محمد شمس الدين البريفكاني
ربما أصبح الحديث عن العلم العراقي موضوعا قديما لايستحق المزيد من الحديث أو الكتابة عنه، خاصة بعد أن إتخذ برلمان كوردستان قرارا واضحا وثابتا وجريئا بعدم رفعه في كافة مناطق الأقليم، لما يمثله ذلك العلم من ذكريات سوداء مريرة في تأريخ وذاكرة شعبنا الكوردي، حيث ارتكبت تحت ظله أبشع جرائم القتل والتعذيب والتهجير والإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الكوردي في كوردستان العراق، فقد أصبح الموضوع نافذا ومنتهيا وأمرا واقعا لاتراجع عنه.
لكن ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو مقال للسيد أمير طاهري نشرته جريدة الشرق الأوسط على موقعها الألكتروني ليوم 10ـ 08 ـ 2007 تحدث فيه من جديد عن موضوع العلم الذي أسماه بالوطني، وهو في حقيقته لايمت الى الوطنية بصلة بل يستحق أن يطلق عليه وبجدارة العلم اللاوطني، علم الجريمة وإرهاب الدولة خاصة بعد أن كتب عليه الطاغية صدام حسين بيده القذرة عبارة {ألله أكبر} تلك اليد الملوثة بدماء مئات الآلاف من أبناء الشعب العراقي الأحرار الذين عارضوا نظامه القمعي وقاوموا ظلمه وطغيانه،
لقد بدا السيد طاهري متحاملا على حكومة أقليم كردستان وجاء مقاله مليئا بالمغالطات والإتهامات الباطلة التي حاول أن يروج لها في إطار من الودية أو النصيحة مستذكرا لقائه القديم بالزعيم الكردي الخالد مصطفى البرزاني قبل عشرات السنين لعل ذلك يسعفه في تقبل نصائحه الملغومة وحيلته الخبيثة التي لاتنطلي على أحد.
بدأ مقاله بسؤال غريب وهو في أي بلد يمكن أن يدخل المرء السجن إذا رفع العلم الوطني، ثم يجيب على سؤاله بأن ذلك حدث في العراق وبالتحديد في المحافظات الثلاث ذات الأغلبية الكردية في الشمال الشرقي حيث لاتتمتع الحكومة بوجود فعال منذ سنة 1991 ويشير الى مناسبة فوز منتخب العرق لكرة القدم في بطولة آسيا حيث إندفعت الحشود الى شوارع أربيل للإحتفال بهذه المناسبة، وإن البعض رفعوا العلم الوطني الذي حقق الفريق العراقي الفوز تحت ظله، لكن كما يقول فإن السلطات المحلية إعتبرتها جريمة وألقت القبض على 50 شابا أطلق سراحهم بعد فترة قصيرة.
ثم تطرق الى الإحتفال الذي أقامته قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في كوردستان بمناسبة تسليم المسؤولية الأمنية الى القوات الكوردية وذكر بأن العلم العراقي لم يرفع في تلك المناسبة، أيضا ذكر في مقاله بأن رجل الدولة الكردي جلال طالباني أدى اليمين الدستورية تحت ظله كرئيس للعراق.
ثم يقول الكاتب بان مسعود بارزاني سيفعل خيرا لو تذكر بأن المرء لايمكنه مكافحة شوفينية القومية العربية بشوفينية كردية.
أعتقد بأن كل من لديه إلمام بسيط بتأريخ ونضال الشعب الكوردي وبالأوضاع السياسية الجديدة في العراق وكوردستان، لو قرأ مقال السيد طاهري بحيادية تامة ثم أمعن التفكير قليلا سيكتشف قبل كل شئ بأن الكاتب أوقع نفسه في مأزق كبير وتناقض خطيربين مفهوم الوطنية والشوفينية، حتى ليبدو وكأنه لايفرق بينهما وإنه على جهل تام بجغرافية العراق وبما يجري فيه من تطورات سياسية وديمقراطية كبيرة ومتسارعة.
