على أمريكا السير في طريق (دمقرطة الشرق الأوسط الكبير) حتى النهاية وليس تقوية الأنظمة اللاديموقراطية عسكريا
جان كورد
حاولت الامبراطورية الروسية قبل الثورة الشيوعية أن تقترب جنوبا من المياه الدافئة لتوسع من إطار مصالحها الاستعمارية وتستولي على البترول الذي بدأت رائحته تفوح كوقود هام للغاية آنذاك، ففشلت في ذلك فشلا ذريعا، وجاءت الحرب العالمية الأولى فتنامت القوى اليسارية في طول البلاد وعرضها، وسببت المجاعات التي نجمت عن سوء استخدام السلطة والنظام القيصري إلى أن تحدث الثورة الشيوعية في أوكتوبر عام 1917،
وتخرج الامبراطورية من المعاهدة الاستعمارية السرية سايكس – بيكو لعام 1916 التي فضحها الشيوعيون وأعلنوا رفضهم لبنودها التي تنص بصراحة على توزيع بلدان الشرق الأوسط بين الدول الاستعمارية الكبرى، وبخاصة روسيا وفرنسا وبريطانيا… فكانت نهاية الحلم الروسي بالاستحمام في مياه الخليج الفارسي / العربي…
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية وتدهور أحوال المستعمرين الفرنسيين والانجليز في الشرق الأوسط برزت الولايات المتحدة الأمريكية على رقعة الشطرنج الشرق أوسطي كإحدى أهم القوى العالمية الغربية، في حين ارتفع مستوى التأثير السوفييتي – الشيوعي في أحداث وتطورات المنطقة باقتحام الجيش الأحمر مدينة برلين، عاصمة النازية الألمانية لتنهي بالتعاون مع المستعمرين الذين نازعتهم الشيوعية، الانجليز والفرنسيين والأمريكان، حكم النازيين وليقسموا أوروبا فيما بينهم بين أوروبا شرقية تحت سيطرة موسكو وأوروبا غربية في قبضة واشنطن ولندن وباريس… وأدى هذا التقسيم العالمي الجديد ونشوء محورين عظيمين، حلف وارسو وحلف الناتو، إلى توزيع جديد للأدوار في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة بعد قيام دولة اسرائيل عام 1948 بدعم واضح وتام من سائر القوى العالمية التي بدأت تتصارع على بترول المنطقة وقناة السويس الحيوية والبحر الأحمر الهام وكذلك الخليج الفارسي / العربي أيضا، وقبل كل شيء على أسواق بيع السلاح والمصنوعات الآلية…
واشتد هذا الصراع عقودا من الزمن، غض فيها الطرف الأوربيون والأمريكان الذين كانوا “يدافعون!” عن الحريات السياسية والديموقراطية والأقليات القومية والدينية عن الممارسات الوحشية التي مارسها حكام المنطقة ضد المستضعفين في الأرض ، بل ودعموا دكتاتوريات عائلية وقبلية ومذهبية وطائفية في سبيل تعزيز مكانتهم لدى تلك الأنظمة الشمولية الرديئة من كل النواحي، وبالمقابل تمتعت تلك الدكتاتوريات ذاتها بدعم تام وشامل من “الرفاق!” السوفييت أيضا بذريعة أن هذه البلدان تعيش مرحلة “التوجه نحو الاشتراكية!” أو أن الصراع الأكبر ليس معها وانما مع الدول الامبريالية ونفوذها في المنطقة… وكان الدكتاتوريون يستفيدون من دعم المعسكرين الدوليين وصراعمها في تشديد قبضتهم الدموية على شعوبهم وفي تحقيق مزيد من نهب الأموال وافقار الشعوب وهدر الثروات الوطنية في مغامرات عسكرية وفي ظل شعارات براقة لم تأت لشعوب المنطقة بشيء سوى الهزائم والجرائم والنكسات والنكبات ومزيد من سفك دماء الأبرياء وبناء مزيد من السجون والمعتقلات…
ثم انهار المعسكر الاشتراكي وانفرط عقد الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو، وفقد الروس نفوذهم في الشرق الأوسط إلى حد كبير، في حين فقدت بذلك الانهيار تركيا، الحليفة الكبرى للغرب في جوار المنطقة البترولية، دورها الهام أيضا، وإذ بأنظمة المنطقة عامة، ومنها أنظمة صدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي خاص، غير قادرة على التلاؤم مع التغييرات الكبيرة والسريعة في العالم الجديد، وغير مؤهلة لاحداث إصلاحات جذرية لمواكبة المشاريع الدولية الخاصة بالمنطقة، ولها سجل مرعب في مجال انتهاك حقوق الإنسان وقمع الحريات ومعاداة الديموقراطية…
بعد 11 سبتمبر2001، أدرك العالم الغربي الذي سال لعابه لمرأى المنطقة خالية من النفوذ الروسي أنه أهمل أمرين هامين في فترة الحرب الباردة بينه وبين العالم الاشتراكي الزائل، أديا إلى ازدياد نشاط وعدد المنظمات الإرهابية التي تتخذ الدين ستارا لها والتي تعلن استعدادها للقيام بمثل تلك العمليات الانتحارية الكبيرة مستقبلا ، وهما:
أولا- مسألة الحرية وحقوق الإنسان وقضايا الأقليات القومية والدينية.
