محمد قاسم (ابن الجزيرة)
نعاقب الإنسان في فكره وفي سلوكه، أم نعاقب الفكر المجرد (من دون إنسان)..؟ أم نعاقب (السلوك المتصور-الخيالي)..؟؟
بلا شك كل إنسان يعلم أن الكون تعمره كائنات مختلفة (حيوان- نبات- جماد..) وعلى رأسه الكائن البشري الذي يعمر الكون من خلال عقلنته (وعيه وتنظيمه-والعمل وفق غاية له..
في الأداء، والشعور بالمشاركة الفعلية في تكوينه..الخ).
من هنا فإن أي خطأ يحدث في الكون فهو مسؤولية الكائن الإنساني أساسا…
صحيح أن هناك قوى طبيعية لا تزال خارج سيطرته (عواصف-أعاصير- تحديات في البحر وفي الأرض وفي السماء ولكن الكثير منها عولج من خلال تطور التقنية لصالح الإنسان- كوارث بيئية بدرجة عليا براكين، عواصف، إعصار..الخ).
والصحيح أيضا أن للإنسان يد في مدى هذه القوى وفعاليتها في التأثير سلبا أو إيجابا.
فمثلا، عندما يحسن الإنسان اختيار موقع مدينته يجنبه ذلك كثيرا من تأثيرات هذه القوى الطبيعية الخارجة عن السيطرة بتجنب تأثيراتها الضارة.
وعندما يصرف جهدا في اكتشاف أسرار الطبيعة، فإنه يبتكر وسائل لمعالجة مشاكلها ومنها، توفير الأمن الغذائي وغيره.
وعندما ينشر الوعي عبر التعليم – والأهم عبر تربية مدروسة وفق قيم متعارف عليها (متفق عليها)- فإن ذلك يجنب بني البشر كثيرا من النظرة المتوجسة أو العدائية أو المتوترة غيرها..
إذا هناك قدر (مساحة) كبير من حرية الحركة (العمل) في يد الإنسان لتعامل صحيح (سليم) مع هذا الواقع (الطبيعة) بكل مكوناته الإيجابية والسلبية وفق ما يعود على البشر بالسلم والأمن وعلاقات مرنة متطورة، وبالتالي فإن دور الإنسان (مسؤوليته) كبير في الحياة.
ولعل هذا ما كانت تشير إليه الآية القرآنية ((كل أولئك كان عنه مسؤولا))، وبالطبع هناك الكثير من الآيات الدالة على مسؤولية الإنسان عن ((الأمانة)) ((وحملها الإنسان وكان ظلوما جهولا)).
وعند هذا المعنى أود أن أشير إلى فهم خاص – لي- لهذه الآيات – ولا أدري تماما إذا كنت موفقا فيه – هذا الفهم يبنى على الدور التوجيهي والإرشادي للآيات، لا على حكم وتفويض كما يطبع ذلك النفس لدى بعض المفسرين(أغلبهم).
فمثلا :
إن تفسير هذه الآية والآيات مثلها، هو في وصف كون الإنسان غير كامل، وبالتالي عاجز أحيانا كثيرة في وعي مصلحته بسبب جهله، ولكن هذا لا يعني أن إمكانية التطور غير موجودة لديه، ولا أن تجاوز الحالة إلى أقصى درجاته ممكنة، ففي أماكن أخرى هناك آيات تشير بوضوح إلى مثل هذا المعنى.
الإنسان كائن قابل للتغير( للتطور) في كل اتجاه- شرا أو خيرا، علما أو جهلا، سلما أو حربا..الخ- وهذه الإمكانية تفتح له أبواب التطور إذا امتلك مفاتيحه (أسراره).
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر هذا قول منسوب إلى أفضل من يمثل الإسلام فهما، استدلالا، وعلما فيه، وعملا به، وهو: الخليفة الرابع :علي بن أبي طالب-كرم الله وجهه- بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا البيت معنى يشير إلى أن الإنسان (طاقة كبرى أكثر مما يظن).
وقد أيد تطور العلم هذا، إذ اخترق الإنسان بعلمه، أجواف البحار، وأعماق الأرض، وطبقات السحب والأفلاك (بل إن الإنسان لم يشغل من طاقة دماغه سوى10-6 %.كما يجزم به العلماء المختصون.أي أن أكثر 90% من طاقة الدماغ لديه لم تستخدم بعد.
يقول سبحانه وتعالى: ((ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)) لا أعتقد أن التقويم الحسن هنا يختص فقط بالشكل أو الجسم.
