حاوره: مسعود حامد
“كل الشعب في سوريا متهم حتى يثبتوا برائتهم”
تزدهر الكلمات في ربوع أبو توليب ، لم يكن بالشيء الغريب أن أراه يبتسم ، أو يضحك كنت أشعر وكإن على ظهره حملٌ عظيم يحاول أن يطرز بذلك الحمل خطوط المستقبل للجيل القادم.
“كل الشعب في سوريا متهم حتى يثبتوا برائتهم”
تزدهر الكلمات في ربوع أبو توليب ، لم يكن بالشيء الغريب أن أراه يبتسم ، أو يضحك كنت أشعر وكإن على ظهره حملٌ عظيم يحاول أن يطرز بذلك الحمل خطوط المستقبل للجيل القادم.
لم تكتمل فرحته ، فقد قتلو فرحة صغيرته ، ومزقوا الإبتسامه البريئه على شفاهها وهي ترقص بكلمات بريئه أمام والدها الذي طوى الدهر من عمره ، ولكن رغم كل هذه لا يزال يخطط بفكره وإسم سوريا الحرة .
بإبتسامة أبو توليب التي حملت أفكار دهرٍ بكامله تمزقت كل الصور ليتسنى لصورته وحدها العيش ، والبقاء حراً في تلك الزاوية .
لنبدأ حديث الخوف ، والحزن ، والفرح ، والنصر حديث المعتقلات المآساوي ، ولنتعرف على موجزٍ عن حياته
السيد خليل حسين حسين من مواليد /1952 تولد سيحا التابعه لتربه سبي ، متزوج وله إبنتان توليب وليلان خريج المعهد الصحي قسم الأشعه.
بداية : السيد خليل حسين كان إنخراطك في العمل السياسي مبكراً وتعرضت لظروف قاسيه جداً …..
..
هل تستطيع أن تقول لنا أهم المعانات عندما كنت ملاحق لأول مره وأثناء المعتقل؟
أجل كان إنخراطي في العمل السياسي مبكراً نظراً لقناعاتي بأن الحياه السياسية يجب أن تتغي ، ولا يجوز للنظام البعثي أن يتحكم في مصير الشعب السوري بكامله، ويسيّر البلاد وفقاً لمصالح الشخصيات ، كانت هذه إحدى الأسباب ، وكنا نعلم إن النظام لن يرحم أحداً يقف في وجهه ، وسيحاول قمعنا بكل الوسائل ، والأساليب كما فعله مع جماعة الإخوان المسلمين في نهايه السبعينات ، وحتى الآن وبكل الشعب السوري.
لقد كنا بحكم أفكارنا المعارضه لنهج النظام البعثي تعرضنا للتنكيل بكل قساوة ووحشية ، فقد تم ملاحقتنا منذو بداية ، وكنت شاباً أحلم وأحمل أفكاراً محرمة ، فكل شيء في بلدي ما يدخل ضمن الثالوث المحرم “الدين الجنس السياسه” يُمنع الإقتراب منه.
جائتني أمي في إحدى المرات وأنا لاأزال ملاحقاً وتريد مني أن أترك هذا الطريق الذي عليه وعيت، وربيت عليه قناعاتي، وعلى هذا الأساس جاوبتها بالرغم من الوضع الحرج الذي أنا فيه: أمي أنا أخترت هذا الطريق ولن أتركه ولو كان الثمن حياتي …… صمتت أمي قليلا والت لي ودموعها تتدحرج على خديها : ليحميك الرب يا ولدي، ولكن عدني إذا اعتقلت أن لاتكون متخاذلاً، أو جباناً، وأن تكون على قدرمسؤولية إعتقالك.
كانت هذه الكلمات ترن في أُذني كثيراً، وكان الحافز لي بالصمود أكثر فأكثر، وأثناء الإعتقال لم أنسى صدى تلك الكلمات التي كانت تذكرني يومياً بالمسؤليه ، ولساعاتٍ طوال .