لكني أقول بأن الكاتب ليس جاهلا بهذه الأمور، بل هو على معرفة تامة بها، لكنها الفكرة الشوفينية القومية المتعصبة والمتأصلة في نفسه والتي يحاول جاهدا كما يفعل الكثير من أمثاله الكتاب الشوفينيين بالإمساك بزمامها داخل نفوسهم المريضة لكنها تأبى إلا أن تفلت منهم لتكشف عن حقيقة مشاعرهم ونواياهم تجاه شعبنا الكوردي وطموحاته المشروعة من أجل نيل حقوقه القومية.
لقد أكد الكاتب فكره الشوفيني حين أبى أن يسمي المحافظات الكوردية الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك بالمدن الكوردية بل أسماها بالمحافظات ذات الغالبية الكوردية في الشمال الشرقي ولم يذكر إسم كوردستان، علما بأن النظام البعثي المنهار ومنذ إتفاقية 11 آذار سنة 1970 كان يستخدم إسم كوردستان العراق.
والآن وبعد مرور 27 سنة نجد السيد الطاهري لايريد ولا تطاوعه نفسه بأن يذكر إسم كوردستان كأقليم كوردستان الفدرالي بل يذكرها كمنطقة الحكم الذاتي، وهو يعلم جيدا بأن الحكم الذاتي كان مطلبا كورديا لمرحلة معينة تجاوزها الزمن وتجاوزتها الأحداث، وإن كوردستان أصبح أقليما فدراليا في ظل عراق ديمقراطي فدرالي موحد، أقره دستور العراق الجديد وقد إختار الكورد البقاء طواعية مع هذا العراق الجديد وأصبح لهم دورا مهما وفاعلا في العملية السيايسة ليس في العراق فحسب بل في المنطقة والعالم أجمع.
في أقليم كوردستان لاتتمتع الحكومة التي يقصدها السيد طاهري وهي حكومة بغداد بوجود فعال بل لاوجود لها أصلا، لأن الأقليم يتمتع بإستقلال تام عن حكومة المركز في بغداد، وبدلا عنها توجد حكومة كوردية وطنية قوية لها وجود فعال في كل مرافق الدولة، تحظى بثقة وإحترام الشعب الكوردي لأنها منبثقة منه وتعمل على خدمته وتطوير مجتمعه، وللأجهزة الأمنية في أقليم كوردستان دور فاعل وكبير في حفظ الأمن والإستقرار والسهر على راحة المواطنين حتى غدت كوردستان المنطقة الآمنة والمستقرة الوحيدة في العراق.
ولا أحد يسجن بسبب رفع العلم الوطني كما قال السيد الطاهري، لكن ما حدث كان مؤامرة خبيثة من بعض الأطراف السياسية المعادية والإرهابية التي أرادت أن تعكر صفو الأمن والإستقرار في هذا الأقليم بإفتعال أزمة وإختلاق فتنة بسبب رفع العلم الصدامي وإستجابت بعض النفوس الضعيفة عن جهل أو سذاجة لتلك النوايا الخبيثة، لكن المسؤولين في حكومة الأقليم إنتبهوا للأمر بسرعة وطوقوا تلك الفتنة بإحتجاز بعض أولئك الشباب الى حين إنتهاء تلك الأحتفالات الكبيرة التي إمتلأت بها شوارع مدن كوردستان، ثم أخلي سبيلهم بدون محاكمة أو مسائلة، وبذلك قطعت الطريق أمام من أرادوا الشر لكوردستان وأهلها.
