رفع الدعم عن المحروقات يعني رفع سقف الأسعار واتساع دائرة الفقر

  جريدة الوحدة (YEKÎTÎ)

 رغم أن القرار لم ينفذ حتى الآن، فان موضوع رفع أسعار المحروقات أصبح خياراً حتمياً على ما يبدو، ولم يترك للمواطنين سوى الاستعداد لمواجهة تبعاته القاسية لأنهم، وبحكم التجربة التي ورثتها الحكومات المتعاقبة التي اعتادت رفع الأسعار دون التشاور مع الناس المعنيين، لا يحق لهم تحت ضغط الاستبداد، الرفض أو القبول مثلما تقتضيه التقاليد الديمقراطية التي حرم منها المواطنون في بلادنا.
  ولأن القرار أصبح بحكم النافذ بانتظار الإعلان الرسمي، فان ما يثار في الشارع يدور الآن فقط حول الحوافز المادية البديلة لرفع الدعم ,والتي أرفقت بالقرار، في محاولة من جانب السلطة لتسويغه وتسويقه، حيث ادعت (بأن الدعم لن يلغى,وإنما سيذهب الى مستحقيه الفعليين) ,وهي أي الحكومة لا تزال مترددة حتى الآن بين شكلين من طرق التعويض عن ذلك الدعم ,هما :إما دفع مبلغ ألف ليرة سورية شهرياً لكل أسرة، او زيادة الرواتب بمعدل يتراوح بين 15-20%.

  وفي الحالتين يجمع المراقبون على أن هناك بوناً واسعاً بين النظرية والتطبيق , فاللجوء الى دفع مبلغ الألف ليرة شهرياً لا يراعي مثلاً الفرق بين حجم واحتياجات الأسرة الصغيرة والكبيرة، ويحتاج من جهة أخرى ,الى مراكز توزيع تزيد عن 1000مركز لتقديم هذه المنحة لـ3,4مليون أسرة سورية، إضافة الى أن هذا المبلغ ,رغم أهميته،  لا يعوض كل ما تخسره العائلة الواحدة من جراء ما يطرأ على أسعار المازوت والغاز من ارتفاع، أو ما يترتب على ذلك من ارتفاع أسعار بقية السلع والخدمات، ومنها الكهرباء على سبيل المثال والذي ظل فيه سعر الكليوواط محافظاً على 60قرش عندما لا يتجاوز الاستهلاك 400واط و والذي ارتفع سقفه حالياً الى 600كيلو واط، إلا أن هذا السعر أصبح سبع ليرات سورية للكيلو واط الواحد في القطاعات الإنتاجية التي تستهلك أكثر من 1000كيلو واط، مما ينعكس حتماً على أسعار منتجاتها والتي تدفع من جيوب المواطنين.


  أما زيادة الرواتب فهي قد تعوض بعض ما يخسره أصحاب الدخل المحدود من الموظفين والعاملين في القطاع العام، لكنها تترك العاملين في القطاع الخاص تحت رحمة القدر .
ويبقى المواطنون الأكراد المجردون من الجنسية والذين يقارب عددهم نصف مليون أكثر الضحايا الذين سيعانون مرارة الغلاء، حيث لن يكون لهم في كل الأحوال نصيب في الدعم المطروح بشكليه السابقين سوى الاكتواء بالغلاء الفاحش , مما يضيف لمعاناتهم التاريخية المزيد من الحرمان والظلم والاغتراب .
  ومما يزيد من عمق تلك المعاناة من الغلاء الذي لا يردعه شيء هو أن الحكومة وأجهزتها الرقابية أثبتت على الدوام عجزها عن إمكانية السيطرة على الأسواق وضبط الأسعار في مثل هكذا حالات .
  ولهذا فان القرار الذي قد يوفر حوالي 60مليار ليرة لخزينة الدولة، ولكن هذا المبلغ يجبى من المواطنين، وسوف تنعكس آثار القرار على مستوى المعيشة وستزيد من اتساع دائرة الفقر التي سوف تشمل حوالي خمس السكان ,فالمبلغ المذكور في حال توزيعه على الأسر السورية تكون حصة كل منها حوالي 18000ليرة سورية بدلاً من 12000 في العام .
  فإذا أضفنا لما تقدم، بأن القرار المذكور سوف تكون له انعكاسات كبيرة على ارتفاع نسبة التضخم وبالتالي إضعاف القيمة الشرائية لليرة السورية فان عدد المواطنين السوريين الذين سوف يعيشون دون خط الفقر سيزداد من مليونين إلى أربعة ملايين مواطن.


  وبالعودة الى المسوّغات التي تدرجها الحكومة لتبرير هذا القرار فإنها إذا كانت تريد فعلاً معالجة الهدر الكبير في المشتقات النفطية والتصدي لظاهرة التهريب الناجمة عن فرق الأسعار مع دول الجوار,فإن المشكلة الأساسية تكمن في الأزمة الاقتصادية العامة الناجمة عن تفشي الفساد الذي يتسبب في حرمان الميزانية من أموال طائلة نتيجة التهرب الضريبي وهدر المال العام وعمليات النهب في القطاع العام .
  ومن هنا، فإن القرار الذي يأتي في وقت ينتظر فيه المواطنون تحسين أوضاعهم المعاشية من خلال توفير فرص العمل ومكافحة البطالة والعمل على خلق آلية متطورة توافق بين الأجور والأسعار، وتضع حدا للغلاء الفاحش، يتعارض مع متطلبات الأمن الاجتماعي والاقتصادي، ويسئ للوحدة الوطنية التي تعني قبل كل شيء تعزيز الثقة بين المجتمع والدولة ,تلك الثقة التي اهتزت على مر التجارب العديدة التي كانت الأجور فيها ترتفع بمثل واحد، لتقابلها زيادة الأسعار بمثلين أو أكثر، فكيف يمكن للحكومة ضبط هذه الأسعار في الوقت الذي يرتفع فيه سعر المازوت بنسبة 40%وترتفع نسبة التضخم الى حوالي 14%… ………………………..

؟؟؟؟.

—-

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…