روني علي
كيف للكلمات؛ يا صديقي؛ أن تسبر المشاعر وتعبر عن هول الألم والصدمة، أمام فاجعة قضت، وإلى حيث اللا رجعة، على ذاك الحبل الذي كان يشد من أزر الود، ويرسخ المعاني الحقيقية للصداقة، أمام الكثير من عمليات الخدش والانكسار ..
وكيف للجمل أن تفي تاريخاً فيه الكثير من التقرب والتقارب، والقليل من التباعد أو الدخول في إحداثيات الصمت، بحكم المآل الذي يدفع بنا كي نتخذ من الصمت سلاحاً، وبحكم البعد الجغرافي الذي لا يمكن التواصل فيه إلا من خلال المشاعر وبعض المراسلات ..
نعم، كل ذلك لا يمكنه أن يتربع على خارطة الاتفاق والاختلاف، ولا تمتلك قدرة الحلول في مواقع لا يمكن التعبير عنها سوى بالرموز والإشارات ..
فالفاجعة تؤدي بالكلمات إلى حيث التمترس خلف نبضات المشاعر والأحاسيس المؤلمة، وحتى إن أرادت أن تعبر، فهي قد تأتي مقزمة ومشتتة ومفروغة من محتواها الحقيقي كما هي في تقاسيم الذات ..
لا نملك الكثير كي نفترش به المستقبل وروداً ورياحين، لأن للقدر نفسه عيون ترصد أولئك الذين يحاولون أن يرسموا قبلةً على شفاه المعذبين في الأرض، وبناء جسور تتلاقى من خلاله البسمات أمام انكسارات الواقع وهول الوقائع ..
فلا حيلة لنا أمام هكذا قدر، سوى أن نعزي أنفسنا بأنفسنا، ونحن نودع شموع المستقبل، ولا إرادة نمتلكها أمام هامات تأخذ طريقها إلى حيث أحزان شعب، سوى أن نردد ونؤكد من جديد، كما هو مترسخ في ضمائرنا، بأن المسيرة تتلاقح كما أردت لها، وأن المخاض آت لا محالة، كما ناضلت من اجله، فما نحن سوى رفاق أمل لا نملك من الكلمات سوى أن نبث في صدور كل الذين انكسرت هاماتهم أمام وقع الفاجعة، المزيد من الأمل، والمزيد من الصبر والسلوان، لأننا على قناعة تامة بأن ذلك هو عربون الوفاء الذي نمتلكه كي نقدمه لك ولذويك ورفاق دربك ..
فمنا لكم في رحيلكم آمال الغد
ولذويكم وأصدقائكم ورفاق دربكم الصبر والسلوان