لا بديل عن العمل المشترك !!

افتتاحية جريدة آزادي *
بقلم : رئيس التحرير

لا يخفى على أحد ما تشهدها منطقة الشرق الأوسط من صراعات حادة ومتشعبة بين مختلف القوى والاتجاهات ، تتسع دائرتها يوما بعد آخر متخذة أبعادها الإقليمية والدولية ، لتتسم بطابع حدي احتدامي بين قوى التغيير والتحول الديمقراطي من جهة وبين القوى الظلامية والتكفيرية والاستبدادية المناهضة لها من جهة أخرى ، ويبدو أن الحالة القائمة ُتدفع نحو الاشتداد أكثر فأكثر قد تفضي إلى مخاطر أو نتائج مأساوية لا تحمد عقباها ، ولاشك أن الأنظمة الاستبدادية والشمولية في المنطقة هي التي تتحمل مسؤولية هذه النتائج إذا ما وقعت  وعواقبها بالدرجة الأساس..

 

    وأمام هذا الوضع المتشابك المتميز بتعقيداته ، وفي سياق الصراعات المتداخلة  تلك التي تأخذ سوريا موقع الصدارة فيها، فإن مهام ومسؤوليات جديدة بتفرعاتها تقع على عاتق القوى الوطنية والديمقراطية بما فيها الحركة الكردية بأطرها وفصائلها لأنها جزء من الحركة الوطنية والديمقراطية  وبما تحمل من عوامل خصوصيتها القومية ، وفي مقدمة هذه المهام  ترتيب البيت الوطني عبر الحوار الجاد والمسؤول على طريق بناء التوافق الوطني العريض الهادف إلى وضع الأسس لتوفير مستلزمات التفاعل مع عملية التغيير والتحول الديمقراطي ودفع وتيرتها في بلدنا بخطى أوسع وأسرع إلى الأمام وعلى أساس درء البلاد المخاطر والويلات ، وبما يحقق العدل والمساواة بين الجميع دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو الانتماء السياسي ، وضمان مساهمة الجميع في خدمة البلاد وتطورها..
لكن ، لا خلاف على أن واقع القوى السياسية الوطنية والديمقراطية في البلاد هو دون الحد الأدنى من الاستعداد اللازم للتجاوب مع المرحلة وطبيعتها وسماتها إن لم نقل خلاف ذلك، كونها(القوى ..) تفتقر إلى الحوارات العميقة المتحررة من المواقف المسبقة أو من رواسب الفكر الاستعلائي أو مؤثرات الثقافة الاستبدادية التي تشكل العوائق والعراقيل في طريق إنجاز المهام أو تحقيق التوافق المنشود الذي ينبغي الإسراع في إنجازه ما أمكن ..
وإزاء هذه الحالة لابد من العمل المشترك و تفعّله على الصعيدين القومي والوطني، فالحركة الكردية في سوريا برمتها وخصوصا أطرها الثلاث (التنسيق ، الجبهة ، التحالف) مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى التفاهم ومواصلة حواراتها بأناة وشحذ الهمم  بعيدا عن المناورة والمراوغة بغية استكمال أسس وشروط بناء المرجعية الكردية وإعلان المنجز منها أولا بأول وفي المقدمة منها إعلان الرؤية المشتركة المتفق عليها من لدن الأطراف المعنية ، على غرار ما تم منذ البدء حيث إعلان محضر الجلسة المشتركة الأولى بهذا الخصوص تلك التي حددت مسودة الرؤية للمناقشة وقبول مبدأ المرجعية الكردية ، لأن لا ضير من الإعلان مطلقا، بل قد يكون إعلان خطوة تمهيد أو عامل مساعد لإنجاز خطوة أخرى أكبر وتأكيد لجدية ومصداقية الأطراف المتحاورة، أما أن تكون هناك شروط مسبقة أو مساعي باتجاه فرض الآراء والمواقف فهذا ما يتعارض مع مبدئي الحوار والتوافق لإنجاز المطلوب، ومن الجدير ذكره هنا موضوع ربط إعلان الرؤية المشتركة المنجزة كشرط بقبول مبدأ المؤتمر الوطني الذي ينبغي (حسب رأيهم) تأسيس المرجعية عبره ، في حين لم يتم إقرار هكذا مؤتمر كخيار وحيد لبناء المرجعية ربما أثير كأحد الخيارات، مع العلم أننا لم نكن يوما بصدد رفض المؤتمر لأننا لم نناقشه سابقا ، أما المثير للدهشة هو الربط أو التلازم الشديد بين إعلان الرؤية وقبول خيار المؤتمر من دون نقاش، في حين أن الرؤية المشتركة هي وثيقة سياسية تم إنجازها، و طرحت فكرتها بعيد إعلان دمشق ولم تكن فكرة المرجعية الكردية قائمة آنذاك، ومع هذا نبغي لشركائنا في العمل والمصير أن نسعى معا لإنجاز ما يمكن تحقيقه في هذا المضمار بهمّة أعلى وجدية أقوى ، من جانب آخر قد يكون إنجاز أي عمل توافقي بين الأطراف الأكثر تقاربا عبر حوارات موازية عاملا مساعدا للتقارب بين المجموع المتحاور ، بمعنى أن الوقت يداهمنا جميعا وأن المهام والمسؤوليات تنتظرنا لأن لا يمكن لأي طرف أو فصيل بمفرده التصدي لها مهما بلغ من القوة والمنعة ، بل يقتضي التعاضد والتكاتف بروح المسؤولية الجماعية المعهودة ..
أما الحركة الوطنية الديمقراطية بما تشمل القوى السياسية والفعاليات والأنشطة المدنية والحقوقية والنسائية والعمالية..الخ التي تشكل الوعاء الأوسع للتفاعل الوطني، كونها الرافعة الأساسية للمهام المستجدة الرامية إلى التحول والتغيير السلمي الديمقراطي إلا أنها – وبحسب آراء بعض المراقبين والمحللين- تحتاج إلى صقل المفاهيم والمواقف عبر التأسيس لثقافة التغيير التي نفتقر إليها جميعا، إذ لا يمكن الجمع بين العمل من أجل التغيير والتعامل برواسب ومؤثرات الثقافة الاستبدادية التي تميل إلى الأفول، كما لا يمكن الجمع بين رفض الاستبداد وإنكار الحقوق ولاسيما القومية على الآخرين ..
من هنا، ومن منطلق متطلبات المرحلة، ومن واقع الصراع المنوه إليه أعلاه القائم والمحتدم والذي يميل نحو التغيير الديمقراطي ليقتضي تضافر الجهود والإمكانيات عبر الأطر المشتركة القومية منها والوطنية وفق منهجية واضحة ودقيقة وبرنامج الخطوط العريضة التي تقر بالحقوق وتوفر الحماية الدستورية لها وتحدد الواجبات وتكفل الحريات الديمقراطية وتؤسس لدولة الحق والقانون، تلغي الاستبداد والاستعلاء القومي، والتأسيس لحياة سياسية جديدة على أساس الإقرار بالتعددية القومية والدينية والسياسية ، ووضع الحلول الناجعة لكافة المعضلات الوطنية ، والاعتراف الدستوري بواقع وجود الشعب الكردي على أرضه التاريخية وحل قضيته القومية في إطار وحدة البلاد وبما يساهم في تطورها وتقدمها ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* افتتاحية العدد 389 – شهر أيلول 2007م،  لجريدة آزادي التي يصدرها مكتب الثقافة والإعلام لحزب آزادي الكردي في سوريا

لتنزيل كامل العدد (389) من جريدة آزادي انقر هنا azadi_389

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…