في العراق الجديد جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات مهما إختلفت قومياتهم أو طوائفهم أو دياناتهم، وعندما أدى الرجل الكوردي جلال طالباني اليمين الدستورية تحت ظل العلم العراقي لم يفعل ذلك ككوردي بل كعراقي إنتخب من قبل كل الأطراف السياسية رئيسا لجمهورية العراق، وبما أن البرلمان العراقي لم يتخذ أي قرار بتغيير ذلك العلم فمن البديهي أن يؤدي اليمين الدستورية تحت ظله السيد جلال طالباني كرئيس للجمهورية أو أي رجل آخر ينتخب لهذا المنصب، فهو علم العراق والشعب العراقي له كامل الحرية بتغييره أو الإبقاء عليه، ويعلم الجميع بأن الكورد عملوا جاهدين من خلال مؤسسات الدولة
وبالوسائل الديمقراطية على تغيير هذا العلم الى علم جديد يرمز الى وجود قوميتين رئيسيتين متمثلتين بالكورد والعرب لكن ذلك لم يتحقق ويبقى الأمر في النهاية شأنا عراقيا مركزيا.
أما فيما يخص الشعب الكوردي فإنه غير ملزم بهذا العلم وقد قال كلمته بحقه من خلال برلمانه وعلى لسان رئيسه السيد مسعود بارزاني، وأصبح الأمر منتهيا وسوف لن يرفع هذا العلم في أي مكان من كوردستان.
إن من أبسط معاني الشوفينية هي مصادرة حرية وحقوق الشعوب وفرض رغبات وثقافة الآخر عليهم، وقد عانى الشعب الكوردي كثيرا من شوفينية النظام البعثي البائد حيث فرضت عليه رغبات وثقافة وسياسات حزب البعث وتمت عمليات تعريب واسعة للمدن والأسماء الكردية، في الوقت الذي لم يحاول الشعب الكوردي فرض ثقافته على الآخرين، بل عملت حكومة أقليم كوردستان على تثبيت الحقوق القومية الكاملة للقوميات والأقليات التي تعيش في كوردستان كمواد ثابتة في الدستور الجديد الذي أقره برلمان كوردستان، لذلك وكما يعلم الجميع فإن مصطلح الشوفينية لاوجود له قطعيا في قاموس أو أدبيات أو ثقافة شعبنا الكوردي، وإن قرار حكومة وبرلمان أقليم كوردستان بعدم رفع العلم العراقي في كوردستان ليس قرارا شوفينيا كما يقول السيد طاهري، بل هو قرار وطني شجاع يحظى بدعم وتأييد كل فئات الشعب الكردي، وقد عمل السيد مسعود بارزاني خيرا حين أمر بعدم رفع ذلك العلم، إذ ليس الخير كما يتمناه السيد طاهري بالقبول بالعلم القديم لحين إستحداث علم جديد.
نعم لقد كان البارزاني الكبير يصر على أن مستقبل القضية الكوردية وحركته التحررية يجب أن يكون سياسيا، ومن خلال المفاوضات وإقرار الحقوق القومية للشعب الكوردي، ولم يكن يرغب مطلقا في القتال من أجل تحقيق ذلك لكن لم تكن لديه أية خيارات أخرى فالحرب كانت دائما مفروضة عليه لأنها كانت اللغة الوحيدة التي كان يفهما وينتهجها قادة الأنظمة العراقية المتعاقبة الذين لم يعترفوا بالحقوق القومية المشروعة لهذا الشعب.
ولم يكن الزعيم الخالد مصطفى البارزاني كما يقول السيد الطاهري مهزوما أو مشاركا في جزء من مسؤولية مجيئ الدكتاتورية البعثية الى الحكم، والكل يعلم بأن الزعيم الخالد حارب دكتاتورية البعث بكل ما أوتي من قوة، وكان رجل سلام قبل أن يكون رجل حرب، ولم يكن يفوت أية فرصة مهما كانت صغيرة من أجل إيقاف نزيف الدم العراقي، العربي والكوردي الذي كان يسيل على أرض كوردستان، والذي كان من شأنه تحقيق جزء من طموحات وحقوق الشعب الكوردي التي ناضل من أجلها.
لذلك قبل وبدون تردد ومن موقع القوة مبادرة السلام التي تقدم بها نظام البعث والتي تمثلت بإتفاقية 11 آذار 1970التي منحت الشعب الكوردي حكما ذاتيا ضمن إطار الجمهورية العراقية.
