ماجد الشيخ
تعود ذرى التصعيد العسكري بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني إلى فترة تسعينات القرن الماضي، حين بدأ الداخل التركي يشهد تصعيداً في المواجهات العسكرية، ومنها مجموعة من التفجيرات ضد أهداف مدنية، ما جعل التصعيد التركي يحمل على تأييد جماهيري واسع النطاق ضد حزب العمال، انتهى باعتقال زعيمه عبدالله أوجلان في عملية استخباراتية – أمنية شاركت فيها دمشق عام 1999.
تعود ذرى التصعيد العسكري بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني إلى فترة تسعينات القرن الماضي، حين بدأ الداخل التركي يشهد تصعيداً في المواجهات العسكرية، ومنها مجموعة من التفجيرات ضد أهداف مدنية، ما جعل التصعيد التركي يحمل على تأييد جماهيري واسع النطاق ضد حزب العمال، انتهى باعتقال زعيمه عبدالله أوجلان في عملية استخباراتية – أمنية شاركت فيها دمشق عام 1999.
وفي هذا السياق يتساءل كثيرون: لماذا في هذه الفترة تحديداً تريد تركيا أن تصفي حساباتها مع حزب العمال الكردستاني، وفي الأراضي العراقية في شكل خاص، مع أن الصراع المحتدم بين الطرفين عسكرياً بدأ عام 1984 واستمر وتواصل طوال أكثر من عشرين سنة داخل أراضي الدولة التركية، أي في كردستان تركيا؟
وإذا كانت فترة التصعيد الأولى استهدفت حزب العمال داخل الأراضي التركية، فإن التصعيد الحالي يستهدف «كردستان العراق» التي طالما شكلت نموذجاً سالباً ومرفوضاً من جانب تركيا وإيران وسورية، أو على الأقل غير مرحب به، سواء لجهة الحكم الذاتي الذي تمتع به أكراد العراق – على رغم ما مر بهم من ويلات ونكبات الممارسات الفاشية للنظام الديكتاتوري السابق – بحريات نسبية محدودة افتقدها، وما يني يفتقدها أكراد الدول الأخرى المجاورة، على رغم التحسن المحدود الذي أصاب أكراد تركيا خلال سنوات الألفية الجديدة، وذلك على خلفية حاجة تركيا إلى تبييض ملفها مقدمة لقبولها في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
شكل الإقليم الكردي في العراق نموذجاً سياسياً واقتصادياً استثنائياً، وسط أقاليم الوجود الكردي في الدول المجاورة، وهو نموذج متمايز ومتغاير، تضافرت جهود عدة من أجل إيصاله الى ما وصل إليه من استقرار سياسي نسبي، لا سيما بعد الاتفاق على تقاسم السلطة والنفوذ بين الحزبين الرئيسين (الاتحاد الوطني والحزب الديموقراطي)، حمل معه شيئاً من ازدهار نسبي، قـلَّ ما تمتعت أو تتمتع به الآن أقاليم العراق المختلفة في ظل الاحتلال الأميركي.
هذا النموذج – التجربة لا يتماشى وما تريده تركيا لعلاقتها بأكرادها، لهذا كانت التجربة الكردية العراقية أكثر استفزازاً لتركيا العسكر قبلاً، كما لحكومتها الاسلاموية في ما بعد.
فهل تصل الأمور الى الانفجار العسكري الواسع، أم تنجح الجهود السياسية والديبلوماسية في تطويق دوافع الانفجار ونزع فتائل الاشتباكات المحدودة ولكن الواسعة النطاق أحياناً، لتعيد الأمور الى مستوى الحد الأدنى السابق من المناوشات المحدودة بين الطرفين داخل نطاق أراضي الدولة التركية؟
مهما يكن من أمر الانفجار العسكري الواسع وحين البدء به، فإن الجميع سيكون لهم نصيب من الخسارة أو الخسارات المحتملة، فلن يكون هنالك خاسر وحيد.
