التقرير السياسي الشهري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

    تمر منطقة الشرق الأوسط بمرحلة دقيقة يصعب معها تحديد اتجاه التطورات القادمة، حيث تتداخل طبول الحرب مع دعوات السلام، بعد أن وصلت حالة اللاحرب واللاسلم، القائمة منذ فترة غير قصيرة، إلى مفترق الطرق نتيجة تعقّد الملفّات المتعلقة ببؤر التوتر الأساسية في لبنان وفلسطين والعراق، وحاجتها للحسم سواء عن طريق التسوية السلمية آو التصعيد العسكري، فالإدارة الأمريكية قررت استضافة اجتماع دولي تدعو إليه إطراف الصراع في الشرق الأوسط، وخاصة الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن عدم توصل الجانبين حتى الآن إلى الاتفاق على إطار واضح للحل النهائي لا يساعد على ارتفاع مستوى التفاؤل بنتائج مقبولة
رغم الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية لاستثمار ما يمكن أن يتمخض عن هذا الاجتماع لزيادة الرصيد الانتخابي للحزب الجمهوري، الذي يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية العام القادم، وكذلك لإعادة المصداقية للسياسة الأمريكية، وقطع الطريق أمام أحد المصادر الأساسية التي يتغذى منها الإرهاب الذي يتخذ من القضية الفلسطينية غطاء لتجنيد العديد من البسطاء..لكن إلى جانب الدعوة لهذا الاجتماع، فقد تصاعدت في الأيام الأخيرة لهجة التلويح بضربة عسكرية ضد مواقع إيرانية حساسة، وذلك بالتوازي مع الحديث عن عقوبات جديدة ضد طهران، ودخلت فرنسا على خط التصعيد عبر وزير خارجيتها (كوشنير) الذي دعا إلى فرض عقوبات أوربية ضد إيران خارج إطار الأمم المتحدة، ودعا المجتمع الدولي إلى توقع حرب عليها، خاصة بعد أن تجمّعت العديد من المؤشّرات الدالة، مثل مضاعفة الانتشار العسكري في المنطقة الخليج، بما فيها حاملات الطائرات، ونشر نظام صواريخ الباتريوت، إضافة إلى استمرار الوجود العسكري في العراق لأمد مفتوح بناءً على توصية تقرير كروكر- بترايوس، لكن، وبسبب حجم المخاطرة في ضرب إيران عسكريا، وانعكاساتها على منطقة الخليج الهامة،واحتمالات انتشارها إلى مناطق أخرى، تتورط  بها جهات إقليمية عديدة، فان الجبهة السورية الإسرائيلية قد تشهد تصعيداً خطيراً..ومن هنا يمكن تفسير أسباب خرق الطيران الإسرائيلي للأجواء السورية، وقصف موقع عسكري هام مما أثار تساؤلات كثيرة في هذا التوقيت ونقل رسالة تحمل العديد من المعاني، يأتي في مقدمتها: الإيحاء بأن إسرائيل تخلصت من عقدة حرب تموز 2006 وأعادت الاعتبار لنظرية الردع الإسرائيلي ، واختبار فعالية شبكة الدفاع الجوي، والتدريب على إيجاد ممر جوي إلى إيران في حال قررت الإدارة الأمريكية وإسرائيل توجيه ضربة جوية إلى منشآتها النووية، والضغط على سوريا للتخلي عن تحالفها مع إيران وحزب الله، إضافة إلى أهداف أخرى أرادت منها إسرائيل إحراج الحكومة التركية الجديدة بقيادة حزب العدالة والتنمية، وذلك باستخدام الأجواء والأراضي التركية في عملية الخرق..