في صباح 14 81984 الساعه 11 نهاراً في باب توما كانت ساعة الصفر قد أُعلنت، عندما حاولت الخلاص من السلطات قاموا بإطلاق النار علي أُصبت بثلاث طلقات إثنان منها في الفخذ وواحدة في الرأس ، ومن ثم حولوني إلى المشفى قسم العناية المشدده لمدة 48سا ، لم يتمالكوا أنفسهم كثيراً ليحيلوني إلى قسم التحقيق، ويبدأ بعدها سيمفونية التعذيب القذرة.
بقينا في المنفردات مدة زمنية، ومن ثم نقلونا إلى تدمر في عام 1985 .
كانت حفلة الإستقبال في تدمرلاتصدق ، فقد كانت أبشع بكثير من التحقيق البدائي لم أكن أصدق إن حياتي ستدوم بعدها بسبب ما لقيناه من أساليب وحشية ، وقمعية التي مارسوها بحقنا ، والتي كانت منافية لأبسط معايير حقوق الأنسان بكل مقاييسها ، وتكالب علينا العناصر وهكذا فترة لابأس بها كانت حياتنا في الداخل فظيعة جداً، فمجرد إسم تدمر كان يخلق اساساً بالرعب، والخوف، ولحالات متناقضة جداً من هزيمة ونصر يائس، والثقة بالنفس.
مكثنا في تدمر مدة ثلاث سنوات حتى عام 1987 كانت فترة الموت ، أو تدمر الموت، أو ما أستطيع أن أسميه “مملكة الموت” .
السيد خليل ما أصعب أن لا يجد الإنسان مكاناً على الأقل يرتاح إليه ، أستاذ خليل هل تستطيع أن تحدثنا عن الأفكار التي كانت تراودك داخل المعتقلات ” المنفردات ” أنذاك؟
ماذا أقول الكائن الذي خلقه الله ليعيش مجتمعاً كان الكرباج الأمني يعزله ، وهنا لم نكن نملك سوى إيماننا بقناعتنا ، فكان التفكير في كل مناحي الحياة ، والتفكيربهدوءٍ مركزا على الحقائق النسبية ، وفي تللك الحالة كنا نفكربأمورٍ كثيرة ، ونوازن الافكار
والأعمال الأقوال، والأفعال.
كان من المهم لنا أن لا ندخل في حالة من اليأس ليبقى الأمل لخطوة أخرى، وبنوعٍ آخر نحو الهدف الذي نخطط له وهو “الديمقراطيه” التي ضحى الكثيرون من رفاقنا في سبيلها آنذاك ، ولا يزال الكثيرون يدفعون الثمن حتى الآن وأنت عزيزي استاذ “مسعود” ضحيت لأجل هذا الهدف، ومن ضحايا هذا النظام المستبد الشوفيني، وتعرف جيداً تفكير المنفردات كونك عشت تلك اللحظات القاسية وبقت فيها فترة طويلة.
السيد أبو توليب لحظات الحرية لامقاس لها ، ولابثمن حتى أحياناً الشخص لايعرف بماذا يفكر، ولا يستطيع التفكير أصلاً .
خرجت للحرية ما كان شعورك عندما رأيت صغيرتك أصبحت” فتاة”؟
كانت توليب تعطيني نوعاً من التوازن ، فكنت أشعر إنني سأكون مثلها في الحياة يوما ما ، وكان هذا العامل عاملاً مهما في صمودنا بالإضافه إلى قناعاتنا وإيماننا بحرية هذا الشعب .
هذه الأمور كانت تدفعني أكثر للصمود ، والتمسك بقضيتي ، أما عن الحرية فلا أستطيع التحدث عنها فكلما تحدثت أكون قد أنقصت من ثمنها، وخاصة عندما تكون في المعتقلات السورية.
الأستاذ حسين معتقلٌ سابق لايزال آثار الإعتقال القديمه يتجدد اليوم ، وأنت تُعتقل مرة آخرى لاأجل سورياولأجل أفكارٍ تؤمن بها .
ماذا وجدت من التغيرات في المعتقلات السجون السورية ، والفرق بين الماضي و الحاضركونك عاصرت الإثنين؟
الحقيقة في الفترة الأولى كنا مجموعه من السياسيين من صنفٍ واحد ، وقد كان التعامل بمستوى الوعي الذي كنا عليه ، ولكن هذه المرة أدخلونا في أماكن فيه نفايات المجتمع “طبعاً ليس الكل”، وأجبرونا على التعايش معهم .