بل إنه- كما أفهم- تقويم يشمل كل ما لدى الإنسان من مكونات، وطاقات، نستشف منها دوما، المرونة، والقدرة على التغيير نحو الحسن، إذا اتبعت سنن الطبيعة، وفهمت أسرار التوجيه الإلهي.
(فالرسول الذي يمثله على الأرض ليس سوى بشير ونذير.
((وما أرسلناك إلا بشيرا ونذيرا)) و((إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)).
نوع من النفي لقدرة الإنسان في التأثير من طرف واحد، بل ينبغي أن يكون التأثير من الطرفين، (الرسول”من الله” والمرسل إليه”البشر”).
ولا يملك الرسول حسابا خارجا عن سنن الكون الطبيعية في العلاقات البشرية – سلما أو حربا- لذا فإن فهم الأمور (على طريقة سلب الإرادة البشرية، أو الحكم على الإنسان – دوما- بالقصور، وجعله في ظرف مسلوب الفهم واتخاذ اختياره إلا عبر وسطاء مثله، ربما يفوقونه علما ولكنهم لا يفوقونه حقا بشريا مشتركا (إرادة –وعي-اختيار ..الخ) هذا الفهم هو فهم مختزل (فهم يصادر حق الآخرين المماثلين له).
وهذا لا يعني البتة أنه كامل، ولا يحتاج للأخذ باليد بل يعني أن خاصية التغير والتطور عبر أسلوب مرن هو حق لا يمكن سلبه (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وأما الحساب فهو عند الله.
لا يستطيع كائن بشري –أيا كان –تقرير المصير الإنساني عند الله، سوى الإشارة إلى معايير يحكم بها فعل الإنسان.
وحتى المعايير نفسها غير دقيقة لوجود الظاهر والباطن في حياة الإنسان.
فإن استطاع تحديد المعايير للسلوك الظاهري فأين له ذلك في السلوك الباطني-إذا جاز التعبير- إن معرفة سرائر القلوب هو الله وحده.
وهو وحده يحكم الحكم الصحيح على مصير الكائن البشري، إن كان من أهل الجنة أو من أهل النار.
وقصة الصحابي الذي قتل كافرا بعد الشهادة معروفة عندما قال إنه فعل ذلك تقية من الموت، فقال الرسول(ص) أ وكنت في سره؟(أو قلبه؟).
ولم يرسل الله احدا وكيلا له –كما يتصرف البعض- ليمارس هذه الوكالة بتفويض إلهي، على الأقل في الشريعة الإسلامية، (إن أنا إلا بشر مثلكم يوحى إلي).
ونحن نعلم جميعا بان الوحي انتهى باعتبار أن محمدا هو آخر الأنبياء(خاتم الرسل).
وما قول الرسول (العلماء ورثة الأنبياء) سوى إشعارهم بمسؤوليتهم تجاه إرشاد المجتمع في حدود ما حدد الله (وما أرسلناك إلا بشيرا ونذيرا) أي عمل نظري لا يتعدى إلى إهانة الناس، أو مصادرة حقوقهم في التفكير، واتخاذ القرار، وتحديد مصيرهم بأنفسهم مع ملاحظة أن بشيرا يسبق نذيرا في الموقع ضمن الآية.
الحرية أساس صحة الاعتقاد، ولكل امرئ ما نوى، الإسلام يعتمد الظاهر لا التأويلات الذاتية واعتبارها أحكاما أو قرارات ..الخ.
(الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى)حديث شريف.
يمكننا – بحسب تصوري أو فهمي- أن نعتبر الحياة دائرتان ( أو شقان) إحداهما كبيرة، والثانية أصغر وضمن الأولى، بما يشبه في المنطق، الجنس والنوع (دائرة الحياة الدنيوية ضمن دائرة الحياة الأخروية).
الحياة الآخرة هي جنس، والحياة الدنيا هي نوع (جزء من الجنس).
ولكل حياة منهما قوانينها، ولكنها مرتبطة بشكل أو بآخر مع قوانين الحياة الأخرى.
نوع من التكامل بين قوانين النوعين من الحياة (الدنيا والآخرة).
فمثلا إذا فهمنا بان ما ورد من توجيهات وتعليمات وأوامر في الدنيا فهي من الله، والغاية منها أن يستوعبها الإنسان بحسب طبيعته الإنسانية، ويؤمن بها بعد وعي لها، ويطبقها وفق ما يفهم-وبحسب قدراته.
