… مـرت طيـارة حمــرا

ديـــار ســـليمان

هذه الأغنية البـدوية الجميلـة (بين الرقة و دير الزور) التي طالما أطربتنـا في زمن  نـدرة وسائل المواصـلات فكيف بإمتـلاك إحداها، و فيها تطلـب المحبوبـة من محبوبها عدم القيام (بمناورات عشوائية) في الحـي الذي تقيم فيه كونها لا تعرف المقصـود بها، هل هي أم جارتهـا؟ بل الألتـزام بزمـان و مـكان محـددين تحـدده هي لذلك حتى تبرهن للجميع على أن خيوط اللعبة بيدها.

و كنا مع تواصل الأغنية ننتظـر بفارغ الصـبر (الغمزة) من عيون هذه المحبـوبة التي كانت كعيني زرقاء اليمامة للتأكيد على تعـرفها على سـيارة محبـوبها و تمييزها عن غيرها كما تزعم من (النمـرة) رغم بعد المسافة (و كونها ربما أمية)  دون حاجـة الى رادارات أو مناظـير( ولا من يحزنون).
 والرقة التي وردت في الأغنية هي مدينة الكاتب الغني عن التعريف محمد غانم، والذي كرسـت الدولة جميـع أجهزتها لاحصـاء تحركاته، فأصبحت أنفاسه تحت مايكروسكوب الأجهزة الأمنية اليقظة الحريصة على أمن الدولة و سلامتها، لذلك كان لا بد بين الحين و الآخر من تقليم أظافره وأمثاله و رشـهم بالنارإذا ما بـادروا الى التعـرض للدولة برشـة حــبر.
 و لا يظـنن أحد أن الكاتب غانم قد شـغل أجهزة الدولة عن القيام بواجباتها الأمنية الأخرى، فصرف انتباهها عن القيام بباقي واجباتها، فقد كان كل شئ تحت السـيطرة، و ما أسهل قطع المـاء و الهـواء عنـه… كما أن ما حدث تاليآ على بعد حجـر في المدينة الأخرى أكـدت فيه سوريا علـو كعبهـا في التعامل مع جميع مشاكلها.


 والمدينة الثانية موضوع الأغنية و موضوعنا كما أصبح معروفآ هي ديرالزور، و قد أصـبحت في الأيام الأخـيرة تضاهي هوليوود  شـهرة، لدرجة أنه يخيل للمـرء أن عاصمة السينما العالمية قد انتقلت بممثليها و ستوديوهاتها و منتجيها إليها، و قامت بانتاج فيلم حربي غامض نشهد يوميـآ عـرض نسخة جديدة معدلة منه بجميع اللغات باستثناء النسخة السورية التي بقيت كما هي دون إضافات أو تحسينات.
 والواقع أن هوليوود تعجز بكل إمكاناتها عن إيجاد مثيل ل(الجسر المعلـق) الذي تفوق أجوائه الوصف، حيث أن كل  خطوة يخطوها المـرء هناك لا تقدر بثمـن، يضاهيها فقط السـير في ذلك الشارع المسمى (ستة إلا ربع)، أو أي مكان آخر في المدينة الجميلة.


في مدينةٍ ما يقوم (العكيد) بإحكام إغـلاق باب الحارة، وتجنب الدخول في مواجهات مع الفرنساوية في مكان آخر رغم رؤيتهم بالعين المجردة، لأن مهمته تقتصر على نقل السلاح و العودة سالمآ و ذلك لم يقلل من هيبته، أما خارجها فهناك بقايا خيام سوداء يظهر في إحداها (إبن عجلان) حاملآ سيفه و هو يجـبر المعتدين على الفرار.
 كان يمكن لهذه الروايات أن تسير في نسقها و أن تروي عطشـنا الى رؤية نصرٍ ما، لكن المؤثرات الصوتية الصاخبة لهوليوود قد أخرجتنا عن هذه النـصوص الكلاسيكية.

26.09.2007 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية عندما نقود آلية ونسير في الشوارع والطرقات ، ويصادفنا منعطف اونسعى إلى العودة لاي سبب ، هناك من يلتزم المسار بهدوء ، وهناك من “يكوّع” فجأة عند أول منعطف دون سابق إنذار. فالتكويع مصطلح شعبي مشتق من سلوك السائق الذي ينحرف بشكل مفاجئ دون إعطاء إشارة، لكنه في السياسة يكتسب…

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…