لهذا، فإن منح الحل السياسي المزيد من الفرص هو ما يستحق المغامرة، سواء من جانب تركيا أو من جانب حزب العمال الكردستاني، كما من جانب الحكومة العراقية المركزية وحكومة الإقليم الكردي في الشمال، حتى أن الأميركيين أنفسهم ليسوا مع هجوم عسكري تركي واسع النطاق، قد يطيح مصالح يشكلون هم رعاتها في العراق، خصوصاً في الإقليم الكردي، سواء لجهة صراعهم مع إيران أو لجهة وجودهم ذاته في العراق.
وحتى في حال إصرار تركيا على فرض عقوبات على الإقليم الكردي، فإن – أو بالأحرى – شركاتها ستكون المتضرر الأول من تلك العقوبات، نظراً لوجود استثمارات وتبادلات واسعة تقدر ببلايين الدولارات بين الإقليم الكردي في الشمال العراقي وتركيا التي تشكل البوابة الرئيسة له نحو أوروبا.
في كل الأحوال يشكل الحل السياسي السلمي مطلباً راجحاً ووازناً لكل الأطراف، إذ ليس من مصلحة أكراد العراق أن تصبح مناطقهم مسرحاً لمعارك قد تطيح تجربتهم المتميزة في الشمال، إلا إذا كانت تركيا تستهدف وأد التجربة الكردية عموماً، وليس القضاء على حزب العمال الكردستاني فقط، في حال المضي في سياسة الإنكار القومي أو عدم الاعتراف بحقوق قوميات أخرى في بلد مثل تركيا أو إيران أو سورية أو العراق.
هذا الإنكار الذي كان السبب الأول والرئيس في وجود النزاعات القومية القائمة وتغذيتها، أو التي يمكن أن تقوم بين الأكراد أو غيرهم من قوميات والسلطات الحاكمة في تلك البلدان، على أن مفتاح الحل السلمي يكمن جزئياً في يد الأميركيين أيضاً، كونهم باتوا يشكلون «الرعاة الجدد» للحركة القومية الكردية، خصوصاً لجهة الاستفادة من موقعها في بلدان الجوار (تركيا وإيران وسورية) في لعبة الضغط على أنظمة الجوار تلك، بما فيها تركيا، عبر استخدام حزب العمال كعنصر ضاغط ضد حكومة حزب «العدالة والتنمية».
وفي ظل أزمة الثقة بين واشنطن وأنقرة، فإن تركيا هي التي باتت تمارس شتى الضغوط على واشنطن هذه الأيام وليس العكس، الأمر الذي يدفع واشنطن الى محاولة استعادة تركيا بالكامل إلى الحظيرة الأميركية لضبط إيقاع حركتها وفق ما تطلبه مصالح المايسترو الأميركي في المنطقة والعالم.
وإذا كانت رحلة البحث عن حل ديبلوماسي، بدأت أو قد تبدأ بتسارع، فمن المهم أن يأخذ أي حل سمة جذرية أو راديكالية لا سمة الحلول الآنية التلفيقية أو التوفيقية، جوهره وقف العمل العسكري، كإنجاز راهن، يمكن أن يبنى عليه مستقبلاً بنيان حل سياسي دائم، من سماته التعاطي الديموقراطي مع قضايا القوميات أو الإثنيات والملل والنحل، هذا التعاطي الذي ينبغي أن يسود طبيعة العلاقات بين الأنظمة السياسية الحاكمة وقضايا شعوبها.
إلا أنه وللأسف، فإن عدم التعاطي الديموقراطي هو المشكلة الأساس النابعة من استبداد أو تسلط تلك الأنظمة في تعاطيها حتى مع المتفقين معها من أبنائها المنتمين إلى التكوين نفسه.
