ماذا تخبّئ تركيا لإقليم كوردستان العراق الفيدرالي…؟!.

نـوري بـريـمـو*

لما كان إقليم كوردستان الفدرالي قد نال قسطاً من الحرية والمبادرة الذاتية في إدارة شؤونه الداخلية التي كانت مهمَلة لا بل منتهَكة إبان حكم حزب البعث البائد…، وبما أنّ القيادة السياسية الكوردستانية قد خطت خطوات سياسية نوعية نحو الإستقرار السياسي كإنتخاب المؤسسات الشرعية (برلمان، حكومة، رئاسة الإقليم) وتطوير القطاع الإقتصادي والخدماتي والإنتاجي والأمني وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني لدمقرَطة الحياة السياسية وسط المجتمع الكوردستاني في الإقليم…،
ولأنّ الكتلة الكوردستانية المساهة بقوة في الحكومة المركزية (برلمان، حكومة، رئاسة الجمهورية) قد نالت قدراً لا يستهان به من المصداقية العملية والنظرية بعد أنْ نجحت إلى حدٍّ كبير في مسعى المحافظة على وحدة العراق الفدرالي وإنقاذه من مستنقع الفوضى والمجهول المتربص به…، ولكونه ـ أي إقليم كوردستان ـ قد تحوّل إلى ملاذٍ آمنٍ لكل عراقيّي الوسط والجنوب وبغداد الهاربين من أخطبوط العنف الطائفي الذي أضحى يحصد رؤوس العراقيين بالجملة وعلى الهوية وبدون رحمة…، وبما أنّ الجانب السياسي الكوردستاني قد آثر إنقاذ الكورد الواقعين في المناطق الكوردستانية التي جرى تعريبها في الماضي، وقد ألحّ على المطالبة بتطبيق الدستور العراقي وخاصة المادة (140) منه…، ولأنّ…، وبما أنّ الكورد يطالبون حقيقة بدمقرَطة العراق الجديد عبر التأسيس لنظام إتحادي لامركزي في إطار دولة العدل والحق والقانون أي بعكس ما يطالب به البعض الآخر المعرقل للعملية السياسية في هذا البلد الجريح…!؟.