لكن النظام البعثي ما أن إستتبت له الأمور وهدأ الموقف على الجبهة الشمالية حتى بدا بحياكة المؤامرات للإلتفاف على الإتفاقية، وقام بمحاولات فاشلة لإغتيال الزعيم والأب الروحي للشعب الكوردي مصطفى البارزاني، وبعد مضي أربعة سنوات على الإتفاقية كان النظام البعثي قد فشل في تنفيذ مخططاته الخيانية فتنصل من كل إلتزاماته تجاه الشعب الكوردي التي نصت عليها إتفاقية آذار، مما أدى إلى إندلاع القتال مجددا.
وخلال سنة واحدة مني النظام بهزائم كثيرة حتى إنه لم يعد بإمكان قواته مواصلة القتال كما إعترف بذلك صدام حسين لاحقا، وكانت القوات الكوردية على وشك تحقيق إنتصار عسكري إستراتيجي كبير ونهائي على القوات العراقية، لولا إن صدام لجأ الى شاه إيران وعقد معه وبمساعدة ووساطة الرئيس الجزائري هواري بومدين إتفاقية الجزائرالمشؤومة وقدم الكثير من التنازلات السياسية والجغرافية من أجل القضاء على الحركة التحررية الكوردية، لكن البارزاني بحكمته وحنكته السياسية أنتبه الى تلك المؤامرة الخبيثة وفهم ابعادها الشريرة ولكي يقطع الطريق أمامهم لتحقيق أهدافهم العدوانية أمر بإيقاف القتال بشكل مؤقت وعودة المقاتلين الكورد الى بيوتهم أو السفر الى خارج العراق كل حسب رغبته، على أن يمارس الحزب الديمقراطي الكوردستاني ممارسة نضاله السياسي للمضي قدما على طريق تحقيق أهداف وطموحات الشعب الكردي التي ناضل الحزب من أجلها.
لقد كان قرار الأب الخالد البرزاني الكبير إنتصارا لشعبه وقضيته وحقنا لدماء أبناءه، وليس هزيمة كما يحلو للسيد طاهري تسميتها، ثورته لم تتوقف فقد عادت الى الإنطلاق من جديد حيث حمل الراية من بعده إبنه وإبن الشعب الكردي البار مسعود بارزاني الذي سار على خطى والده ومعلمه البارزاني منتهجا كل الأساليب الشريفة والمشروعة من أجل الدفاع عن قضية شعبه ونيل حقوقه فكان أن حمل السلاح بيد مكرها لا راغبا وحمل راية السلام والدعوة الى المفاوضات من أجل حل المشاكل وإقرار الحقوق القومية، وقد أصبح بفضل سياسته المعتدلة ودعوته الدائمة الى السلام والمصالحة رمزا وطنيا ورجل سلام إكتسب ثقة وإحترامالأعداء قبل الأصدقاء.
نعم لقد كان البرزاني منتصرا في كل حياته حتى في أحلك الظروف وأشدها ضعفا وخطورة على مستقبل شعبه، ولايزال وسيبقى منتصرا ورمزا دائما للحرية والكرامة واالسيادة ومقارعة الظلم والطغيان، لقد أصبح إسمه ونهجه وكفاحه مدرسة للسلام حيث إفتتح في واشنطن مركز دراسات البارزاني للسلام ليستفيد ويتعلم منه كل من يحترم السلام ويؤمن به .
أما ضريحه فقد أصبح مزارا خالدا تأتي لزيارته الوفود السياسية والدبلوماسية، بالإضافة الى محبيه من أبناء شعبه ومن كل دول العالم، ليضعوا أكاليل الزهور ويحنوا هاماتهم إحتراما وإجلالا أمام هذا الرجل الكبير بطل الحرب والسلام، بعد أن تحقق لشعبه الكثير مما كان يناضل من أجله، وحصل على إستقلال ذاتي شبه كامل متمثلا في النظام الفدرالي الجديد والذي هو الأساس السليم لتكوين الدولة الكردية المستقلة عاجلا أو آجلا وهو حق قانوني مشروع ومسألة وقت ليس إلا.