أخيراً يمكن القول إن تطابقاً في مواقف المعنيين في الشأن القومي الكردي، يؤكد محاولات الحد من الطموح القومي الكردي باختلاف تفاصيله في إقامة كيان كردي مستقر، أو على الأقل نيل الحقوق الإنسانية الطبيعية كمواطنين لهم كامل حقوق المواطنة، وذلك كبديل من السعي الراديكالي الذي جعل من الكفاح التحرري الكردي يستهدف تكوين نواة دولة قومية كردية، ربما حلمت غالبية أكراد البلدان الأربعة يوماً في إقامتها، والعيش في كنفها كمخلصة لهم من ظلم قوميات كبرى متسلطة، على ما رست عليه من تعدد قومي وطائفي ومذهبي، لم تكن الاتفاقيات الدولية هي صانعته لا جغرافياً ولا سياسياً، وإن تكن المصالح الدولية وتوازناتها في تلك اللحظة هي العامل الحاسم في التقسيمات الإدارية التي منعت قيام كيان كردي على أرض كردستان التاريخية، وما زالت هذه التقسيمات ذاتها تحمل من المظالم للشعب الكردي الشيء الكثير، وحتى للشعوب الأخرى في بلدانها الأصلية شتى صنوف المظالم المشابهة إن لم يكن أكثر.
شكل الإقليم الكردي في العراق نموذجاً سياسياً واقتصادياً استثنائياً، وسط أقاليم الوجود الكردي في الدول المجاورة، وهو نموذج متمايز ومتغاير، تضافرت جهود عدة من أجل إيصاله الى ما وصل إليه من استقرار سياسي نسبي، لا سيما بعد الاتفاق على تقاسم السلطة والنفوذ بين الحزبين الرئيسين (الاتحاد الوطني والحزب الديموقراطي)، حمل معه شيئاً من ازدهار نسبي، قـلَّ ما تمتعت أو تتمتع به الآن أقاليم العراق المختلفة في ظل الاحتلال الأميركي.
هذا النموذج – التجربة لا يتماشى وما تريده تركيا لعلاقتها بأكرادها، لهذا كانت التجربة الكردية العراقية أكثر استفزازاً لتركيا العسكر قبلاً، كما لحكومتها الاسلاموية في ما بعد.
فهل تصل الأمور الى الانفجار العسكري الواسع، أم تنجح الجهود السياسية والديبلوماسية في تطويق دوافع الانفجار ونزع فتائل الاشتباكات المحدودة ولكن الواسعة النطاق أحياناً، لتعيد الأمور الى مستوى الحد الأدنى السابق من المناوشات المحدودة بين الطرفين داخل نطاق أراضي الدولة التركية؟
مهما يكن من أمر الانفجار العسكري الواسع وحين البدء به، فإن الجميع سيكون لهم نصيب من الخسارة أو الخسارات المحتملة، فلن يكون هنالك خاسر وحيد.
لهذا، فإن منح الحل السياسي المزيد من الفرص هو ما يستحق المغامرة، سواء من جانب تركيا أو من جانب حزب العمال الكردستاني، كما من جانب الحكومة العراقية المركزية وحكومة الإقليم الكردي في الشمال، حتى أن الأميركيين أنفسهم ليسوا مع هجوم عسكري تركي واسع النطاق، قد يطيح مصالح يشكلون هم رعاتها في العراق، خصوصاً في الإقليم الكردي، سواء لجهة صراعهم مع إيران أو لجهة وجودهم ذاته في العراق.
وحتى في حال إصرار تركيا على فرض عقوبات على الإقليم الكردي، فإن – أو بالأحرى – شركاتها ستكون المتضرر الأول من تلك العقوبات، نظراً لوجود استثمارات وتبادلات واسعة تقدر ببلايين الدولارات بين الإقليم الكردي في الشمال العراقي وتركيا التي تشكل البوابة الرئيسة له نحو أوروبا.
