الطفل المكتوم محروم من العلم

  عبد الحليم سليمان عبد الحليم

مع بداية كل عام دراسي جديد ينطلق أولياء أمور الأطفال لتسجيل أبنائهم الصغار في المدارس بما فيهم الأطفال المواطنين (حاملي الجنسية العربية السورية) و الأجانب الذين يتم قبولهم و تسجيلهم في المدارس بعد حصولهم على إخراج قيد فردي يؤكد هويتهم بينما الأطفال المكتومين من القيد المدني – أصحاب شهادة التعريف المشهورة بسوئها – لا يتمكنون من الحصول على القبول في المدارس إلا بعد شهر و نصف أو أكثر من افتتاحها  وهذه الفترة هي فقط مدة انتهاء معاملة القبول من التربية
أما في هذه الأثناء يكون الطفل المكتوم القيد خارج أسوار المدرسة وبعيد عن أقرانه الأطفال و محروم من العلم و التعلُّم في الصف الأول من مرحلة التعليم الأساسي أي في اللبنة الأولى من حياته الدراسية و بدلاً من أن ينقش العلم و المعرفة في قلب و عقل هذا الطفل البريء ينقش الحرمان و التمييز فيهما و في اللحظات الأولى من هذه الانطلاقة المعرفية هذا إن أكملها و لم تسبب له هذه الصفة النادرة فشلاً دراسياً وحياتياً و فجوة معرفية سرعان ما تتحول إلى فشل أكبر يصبح صاحبها حاملاً لعقدة الدراسة على مدى حياته و قد يورثها لأبنائه.
هذا الشهر والنصف الذي ينتظر فيه الطفل المكتوم قبولاً بالدراسة من التربية بعدما أن يقدم طلباً للتوجيه المدرسي و من ثم يحال هذا الطلب إلى مديرية التربية و هي بدورها تحيله إلى الأجهزة الأمنية لطلب الموافقة الأمنية و لا سيما موافقة الأمن السياسي الذي يحقق مع ولي أمر الطفل ليتأكد من هوية الوالد و ابنه الصغير و من ثم قد ينال الموافقة بعد الإجابة على أسئلة روتينية من قبيل ما هو اسمك و أسماء أفراد العائلة بالكامل ومن هم أقربائك من الدرجة الأولى و الثانية و غيرها ومتى أتيت من تركيا إلى سوريا – وهنا ليس بالضرورة أن تكون الإجابة على هذا السؤال موجودة – وهل تنتمي إلى أحزاب كوردية و قد ينتهي سيل هذه الأسئلة بأن يطلب من ولي أمر الطفل المكتوم التعاون مع هذه الجهة الأمنية أو تلك و كثيراً ما يُزيَّل التحقيق بدفع هذا الولي ثمن وجبة غداء للمحقق  ليحصل على موافقة حسن سلوك تخول ابنه الصغير القبول في الصف الأول.
هذه المدة الطويلة التي يقضيها الطفل ربما في الشارع أو في بيت أهله أو في أي مكان آخر و لكن خارج صفوف الدراسة لا تهم لا الجهات الأمنية و لا الجهات التربوية ربما ما عدا إدارة المدرسة التي تتعاطف مع هذا الطفل نتيجة ملامستها لهذه الحالة عن قرب قناعتها التامة بتضرر هذا الطفل من هذا الانقطاع الطويل من المدرسة في هذه الفترة المهمة و التي يدفع ضريبتها طفل يُغرس في قلبه لوعة الحرمان و الجهل و التمييز.

و لكن ألا يمكن إيجاد حل جذري لهذه المشكلة يعيد للإنسان المكتوم و أبنائه كرامتهم و يحقق لهم التمتع بكافة حقوقهم الإنسانية المشروعة بما فيها حق التعليم دون عوائق وحواجز حيث طبيعة الإنسان الآدمية  بغنى عن هذه الموانع؛ لذا على كافة المنظمات الحقوقية السورية المطالبة برفع هذا المانع البيروقراطي و الأمني عن عقل الطفل الكردي المكتوم و السماح له على الأقل بالدوام في المدرسة منذ اللحظات الأولى للدوام المدرسي ريثما تصل الموافقة الأمنية العتيدة إلى إدارة المدرسة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…