أتمنى أن يحتفظ السيد طاهري ومن على شاكلته بنصائحهم، ويوفروها لأنفسهم وأن يتركوا الشعب الكوردي يقرر مصيره ومستقبله بنفسه فهو يعلم جيدا ما يريد وما عليه أن يفعل، وبدلا من أن يتخذوا مواقف معادية أو حتى سلبية من الشعب الكردي وقضيته العادلة، عليهم أن يمدوا جسور المحبة والصداقة والتعاون التي تقربهم من هذا الشعب التواق الى النور والسلام وكسب المزيد من الأصدقاء الشرفاء في كل مكان من العالم.
المانيـــــا
لقد بدا السيد طاهري متحاملا على حكومة أقليم كردستان وجاء مقاله مليئا بالمغالطات والإتهامات الباطلة التي حاول أن يروج لها في إطار من الودية أو النصيحة مستذكرا لقائه القديم بالزعيم الكردي الخالد مصطفى البرزاني قبل عشرات السنين لعل ذلك يسعفه في تقبل نصائحه الملغومة وحيلته الخبيثة التي لاتنطلي على أحد.
بدأ مقاله بسؤال غريب وهو في أي بلد يمكن أن يدخل المرء السجن إذا رفع العلم الوطني، ثم يجيب على سؤاله بأن ذلك حدث في العراق وبالتحديد في المحافظات الثلاث ذات الأغلبية الكردية في الشمال الشرقي حيث لاتتمتع الحكومة بوجود فعال منذ سنة 1991 ويشير الى مناسبة فوز منتخب العرق لكرة القدم في بطولة آسيا حيث إندفعت الحشود الى شوارع أربيل للإحتفال بهذه المناسبة، وإن البعض رفعوا العلم الوطني الذي حقق الفريق العراقي الفوز تحت ظله، لكن كما يقول فإن السلطات المحلية إعتبرتها جريمة وألقت القبض على 50 شابا أطلق سراحهم بعد فترة قصيرة.
ثم تطرق الى الإحتفال الذي أقامته قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في كوردستان بمناسبة تسليم المسؤولية الأمنية الى القوات الكوردية وذكر بأن العلم العراقي لم يرفع في تلك المناسبة، أيضا ذكر في مقاله بأن رجل الدولة الكردي جلال طالباني أدى اليمين الدستورية تحت ظله كرئيس للعراق.
ثم يقول الكاتب بان مسعود بارزاني سيفعل خيرا لو تذكر بأن المرء لايمكنه مكافحة شوفينية القومية العربية بشوفينية كردية.
أعتقد بأن كل من لديه إلمام بسيط بتأريخ ونضال الشعب الكوردي وبالأوضاع السياسية الجديدة في العراق وكوردستان، لو قرأ مقال السيد طاهري بحيادية تامة ثم أمعن التفكير قليلا سيكتشف قبل كل شئ بأن الكاتب أوقع نفسه في مأزق كبير وتناقض خطيربين مفهوم الوطنية والشوفينية، حتى ليبدو وكأنه لايفرق بينهما وإنه على جهل تام بجغرافية العراق وبما يجري فيه من تطورات سياسية وديمقراطية كبيرة ومتسارعة.
لكني أقول بأن الكاتب ليس جاهلا بهذه الأمور، بل هو على معرفة تامة بها، لكنها الفكرة الشوفينية القومية المتعصبة والمتأصلة في نفسه والتي يحاول جاهدا كما يفعل الكثير من أمثاله الكتاب الشوفينيين بالإمساك بزمامها داخل نفوسهم المريضة لكنها تأبى إلا أن تفلت منهم لتكشف عن حقيقة مشاعرهم ونواياهم تجاه شعبنا الكوردي وطموحاته المشروعة من أجل نيل حقوقه القومية.