بالنسبة لي كان الوضع صعباً جداً وفي ظروفٍ قاسيةٍ جدا.
هذا يعني إن السجون، والمعتقلات سابقاً كانت أفضل بكثير بالرغم من الواقع السيءً على الأقل كان المعتقل ينام بدون دفعٍ للفواتير، وأما الآن فالسجين ينام مع دفعٍ للفواتير
يعني إن مسيرة التطوير، والتحديث كانت تراجعاً ، ولم تقدم شيئاً ملموساً للشعب السوري ، فقد أتضح لنا هذه المرة الصورة الحقيقية للفساد الذي وصل اليه سوريا اليوم حتى داخل السجون .
“عندما كان السجين يريد أن يأكل السجين داخل السجن”
فإذا كان حالنا هكذا داخل السجون فأين هي مسيرة التطوير والتحديث يا عزيزي .
السيد خليل أنت الآن رئيس مكتب العلاقات العامة في تيار المستقبل الكردي ، كيف تم لم هذا الشمل تحت مظله واحدة ، وبالرغم من الفوارق الفكرية التي كانت موجوده سابقا.
في الواقع إن كم هذه التشكيله من هذا الصنف تم من خلال بعض النقاشات التي دارت بين هذه الشخصيات ، و كانت بدايه اللقاءات بين هذه التشكيله منتى جلادت بدرخان .
هذا كان من إحدى العوامل الذي لعب الدور الأهم في وحدة هذه الشخصيات ، أما عن تيار المستقبل الكردي أنا أرى إنه كان من الضروري أن يؤسس خطابا في سورياً طبعاً هل تحقق ذلك أم لا ؟.
طبعاً أنا ايضاً أتسائل، ولكن رغم هذا أنا أيضا لا أعرف ، وبعد خروجي من المعتقل لم أجد شيئاً ، ولكن أقول بطريقة أخرى يجب علينا أن نناضل لنجعل القضية الكردية جزءاً من الثقافة العربيه ، ونحن لا نتميز عن بعضنا في معظم الأحزاب الكرديه ، فمثلاً “يكيتي وتيار” متقاربان من بعضهما في الخطاب السياسي ، والآن الواقع يفرض علينا تأسيس الخطاب السياسي ومن نوع جديد، ومقبول على الساحه السياسية الكردية ومقبول على الساحة السياسية العربيه بكل توجهاتها ، وأظن إن البيان التأسيسي للتيار وجد أرتياحاً في الساحة العربية والكردية .
السيد أبو توليب : برأيك لماذا كانت هناك ضرورة على توقيعكم على إعلان بيروت دمشق بالرغم من إعتقالكم بمسرحية كوميدية بعد التوقيع بفترة لابأس بها ، وكونك كردي ماذا يعني لك هذا.
السبب الأول:هو أول مرة الطيف العام في سوريا يوافق على توقيعٍ من هذا النوع وهذه الوثيقة كانت لأجل التوافقات الوطنية في سوريا ، أما السبب الثاني: إنه جزءٌ
من مهام الحركة السياسية وكوني سياسي أعمل ضمن هذا الإطار مع كل الأخوة في هذا المجال فلا فرق من حيث المبدأ بين كردي وعربي طالما إننا ندعوا جميعاً إلى الديمقراطية، التي تحفظ وتصون حق الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد، ويعيشون على أرضهم التاريخي مع كل الأقليات الموجوده في البلاد.
السيد خليل حسين أيَ من فترتي الإعتقال كنت مرتاحاً فيها
أكيد لا يرتاح في المعتقل ونعلم هذه الحقيقة .
أنا أجد الآن أكثر راحة الآن وكوني على تماسٍ مباشر مع قضيتي وقضية شعبي لهذا أجد نفسي مرتاحاً أكثر الآن .
” من طلب عظيماً ضحى بعظيم “
السيد خليل أنت الآن ملاحق والنظام البعثي الذي يعمل جاهداً على بعثنة البشر و الحجر، ماذا تقول في التهم الموجة إليك ، والحكم الذي قد يصدر بحقك في حالة تم إعتقالك ، والشيء الثاني كيف هي الطريق إلى الديمقراطية التي تتحدث عنها ؟.