(ولا يحق لأحد أن يفرض فهمه على الآخرين لتطبيقه مهما كان) ما دامت اللغة التي ينطق البشر بها هي معيار الفهم في الحصيلة وهو ما يسمى بـ(النص).
وربما أمكن تفسير فهم ما سبق بالخاتمة التي كان العلماء القدماء من المسلمين يختمون بها شروحهم وتفسيراتهم، وهو ((والله أعلم بمراده)).
انظر جميع ما كتبه القدماء فستجده مختوما بهذه العبارة أو مثلها، وهي دلالة قاطعة على اعتراف بأنه (العالم) إنما يعكس فهمه الخاص، ولا يفرضه على الغير مادام هو نفسه يقر بأنه قد لا يوفق إلى المراد من الله، ويهرب من مسؤولية إدعاء ذلك، فالفهم هنا-إذا – نسبي وليس مطلقا، ولا يدعي احد ذلك صراحة، وإن كان البعض يطبقها واقعيا بدوافع نفسية، قد تكون غرورا بالعلم، وقد تكون مصلحة، وقد يكون شعورا بالحق، ولكنه يبقى شعورا نفسيا لا يرقى إلى مرتبة اليقين.
(حالة ذاتية في الفهم ).
مع الاحترام الشديد للمقدرة العلمية والمعرفية التي يتمتع بها بعض العلماء الأجلاء، والذين يظلون صوى نهتدي بها إلى حد بعيد كورثة للأنبياء في الفهم والشرح والتفسير..!
هكذا فهمت الإسلام..!
فهمته دينا أنزله الله على عباده بفهم مرن، يحتوي القدرات المتفاوتة للبشر، ويؤجل حسابهم إلى يوم الآخرة، حيث قوانينها الخاصة أيضا، والحكم فيها هو الله وحده.
أي أن كل ما يوجد في الإسلام كدين منذ العقيدة وحتى العبادات والمعاملات تخضع لهذا المعنى.
وفي الدنيا المعيار هو العقل، وقوانين العقل باعتباره أداة فهم مشترك بين البشر جميعا، يتفقون على أحكامه بتوفر المستوى العلمي، الذي يجعل الفهم كافيا لأسسه، وضوابطه، وهي ما يحصل بالدراسة والتحصيل، وهي المساحة التي يتحرك فيها الإنسان بوعي يخضع للمقاييس المنطقية المشتركة بين البشر جميعا، فكما يقول احد الحكماء ربما كان المرحوم الدكتور أنطون مقدسي: على صعيد العقل يلتقي البشر.
ولا ينفي هذا دور القوى النفسية المؤازرة بهذا الشكل أو ذاك.
ولكن العقل يبقى العنصر المحوري والحيوي في قضايا الفهم والاستيعاب وما يتعلق بها.
والصحيح أيضا أن للإنسان يد في مدى هذه القوى وفعاليتها في التأثير سلبا أو إيجابا.
فمثلا، عندما يحسن الإنسان اختيار موقع مدينته يجنبه ذلك كثيرا من تأثيرات هذه القوى الطبيعية الخارجة عن السيطرة بتجنب تأثيراتها الضارة.
وعندما يصرف جهدا في اكتشاف أسرار الطبيعة، فإنه يبتكر وسائل لمعالجة مشاكلها ومنها، توفير الأمن الغذائي وغيره.
وعندما ينشر الوعي عبر التعليم – والأهم عبر تربية مدروسة وفق قيم متعارف عليها (متفق عليها)- فإن ذلك يجنب بني البشر كثيرا من النظرة المتوجسة أو العدائية أو المتوترة غيرها..
إذا هناك قدر (مساحة) كبير من حرية الحركة (العمل) في يد الإنسان لتعامل صحيح (سليم) مع هذا الواقع (الطبيعة) بكل مكوناته الإيجابية والسلبية وفق ما يعود على البشر بالسلم والأمن وعلاقات مرنة متطورة، وبالتالي فإن دور الإنسان (مسؤوليته) كبير في الحياة.
ولعل هذا ما كانت تشير إليه الآية القرآنية ((كل أولئك كان عنه مسؤولا))، وبالطبع هناك الكثير من الآيات الدالة على مسؤولية الإنسان عن ((الأمانة)) ((وحملها الإنسان وكان ظلوما جهولا)).
وعند هذا المعنى أود أن أشير إلى فهم خاص – لي- لهذه الآيات – ولا أدري تماما إذا كنت موفقا فيه – هذا الفهم يبنى على الدور التوجيهي والإرشادي للآيات، لا على حكم وتفويض كما يطبع ذلك النفس لدى بعض المفسرين(أغلبهم).