لقد أكد الكاتب فكره الشوفيني حين أبى أن يسمي المحافظات الكوردية الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك بالمدن الكوردية بل أسماها بالمحافظات ذات الغالبية الكوردية في الشمال الشرقي ولم يذكر إسم كوردستان، علما بأن النظام البعثي المنهار ومنذ إتفاقية 11 آذار سنة 1970 كان يستخدم إسم كوردستان العراق.
والآن وبعد مرور 27 سنة نجد السيد الطاهري لايريد ولا تطاوعه نفسه بأن يذكر إسم كوردستان كأقليم كوردستان الفدرالي بل يذكرها كمنطقة الحكم الذاتي، وهو يعلم جيدا بأن الحكم الذاتي كان مطلبا كورديا لمرحلة معينة تجاوزها الزمن وتجاوزتها الأحداث، وإن كوردستان أصبح أقليما فدراليا في ظل عراق ديمقراطي فدرالي موحد، أقره دستور العراق الجديد وقد إختار الكورد البقاء طواعية مع هذا العراق الجديد وأصبح لهم دورا مهما وفاعلا في العملية السيايسة ليس في العراق فحسب بل في المنطقة والعالم أجمع.
في أقليم كوردستان لاتتمتع الحكومة التي يقصدها السيد طاهري وهي حكومة بغداد بوجود فعال بل لاوجود لها أصلا، لأن الأقليم يتمتع بإستقلال تام عن حكومة المركز في بغداد، وبدلا عنها توجد حكومة كوردية وطنية قوية لها وجود فعال في كل مرافق الدولة، تحظى بثقة وإحترام الشعب الكوردي لأنها منبثقة منه وتعمل على خدمته وتطوير مجتمعه، وللأجهزة الأمنية في أقليم كوردستان دور فاعل وكبير في حفظ الأمن والإستقرار والسهر على راحة المواطنين حتى غدت كوردستان المنطقة الآمنة والمستقرة الوحيدة في العراق.
ولا أحد يسجن بسبب رفع العلم الوطني كما قال السيد الطاهري، لكن ما حدث كان مؤامرة خبيثة من بعض الأطراف السياسية المعادية والإرهابية التي أرادت أن تعكر صفو الأمن والإستقرار في هذا الأقليم بإفتعال أزمة وإختلاق فتنة بسبب رفع العلم الصدامي وإستجابت بعض النفوس الضعيفة عن جهل أو سذاجة لتلك النوايا الخبيثة، لكن المسؤولين في حكومة الأقليم إنتبهوا للأمر بسرعة وطوقوا تلك الفتنة بإحتجاز بعض أولئك الشباب الى حين إنتهاء تلك الأحتفالات الكبيرة التي إمتلأت بها شوارع مدن كوردستان، ثم أخلي سبيلهم بدون محاكمة أو مسائلة، وبذلك قطعت الطريق أمام من أرادوا الشر لكوردستان وأهلها.
في العراق الجديد جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات مهما إختلفت قومياتهم أو طوائفهم أو دياناتهم، وعندما أدى الرجل الكوردي جلال طالباني اليمين الدستورية تحت ظل العلم العراقي لم يفعل ذلك ككوردي بل كعراقي إنتخب من قبل كل الأطراف السياسية رئيسا لجمهورية العراق، وبما أن البرلمان العراقي لم يتخذ أي قرار بتغيير ذلك العلم فمن البديهي أن يؤدي اليمين الدستورية تحت ظله السيد جلال طالباني كرئيس للجمهورية أو أي رجل آخر ينتخب لهذا المنصب، فهو علم العراق والشعب العراقي له كامل الحرية بتغييره أو الإبقاء عليه، ويعلم الجميع بأن الكورد عملوا جاهدين من خلال مؤسسات الدولة
وبالوسائل الديمقراطية على تغيير هذا العلم الى علم جديد يرمز الى وجود قوميتين رئيسيتين متمثلتين بالكورد والعرب لكن ذلك لم يتحقق ويبقى الأمر في النهاية شأنا عراقيا مركزيا.