ثانيا – السكوت عن ممارسات وجرائم ونهب الدكتاتوريات يزيد من نقمة الشعوب على الداعمين لها.
كما وجد أن الفرصة مناسبة لبسط نفوذه التام بذريعة “الحرب على الإرهاب” بفعالية على المنطقة واسترداد المواقع التي كان قد فقدها في وقت سابق ، مثل ايران… فبدأ يضع خططا ومشاريع جديدة لاقتحام المنطقة عسكريا، ولمنع الصين، العملاق العالمي المنافس اقتصاديا، والعدو الآيديولوجي الأكبر حاليا، من احتلال تلك القلاع التي كانت تميل إلى السوفييت من قبل، مثل العراق وسوريا…
وإذا بالمنطقة بعد حربي العراق على كل من ايران والكويت تشهد اعادة ترتيب لم تشهده من قبل، فنظام صدام حسين الذي كان يشكل تهديدا حقيقيا لدول البترول الأخرى ولاسرائيل أيضا قد تم اسقاطه عسكريا بسهولة تامة، بعد سنوات الحصار الاقتصادي الطويلة (12) سنة على أثر تحرير الكويت من غزوه العسكري له، وتم التخلص من رؤوس النظام ووقف امكانية تسلحه النووي أو البيولوجي أوالكيميائي وتفكيك شبكاته البعثية التي كادت تسيطر على معظم القوى القومية العربية في العالم العربي بحكم الأموال الكثيرة التي في أيديها وسلاح الإرهاب والاغتيال ضد المناوئين لنظام صدام حسين والتي كانت تستفيد بشكل كبير من استخدام شعارات عروبية وتحريرية لكسب الموالين وبخاصة من الفلسطينيين.
والنظام السوري الذي كان يحتل لبنان لسنوات طويلة بمعرفة ورضاء الدول الكبرى في العالم والدول العربية جمعاء، ويتصرف في لبنان تصرف المستعمر في مستعمراته، قد طرد شر طردة، بعد اتهامه بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني المعارض للوجود السوري السيد رفيق الحريري وأكثر من عشرين شخص في موكبه في عملية ارهابية محكمة التدبير…
إلا أن النظام القوي الآخر في المنطقة، نظام آيات الله في طهران، الذي اشتد ساعده في المنطقة في زمن الحرب الباردة، مستفيدا من طاقاته المالية العظمية، بحكم الثروة البترولية الجبارة، ورغم عدائه التام لنظام صدام حسين والمنظمات السلفية السنية المتطرفة، لايقل خطرا على مصالح الدول البترولية واسرائيل والمصالح الغربية في المنطقة من نظام صدام حسين، وبخاصة فإنه يحاول الوصول إلى السواحل الغربية من البحر الأبيض بالاستفادة من النظام البعثي السوري ومن حزب الله اللبناني وحركة أمل اللبنانية ومن علاقاته التاكتيكية مع بعض المنظمات السنية الفلسطينية، كفتح الإٍسلام وحماس والجهاد وغيرها… هذا النظام يمتلك حدودا طويلة مشرفة على الساحل الشرقي – الشمالي للخليج بموازاة الدول العربية البترولية التي لم تعد تخفي فزعها الأكبر منه، وتسعى لتسليح نفسها بقوة خشية أن تتعرض لغزو إيراني كاسح، مثلما غزا صدام حسين دولة الكويت عام 1990.