ورغم أن القيادة الإسرائيلية استهدفت موقعاً مهماً،حسب تقديرات المراقبين، فان الإعلام الرسمي السوري امتنع عن الدخول في التفاصيل واكتفت السلطات السورية بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن حول انتهاك الأجواء السورية، ويعود هذا الموقف إلى أن القيادة السورية قررت عدم الرد الذي سيؤدي، من وجهة نظرها، إلى تصعيد عسكري تريده إسرائيل تمهد له بالتوازي مع مناورات جيشها في هضبة الجولان ختمت بهذه الضربة الجوية، مما يعني أن إسرائيل قد تكون تبحث عن مبرر لجر الجانب السوري لحرب غير متكافئة، ترى فيها تحسيناً لشروطها، والتمهيد لفك الارتباط بين سوريا وكل من إيران وحزب الله .
   وفي لبنان، فان الاستحقاق الرئاسي بدأ في مجلس النواب بالجلسة الأولى، التي لم يكتمل فيها نصاب الثلثين المقرر بسبب مقاطعة نواب المعارضة، ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة ولغاية يوم 23تشرين الأول القادم تحركاً سياسياً محموماً، لا يقتصر على الجانب اللبناني فقط، بل يشمل كذلك العديد من العواصم الإقليمية والدولية المعنية بهذا الموضوع ومنها طهران التي يشير المراقبون لعدم رغبتها في حصول فراغ رئاسي في لبنان، يمكن أن يخلق أوضاعاً خطيرة تتسبب في اندلاع فتنة طائفية تطال حزب الله، وتتسع آثارها لتشمل مناطق أخرى، خاصة وان الأكثرية النيابية عبًرت عن تصميمها على انتخاب الرئيس بنصاب النصف زائد واحد في حال استنفذت جهود الاتفاق على رئيس توافقي، ويلقى هذا الموقف الدعم من معظم القوى والجهات الإقليمية العربية والدولية، وخاصة من جانب كل من الإدارة الأمريكية والحكومة الفرنسية الجديدة اللتين تتقاطع مواقفها في العديد من القضايا، ومنها العراق الذي يشهد تطورات ملحوظة باتجاه تحسين الوضع الأمني الذي تعتبره الإدارة الأمريكية تتويجاً لنجاح إستراتيجيتها الجديدة التي عبًر عنها تقرير كروكر-بترايوس، وتعتقد إدارة بوش أن عليها في المرحلة المقبلة التركيز على العملية السياسية التي واجهت حتى الآن العديد من العراقيل بسبب تعقد الوضع الأمني، والتي تعتبر بوصلة النجاح أو الفشل لهذه الإستراتيجية، ولذلك فان اهتمامات هذه الإدارة قد تتحرك في المرحلة القادمة باتجاه زيادة الضغوط على حكومة المالكي بهدف دفعها إلى استكمال عملية المصالحة الوطنية، وخاصة مع الجانب السني والاستجابة لمطالبه في إلغاء قانون اجتثاث البعث ,والاستعانة بالضباط غير المتورطين في الجيش العراقي السابق، ومضاعفة الجهود في الجانب الآخر على هذه الحكومة، وخاصة أطرافها الشيعية، من أجل الابتعاد عن إيران والعمل على تحجيم نفوذها، والتأكيد على أن كل الخيارات، بما فيها العسكرية، مفتوحة في تعامل إدارة بوش مع طهران، وزيادة الضغوط باتجاه تجريد جيش المهدي من السلاح وتحويله إلى منظمة سياسية..

وبالمقابل، فان الاهتمام الأمريكي بتنشيط وتفعيل دور التكوين السني لم يعد خافياً على أحد، وذلك انطلاقا من استخدامه في محاربة تنظيم القاعدة، بعد أن كان يشكل في كثير من الأحيان حاضنتها الشعبية، وإرضاءً للدول العربية المعتدلة، التي تخشى من تزايد النفوذ الشيعي في العراق والمتطاول، حسب رأيها، إلى إيران، ولذلك فان الإدارة الأمريكية تحاول إقناع القوى السنية العربية بعدم التخوف من التعامل مع الحكومة المركزية، التي بدأ الائتلاف الشيعي فيها يتعرض للتفكك، ويعاد اصطفاف مكوناته على أساس العلاقة مع إيران، لجهة الولاء أو الاستقلالية، وهذا ما يفسر انسحاب التيار الصدري من الائتلاف القائم..

وفي نفس الموضوع أيضا، فان إدارة بوش سوف تعمل على تخصيص مبالغ مالية ضخمة لتنشط الاقتصاد وإصلاح قطاع الخدمات، كما أنها ستقوم بحملة إقليمية واسعة للضغط على إيران وسوريا وحشد تأييد عربي وإسلامي لإشراك الجميع قي مهمة ممارسة النفوذ باتجاه إقناع التكوينات الداخلية العراقية باللجوء إلى الحوار لحل خلافاتها والاتفاق على صيغة لإنجاح العملية السياسية في العراق، لكن ما يثير القلق، خاصة لدى الحكومة العراقية هو تسليح العشائر التي انتفضت على القاعدة لأسباب لا علاقة لها بإستراتيجية بوش، بل لان هذا التنظيم تمادى في الاعتداء على الناس وارتكاب المجازر بحقهم والسيطرة على المنافذ الحدودية الخاصة بالتهريب وتجنيد العناصر بالقوة..

