البرلمان الکوردستاني المسکين وقراره الاخير بمنع التدخين

زياد نقيب برواري
منذ ان عرفت الامم والشعوب ما يسمي ب (الديمقراطية) ودخلت معترکاتها ودهاليزها واسست احدي رکائزها واسسها الا وهي قبة البرلمان او السلطة التشريعية والتي من المفترض کما هو موجود في ادبيات ال ( الديمقراطية) ان تکون هي السلطة الاولي ومن بعدها تاتي السلطات الاخري کالسلطة التنفيذية اي الحکومة والسلطة القضائية اي المحاکم والقضاء  کما انه هنالک الي جانب هذه السلطات سلطة اخري تسمي بالسلطة الرابعة والمقصود بها الصحافة والاعلام.
من المفترض بالسلطة التشريعية او ما يسمي بالبرلمان المنتخب انتخابا حرا ونزيها من قبل الشعب وليس ان يختار اختيارا مدروسا من قبل الاحزاب وحسب المصالح الحزبية الضيقة ، ان يعکس هذا البرلمان الام ومعاناة الشعب وان يحاول بکل الجهود الممکنة وغير الممکنة ان يعمل علي حل او تقليص هذه المعاناة او المشاکل.حتي يثبت فعلا انه الممثل الحقيقي لهذه الشعوب المغلوبة علي امرها والتي تنظر اليه علي انه المخرج والمنقذ والمخلص والمنجد الي حل مشاکله ومعاناته او علي الاقل رسم ملامح البسمة والثقة علي وجوه المواطنين البؤساء.

أي ببساطة يأمل هؤلاء المواطنون من هذ‌ه البرلمانات الموقرة ان تکون صوته الحقيقي ومنبره الحر المدوي.

لا ان تکون هياکل کبيرة ومسميات عريضة وضخمة لا تقوي علي فعل او سن امر او قانون مصيري هام يخدم الجميع.

ما ذا يفعل هؤلاء البؤساء لو تحولت هذه البرلمانات الي مجرد واجهة دعائية او اسم فضفاض لمجرد الدعاية لهذا لشخص او ذاک ، لهذا الحزب المبجل العتيد او ذاک.

لهذا الرئيس مدي الحياة ولذلک الحزب الواحد الاوحد.

ما ذا يفعل هؤلاء البؤساء لو تحولت هذه البرلمانات الي مجرد عقد جلساتها التاريخية السرية المبهمة واحيانا الي المفتوحة علي الهواء لمجرد ذر الرماد في العيون وليقولوا للبسطاء : انظروا کم نحن ديمقراطيون بحيث بامکانکم الاستمتاع برؤيتنا وعلي الهواء مباشرة حتي وان کان بعض اعضاؤه المناضلين جدا يسبحون في بحر حلم طويل کي يغرقوا في محيط نوم عميق؟! غير آبهين بمشاعر هؤلاء البؤساء الذين يتکلمون باسمهم نهارا جهارا ويقولون للملأ من انهم الممثلون الحقيقيون له دون منازع !

وان کان برلماننا الکردستاني الفتي والذي لم يتجاوز عمره العقدين من الزمن بعد ، الا انه وللاسف الشديد ليس استثناءا نادرا من کل برلمانات الشعوب المسکينة للشرق الاوسط البائس.

لا زلت اتذکر ذلک اليوم الربيعي الجميل من بدايات النصف الاول لتسعينيات القرن الماضي حينما لازلت کنت في جنوب کردستان وانا کغيري من الکرد سعداء وندلي باصواتنا لذلک البرلمان الوليد حينئذ بعد انتفاضتنا المليونية الشهيرة ، وکلنا امل ان يکون هذا البرلمان صوتا مدويا وعميقا بعد کل ماعانيناه منذ زمن سحيق.

کما انني لازلت اتذکر رغم ذاکرتي الحبلي بالمآسي والکوارث انه حينما ادليت بصوتي وغادرت مرکز التصويت کيف ان بعضا من المعارف والاصدقاء کانوا يمطرونني بتساؤلاتهم البريئة : يا تري من سيفوز بنظرک هذا الشخص ام ذاک، هذا الحزب ام ذاک؟! فکنت اجيبهم بامل وبراءة اکثر : لا هذا ولا ذاک من سيفوز هو الشعب الکردي وارادته التي قهرت المستحيل في انتفاضته الجماهيرية المليونية.