أكيد تعلم أنت وكل متابع للواقع السياسي في سوريا إن هذه التهم كلها باطله ، ولا صحة لها ،فنحن نعبر عن آرائنا وفق الدستور السوري ، ولكن النظام السوري يعمل
يعمل بكل الوسائل ، وبكل قواه على قمع الحريات مستخدماً أبشع الأساليب معتمداًعلى نظامه الأمني في هذه المسائل ، وأكيد الذي قد يصدربحقي بعد الإعتقال سيكون سياسياً بامتيازو أنني الآن أمام قضيةٍ لا أزال مقتنعاً بها، و هذا فخرٌ لي وجزءٌ يسير ، و قليل جداً من ما تستحقه القضية الديمقراطية في بلادنا .
الطريق إلى الديمقراطيه من وجهة نظري لها صعوبات كثيره القوى التي تناضل من أجل التغيير الديمقراطي بطبيعتها بعيدةٌ عنها فأطياف المعارضة السورية عليها أن تنحدر بأتجاههدفها الأساسي،ويجب على الجميع أن يعملوا من أجل سوريا ، وأنا أجد إن الديمقراطيه تستحق ليس سنوات السجن والملاحقة بل ميئات الشهداء .
لا يكلف الله أبو توليب إلا وسعه فإلى إيةِ مدى ما تزال العزية تمكث بداخلك
للنضال ؟.
أعتقد إنه إلى الرمق الأخير …… يعني حتى يتحقق التغيير الديمقراطي في سوريا ، التغير الذي من أجله ضحيت سابقاً، وأضحي الآن، ولاحقاً حتى يصبح كل مواطن
في سوريا له نفس الحقوق ، والأمتيازات لا سيد فوق سلطة القانون ، وكل الناتس يخضعون له .
أستاذ خليل في هذه الفتره هل من توقعات للتغيير في فكر النظام ؟ وهل يستطيع تجاوز المرحله التي يمر بها البلاد؟وعن الوضع الكردي برئيك؟.
النظام لم يتغير منذو أربعة عقود ولا أظنه يستطيع أن يتغيرالآن وخاصة بعد هذه الحملة من الإعتقالات العشوائية في صفوف المثقفين والسياسين ودعاة الرآي وقمع
الحريات الصحفية ..و..و……الخ فلا أظن حقيقةً إنه يستطيع التغيير أما تجاوز هذه المرحلة التي نعتبرها حساسة جداً و خطيرة جداً النظام لا يملك طرق الخلاص منها
والمطلوب من الحركة السياسية السورية عامة والكردية خاصة أن تكون معارضة بدلالات داخليه فالمحكمة الدولية يستطيع الشعب الإستفادة منها ، ونحن كمعارضة يجب أن نكون على التماس مع الشعب من كل النواحي السياسية ولإقتصادية والإجتماعية … وإلخ وإنني أجد الآن النظام في مأزق حقيقي ولكنه لم يصل إلى ذلك الحد ليتنازل للمعارضة والنظام يعتمد على الإنتصارات الخارجية التي تدور في فلك المنطقة والمعارضة السورية في الحقيقة ضعيفة تقدم برامج وخطط ومهامات أكبر من حجمها وتدعوا إلى التغيير السلمي ولكن لم تضع آليات لهذا التغيير ويجب
على المعارضة أن تراجع حساباتها وخاصة بعد إعلان دمشق ولم تحصل على أيةِ إمتياز لذا عليها مراجعة حساباتها والمعارضة يجب أن تعطي الأولوية للمهمه الديمقراطيه بدلاً من أن تضع عشرين مهمه ولا تستطيع أَيِ منها .
أما عن الوضع الكردي فالحركه لاعباً أساسياً في الساحة السياسية وبعد إنتفاضة آذار المباركة تخطت بعض الحواجز الهامه نوعاً ما ولكن تراجع الحركة وعدم أستثمارها لتلك الخطوه أبقتها مكانها فيجب على الجيل الجديد أن يضغط على القيادات حتى يتم إعادة النضال الديمقراطي الكردي إلى وجهته الصحيحة والإستفادة من عدم الإستقرار في المنطقة في هذه المرحلة وإعادة النضال حتى يمكنهم أن يصبحوا رقماً أساسياً واضحاً في الساحة السياسية والكرد لوحدهم لايستطيعون أن يقدموا شيئاً لهذا يجب أن تكون هناك إتفاق عام مع كافة فصائل المعارضة السورية لتكون الثمار والإنتاج مشتركاً.