أما فيما يخص الشعب الكوردي فإنه غير ملزم بهذا العلم وقد قال كلمته بحقه من خلال برلمانه وعلى لسان رئيسه السيد مسعود بارزاني، وأصبح الأمر منتهيا وسوف لن يرفع هذا العلم في أي مكان من كوردستان.
إن من أبسط معاني الشوفينية هي مصادرة حرية وحقوق الشعوب وفرض رغبات وثقافة الآخر عليهم، وقد عانى الشعب الكوردي كثيرا من شوفينية النظام البعثي البائد حيث فرضت عليه رغبات وثقافة وسياسات حزب البعث وتمت عمليات تعريب واسعة للمدن والأسماء الكردية، في الوقت الذي لم يحاول الشعب الكوردي فرض ثقافته على الآخرين، بل عملت حكومة أقليم كوردستان على تثبيت الحقوق القومية الكاملة للقوميات والأقليات التي تعيش في كوردستان كمواد ثابتة في الدستور الجديد الذي أقره برلمان كوردستان، لذلك وكما يعلم الجميع فإن مصطلح الشوفينية لاوجود له قطعيا في قاموس أو أدبيات أو ثقافة شعبنا الكوردي، وإن قرار حكومة وبرلمان أقليم كوردستان بعدم رفع العلم العراقي في كوردستان ليس قرارا شوفينيا كما يقول السيد طاهري، بل هو قرار وطني شجاع يحظى بدعم وتأييد كل فئات الشعب الكردي، وقد عمل السيد مسعود بارزاني خيرا حين أمر بعدم رفع ذلك العلم، إذ ليس الخير كما يتمناه السيد طاهري بالقبول بالعلم القديم لحين إستحداث علم جديد.
نعم لقد كان البارزاني الكبير يصر على أن مستقبل القضية الكوردية وحركته التحررية يجب أن يكون سياسيا، ومن خلال المفاوضات وإقرار الحقوق القومية للشعب الكوردي، ولم يكن يرغب مطلقا في القتال من أجل تحقيق ذلك لكن لم تكن لديه أية خيارات أخرى فالحرب كانت دائما مفروضة عليه لأنها كانت اللغة الوحيدة التي كان يفهما وينتهجها قادة الأنظمة العراقية المتعاقبة الذين لم يعترفوا بالحقوق القومية المشروعة لهذا الشعب.
ولم يكن الزعيم الخالد مصطفى البارزاني كما يقول السيد الطاهري مهزوما أو مشاركا في جزء من مسؤولية مجيئ الدكتاتورية البعثية الى الحكم، والكل يعلم بأن الزعيم الخالد حارب دكتاتورية البعث بكل ما أوتي من قوة، وكان رجل سلام قبل أن يكون رجل حرب، ولم يكن يفوت أية فرصة مهما كانت صغيرة من أجل إيقاف نزيف الدم العراقي، العربي والكوردي الذي كان يسيل على أرض كوردستان، والذي كان من شأنه تحقيق جزء من طموحات وحقوق الشعب الكوردي التي ناضل من أجلها.
لذلك قبل وبدون تردد ومن موقع القوة مبادرة السلام التي تقدم بها نظام البعث والتي تمثلت بإتفاقية 11 آذار 1970التي منحت الشعب الكوردي حكما ذاتيا ضمن إطار الجمهورية العراقية.
لكن النظام البعثي ما أن إستتبت له الأمور وهدأ الموقف على الجبهة الشمالية حتى بدا بحياكة المؤامرات للإلتفاف على الإتفاقية، وقام بمحاولات فاشلة لإغتيال الزعيم والأب الروحي للشعب الكوردي مصطفى البارزاني، وبعد مضي أربعة سنوات على الإتفاقية كان النظام البعثي قد فشل في تنفيذ مخططاته الخيانية فتنصل من كل إلتزاماته تجاه الشعب الكوردي التي نصت عليها إتفاقية آذار، مما أدى إلى إندلاع القتال مجددا.