وتخشى الحكومة العراقية أن تتحول تلك العشائر إلى ميلشيات جديدة، في الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات لحل الميلشيات القائمة.
  كما أن الجانب الكردي في العراق لا يخفي استياءه من موضوع المماطلة في تنفيذ القانون 140بشأن كركوك الذي لا يزال يتعثر في حدود البند الأول منه الخاص بإجراءات التطبيع المتعلقة بترحيل الموفدين واستقبال المهجرين الكرد، يليه فيما بعد بند التعداد العام، ثم الاستفتاء الخاص بتحديد هوية المدينة .كما يزداد قلق هذا الجانب من الاعتداءات الإيرانية التركية المتواصلة على القرى الحدودية في إقليم كردستان وإغلاق المعابر الحدودية مع كردستان، تحت ذريعة التواجد المسلح لعناصر pkk ، في حين تتلخص حقيقة دوافعها في محاولة تعطيل القانون 140 والضغط على حكومة الإقليم وابتزازها من أجل الرضوخ لمطالب التورط في مهمة إنهاء هذا التواجد المسلح بالقوة، وذلك بعد أن تراجعت إمكانية التدخل العسكري التركي، إثر نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتحرره النسبي من ضغوطات المؤسسة العسكرية …
   وبالعودة إلى الوضع الداخلي، فان ما صدر عن الحكومة حول غض النظر عن صيغة إعادة توزيع الدعم عبر رفع أسعار المحروقات، يعبر عن المعارضة الشديدة التي جوبه بها المشروع في الداخل، مثلما يعبًر عن مدى ضعف المسؤولية لدى أصحابه في التعامل مع لقمة عيش المواطنين ومستقبلهم، مما يستدعي البحث عن حلول أخرى لترشيد الهدر والحد من التهريب الذي يستغل الثغرات الكبيرة التي فتحتها ظاهرة الفساد التي لن تفيد معها أية حلول، بما فيها البطاقة الذكية المقترحة حالياً لتوزيع المحروقات المدعومة، بدلاً من رفع أسعارها ودفع مساعدات مالية للأسر السورية، خاصة إذا علمنا أن أسعار بعض السلع ارتفعت على ضوء تسريبات المشروع السابق، مما يؤكد شكوك المواطنين السوريين في مصداقية وجدية مشاريع التنمية التي تدًعيها السلطة، وتؤًكد تلاشي آمال الإصلاح التي بنا عليها أصلاً إعلان دمشق مشروعه الوطني في التغيير الديمقراطي، والذي يلقى قبولاً في الداخل وتفهما لدى العديد من الجهات الدولية التي بدأت تحرص على عقد لقاءات مع قوى الإعلان، حيث التقى وفد يمثله مؤخراً مع وفد من البرلمان الأوربي، مؤكّداً للوفد الضيف سعيه لإقامة نظام ديمقراطي ، كما عبّر عن معاناة المواطنين السوريين، وخاصة النشطاء السياسيين والحقوقيين، من الملاحقات والاعتقالات والمحاكم الصورية ،وأشار كذلك لمعاناة الكرد في سوريا من الإجراءات والقوانين الاستثنائية ومن تداعيات سياسة التميز القومي المقيتة.

ومن جانب آخر، فان قوى إعلان دمشق تواصل الجهود من أجل عقد المجلس الوطني، كما تستمر المساعي في الساحة الكردية من أجل بناء المرجعية الكردية المنشودة من خلال مؤتمر وطني كردي عام تتمثل فيه مختلف القوى السياسية وممثلي الفعاليات الثقافية والاجتماعية الكردية..

ورغم الإشكالات التي تعترض تلك الجهود، والتي تنبع أساسا من ضعف الإرادة، وتعبّر عن نفسها بأشكال مختلفة، من قبيل نشر الرؤية السياسية التي توافقت عليها الإطراف المعنية أو عدم نشرها، أو الاختلاف على بعض الآليات المتعلقة بتنظيم ذلك المؤتمر، فان حزبنا وبالتعاون مع بقية القوى الوطنية الكردية، وفي مقدمتها التحالف الديمقراطي الكردي، سوف يواصل العمل من أجل تذليل تلك العقبات، وصولاً إلى تحقيق هذا الهدف الذي ازدادت الحاجة له لمواجهة أزمة التشتت، وتحصين شعبنا الكردي في مواجهة الفتن، والتعبير عن إرادته، وتنظيم طاقاته التي ترفد بالنهاية النضال الديمقراطي العام في سوريا.
   في 27-9-2007
اللجنة السياسية

لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…