المحامي رضوان سيدو *
إن منطقة الشرق الأوسط وأغلب المناطق المحيطة بها أصبحت ساحة لانتهاكات حقوق الإنسان وللتصفيات العرقية واضطهاد القوميات لذلك فإن شعوب هذه المنطقة بحاجة ماسة لمعرفة حقوقها الأساسية والقوانين والمواثيق والعهود والصكوك والمبادئ التي تكفل لهم حقوقهم الذات الصلة بإنسانيتهم .
وإن مصطلح حقوق الإنسان أخذ يتردد في الآونة الأخيرة كثيراً في وسائل الأعلام والمؤتمرات والندوات الدولية إلا انه بقي شبه مجهول في منطقتنا وخير مثال على ذلك هو إعلان تأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في عام 1983 في مدينة ليما سول في قبرص ولم يتم إعلانه في أي بلد عربي وهذه الحال مستمرة حتى الآن في أغلب البلدان العربية وهذا يدل على رفض الدول العربية فكرة حقوق الإنسان والمنظمات العاملة في مجالها لأنها ترى – وهذه حقيقة – بان هذه المنظمات تشكل خطراً على حكوماتها ومصالحها كون تلك الدول تمارس السلطة والسيادة بقوة الأجهزة الأمنية و ليس بقوة القانون.
وهنا سنحاول التطرق لمسألة أساسية وهي الجنسية كحق من حقوق الإنسان إذ إن هناك شريحة كبيرة من الشعب الكردي في سورية جردوا من جنسيتهم وسميُ بالأجانب بموجب الإحصاء الاستثنائي التعسفي الذي جرى في محافظة الحسكة حصراً في عام 1962 وذك تنفيذاً للمرسوم رقم /93/ ويربوا عددهم عن 300 ألف نسمة وإن قضية هؤلاء ليست كردية فحسب بل إنها إنسانية بامتياز وبحاجة إلى حل لا يحتمل التأجيل للحد من مأساتهم المستمرة يومياً.
ونحاول من خلال هذه الدراسة تسليط الضوء على هذه المشكلة وتعرية سلبياتها وتبيان العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحق الجنسية وشرح قانون الجنسية السوري الذي يعالج الوضع القانوني لهؤلاء الأجانب .
أولاً: العهود والمواثيق والمبادئ الدولية :
قدس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق الفرد في الجنسية في مادته /15/ التي تنص على أن :
1- لكل فرد حق التمتع بجنسية ما
2- لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغيرها.
وحرصت الهيئات الدولية على توثيق هذا الحق من أجل توفير الاحترام له فجاء النص عليه في ديباجة معاهدة جنيف لعام /1930/ وأقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عامي /1948و1966 / كواحد من الحقوق الأساسية للإنسان.
وأكد هذا الحق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته /24/ والتي تنص على إن :
1- يكون لكل ولد دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب حق على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة في اتخاذ تدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصراً.
2- يتوجب تسجيل كل طفل فور ولادته وإعطاء أسماً يعرف به .
3- لكل طفل حق في اكتساب الجنسية .
ثانياً :
قانون الجنسية السوري : أستند المشرع السوري في تحديد ومنح الجنسية على حق الدم بصفة أساسية وحق الإقليم بصفة ثانوية وأضاف أيضاً حالة أخرى أسند فيها تحديد الجنسية الأصلية إلى الانتماء بالأصل إلى الجمهورية العربية السورية .
القانون :
أ- حق الدم : نصت المادة الثالثة من المرسوم التشريعي رقم /276/ لعام 1969والمعدل بالمرسوم التشريعي رقم /17/ لعام 1972الفقرة ( أ ) على مايلي :
يعتبر عربياً سورياً حكماً :
1- من ولد في القطر أو في خارجه من والد عربي سوري .