كما أن حرب لبنان الأخيرة قد أثبتت بأن نظام طهران الذي لايخفي عدائه التام لاسرائيل واستعداده لمحوها من الوجود كان ولايزال الداعم الأكبر لحزب الله، عن طريق مخفرها المتقدم: دمشق، بالصواريخ التي ضربت العمق الاسرائيلي دون أن تتمكن اسرائيل من ايقافها… وهذا النظام ذاته يتعاون تماما مع سوريا في دعم منظمات إرهابية وفلول البعثيين داخل العراق، وهي منظمات ومجاميع تقتل جنود قوات التحالف الدولي التي أسقطت نظام صدام حسين، ويعمل جاهدا على عرقلة الجهود الوطنية العراقية لاحلال الأمن والاستقرار وبناء العراق الديموقراطي الفيدرالي، كما يرسل الجواسيس ويستخدم كل امكاناته السياسية والمالية والإعلامية وعلاقاته مع القوى العراقية التي كانت تعيش في كنفه أيام معارضتها لنظام البعث في محاولة مستمرة لافشال المشروع الأمريكي في العراق… والفشل في العراق سيترك لدى الشعب الأمريكي آثارا نفسية سيئة وعميقة مثل حرب الفيتنام من قبل، وسيضر بهيبة أقوى دولة في العالم وسيكون بمثابة انتصار للمنظمات الإرهابية المتطرفة التي تعمل على ضرب أمريكا في كل مكان من العالم.
وهذا ما يحاول الأمريكان، ديموقراطيين وجمهوريين ومستقلين، تفاديه وإيجاد مخرج لائق بهم كقوة دولية عظمى، ودون أن يتعرض العراق من بعدهم لانهيار تام، فيفشلون بذلك دوليا، ويعرضون دولتهم العظمى لهزائم متلاحقة تصيبهم مستقبلا…
في هذا الوضع المثير للعديد من التوقعات والسيناريوهات، تشرع الولايات المتحدة الأمريكية في عملية دعم عسكري هائل لدول اسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر، وتدعم سياسيا حكومة السيد فؤاد السنيورة في لبنان والرئيس الفلسطيني عباس محمود والرئيس العراقي المام جلال الطالباني، في محاولة لبناء سد منيع في وجه المعسكر الايراني الذي يضم سوريا الأسد، حزب الله، فتح الإسلام، القاعدة، حماس، ومجاميع شيعية معينة في العراق تأخذ أوامرها من طهران، وقوى شيعية لبنانية متحالفة مع بعض الزعماء المسيحيين والمسلمين اللبنانيين ومع الرئيس غير المرغوب فيه أميل لحود… وكأنها تقول: “إذا ما فشلنا في تنفيذ مشروعنا لدمقرطة الشرق الأوسط الكبير وأضطررنا للعودة إلى سياسة الأمن والاستقرار قبل الحرية والديموقراطية، فإن لنا أصدقاء أقوياء في المنطقة يمكننا مساندتهم وتوحيد قواهم في مواجهة الحلف الإيراني…!!” والإدارة الأمريكية في نهجها هذا انما تفرض نفسها على أوروبا وروسيا معا، وتجعلهما في مفترق طرق، إما مع الحلف الايراني أو مع أمريكا… وبرأيي:الأوربيون بحكم ضعفهم وعدم تماسكهم سيضطرون للوقوف مع أمريكا ضد الحلف الإيراني، وإن كان ذلك على مضض… أما الروس فإنهم بحكم انتهازية شرائحهم العليا الباحثة عن مزيد من الثروات على حساب الشعب الروسي الفقير، سيعززون من دعمهم العسكري للحلف الإيراني لسبب مالي فقط، ولم تعد تلعب المبادىء والسلام العالمي ومصالح شعوب المنطقة أهمية لدى موسكو، وانما كيف يمكن مزاحمة ومنافسة العالم الغربي في مجال تسويق البضائع والأسلحة فقط، وعلى الرغم من أن روسيا تعاني من تفاقم المشاكل بسبب توغل المنظمات الإسلامية المتطرفة في بلادها، عبر الشيشان وغيرها…