في كل الأحوال يشكل الحل السياسي السلمي مطلباً راجحاً ووازناً لكل الأطراف، إذ ليس من مصلحة أكراد العراق أن تصبح مناطقهم مسرحاً لمعارك قد تطيح تجربتهم المتميزة في الشمال، إلا إذا كانت تركيا تستهدف وأد التجربة الكردية عموماً، وليس القضاء على حزب العمال الكردستاني فقط، في حال المضي في سياسة الإنكار القومي أو عدم الاعتراف بحقوق قوميات أخرى في بلد مثل تركيا أو إيران أو سورية أو العراق.
هذا الإنكار الذي كان السبب الأول والرئيس في وجود النزاعات القومية القائمة وتغذيتها، أو التي يمكن أن تقوم بين الأكراد أو غيرهم من قوميات والسلطات الحاكمة في تلك البلدان، على أن مفتاح الحل السلمي يكمن جزئياً في يد الأميركيين أيضاً، كونهم باتوا يشكلون «الرعاة الجدد» للحركة القومية الكردية، خصوصاً لجهة الاستفادة من موقعها في بلدان الجوار (تركيا وإيران وسورية) في لعبة الضغط على أنظمة الجوار تلك، بما فيها تركيا، عبر استخدام حزب العمال كعنصر ضاغط ضد حكومة حزب «العدالة والتنمية».
وفي ظل أزمة الثقة بين واشنطن وأنقرة، فإن تركيا هي التي باتت تمارس شتى الضغوط على واشنطن هذه الأيام وليس العكس، الأمر الذي يدفع واشنطن الى محاولة استعادة تركيا بالكامل إلى الحظيرة الأميركية لضبط إيقاع حركتها وفق ما تطلبه مصالح المايسترو الأميركي في المنطقة والعالم.
وإذا كانت رحلة البحث عن حل ديبلوماسي، بدأت أو قد تبدأ بتسارع، فمن المهم أن يأخذ أي حل سمة جذرية أو راديكالية لا سمة الحلول الآنية التلفيقية أو التوفيقية، جوهره وقف العمل العسكري، كإنجاز راهن، يمكن أن يبنى عليه مستقبلاً بنيان حل سياسي دائم، من سماته التعاطي الديموقراطي مع قضايا القوميات أو الإثنيات والملل والنحل، هذا التعاطي الذي ينبغي أن يسود طبيعة العلاقات بين الأنظمة السياسية الحاكمة وقضايا شعوبها.
إلا أنه وللأسف، فإن عدم التعاطي الديموقراطي هو المشكلة الأساس النابعة من استبداد أو تسلط تلك الأنظمة في تعاطيها حتى مع المتفقين معها من أبنائها المنتمين إلى التكوين نفسه.
أخيراً يمكن القول إن تطابقاً في مواقف المعنيين في الشأن القومي الكردي، يؤكد محاولات الحد من الطموح القومي الكردي باختلاف تفاصيله في إقامة كيان كردي مستقر، أو على الأقل نيل الحقوق الإنسانية الطبيعية كمواطنين لهم كامل حقوق المواطنة، وذلك كبديل من السعي الراديكالي الذي جعل من الكفاح التحرري الكردي يستهدف تكوين نواة دولة قومية كردية، ربما حلمت غالبية أكراد البلدان الأربعة يوماً في إقامتها، والعيش في كنفها كمخلصة لهم من ظلم قوميات كبرى متسلطة، على ما رست عليه من تعدد قومي وطائفي ومذهبي، لم تكن الاتفاقيات الدولية هي صانعته لا جغرافياً ولا سياسياً، وإن تكن المصالح الدولية وتوازناتها في تلك اللحظة هي العامل الحاسم في التقسيمات الإدارية التي منعت قيام كيان كردي على أرض كردستان التاريخية، وما زالت هذه التقسيمات ذاتها تحمل من المظالم للشعب الكردي الشيء الكثير، وحتى للشعوب الأخرى في بلدانها الأصلية شتى صنوف المظالم المشابهة إن لم يكن أكثر.
كاتب فلسطيني
الحياة – 11/11/07//