الواقع : حيث توجد أعداد كبيرة من هؤلاء الأجانب يتمتع الأب وبعض أولاده بالجنسية و البعض الأخر من أولاده الذين ولدوا قبل عام 1962 / أي قبل الإحصاء / لا يتمتعون بالجنسية كونهم لم يتمكنوا من التسجيل لظروف خاصة بهم ولأن مدة الإحصاء كانت يوماً واحداً فقط – وهذا كان مقصوداً – لذلك بقيوا أجانب بحجة أنه كان عليهم تسجيل أنفسهم في يوم إجراء الإحصاء وهذه الحجة تتنافى مع القانون – نص المادة المذكورة أعلاه – لأن القانون لم يستثني الذين ولدوا قبل عام 1962 من الاستفادة من هذا النص, إلا أنهم تقدموا بالثبوتيات القانونية مثل شهادات الولادة ووفق الأصول تثبت نسبهم إلى والدهم المواطن ولكن دون جدوى .
ب- حق الإقليم:
القانون :
أستند المشرع إلى حق الإقليم أي إلى واقعة ا لميلاد في القطر العربي السوري بالنسبة لفئات معينة من الأشخاص حددتها الفقرتان /ج- د / من المادة الثالثة من المرسوم التشريعي المذكور أعلاه وهم :
– الفقرة /ج/ من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما يعتبر اللقيط مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه ما لم يثبت العكس .
ويعتبر المولود لأبوين مجهولين في سوريا عربيا سوريا حكماً ويقصد بذلك الولد غير الشرعي المولود لأبوين غير معروفين أو المولود من أم غير معروفة فعلاً وأب لم يثبت نسبه إليه قانونا , وحسب الفقرة /ج/ من المادة المذكورة أعلاه يعتبر اللقيط في القطر مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه ما لم يثبت العكس.
و يقصد بالمولود لأبوين مجهولي الجنسية الولد الشرعي لأبوين معروفين يتمتعان بجنسية ما ولكنها غير معلومة أما المولود لأبوين لا جنسية لهما فهو المولود الشرعي أيضا لأبوين معروفي ولكنهما لا يتمتعان بأية جنسية / عديمي الجنسية /
وغاية المشرع في منح المولود في سوريا الذي لم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية هي تفادي حالة انعدام الجنسية أيضاً .
– الفقرة / د / من ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية .
/ ومبررات المشرع السوري في منح هؤلاء الأشخاص الجنسية هي اعتبارات السيادة والأمن المدني ولكي لا يبقى هؤلاء غرباء عن القطر لتفادي حالات انعدام الجنسية /
الواقع : إن هؤلاء الذين يسمون بالأجانب – حسب القانون السوري – جميعهم ولدوا في القطر من أبوين معروفين وكانوا يتمتعون بالجنسية السورية آنذاك إلا إنهم جردوا منها بموجب الإحصاء المذكور أعلاه .
وجدلاً نقول : بأن هؤلاء لم يكونوا يتمتعون بأية جنسية ولكن بعد عام 1969 أي بعد صدور المرسوم كان من المفروض قانوناً أن تمنح الجنسية لكافة هؤلاء الأجانب وذلك تماشياً مع ما ورد في المادة الثالثة من المرسوم المذكور أعلاه والتي تنص على إن / يسري حكم هذه المادة ولو كان الميلاد قبل تاريخ العمل بهذا المرسوم / أي إن لهذا المرسوم أثر رجعي وتسري هذه المادة على الماضي , وإن حرمان هؤلاء من هذا الحق القانوني يعتبر مخالفة صريحة لهذه المادة ولغاية المشرع في الحفاظ على سيادة وأمن البلد وبذلك جعلوا هؤلاء غرباء في وطنهم وبالرغم من المأساة التي يعيشها الأجانب من جراء هذا الإحصاء العنصري إلا أنهم حافظوا على سيادة سورية وأمنها وبقيوا أوفياء مخلصين لوطنهم ومنهم من أدوا الخدمة الإلزامية ودافعوا عن أراضيها .
وبعد صدور المرسوم التشريعي رقم / 276 / لعام 1969 والمعدل كما ذكر أعلاه لم يعامل الأجانب حتى معاملة اللقيط الذي يجب أن يحترم اجتماعيا وقانونياً أيضاً لأن لا ذنب له في أنه جاء لقيطاً ولكن الذنب هو ذنب الذين جنوا عليه.