ولكن حبذا لو قدمت الولايات المتحدة الأمريكية هذه المساعدات الكبيرة إلى اقتصاد هذه الدول وسخرتها في مشاريع تعود على الطبقات المسحوقة من شعوب المنطقة وعلى المعارضات الديموقراطية فيها، بدلا من تقديمها كمساعدات عسكرية لأن أحد أهم أسباب نمو وانتشار الإرهاب هو ازدياد الشرخ الاجتماعي بين الفئات الحاكمة في الشرق الأوسط وجماهير الشعب الفقيرة، حيث يستغله المتطرفون للقيام بعملية مسح دماغ لملايين الشباب العاطل عن العمل والذي سدت في وجهه أبواب الحياة الكريمة، ويعتبرون الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها في المنطقة السبب الرئيسي في شقائهم الكبير…
مما نقرأه ونسمعه ونراه، نجد أن المنطقة تسير في طريق مسدود، والصراع يزداد حدة بين “الحلف الأمريكي” و”الحلف الإيراني” والاصطدام لم يعد سوى مسألة وقت… وسيكون اصطداما عنيفا لأن الولايات المتحدة واسرائيل لن تقبلا بركوعهما أمام “الحلف الإيراني” لأن في ذلك نهاية اسرائيل، وهذا الحلف من جهته يعتبر نفسه قويا بم فيه الكفاية للدخول في صراع عسكري ومكشوف شامل على مستوى المنطقة ضد المصالح الأمريكية واستراتيجيتها… على الرغم من أنه – كما يبدو – لا يستطيع تحقيق انتصار شامل على الولايات المتحدة أو يتمكن من غزو الولايات المتحدة وضرب مدنها أو شعبها مباشرة، في حين أن جميع المدن الايرانية والسورية ومواقع أحزاب الله في متناول صواريخ القوات الأمريكية…
السلاح الوحيد القوي في أيدي “الحلف الإيراني” ليس القوات المسلحة وانما “المنظمات الإرهابية والانتحارية”، وإذا أرادت أمريكا نزع السلاح في هذا المجال من أيدي “الحلف الايراني” فإن عليها السير في طريق “دمقرطة الشرق الأوسط الكبير”حتى النهاية وليس تقوية الأنظمة اللاديموقراطية عسكريا، كما تفعل الآن….
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية وتدهور أحوال المستعمرين الفرنسيين والانجليز في الشرق الأوسط برزت الولايات المتحدة الأمريكية على رقعة الشطرنج الشرق أوسطي كإحدى أهم القوى العالمية الغربية، في حين ارتفع مستوى التأثير السوفييتي – الشيوعي في أحداث وتطورات المنطقة باقتحام الجيش الأحمر مدينة برلين، عاصمة النازية الألمانية لتنهي بالتعاون مع المستعمرين الذين نازعتهم الشيوعية، الانجليز والفرنسيين والأمريكان، حكم النازيين وليقسموا أوروبا فيما بينهم بين أوروبا شرقية تحت سيطرة موسكو وأوروبا غربية في قبضة واشنطن ولندن وباريس… وأدى هذا التقسيم العالمي الجديد ونشوء محورين عظيمين، حلف وارسو وحلف الناتو، إلى توزيع جديد للأدوار في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة بعد قيام دولة اسرائيل عام 1948 بدعم واضح وتام من سائر القوى العالمية التي بدأت تتصارع على بترول المنطقة وقناة السويس الحيوية والبحر الأحمر الهام وكذلك الخليج الفارسي / العربي أيضا، وقبل كل شيء على أسواق بيع السلاح والمصنوعات الآلية…