فمثلا :
إن تفسير هذه الآية والآيات مثلها، هو في وصف كون الإنسان غير كامل، وبالتالي عاجز أحيانا كثيرة في وعي مصلحته بسبب جهله، ولكن هذا لا يعني أن إمكانية التطور غير موجودة لديه، ولا أن تجاوز الحالة إلى أقصى درجاته ممكنة، ففي أماكن أخرى هناك آيات تشير بوضوح إلى مثل هذا المعنى.
الإنسان كائن قابل للتغير( للتطور) في كل اتجاه- شرا أو خيرا، علما أو جهلا، سلما أو حربا..الخ- وهذه الإمكانية تفتح له أبواب التطور إذا امتلك مفاتيحه (أسراره).
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر هذا قول منسوب إلى أفضل من يمثل الإسلام فهما، استدلالا، وعلما فيه، وعملا به، وهو: الخليفة الرابع :علي بن أبي طالب-كرم الله وجهه- بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا البيت معنى يشير إلى أن الإنسان (طاقة كبرى أكثر مما يظن).
وقد أيد تطور العلم هذا، إذ اخترق الإنسان بعلمه، أجواف البحار، وأعماق الأرض، وطبقات السحب والأفلاك (بل إن الإنسان لم يشغل من طاقة دماغه سوى10-6 %.كما يجزم به العلماء المختصون.أي أن أكثر 90% من طاقة الدماغ لديه لم تستخدم بعد.
يقول سبحانه وتعالى: ((ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)) لا أعتقد أن التقويم الحسن هنا يختص فقط بالشكل أو الجسم.
بل إنه- كما أفهم- تقويم يشمل كل ما لدى الإنسان من مكونات، وطاقات، نستشف منها دوما، المرونة، والقدرة على التغيير نحو الحسن، إذا اتبعت سنن الطبيعة، وفهمت أسرار التوجيه الإلهي.
(فالرسول الذي يمثله على الأرض ليس سوى بشير ونذير.
((وما أرسلناك إلا بشيرا ونذيرا)) و((إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)).
نوع من النفي لقدرة الإنسان في التأثير من طرف واحد، بل ينبغي أن يكون التأثير من الطرفين، (الرسول”من الله” والمرسل إليه”البشر”).
ولا يملك الرسول حسابا خارجا عن سنن الكون الطبيعية في العلاقات البشرية – سلما أو حربا- لذا فإن فهم الأمور (على طريقة سلب الإرادة البشرية، أو الحكم على الإنسان – دوما- بالقصور، وجعله في ظرف مسلوب الفهم واتخاذ اختياره إلا عبر وسطاء مثله، ربما يفوقونه علما ولكنهم لا يفوقونه حقا بشريا مشتركا (إرادة –وعي-اختيار ..الخ) هذا الفهم هو فهم مختزل (فهم يصادر حق الآخرين المماثلين له).
وهذا لا يعني البتة أنه كامل، ولا يحتاج للأخذ باليد بل يعني أن خاصية التغير والتطور عبر أسلوب مرن هو حق لا يمكن سلبه (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وأما الحساب فهو عند الله.
لا يستطيع كائن بشري –أيا كان –تقرير المصير الإنساني عند الله، سوى الإشارة إلى معايير يحكم بها فعل الإنسان.
وحتى المعايير نفسها غير دقيقة لوجود الظاهر والباطن في حياة الإنسان.
فإن استطاع تحديد المعايير للسلوك الظاهري فأين له ذلك في السلوك الباطني-إذا جاز التعبير- إن معرفة سرائر القلوب هو الله وحده.
وهو وحده يحكم الحكم الصحيح على مصير الكائن البشري، إن كان من أهل الجنة أو من أهل النار.
وقصة الصحابي الذي قتل كافرا بعد الشهادة معروفة عندما قال إنه فعل ذلك تقية من الموت، فقال الرسول(ص) أ وكنت في سره؟(أو قلبه؟).
ولم يرسل الله احدا وكيلا له –كما يتصرف البعض- ليمارس هذه الوكالة بتفويض إلهي، على الأقل في الشريعة الإسلامية، (إن أنا إلا بشر مثلكم يوحى إلي).
ونحن نعلم جميعا بان الوحي انتهى باعتبار أن محمدا هو آخر الأنبياء(خاتم الرسل).