ثالثاً : الانتماء بالأصل إلى القطر السوري :
القانون :
نصت الفقرة /ﻫ/ من المادة الثالثة – من المرسوم المذكور أعلاه والمعدل كما ذكر والنافذ حالياً –على إنه يعتبر عربياً سورياً حكماً / من ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية ولم يكتسب جنسية أخرى ولم يتقدم لاختيار الجنسية السورية في المهل المحددة بموجب القرارات والقوانين السابقة / وأراد المشرع من ذلك فتح باب الدخول مجدداً لهؤلاء في الجنسية العربية السورية ضمن الشروط التالية :
1- أن ينتمي الشخص بأصله إلى الجمهورية العربية السورية : ويقصد بذلك حسب ما جاء في التعليمات التنفيذية للمرسوم المذكور أعلاه الصادرة بقرار من وزير الداخلية رقم 92 / ن تاريخ 22/1/1976 أن يكون أحد أصوله لأبيه مولوداً في سورية وتثبت الولادة للأصول بوثائق رسمية أو بالتحقيقات الإدارية .
2- أن لا يكون الشخص قد أكتسب جنسية أجنبية بترخيص أصولي سواء كان هذه الجنسية أصلية أم طارئة
3- أن لا يكون قد تقدم لاختيار الجنسية السورية في المهل المحددة بموجب القرارات والقوانين التي نظمت ممارسة حق اختيار الجنسية السورية .
الواقع : أن كل هؤلاء الأجانب هم من أصول سورية ولن نقول إن وجودهم في سورية – في محافظة الحسكة – يسبق وجود بقية المواطنين في المحافظة بل إن وجودهم يتزامن مع وجود المواطنين من الكرد والعرب ,ولم يكتسبوا أية جنسية أجنبية لأنهم لم يغادروا القطر حتى يكتسبوا جنسية ما وذلك كونهم ممنوعين من المغادرة ولم يتقدموا لاختيار الجنسية السورية في المهل المحددة آنذاك لأن مشكلة الأجانب عامة طالت عشرات الآلاف من العوائل الكردية وأيماناً منهم بأنهم لا جدوى لتقديم الأوراق والثبوتيات اللازمة للحصول على الجنسية من الجهات المختصة كون الإحصاء المذكور أعلاه والذي جرى حصراً في محافظة الحسكة كان له خلفية سياسية عنصرية .
– وهناك طرق عديدة لاكتساب الجنسية السورية اللاحقة حسب التشريع الحالي الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /276/ لعام 1969 والمعدل بالمرسوم رقم / 17/ لعام 1972 ومنها :
التجنس :
وهو دخول الفرد في جنسية الدولة وفق شروط معينة بناء على طلبه وموافقة هذه الدولة .
وللتجنس أنواع مختلفة وسنختار تجنس الأجانب والتجنس الاستثنائي الذين لهما صلة بموضوع دراستنا .
أ- تجنس الأجانب :
القانون :
ويقصد بالأجنبي بصدد تطبيق المرسوم المعدل والمذكور أعلاه وفق ما جاء في الفقرة /ج/ من المادة الأولى منه هو / كل من لا يتمتع بجنسية الجمهورية العربية السورية أو جنسية أي بلد عربي أخر / وحسب المادة / 4 / من هذا المرسوم يجوز منح الأجنبي الجنسية بمرسوم من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح من وزير الداخلية وعلى طلب خطي يقدمه الطالب الذي يشترط أن يكون :
1- كامل الأهلية وفق القانون السوري / كل شخص بلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة/
2- مقيماً في القطر بصورة مشروعة إقامة فعلية متتالية مدة خمس سنوات على الأقل سابقة لتقديم طلب التجنس .
3- خالياً من الأمراض السارية والعاهات والعلل التي تمنعه من مزاولة أي عمل.
4- حسن السلوك محمود السمعة ولم يسبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو مقيدة للحرية في جريمة شائنة إلا إذا رد إليه اعتباره .
5- ذا اختصاص أو خبرة يمكن الاستفادة منها في القطر
6- ملماُ باللغة العربية قراءة وكتابة .