واشتد هذا الصراع عقودا من الزمن، غض فيها الطرف الأوربيون والأمريكان الذين كانوا “يدافعون!” عن الحريات السياسية والديموقراطية والأقليات القومية والدينية عن الممارسات الوحشية التي مارسها حكام المنطقة ضد المستضعفين في الأرض ، بل ودعموا دكتاتوريات عائلية وقبلية ومذهبية وطائفية في سبيل تعزيز مكانتهم لدى تلك الأنظمة الشمولية الرديئة من كل النواحي، وبالمقابل تمتعت تلك الدكتاتوريات ذاتها بدعم تام وشامل من “الرفاق!” السوفييت أيضا بذريعة أن هذه البلدان تعيش مرحلة “التوجه نحو الاشتراكية!” أو أن الصراع الأكبر ليس معها وانما مع الدول الامبريالية ونفوذها في المنطقة… وكان الدكتاتوريون يستفيدون من دعم المعسكرين الدوليين وصراعمها في تشديد قبضتهم الدموية على شعوبهم وفي تحقيق مزيد من نهب الأموال وافقار الشعوب وهدر الثروات الوطنية في مغامرات عسكرية وفي ظل شعارات براقة لم تأت لشعوب المنطقة بشيء سوى الهزائم والجرائم والنكسات والنكبات ومزيد من سفك دماء الأبرياء وبناء مزيد من السجون والمعتقلات…
ثم انهار المعسكر الاشتراكي وانفرط عقد الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو، وفقد الروس نفوذهم في الشرق الأوسط إلى حد كبير، في حين فقدت بذلك الانهيار تركيا، الحليفة الكبرى للغرب في جوار المنطقة البترولية، دورها الهام أيضا، وإذ بأنظمة المنطقة عامة، ومنها أنظمة صدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي خاص، غير قادرة على التلاؤم مع التغييرات الكبيرة والسريعة في العالم الجديد، وغير مؤهلة لاحداث إصلاحات جذرية لمواكبة المشاريع الدولية الخاصة بالمنطقة، ولها سجل مرعب في مجال انتهاك حقوق الإنسان وقمع الحريات ومعاداة الديموقراطية…
بعد 11 سبتمبر2001، أدرك العالم الغربي الذي سال لعابه لمرأى المنطقة خالية من النفوذ الروسي أنه أهمل أمرين هامين في فترة الحرب الباردة بينه وبين العالم الاشتراكي الزائل، أديا إلى ازدياد نشاط وعدد المنظمات الإرهابية التي تتخذ الدين ستارا لها والتي تعلن استعدادها للقيام بمثل تلك العمليات الانتحارية الكبيرة مستقبلا ، وهما:
أولا- مسألة الحرية وحقوق الإنسان وقضايا الأقليات القومية والدينية.
ثانيا – السكوت عن ممارسات وجرائم ونهب الدكتاتوريات يزيد من نقمة الشعوب على الداعمين لها.
كما وجد أن الفرصة مناسبة لبسط نفوذه التام بذريعة “الحرب على الإرهاب” بفعالية على المنطقة واسترداد المواقع التي كان قد فقدها في وقت سابق ، مثل ايران… فبدأ يضع خططا ومشاريع جديدة لاقتحام المنطقة عسكريا، ولمنع الصين، العملاق العالمي المنافس اقتصاديا، والعدو الآيديولوجي الأكبر حاليا، من احتلال تلك القلاع التي كانت تميل إلى السوفييت من قبل، مثل العراق وسوريا…
وإذا بالمنطقة بعد حربي العراق على كل من ايران والكويت تشهد اعادة ترتيب لم تشهده من قبل، فنظام صدام حسين الذي كان يشكل تهديدا حقيقيا لدول البترول الأخرى ولاسرائيل أيضا قد تم اسقاطه عسكريا بسهولة تامة، بعد سنوات الحصار الاقتصادي الطويلة (12) سنة على أثر تحرير الكويت من غزوه العسكري له، وتم التخلص من رؤوس النظام ووقف امكانية تسلحه النووي أو البيولوجي أوالكيميائي وتفكيك شبكاته البعثية التي كادت تسيطر على معظم القوى القومية العربية في العالم العربي بحكم الأموال الكثيرة التي في أيديها وسلاح الإرهاب والاغتيال ضد المناوئين لنظام صدام حسين والتي كانت تستفيد بشكل كبير من استخدام شعارات عروبية وتحريرية لكسب الموالين وبخاصة من الفلسطينيين.