ماذا يريد السيد خليل ابو توليب أن يقول لنا في نهاية حديثه ؟ وخاصهً هناك لك رفاق لايزالون قيد الإعتقال؟ .
في الحقيقة يعني كل ما أستطيع أن أقول هو الحرية لهم لكل المعتقلين الذين لا يزالون في تلك المعتقلات التي لا تمت بصلة لإحترام حقوق الإنسان و لإحترامهم كمواطنين سوريين أعلم جيداً إنهم يشعرون بالراحة والأمان لما يسمعوه بأن الشعب
في سوريا يقف إلى جنبهم ومتضامنيين معهم .
شكراً للأستاذ خليل حسين حسين الذي أفصح لنا عمَ يريد ويرغب به في المستقبل وأنا أيضاً أشاركه التضامن مع كل المعتقلين السياسين ودعاة الرآي والناشطين في مجال حقوق الإنسان وفي مقدمتهم المحامي والناشط السوري الإستاذ أنو ر البني ومحمود عيسى وميشيل كيلو والخبير الإقتصادي الدكتور عارف دليلة الذي لايزال صورته أمامي عندما كان يمشي في معتقل “غوانتناموا” عدرا في سوريا ومعتقل التأخي الكردي العربي الأستاذ رياض ضرار.
بإبتسامة أبو توليب التي حملت أفكار دهرٍ بكامله تمزقت كل الصور ليتسنى لصورته وحدها العيش ، والبقاء حراً في تلك الزاوية .
لنبدأ حديث الخوف ، والحزن ، والفرح ، والنصر حديث المعتقلات المآساوي ، ولنتعرف على موجزٍ عن حياته
السيد خليل حسين حسين من مواليد /1952 تولد سيحا التابعه لتربه سبي ، متزوج وله إبنتان توليب وليلان خريج المعهد الصحي قسم الأشعه.
بداية : السيد خليل حسين كان إنخراطك في العمل السياسي مبكراً وتعرضت لظروف قاسيه جداً …..
..
هل تستطيع أن تقول لنا أهم المعانات عندما كنت ملاحق لأول مره وأثناء المعتقل؟
أجل كان إنخراطي في العمل السياسي مبكراً نظراً لقناعاتي بأن الحياه السياسية يجب أن تتغي ، ولا يجوز للنظام البعثي أن يتحكم في مصير الشعب السوري بكامله، ويسيّر البلاد وفقاً لمصالح الشخصيات ، كانت هذه إحدى الأسباب ، وكنا نعلم إن النظام لن يرحم أحداً يقف في وجهه ، وسيحاول قمعنا بكل الوسائل ، والأساليب كما فعله مع جماعة الإخوان المسلمين في نهايه السبعينات ، وحتى الآن وبكل الشعب السوري.
لقد كنا بحكم أفكارنا المعارضه لنهج النظام البعثي تعرضنا للتنكيل بكل قساوة ووحشية ، فقد تم ملاحقتنا منذو بداية ، وكنت شاباً أحلم وأحمل أفكاراً محرمة ، فكل شيء في بلدي ما يدخل ضمن الثالوث المحرم “الدين الجنس السياسه” يُمنع الإقتراب منه.
جائتني أمي في إحدى المرات وأنا لاأزال ملاحقاً وتريد مني أن أترك هذا الطريق الذي عليه وعيت، وربيت عليه قناعاتي، وعلى هذا الأساس جاوبتها بالرغم من الوضع الحرج الذي أنا فيه: أمي أنا أخترت هذا الطريق ولن أتركه ولو كان الثمن حياتي …… صمتت أمي قليلا والت لي ودموعها تتدحرج على خديها : ليحميك الرب يا ولدي، ولكن عدني إذا اعتقلت أن لاتكون متخاذلاً، أو جباناً، وأن تكون على قدرمسؤولية إعتقالك.