ولم اکن حينها اعلم انني والکثيرين ممن کانوا يحلمون مثلي، من اننا جميعا سنصاب بالصدمة والذهول للآتي من الزمن ولمرارة ما سيقع وسيحدث.

وبعد سنين قلائل غادرت کردستان وانا مصاب بحسرات عميقة منها وحشة الغربة وصعوبة الافتراق عن الاهل والاحبة والخيبة من انهيار احلامي واحلام الملايين لنزيف الدم الکردي المسال حينها والاقتتال الاخوي المؤسف والمرعب وعلي مرآي ذلک البرلمان الفتي الوليد الذي صوتنا له وکنا ننشد الامال نحوه.

لکنه للاسف لم يحرک ساکنا لخطورة ما کان يجري.

واليوم وانا اسمع اخر قرار لهذا البرلمان الذي تخطي العقد والنصف من عمره وهو يمنع التدخين في الاماکن العامة ! اصبت بخيبة اخري وان کانت اقل من کل تلک الخيبات الاخري.

بدأت اتساؤل مع نفسي : يا تري هل هکذا قرار من صلب اعمال هذا البرلمان الذي لم يعد فتيا ووليدا ؟ اليست لهذا البرلمان مشاريع وافکار وقوانين اخري تخص المواطن الکردي اليوم والتي هي بلا ادني شک اهم واعمق واشمل من قرار التدخين هذا؟! امور يتطلع اليها الشارع الکردي کونها تهمه اکثر من اصدار قرار بمنع التدخين .

من هذه الامور مثلا وبايجاز شديد :

فرص العمل، آفة وبلاء الفساد المالي والاداري المرعب في عموم جنوب کردستان، الکهرباء، الماء، الکيروسين للتدفئة من برد الشتاء القارص، الغاز ، الاقتصاد وتداعياته الاخيرة بعد التهديدات الترکية بغزو جنوب کردستان والبحث عن بدائل اخري فيما لو فرض الطورانيون الفاشست حصارا علي هذا المواطن المسکين.

لا سيما وانا اصبت بخيبة اکبر حينما قرأت وسمعت من مسؤولين کرد کبار وهم يقولون من انه ليس لديهم بدائل فيما لو قام الترک بفرض حصارهم علي جنوب کردستان.

هذا الحصار الذي سيثقل کاهل هذا المواطن والذي من المفترض ان هؤلاء البرلمانيون يمثلونهم ؟! وأمور اخري کثيرة کان الاحري بهؤلاء البرلمانيون ان يشغلوا انفسهم بدلا من تفتق عبقريتهم وتذکرهم فجأة من ان خطر التدخين اکبر من خطر الغزو الترکي ومخاطره المستقبلية علي عموم الشعب في جنوب کردستان.

کان عليهم ان يترکوا امر قرار کهذا الي المجالس المحلية والبلدية ووجهاء البلد والذين لهم تأثير اکبر علي هذا المواطن منهم ومن قرارهم المثير للاستغراب هذا.

وهنا کلنا يتذکر کيف ان شعبنا الکردي في جنوب کردستان تمکن وفي غضون سنين قلائل ان يخطو خطوة فريدة وجديرة بالاحترام والتقدير حينما منع التدخين وتقديم القهوة في مجالس العزاء.

وانا في زياراتي المتعددة الي جنوب کردستان وتحديدا مدينة دهوک لاحظت هذا الامر واسعدني جدا .

ومن هنا يبدو جليا ان برلماننا الکردستاني المسکين صاحب کل القرارات وبالاجماع التام!! باصداره هذا القرار الاخير اثبت وبنفسه من انه بعيد جدا عن هموم ومشاکل هذا المواطن الذي يدعي انه يمثله او هکذا کما هو مفترض، ودليل بعده هذا هو عدم علمه بان هذا المواطن ومجالسه المحلية والبلدية ومنذ زمن بعيد منعوا ونجحوا في فرض قانون شعبي هام الا وهو منع التدخين وتقديم القهوة اثناء مجالس العزاء ، وهو قادر ان يفرض قانونا شعبيا اخرا بمنع التدخين في الاماکن العامة.

لانه شعب الانتفاضة الجماهيرية المليونية والذي اتي بهذا البرلمان نفسه صاحب هذا القرار الاخيرالي الوجود.

فهل هکذا يرد هذا البرلمان الجميل لهذا الشعب المضحي الودود؟!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…