والنظام السوري الذي كان يحتل لبنان لسنوات طويلة بمعرفة ورضاء الدول الكبرى في العالم والدول العربية جمعاء، ويتصرف في لبنان تصرف المستعمر في مستعمراته، قد طرد شر طردة، بعد اتهامه بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني المعارض للوجود السوري السيد رفيق الحريري وأكثر من عشرين شخص في موكبه في عملية ارهابية محكمة التدبير…
إلا أن النظام القوي الآخر في المنطقة، نظام آيات الله في طهران، الذي اشتد ساعده في المنطقة في زمن الحرب الباردة، مستفيدا من طاقاته المالية العظمية، بحكم الثروة البترولية الجبارة، ورغم عدائه التام لنظام صدام حسين والمنظمات السلفية السنية المتطرفة، لايقل خطرا على مصالح الدول البترولية واسرائيل والمصالح الغربية في المنطقة من نظام صدام حسين، وبخاصة فإنه يحاول الوصول إلى السواحل الغربية من البحر الأبيض بالاستفادة من النظام البعثي السوري ومن حزب الله اللبناني وحركة أمل اللبنانية ومن علاقاته التاكتيكية مع بعض المنظمات السنية الفلسطينية، كفتح الإٍسلام وحماس والجهاد وغيرها… هذا النظام يمتلك حدودا طويلة مشرفة على الساحل الشرقي – الشمالي للخليج بموازاة الدول العربية البترولية التي لم تعد تخفي فزعها الأكبر منه، وتسعى لتسليح نفسها بقوة خشية أن تتعرض لغزو إيراني كاسح، مثلما غزا صدام حسين دولة الكويت عام 1990.
كما أن حرب لبنان الأخيرة قد أثبتت بأن نظام طهران الذي لايخفي عدائه التام لاسرائيل واستعداده لمحوها من الوجود كان ولايزال الداعم الأكبر لحزب الله، عن طريق مخفرها المتقدم: دمشق، بالصواريخ التي ضربت العمق الاسرائيلي دون أن تتمكن اسرائيل من ايقافها… وهذا النظام ذاته يتعاون تماما مع سوريا في دعم منظمات إرهابية وفلول البعثيين داخل العراق، وهي منظمات ومجاميع تقتل جنود قوات التحالف الدولي التي أسقطت نظام صدام حسين، ويعمل جاهدا على عرقلة الجهود الوطنية العراقية لاحلال الأمن والاستقرار وبناء العراق الديموقراطي الفيدرالي، كما يرسل الجواسيس ويستخدم كل امكاناته السياسية والمالية والإعلامية وعلاقاته مع القوى العراقية التي كانت تعيش في كنفه أيام معارضتها لنظام البعث في محاولة مستمرة لافشال المشروع الأمريكي في العراق… والفشل في العراق سيترك لدى الشعب الأمريكي آثارا نفسية سيئة وعميقة مثل حرب الفيتنام من قبل، وسيضر بهيبة أقوى دولة في العالم وسيكون بمثابة انتصار للمنظمات الإرهابية المتطرفة التي تعمل على ضرب أمريكا في كل مكان من العالم.