كانت هذه الكلمات ترن في أُذني كثيراً، وكان الحافز لي بالصمود أكثر فأكثر، وأثناء الإعتقال لم أنسى صدى تلك الكلمات التي كانت تذكرني يومياً بالمسؤليه ، ولساعاتٍ طوال .
في صباح 14 81984 الساعه 11 نهاراً في باب توما كانت ساعة الصفر قد أُعلنت، عندما حاولت الخلاص من السلطات قاموا بإطلاق النار علي أُصبت بثلاث طلقات إثنان منها في الفخذ وواحدة في الرأس ، ومن ثم حولوني إلى المشفى قسم العناية المشدده لمدة 48سا ، لم يتمالكوا أنفسهم كثيراً ليحيلوني إلى قسم التحقيق، ويبدأ بعدها سيمفونية التعذيب القذرة.
بقينا في المنفردات مدة زمنية، ومن ثم نقلونا إلى تدمر في عام 1985 .
كانت حفلة الإستقبال في تدمرلاتصدق ، فقد كانت أبشع بكثير من التحقيق البدائي لم أكن أصدق إن حياتي ستدوم بعدها بسبب ما لقيناه من أساليب وحشية ، وقمعية التي مارسوها بحقنا ، والتي كانت منافية لأبسط معايير حقوق الأنسان بكل مقاييسها ، وتكالب علينا العناصر وهكذا فترة لابأس بها كانت حياتنا في الداخل فظيعة جداً، فمجرد إسم تدمر كان يخلق اساساً بالرعب، والخوف، ولحالات متناقضة جداً من هزيمة ونصر يائس، والثقة بالنفس.
مكثنا في تدمر مدة ثلاث سنوات حتى عام 1987 كانت فترة الموت ، أو تدمر الموت، أو ما أستطيع أن أسميه “مملكة الموت” .
السيد خليل ما أصعب أن لا يجد الإنسان مكاناً على الأقل يرتاح إليه ، أستاذ خليل هل تستطيع أن تحدثنا عن الأفكار التي كانت تراودك داخل المعتقلات ” المنفردات ” أنذاك؟
ماذا أقول الكائن الذي خلقه الله ليعيش مجتمعاً كان الكرباج الأمني يعزله ، وهنا لم نكن نملك سوى إيماننا بقناعتنا ، فكان التفكير في كل مناحي الحياة ، والتفكيربهدوءٍ مركزا على الحقائق النسبية ، وفي تللك الحالة كنا نفكربأمورٍ كثيرة ، ونوازن الافكار
والأعمال الأقوال، والأفعال.
كان من المهم لنا أن لا ندخل في حالة من اليأس ليبقى الأمل لخطوة أخرى، وبنوعٍ آخر نحو الهدف الذي نخطط له وهو “الديمقراطيه” التي ضحى الكثيرون من رفاقنا في سبيلها آنذاك ، ولا يزال الكثيرون يدفعون الثمن حتى الآن وأنت عزيزي استاذ “مسعود” ضحيت لأجل هذا الهدف، ومن ضحايا هذا النظام المستبد الشوفيني، وتعرف جيداً تفكير المنفردات كونك عشت تلك اللحظات القاسية وبقت فيها فترة طويلة.
السيد أبو توليب لحظات الحرية لامقاس لها ، ولابثمن حتى أحياناً الشخص لايعرف بماذا يفكر، ولا يستطيع التفكير أصلاً .
خرجت للحرية ما كان شعورك عندما رأيت صغيرتك أصبحت” فتاة”؟
كانت توليب تعطيني نوعاً من التوازن ، فكنت أشعر إنني سأكون مثلها في الحياة يوما ما ، وكان هذا العامل عاملاً مهما في صمودنا بالإضافه إلى قناعاتنا وإيماننا بحرية هذا الشعب .
هذه الأمور كانت تدفعني أكثر للصمود ، والتمسك بقضيتي ، أما عن الحرية فلا أستطيع التحدث عنها فكلما تحدثت أكون قد أنقصت من ثمنها، وخاصة عندما تكون في المعتقلات السورية.
