الحكومتان التركية والسورية بين العقلية العنصرية والواقعية السياسية

جان كورد
19.10.2007

ذكر السيد جلال طالباني، رئيس جمهورية العراق الفيدرالي، في مقابلته ليلة البارحة مع السيدة جيزيل خوري من قناة العربية، بأنه تلقى في وقت سابق رسالة من السيد رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي الحالي، تعبر عن عدم اعتراضه على “الفيدرالية” في اقليم كوردستان العراق… وهذا خبر سار بالتأكيد، وكما هو معروف فإن الحكومة الايرانية قد دعت السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس وزراء اقليم كوردستان العراق قبل الآن بصفة رسمية إلى طهران، مما يعني اعترافا من الحكومة الايرانية بالواقع السياسي والدستوري الذي عليه هذا الاقليم الكوردستاني في العراق، كما نعلم بأن للحكومة الايرانية قنصلية أو اثنتان في كوردستان…

ويبقى أن تعترف الحكومة السورية أيضا بهذه الحقيقة على الأرض العراقية التي هي أرض مشتركة للعرب والكورد والعديد من الأقليات القومية والدينية، واعترف بذلك الدستور العراقي منذ عام 1958…
ولكن يبدو أن العقلية الطورانية الفاشية المستبدة بالعديد من الأوساط السياسية والعسكرية التركية، وكذلك العقلية البعثية “العفلقية” و”الهلالية” التي تطنطن حتى الآن في جماجم الكثيرين من رجالات الدولة في سوريا، لاتزال مترددة في قبول هذه الحقيقة التي أصبحت شيئا ملموسا وفرضت نفسها تماما بقبول ملايين عديدة من الناخبين العراقيين، أصحاب القضية الحقيقيين، بأن العراق الجديد دولة اتحادية “فيدرالية” يتمتع فيها اقليم كوردستان بوضع متميز… وأقول “مترددة” لأن أكبر قطاع من الشركات التجارية والعمرانية العاملة في كوردستان العراق، وتحت الرايات الكوردية وبموافقة سلطات الاقليم وحماية قواته لها، هو القطاع التركي الذي يراه المرء منتشرا وفاعلا في كل مجال وفي كل منطقة من مناطق الاقليم، ما عدا منطقة جبال “قنديل” التي لاتزال عصية على هذا القطاع… وكذلك فإن باب التجارة مع القطاع السوري في الاقليم يزداد كل يوم انفراجا أكبر… فكيف يقبل الترك والسوريون عقد الصفقات التجارية مع سلطات لها أختام وتواقيع  ودوائر ومحاكم خاصة، ويدفعون لها الضرائب ويطلبون من قواتها حماية مصالحهم، ويحدقون صباح مساء في العلم الذي يرفرف فوق سماء محلاتهم وشركاتهم، ولكنهم في الوقت ذاته لايعترفون بتلك الحقائق؟… أليس هذا غريبا؟…
أرى بأن هؤلاء يدركون الواقع وعقولهم تقبل ذلك ولكن قلوبهم، على حد قول زعيم عربي سني في العراق، لاتستطيع قبول ذلك… أي أنهم مترددون، ويجب على الكورد مساعدة جيرانهم هؤلاء على تجاوز عقدتهم النفسية هذه، لفتح أبوابهم وقلوبهم لنسائم الحرية التي تهب عليهم من اقليم كوردستان العراق…
ليس للقيادات الكوردية مشاكل نفسية أو خلافات كبيرة مع كل من سوريا وتركيا، فالكورد جميعا يعترفون بأن في البلدين شعبان آخران، لهما حق التمتع بحريتهما ورفع علمهما وصون بلادهما، ويمكن حل كل المشاكل العالقة معهما عن طريق الحوار السلمي، بما فيه مشكلة “حزب العمال الكوردستاني” ، كما قال كل من سيادة رئيس جمهورية العراق الأستاذ جلال طالباني، ووزير خارجية العراق، السيد هوشيار زيباري، والسيد رئيس اقليم كوردستان مسعود بارزاني، ورئيس وزراء كوردستان السيد نيجيرفان بارزاني، وقادة حزب العمال الكوردستاني نفسه كالسيد مراد قه ره يلان، والسيد جميل بايق وغيرهما… فالمشكلة التي يكبرونها  كثيرا ويحاولون التذرع بها للهجوم على الاقليم وفتح باب للحرب لايمكنهم اغلاقه بعد اليوم، انما هي في الحقيقة مشكلة سياسية، ولا تنفع الحرب كثيرا في حل مثل هذه المشاكل، كما نعلم من تاريخ الشعوب والدول… والهجوم العسكري لن ينفع، إذ أن الجيش التركي قد تسلل إلى مناطق عديدة في الاقليم 25 مرة حتى الآن، فلم ينفعه ذلك، بل إن المشكلة تكمن في عدم الاعتراف التركي والسوري بكوردستان الذي يطلق على شماله ظلما وعدوانا إسم “تركيا”، إذ نعلم جميعا بأن موطن الترك الأصلي هو منغوليا وتركستان وتركمانستان، كما أن موطن العرب الأصلي الحجاز واليمن، في حين أن الكورد هم السكان الأصليون منذ فجر التاريخ لهذه الجبال، ومنها جبال “قنديل” التي يصر الترك على القتال فيها…
أما أن يتعاون زعماء تركيا وسوريا على الشر والعدوان، ضد الكورد وكوردستان، رغم كل تحذيرات المجتمع الدولي، ومناشدة العراقيين لهم، عربا وكردا، أن يجلسوا مع قادة وممثلي الكورد ويجدوا حلا سياسيا لهذه المشكلة، ورفض الترك حتى وجود عنصر كوردي واحد في اللجنة الثلاثية المشتركة (الأمريكية – العراقية – التركية) إنما هو توقف عند عصر النازية والفاشية والعفلقية والهلالية والطورانية، ذلك العصر الذي تجاوزته الإنسانية والحضارة منذ زمن طويل، ولم يعد التوقف عنده يفيد البشرية وحضارتها العالمية…
الكورد – يا فطاحل السياسة التركية والسورية –  لن يتوانوا عن الدفاع عن وطنهم، كما فعلوا عبر كل العصور، ولن تستطيع أي قوة على الأرض انتزاع كوردستان منهم، وهم سيقدمون الملايين من شبابهم دفاعا عن رايتهم التي ترفرف الآن على مباني برلمانهم ومدارسهم ومساجدهم ومقرات بيشمركتهم الأشاوس، الذين تمرسوا على القتال وبدأوا يحنون له، وقد تعاونتم في ستينات القرن الماضي عسكريا مع الحكومة المركزية في بغداد لانهاء الوجود القومي الكوردي ففشلتم فشلا ذريعا وعدتم إلى دياركم خائبين… وهل نسيتم “حرب الأنفال” و”الحملات الكيميائية” الصدامية التي لم تأت إلا بالدمار للدكتاتوريين والعنصريين وبنهاية حكم الطاغوت واختبائه في جحر ضب، ومن ثم اخراجه ومحاكمته كمجرم حرب واعدامه..؟ أفلا تتفكرون؟!
إن من الأفضل للعرب والكورد والفرس والترك وكل الذين يعيشون بين ظهرانيهم من أقوام أخرى الاعتراف ببعضهم بعضا وحل المشاكل العالقة بينهم بالحوار والتحدث إلى بعضهم بالتي هي أحسن، وأنفع للجميع.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…