وهذا ما يحاول الأمريكان، ديموقراطيين وجمهوريين ومستقلين، تفاديه وإيجاد مخرج لائق بهم كقوة دولية عظمى، ودون أن يتعرض العراق من بعدهم لانهيار تام، فيفشلون بذلك دوليا، ويعرضون دولتهم العظمى لهزائم متلاحقة تصيبهم مستقبلا…
في هذا الوضع المثير للعديد من التوقعات والسيناريوهات، تشرع الولايات المتحدة الأمريكية في عملية دعم عسكري هائل لدول اسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر، وتدعم سياسيا حكومة السيد فؤاد السنيورة في لبنان والرئيس الفلسطيني عباس محمود والرئيس العراقي المام جلال الطالباني، في محاولة لبناء سد منيع في وجه المعسكر الايراني الذي يضم سوريا الأسد، حزب الله، فتح الإسلام، القاعدة، حماس، ومجاميع شيعية معينة في العراق تأخذ أوامرها من طهران، وقوى شيعية لبنانية متحالفة مع بعض الزعماء المسيحيين والمسلمين اللبنانيين ومع الرئيس غير المرغوب فيه أميل لحود… وكأنها تقول: “إذا ما فشلنا في تنفيذ مشروعنا لدمقرطة الشرق الأوسط الكبير وأضطررنا للعودة إلى سياسة الأمن والاستقرار قبل الحرية والديموقراطية، فإن لنا أصدقاء أقوياء في المنطقة يمكننا مساندتهم وتوحيد قواهم في مواجهة الحلف الإيراني…!!” والإدارة الأمريكية في نهجها هذا انما تفرض نفسها على أوروبا وروسيا معا، وتجعلهما في مفترق طرق، إما مع الحلف الايراني أو مع أمريكا… وبرأيي:الأوربيون بحكم ضعفهم وعدم تماسكهم سيضطرون للوقوف مع أمريكا ضد الحلف الإيراني، وإن كان ذلك على مضض… أما الروس فإنهم بحكم انتهازية شرائحهم العليا الباحثة عن مزيد من الثروات على حساب الشعب الروسي الفقير، سيعززون من دعمهم العسكري للحلف الإيراني لسبب مالي فقط، ولم تعد تلعب المبادىء والسلام العالمي ومصالح شعوب المنطقة أهمية لدى موسكو، وانما كيف يمكن مزاحمة ومنافسة العالم الغربي في مجال تسويق البضائع والأسلحة فقط، وعلى الرغم من أن روسيا تعاني من تفاقم المشاكل بسبب توغل المنظمات الإسلامية المتطرفة في بلادها، عبر الشيشان وغيرها…
ولكن حبذا لو قدمت الولايات المتحدة الأمريكية هذه المساعدات الكبيرة إلى اقتصاد هذه الدول وسخرتها في مشاريع تعود على الطبقات المسحوقة من شعوب المنطقة وعلى المعارضات الديموقراطية فيها، بدلا من تقديمها كمساعدات عسكرية لأن أحد أهم أسباب نمو وانتشار الإرهاب هو ازدياد الشرخ الاجتماعي بين الفئات الحاكمة في الشرق الأوسط وجماهير الشعب الفقيرة، حيث يستغله المتطرفون للقيام بعملية مسح دماغ لملايين الشباب العاطل عن العمل والذي سدت في وجهه أبواب الحياة الكريمة، ويعتبرون الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها في المنطقة السبب الرئيسي في شقائهم الكبير…
مما نقرأه ونسمعه ونراه، نجد أن المنطقة تسير في طريق مسدود، والصراع يزداد حدة بين “الحلف الأمريكي” و”الحلف الإيراني” والاصطدام لم يعد سوى مسألة وقت… وسيكون اصطداما عنيفا لأن الولايات المتحدة واسرائيل لن تقبلا بركوعهما أمام “الحلف الإيراني” لأن في ذلك نهاية اسرائيل، وهذا الحلف من جهته يعتبر نفسه قويا بم فيه الكفاية للدخول في صراع عسكري ومكشوف شامل على مستوى المنطقة ضد المصالح الأمريكية واستراتيجيتها… على الرغم من أنه – كما يبدو – لا يستطيع تحقيق انتصار شامل على الولايات المتحدة أو يتمكن من غزو الولايات المتحدة وضرب مدنها أو شعبها مباشرة، في حين أن جميع المدن الايرانية والسورية ومواقع أحزاب الله في متناول صواريخ القوات الأمريكية…
السلاح الوحيد القوي في أيدي “الحلف الإيراني” ليس القوات المسلحة وانما “المنظمات الإرهابية والانتحارية”، وإذا أرادت أمريكا نزع السلاح في هذا المجال من أيدي “الحلف الايراني” فإن عليها السير في طريق “دمقرطة الشرق الأوسط الكبير”حتى النهاية وليس تقوية الأنظمة اللاديموقراطية عسكريا، كما تفعل الآن….