وما قول الرسول (العلماء ورثة الأنبياء) سوى إشعارهم بمسؤوليتهم تجاه إرشاد المجتمع في حدود ما حدد الله (وما أرسلناك إلا بشيرا ونذيرا) أي عمل نظري لا يتعدى إلى إهانة الناس، أو مصادرة حقوقهم في التفكير، واتخاذ القرار، وتحديد مصيرهم بأنفسهم مع ملاحظة أن بشيرا يسبق نذيرا في الموقع ضمن الآية.
الحرية أساس صحة الاعتقاد، ولكل امرئ ما نوى، الإسلام يعتمد الظاهر لا التأويلات الذاتية واعتبارها أحكاما أو قرارات ..الخ.
(الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى)حديث شريف.
يمكننا – بحسب تصوري أو فهمي- أن نعتبر الحياة دائرتان ( أو شقان) إحداهما كبيرة، والثانية أصغر وضمن الأولى، بما يشبه في المنطق، الجنس والنوع (دائرة الحياة الدنيوية ضمن دائرة الحياة الأخروية).
الحياة الآخرة هي جنس، والحياة الدنيا هي نوع (جزء من الجنس).
ولكل حياة منهما قوانينها، ولكنها مرتبطة بشكل أو بآخر مع قوانين الحياة الأخرى.
نوع من التكامل بين قوانين النوعين من الحياة (الدنيا والآخرة).
فمثلا إذا فهمنا بان ما ورد من توجيهات وتعليمات وأوامر في الدنيا فهي من الله، والغاية منها أن يستوعبها الإنسان بحسب طبيعته الإنسانية، ويؤمن بها بعد وعي لها، ويطبقها وفق ما يفهم-وبحسب قدراته.
(ولا يحق لأحد أن يفرض فهمه على الآخرين لتطبيقه مهما كان) ما دامت اللغة التي ينطق البشر بها هي معيار الفهم في الحصيلة وهو ما يسمى بـ(النص).
وربما أمكن تفسير فهم ما سبق بالخاتمة التي كان العلماء القدماء من المسلمين يختمون بها شروحهم وتفسيراتهم، وهو ((والله أعلم بمراده)).
انظر جميع ما كتبه القدماء فستجده مختوما بهذه العبارة أو مثلها، وهي دلالة قاطعة على اعتراف بأنه (العالم) إنما يعكس فهمه الخاص، ولا يفرضه على الغير مادام هو نفسه يقر بأنه قد لا يوفق إلى المراد من الله، ويهرب من مسؤولية إدعاء ذلك، فالفهم هنا-إذا – نسبي وليس مطلقا، ولا يدعي احد ذلك صراحة، وإن كان البعض يطبقها واقعيا بدوافع نفسية، قد تكون غرورا بالعلم، وقد تكون مصلحة، وقد يكون شعورا بالحق، ولكنه يبقى شعورا نفسيا لا يرقى إلى مرتبة اليقين.
(حالة ذاتية في الفهم ).
مع الاحترام الشديد للمقدرة العلمية والمعرفية التي يتمتع بها بعض العلماء الأجلاء، والذين يظلون صوى نهتدي بها إلى حد بعيد كورثة للأنبياء في الفهم والشرح والتفسير..!
هكذا فهمت الإسلام..!
فهمته دينا أنزله الله على عباده بفهم مرن، يحتوي القدرات المتفاوتة للبشر، ويؤجل حسابهم إلى يوم الآخرة، حيث قوانينها الخاصة أيضا، والحكم فيها هو الله وحده.
أي أن كل ما يوجد في الإسلام كدين منذ العقيدة وحتى العبادات والمعاملات تخضع لهذا المعنى.
وفي الدنيا المعيار هو العقل، وقوانين العقل باعتباره أداة فهم مشترك بين البشر جميعا، يتفقون على أحكامه بتوفر المستوى العلمي، الذي يجعل الفهم كافيا لأسسه، وضوابطه، وهي ما يحصل بالدراسة والتحصيل، وهي المساحة التي يتحرك فيها الإنسان بوعي يخضع للمقاييس المنطقية المشتركة بين البشر جميعا، فكما يقول احد الحكماء ربما كان المرحوم الدكتور أنطون مقدسي: على صعيد العقل يلتقي البشر.
ولا ينفي هذا دور القوى النفسية المؤازرة بهذا الشكل أو ذاك.
ولكن العقل يبقى العنصر المحوري والحيوي في قضايا الفهم والاستيعاب وما يتعلق بها.
هكذا –على الأقل –أفهم أنا هذه القضية وليعذرني الله إن أخطأت (فالمجتهد مصيبا له أجران والمجتهد مخطئا له اجر واحد) معنى حديث للرسول صلى الله عليه وسلم.