الأستاذ حسين معتقلٌ سابق لايزال آثار الإعتقال القديمه يتجدد اليوم ، وأنت تُعتقل مرة آخرى لاأجل سورياولأجل أفكارٍ تؤمن بها .
ماذا وجدت من التغيرات في المعتقلات السجون السورية ، والفرق بين الماضي و الحاضركونك عاصرت الإثنين؟
الحقيقة في الفترة الأولى كنا مجموعه من السياسيين من صنفٍ واحد ، وقد كان التعامل بمستوى الوعي الذي كنا عليه ، ولكن هذه المرة أدخلونا في أماكن فيه نفايات المجتمع “طبعاً ليس الكل”، وأجبرونا على التعايش معهم .
بالنسبة لي كان الوضع صعباً جداً وفي ظروفٍ قاسيةٍ جدا.
هذا يعني إن السجون، والمعتقلات سابقاً كانت أفضل بكثير بالرغم من الواقع السيءً على الأقل كان المعتقل ينام بدون دفعٍ للفواتير، وأما الآن فالسجين ينام مع دفعٍ للفواتير
يعني إن مسيرة التطوير، والتحديث كانت تراجعاً ، ولم تقدم شيئاً ملموساً للشعب السوري ، فقد أتضح لنا هذه المرة الصورة الحقيقية للفساد الذي وصل اليه سوريا اليوم حتى داخل السجون .
“عندما كان السجين يريد أن يأكل السجين داخل السجن”
فإذا كان حالنا هكذا داخل السجون فأين هي مسيرة التطوير والتحديث يا عزيزي .
السيد خليل أنت الآن رئيس مكتب العلاقات العامة في تيار المستقبل الكردي ، كيف تم لم هذا الشمل تحت مظله واحدة ، وبالرغم من الفوارق الفكرية التي كانت موجوده سابقا.
في الواقع إن كم هذه التشكيله من هذا الصنف تم من خلال بعض النقاشات التي دارت بين هذه الشخصيات ، و كانت بدايه اللقاءات بين هذه التشكيله منتى جلادت بدرخان .
هذا كان من إحدى العوامل الذي لعب الدور الأهم في وحدة هذه الشخصيات ، أما عن تيار المستقبل الكردي أنا أرى إنه كان من الضروري أن يؤسس خطابا في سورياً طبعاً هل تحقق ذلك أم لا ؟.
طبعاً أنا ايضاً أتسائل، ولكن رغم هذا أنا أيضا لا أعرف ، وبعد خروجي من المعتقل لم أجد شيئاً ، ولكن أقول بطريقة أخرى يجب علينا أن نناضل لنجعل القضية الكردية جزءاً من الثقافة العربيه ، ونحن لا نتميز عن بعضنا في معظم الأحزاب الكرديه ، فمثلاً “يكيتي وتيار” متقاربان من بعضهما في الخطاب السياسي ، والآن الواقع يفرض علينا تأسيس الخطاب السياسي ومن نوع جديد، ومقبول على الساحه السياسية الكردية ومقبول على الساحة السياسية العربيه بكل توجهاتها ، وأظن إن البيان التأسيسي للتيار وجد أرتياحاً في الساحة العربية والكردية .
السيد أبو توليب : برأيك لماذا كانت هناك ضرورة على توقيعكم على إعلان بيروت دمشق بالرغم من إعتقالكم بمسرحية كوميدية بعد التوقيع بفترة لابأس بها ، وكونك كردي ماذا يعني لك هذا.
السبب الأول:هو أول مرة الطيف العام في سوريا يوافق على توقيعٍ من هذا النوع وهذه الوثيقة كانت لأجل التوافقات الوطنية في سوريا ، أما السبب الثاني: إنه جزءٌ
من مهام الحركة السياسية وكوني سياسي أعمل ضمن هذا الإطار مع كل الأخوة في هذا المجال فلا فرق من حيث المبدأ بين كردي وعربي طالما إننا ندعوا جميعاً إلى الديمقراطية، التي تحفظ وتصون حق الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد، ويعيشون على أرضهم التاريخي مع كل الأقليات الموجوده في البلاد.
السيد خليل حسين أيَ من فترتي الإعتقال كنت مرتاحاً فيها
أكيد لا يرتاح في المعتقل ونعلم هذه الحقيقة .