وخلال سنة واحدة مني النظام بهزائم كثيرة حتى إنه لم يعد بإمكان قواته مواصلة القتال كما إعترف بذلك صدام حسين لاحقا، وكانت القوات الكوردية على وشك تحقيق إنتصار عسكري إستراتيجي كبير ونهائي على القوات العراقية، لولا إن صدام لجأ الى شاه إيران وعقد معه وبمساعدة ووساطة الرئيس الجزائري هواري بومدين إتفاقية الجزائرالمشؤومة وقدم الكثير من التنازلات السياسية والجغرافية من أجل القضاء على الحركة التحررية الكوردية، لكن البارزاني بحكمته وحنكته السياسية أنتبه الى تلك المؤامرة الخبيثة وفهم ابعادها الشريرة ولكي يقطع الطريق أمامهم لتحقيق أهدافهم العدوانية أمر بإيقاف القتال بشكل مؤقت وعودة المقاتلين الكورد الى بيوتهم أو السفر الى خارج العراق كل حسب رغبته، على أن يمارس الحزب الديمقراطي الكوردستاني ممارسة نضاله السياسي للمضي قدما على طريق تحقيق أهداف وطموحات الشعب الكردي التي ناضل الحزب من أجلها.
لقد كان قرار الأب الخالد البرزاني الكبير إنتصارا لشعبه وقضيته وحقنا لدماء أبناءه، وليس هزيمة كما يحلو للسيد طاهري تسميتها، ثورته لم تتوقف فقد عادت الى الإنطلاق من جديد حيث حمل الراية من بعده إبنه وإبن الشعب الكردي البار مسعود بارزاني الذي سار على خطى والده ومعلمه البارزاني منتهجا كل الأساليب الشريفة والمشروعة من أجل الدفاع عن قضية شعبه ونيل حقوقه فكان أن حمل السلاح بيد مكرها لا راغبا وحمل راية السلام والدعوة الى المفاوضات من أجل حل المشاكل وإقرار الحقوق القومية، وقد أصبح بفضل سياسته المعتدلة ودعوته الدائمة الى السلام والمصالحة رمزا وطنيا ورجل سلام إكتسب ثقة وإحترامالأعداء قبل الأصدقاء.
نعم لقد كان البرزاني منتصرا في كل حياته حتى في أحلك الظروف وأشدها ضعفا وخطورة على مستقبل شعبه، ولايزال وسيبقى منتصرا ورمزا دائما للحرية والكرامة واالسيادة ومقارعة الظلم والطغيان، لقد أصبح إسمه ونهجه وكفاحه مدرسة للسلام حيث إفتتح في واشنطن مركز دراسات البارزاني للسلام ليستفيد ويتعلم منه كل من يحترم السلام ويؤمن به .
أما ضريحه فقد أصبح مزارا خالدا تأتي لزيارته الوفود السياسية والدبلوماسية، بالإضافة الى محبيه من أبناء شعبه ومن كل دول العالم، ليضعوا أكاليل الزهور ويحنوا هاماتهم إحتراما وإجلالا أمام هذا الرجل الكبير بطل الحرب والسلام، بعد أن تحقق لشعبه الكثير مما كان يناضل من أجله، وحصل على إستقلال ذاتي شبه كامل متمثلا في النظام الفدرالي الجديد والذي هو الأساس السليم لتكوين الدولة الكردية المستقلة عاجلا أو آجلا وهو حق قانوني مشروع ومسألة وقت ليس إلا.
أتمنى أن يحتفظ السيد طاهري ومن على شاكلته بنصائحهم، ويوفروها لأنفسهم وأن يتركوا الشعب الكوردي يقرر مصيره ومستقبله بنفسه فهو يعلم جيدا ما يريد وما عليه أن يفعل، وبدلا من أن يتخذوا مواقف معادية أو حتى سلبية من الشعب الكردي وقضيته العادلة، عليهم أن يمدوا جسور المحبة والصداقة والتعاون التي تقربهم من هذا الشعب التواق الى النور والسلام وكسب المزيد من الأصدقاء الشرفاء في كل مكان من العالم.
المانيـــــا