أمريكا دعمت نظام صدام ثماني سنوات في حربه ضد نظام الخميني ، فلا مواجهة ولكن صراع مصالح الغائبون عنه هم العرب، لأنهم متفرغين للكيد لبعض ومحاربة بعض ، وكما قال الشاعر..انتبهي الشاعر المتنبي وليس أنا ( يا أمة ضحكت من جهلها الأمم ) ، وهذا ليس جلد للذات بقدر ما هو بكاء على الذات !.

لافا خالد – المشهد الأوربي خائف من الشباب العربي ومفخخاته ؟ من الذي أوصل شبابنا للانتحار المرفوض في مختلف الشرائع ؟ حرب أمريكا في الشرق الأوسط ألم تجني على نفسها بالتفجيرات في مختلف الدول الأوربية ؟

ج -الذي أوصل الشباب العربي لهذا الوضع المخزي هي ثقافة وتربية التكفير للآخر وسط نسبة أمية تزيد على ستين بالمائة، مقاومة الاحتلال تكون في مناطق الاحتلال وضد عسكريي الاحتلال ، أما قتل المدنيين في مختلف عواصم العالم بما فيها العواصم المتعاطفة مع قضايانا فهذا يعود للثقافة الدينية التكفيرية التي تدعو ليل نهار ( ضد النصارى والكفار الملحدين ) بما فيهم النصارى العرب بدليل مهاجمة كنائس في العراق وغزة …وهناك فتاوي بقتل المدنيين الذين يعملون في مؤسسات تقدم خدمات للاحتلال في العراق، بينما كان هناك سكوت على مئة وخمسين ألف فلسطيني يعملون يوميا في داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي بما فيها المستوطنات الإسرائيلية ، وهناك فتاوي سمحت للمسلمين الأمريكان بقتال طالبان مع الجيش الأمريكي، هذه التجارة من فتاوي التيك أوي أو حسب الطلب لن ينتج عنها إلا هذا الفراغ الفكري والأخلاقي الذي ينجم عنه هذا القتل في اوربا وأمريكا وغالبيته من مسلمين عربا…لماذا لم نجد إرهابيا واحدا من المسلمين الهنود ؟ لأنهم نشأوا في أكبر ديمقراطية في العالم !.

لافا خالد – كيف تقرأ القضية الكردية ما لها وما عليها في أجزائها الأربعة ؟ وأين كان المثقف العربي والكرد يتعرضون للإبادة والتعتيم على قضيتهم ؟ والآن في كردستان العراق الكثيرون من المثقفين العرب يشوهون تجربة الإقليم ؟ هل انصف العرب اخوتهم الكرد في محاكم الأنفال ؟ لما هذه الضبابية في المشهد الثقافي العربي تجاه القضية الكردية ؟

ج- للآسف الشديد والمخجل والمخزي والعار أن غالبية الكتاب والمثقفين العرب ، كانوا وما زالوا ضد الطموحات القومية المشروعة للشعب الكردي في أجزاء وطنه الأربعة ، وكانوا يصفقون للطاغية صدام وهو يقصف الكرد بالسلاح الكيماوي ، وحاولوا عدم تجريمه هو وعصاباته في محاكم الأنفال..لا أفهم كيف يطالب البعض بحرية الشعب الفلسطيني مثلا ويؤيدون بحرارة قمع حرية الشعب الكردي ؟.

سبب ذلك هو أن الثقافة العربية في مجملها ثقافة عنصرية ضد الأخر ، طالما هذه الثقافة من مفاهيمها ( أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب )، من يصدق أنه في مصر ذات السبع والسبعين مليونا ، يعتبرون الكردي مثالا للغباء ، فإذا حاولت أن تستغبي شخصا أو أن تنصب عليه بادرك بالقول ( نعم..عايز تستكردني )، رغم أن مصر شهدت الدولة الأيوبية التي أقامها محر ر القدس القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي ، وقد حاول بعض منافقي الطاغية صدام أن يخرجوا له شهادة أصل عربية بدل الكردية .

وتستمر محاولات العنصريين العرب اليوم لتشويه التجربة الناجحة لحكومة إقليم كردستان العراق ، حقدا منهم على كل ما هو إنساني ، وعندما زرت إقليم كردستان في نوفمبر من عام 2004 ، كان السؤال الوحيد الذي سألني إياه أولئك العنصريون العرب عن وجود الموساد الإسرائيلي في كردستان ، فأجبتهم بمقالة كان عنوانها ( لماذا الموساد حلال في القاهرة وعمان ودبي والمغرب وقطر وحرام في كردستان إن وجد ؟ ).