الواقع : إن هؤلاء الذين يسمون بالأجانب كانوا موجودين في سورية منذ تبعيتها للإمبراطورية العثمانية وبعد الحرب العالمية الأولى أقدمت الدول المنتصرة فيها على تقسيم الإمبراطورية المذكورة – دون إرادة دول المنطقة – بموجب اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 وبذلك اقتسمت كردستان إلى أربعة أجزاء وألحق جزء من الشعب الكردي الموجود على أرضه التاريخية بسورية,.
ولنفرض جدلاً بأن هؤلاء لجؤا إلى سورية بنفس يوم أجراء الإحصاء في 5/10/1962 ويكون من هذا التاريخ حتى يومنا هذا قد مضى على أقامتهم في سورية ليس خمس سنوات فحسب بل حوالي خمس وأربعين عاماُ أي معدل متوسط عمر الإنسان في سوريا تقريباً.
ومن ذلك التاريخ كان هؤلاء الأجانب مسالمين ولم يعبثوا بأمن البلد ومصالحه لأن سورية وطنهم وهذا يدل على حسن سلوكهم .
ونتساءل إلا تكفي هذه المدة وهذه الوطنية والإخلاص لاكتسابهم الجنسية إن لم نقل استعادتهم جنسيتهم .
2-التجنس الاستثنائي :
القانون :بدافع الحرص على المصلحة العربية العلية أجاز المشرع في المادة /6/ من لمرسوم التشريعي رقم /276/ لعام 1969 والمعدل كما ذكر منح جنسية الجمهورية العربية السورية دون التقيد بشروط التجنس العادية إلى الفئات التالية من الأشخاص :
1- المواطنون المغتربون
2- المنتمون بأصلهم إلى إحدى البلاد العربية.
3- الأشخاص الذين أدوا للدولة أو للأمة العربية خدمات جليلة( وسنكتفي بشرح الفقرة الأخيرة فقط لصلتها بموضوع دراستنا)
إن بموجب الفقرة /ب/ من المادة السادسة من المرسوم المذكور أعلاه يحق لرئيس الجمهورية العربية السورية بناء على اقتراح وزير الداخلية منح الجنسية العربية السورية بمرسوم للأشخاص الذين أدوا للدولة وللأمة العربية خدمات جليلة مهما كانت طبيعة هذه الخدمات سواء أكانت علمية أم فكرية أم سياسية أم عسكرية أم فنية وسواء كان هؤلاء الأشخاص من رعايا الدول العربية أم الأجنبية وتمنح لهؤلاء على السبيل التكريم والعرفان بالجميل ولا يشترط لاكتسابها تقديم طلب بذلك من قبل صاحب العلاقة .
الواقع :
إن من بين هؤلاء الأجانب من أدوا الخدمة العسكرية ومنهم أصحاب المهن الحرة كأطباء الذين أنقذوا حياة مئات الأشخاص وكالمهندسين الذين أبدعوا في مجالات مختلفة ومنحوا البلد وجها حضارياً ومنهم من أدوا للدولة خدمات سياسية لحرصهم على مصلحة الشعب والوطن من خلال تقديمهم النصائح للقيادة السياسية وانتقادهم العلني والجريء لسياسات النظام الخاطئة التي قد تدفع الوطن والأمة العربية للهاوية كل ذلك تعتبر خدمات جليلة ومع ذلك لم تكرم هذه الشريحة ولم ترد إليها جمايلها .
هذا ويعيش الأجانب في دائرة حمراء لا تتعدى مساحتها محل وطأة أقدامهم فهم محرومون من الدراسة في المعاهد التي تلتزم بتوظيف خريجها ومن الترشح والترشيح والسفر إلى خارج القطر والتملك والانتفاع …………………………………..الخ
ومن خلال عرضنا لهذه الدراسة السريعة للقانون العاطل المحنط والواقع الأليم المأساوي الذي يعيشه الإنسان الأجنبي في وطنه نرى بإن الواقع لم يرَ نور القانون الذي لم يغفر لواضعيه الذين جنوا عليه وجعلوه حبراً على الورق .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*عضو مجلس إدارة اللجنة الكردية لحقوق الإنسان