وللقدر عيون .. إلى الراحل أبو كاوا

روني علي

 

كيف للكلمات؛ يا صديقي؛ أن تسبر المشاعر وتعبر عن هول الألم والصدمة، أمام فاجعة قضت، وإلى حيث اللا رجعة، على ذاك الحبل الذي كان يشد من أزر الود، ويرسخ المعاني الحقيقية للصداقة، أمام الكثير من عمليات الخدش والانكسار ..

 

  وكيف للجمل أن تفي تاريخاً فيه الكثير من التقرب والتقارب، والقليل من التباعد أو الدخول في إحداثيات الصمت، بحكم المآل الذي يدفع بنا كي نتخذ من الصمت سلاحاً، وبحكم البعد الجغرافي الذي لا يمكن التواصل فيه إلا من خلال المشاعر وبعض المراسلات ..
نعم، كل ذلك لا يمكنه أن يتربع على خارطة الاتفاق والاختلاف، ولا تمتلك قدرة الحلول  في مواقع لا يمكن التعبير عنها سوى بالرموز والإشارات ..
فالفاجعة تؤدي بالكلمات إلى حيث التمترس خلف نبضات المشاعر والأحاسيس المؤلمة، وحتى إن أرادت أن تعبر، فهي قد تأتي مقزمة ومشتتة ومفروغة من محتواها الحقيقي كما هي في تقاسيم الذات ..
لا نملك الكثير كي نفترش به المستقبل وروداً ورياحين، لأن للقدر نفسه عيون ترصد أولئك الذين يحاولون أن يرسموا قبلةً على شفاه المعذبين في الأرض، وبناء جسور تتلاقى من خلاله البسمات أمام انكسارات الواقع وهول الوقائع ..
فلا حيلة لنا أمام هكذا قدر، سوى أن نعزي أنفسنا بأنفسنا، ونحن نودع شموع المستقبل، ولا إرادة نمتلكها أمام هامات تأخذ طريقها إلى حيث أحزان شعب، سوى أن نردد ونؤكد من جديد، كما هو مترسخ في ضمائرنا، بأن المسيرة تتلاقح كما أردت لها، وأن المخاض آت لا محالة، كما ناضلت من اجله، فما نحن سوى رفاق أمل لا نملك من الكلمات سوى أن نبث في صدور كل الذين انكسرت هاماتهم أمام وقع الفاجعة، المزيد من الأمل، والمزيد من الصبر والسلوان، لأننا على قناعة تامة بأن ذلك هو عربون الوفاء الذي نمتلكه كي نقدمه لك ولذويك ورفاق دربك ..
فمنا لكم في رحيلكم آمال الغد
ولذويكم وأصدقائكم ورفاق دربكم الصبر والسلوان

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…