لقد شعرت بالخجل لكوني عربي عندما زرت مدينة حلبجة ورأيت المقبرة الجماعية لكيماوي المجرم صدام ، وتذكرت الكاتب العراق المعروف المرحوم هادي العلوي عندما زار كردستان قبل وفاته ، واستقبله مجموعة من أطفال كردستان فبكى واعتذر لهم عن جرائم صدام رغم أنه لم يكن جنديا في جيش صدام ، وأنا كفلسطيني لا يمكن أن أنسى الشباب الكرد الذين استشهدوا معنا في بيروت دفاعا عن فلسطين…من هنا أنا مع حرية الشعب الكردي و ضد العنصريين العرب ، فلا يمكن أن أكون بوقا لنظام عربي أو تركي أو إيراني وأصفق لقمع الشعب الكردي الصديق والشقيق ، هذا الشعب الذي سينال حريته رغم استبداد كل الأنظمة فالمستقبل للشعوب وليس لأنظمة القمع والفساد.
 
لافا خالد – لما لا يستطيع المثقف العربي تغيير ما يفسده الساسة والسياسة ؟ أو التأثير في ذهن الشباب ممن تنخر بينهم الجماعات الأصولية وتنجح في مهمتها وبسهولة ونفس الشباب مستعد للموت في سبيل أفكار أسيادهم ؟

ج- لأن غالبية المثقفين العرب في خدمة الأنظمة ، وهذه الأنظمة تتحالف حينا مع هذه الجماعات الأصولية التكفيرية ، وبفسادها وقمعها تتيح لهذه الجماعات الانتشار ، وحين تتمكن هذه الجماعات من الحكم ستكون أكثر رجعية وقمعا ضد خصومها كما في تجربة طالبان في أفغانستان و بوادر تجربة حماس في غزة ، وكذلك نسبة الأميةالمرتفعة التي لا تتيح مجالا للقراءة والتعلم والتفكير، فسادت ثقافة التكفير بدلا من التفكير.

لافا خالد – انتقدوك في موقفك من قضية سلمان رشدي ؟ ألم تتسرع في اتخاذ موقف من قضية تكريمه ؟ لم صمت العالم العربي ؟ بينما دول مثل باكستان تظاهرت و أعلنت الاستنكار علنا ؟

ج- لا لم أتسرع ، أنا كنت ضد إساءة سلمان رشدي للرسول والإسلام ، ولكنني اعتبر تكريمه من ملكة بريطانيا مسألة بريطانية داخلية بحتة ، لا يحق لعربي أو مسلم أن يحتج عليها مهما كانت خلفياتها ، ودليلي أنهم في بريطانيا وأوربا لا يتدخلون في طبيعة تفكيرنا عندما نصفهم في كل صلاة ( أولاد القردة والخنازير ) ولم يتدخلوا في فتوى الشيخ المصري الذي أحل سفك دم (فرج فودة ) وقتله أحد الجهلاء بعد أيام من تلك الفتوى ، ولم يتدخلوا في تحريم الأزهريين في مصر لرواية نجيب محفوظ ( أولا د حارتنا ) أو حرق رواية الروائي السوري حيدر حيدر (وليمة لأعشاب البحر ) .

هم يعتبرون كتابات سلمان رشدي ضمن حرية التعبير  ، كان يجب أن نحاججهم بالحسنى لنبين لهم ازدواجيتهم في تطبيق هذه الحرية بدليل أنهم يحاكمون من يشكك في الهولوكست ، أما أسلوبنا المتخلف في حرق السفارات والمظاهرات فهو لخدمة الأنظمة الاستبدادية فقط تحت شماعة نصرة الرسول و الإسلام ، وكل ممارساتهم تسيء للرسول والإسلام أكثر من رسوم كاريكاتورية أو رواية لسلمان رشدي .

فقط أعقب على قولك ( انتقدوك ) الواقع أن هناك البعض من انتقدني والبعض أيدّني ، وهذا طبيعي فحتى القرآن عندما جاء به الرسول الكريم وجد البعض من رفضوا الاعتراف به واعتبروه كلام شاعر أو ساحر ، أنا مع المبدأ القائل ( من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد ) ، و أنا بدوري أتخلى عن ذلك الأجر لصالح واحد من الجهلة التكفيرين ليضاف لحساب حسناته إن وجد !.

كلمة أخير في قضية لم نتكلم عنها ؟

أنا يائس من وضع الأمة العربية التي تعيش على هامش التاريخ وأمجاد الماضي ، خاصة أن التاريخ يكتبه الأقوياء ، ونحن منذ أكثر من ألف ومائتين سنة نعيش على إنجازات غيرنا من الإبرة حتى السيارة والدواء وكل مستلزمات الحياة…الأوربيون يتقدمون كل يوم خطوة ونحن نتخلف كل يوم سنة ضوئية ….لذلك أصرخ ألما : يا إلهي إلى أين ذاهبة هذه الأمة ؟.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…