وبناءّ عليه نجد بأنّ إقليم كوردستان ومعه شعبنا الكوردي في كل مكان قد أمسى يتعرّض للتهديدات الحقيقية المتواصلة ولحملاتٍ دعائية إعلامية مغرِضة ولمحاولاتٍ يائسة لتشويه الحقائق وتكثيفٍ محموم لمسلسل الضغوط وتأليبٍ مفتعَل للرأي الشعوبوي (عربي، تركي، فارسي) ضده لتوتير الأجواء…، وللعلم فإنّ هكذا أجواء توتيرية تفتعلها وتقودها جهاتٌ إقليمية شوفينية تعتمد أساليب أكثريوية إقصائية باتت مفضوحة ولم يعد أصحابها يخْشَون وَقْعَها المؤذي وعواقبهاً الوخيمة وتداعياتها المجهولة، ولا عادوا يردعون لأي رادعٍ يجعلهم يحسبون أكثر من حساب لأية ردة فعل مجتمعية أو سياسية كوردية دفاعية قد تخلق مناخات أخرى قد تؤدي بدورها إلى نتائج سلبية تنفع هذا الطرف وتضر ذاك، لكونها قد تجلب المزيد من المشاحنات والإفتراقات لا بل العداوات ما بين شعوبنا المتجاورة عبر العصور التاريخية…!؟.
وبهذا الصدد فإنّ مثل هذه التوتيرات التي تجري بتحريض من قبل دوائر حاقدة تسهر لتصب بجامَّ حقدها الأسود ضد القضية الكوردية، في ظل سيادة مثل هكذا معادلة سياسية حساسة مهيمنة على هذه البقعة الجغرافية المضطربة حالياً بشكل مخيف في هذا العالم الذي يسعى بغالبيته نحو التغيير والدمَقرَطة…، لايمكن قراءتها ـ أي ما يجري من محاولات مقصودة لتهديد سلم وأمن الشعوب ـ خارج سياق وجود إستراتيجية طويلة الأمد تعمَد إلى إستمرار اضطهاد الكورد وتشتيتهم وصهرهم لا بل إنهاء وجودهم العرقي…!؟، خاصة وأنّ التحدي الحالي ـ التحضير التركي لغزو الإقليم مثلاً ـ قد بات يأخذ طابع الحدّية الحرجة والتحرّشات اليومية بالكورد…!؟، وكأنه لا همّ لتلك الجهات ولا مشكلة لها سوى ملفنا الذي هو في جوهره ملف قومي ديمقراطي سلمي لا يجوز التعامل معه وفق هكذا منطق استعدائي تحريضي، إذ أنها بسلوكها الّلاديموقراطي هذا وبدلاً من إنتهاج مسلكية التهدئة المطلوبة، قد باتت تطبخ ـ أي تلك الدوائر الإستبدادية الحاقدة ـ على نار التمييز القومي المسعورة، مستفيدة في مأربها المقيت هذا من إستغلال مشاعر البسطاء من جيراننا العرب والفرس والترك وغيرهم لإيهامهم  بمقولة: أن الكورد ينوون تشكيل دولة كوردستانية مستقلة على حساب هذه الدول القائمة كالعراق وتركيا وإيران وسوريا…!؟.
أما الجديد في الأمر في هذه الأيام فهو إلتجاء حكام أنقرة إلى تكرار إفتعال ملف حزب العمال الكوردستاني العالق منذ عقود…!؟، ويبقى الغائب في الخطاب الرسمي للدولة التركية هو خيار التعامل السياسي مع الأحداث…، ذلك الخيار العقلاني الذي يتناسونه قصداً رغم معرفتهم الضمنية بأن الانفتاح الإيجابي على القضية الكوردية في كوردستان تركيا، عبر فتح أبواب الحلول الديموقراطية هو وحده الضمانة الكفيلة لإستباب الأمن والاستقرار ليس في تركيا فحسب لا بل في العديد من بلدان شرق أوسطنا عموماً، وللعلم فإنّ مثل هذا التجاهل المقصود من قبل المؤسسة العسكرية التركية التي تعربد في بلاد الأناضول منذ قرون، لمطلب التعامل السلمي مع الجانب الكوردي سيضع تركيا لا محال في مواجهة استحقاقات ومفاجآت قد تقضي إلى نتائج ملموسة قد لا تروق لها ولمن يسبح في فلكها الإستعماري التوسعي الساعي للهيمنة على جيرانها إلى أبد الآبدين.
وبالتأكيد لسنا هنا بصدد تحريض الشعب الكوردي أو أيّ شعب آخر من جيراننا ضد تركيا…!؟، ولا ننوي جرّ أحد نحو خندق التصادم المباشر مع العقلية الطورانية التي لا تزال ترفض الاحتكام للغة العقل والحوار وللمنطق الديموقراطي في حل الأزمات…، ولا نطمح هنا سوى التأكيد على أننا سنبقى نفضل الخيار الديموقراطي الّلاعنفي لنيل حقوقنا القومية المشروعة…!؟، وفي الختام وليس من باب التهديد والتعويل على أية جهة وإنما من وارد التذكير…، لا بد من القول بأنّ الكورد قد أصبحوا يستحوذون على الكثير من أوراق القوة والأجندة الكفيلة بأن تقلب حسابات وتحسبات وتحصينات تركيا وغيرها من الأنظمة الشمولية الغاصبة لكوردستان، خاصة وأن مساحة الحراك الديموقراطي ضد أشكال الاضطهاد قد باتت تتوسع وتزداد قوة وفسحة في عالم اليوم.
============

* سياسي من كوردستان سوريا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…