أنا أجد الآن أكثر راحة الآن وكوني على تماسٍ مباشر مع قضيتي وقضية شعبي لهذا أجد نفسي مرتاحاً أكثر الآن .
” من طلب عظيماً ضحى بعظيم “
السيد خليل أنت الآن ملاحق والنظام البعثي الذي يعمل جاهداً على بعثنة البشر و الحجر، ماذا تقول في التهم الموجة إليك ، والحكم الذي قد يصدر بحقك في حالة تم إعتقالك ، والشيء الثاني كيف هي الطريق إلى الديمقراطية التي تتحدث عنها ؟.
أكيد تعلم أنت وكل متابع للواقع السياسي في سوريا إن هذه التهم كلها باطله ، ولا صحة لها ،فنحن نعبر عن آرائنا وفق الدستور السوري ، ولكن النظام السوري يعمل
يعمل بكل الوسائل ، وبكل قواه على قمع الحريات مستخدماً أبشع الأساليب معتمداًعلى نظامه الأمني في هذه المسائل ، وأكيد الذي قد يصدربحقي بعد الإعتقال سيكون سياسياً بامتيازو أنني الآن أمام قضيةٍ لا أزال مقتنعاً بها، و هذا فخرٌ لي وجزءٌ يسير ، و قليل جداً من ما تستحقه القضية الديمقراطية في بلادنا .
الطريق إلى الديمقراطيه من وجهة نظري لها صعوبات كثيره القوى التي تناضل من أجل التغيير الديمقراطي بطبيعتها بعيدةٌ عنها فأطياف المعارضة السورية عليها أن تنحدر بأتجاههدفها الأساسي،ويجب على الجميع أن يعملوا من أجل سوريا ، وأنا أجد إن الديمقراطيه تستحق ليس سنوات السجن والملاحقة بل ميئات الشهداء .
لا يكلف الله أبو توليب إلا وسعه فإلى إيةِ مدى ما تزال العزية تمكث بداخلك
للنضال ؟.
أعتقد إنه إلى الرمق الأخير …… يعني حتى يتحقق التغيير الديمقراطي في سوريا ، التغير الذي من أجله ضحيت سابقاً، وأضحي الآن، ولاحقاً حتى يصبح كل مواطن
في سوريا له نفس الحقوق ، والأمتيازات لا سيد فوق سلطة القانون ، وكل الناتس يخضعون له .
أستاذ خليل في هذه الفتره هل من توقعات للتغيير في فكر النظام ؟ وهل يستطيع تجاوز المرحله التي يمر بها البلاد؟وعن الوضع الكردي برئيك؟.
النظام لم يتغير منذو أربعة عقود ولا أظنه يستطيع أن يتغيرالآن وخاصة بعد هذه الحملة من الإعتقالات العشوائية في صفوف المثقفين والسياسين ودعاة الرآي وقمع
الحريات الصحفية ..و..و……الخ فلا أظن حقيقةً إنه يستطيع التغيير أما تجاوز هذه المرحلة التي نعتبرها حساسة جداً و خطيرة جداً النظام لا يملك طرق الخلاص منها
والمطلوب من الحركة السياسية السورية عامة والكردية خاصة أن تكون معارضة بدلالات داخليه فالمحكمة الدولية يستطيع الشعب الإستفادة منها ، ونحن كمعارضة يجب أن نكون على التماس مع الشعب من كل النواحي السياسية ولإقتصادية والإجتماعية … وإلخ وإنني أجد الآن النظام في مأزق حقيقي ولكنه لم يصل إلى ذلك الحد ليتنازل للمعارضة والنظام يعتمد على الإنتصارات الخارجية التي تدور في فلك المنطقة والمعارضة السورية في الحقيقة ضعيفة تقدم برامج وخطط ومهامات أكبر من حجمها وتدعوا إلى التغيير السلمي ولكن لم تضع آليات لهذا التغيير ويجب
على المعارضة أن تراجع حساباتها وخاصة بعد إعلان دمشق ولم تحصل على أيةِ إمتياز لذا عليها مراجعة حساباتها والمعارضة يجب أن تعطي الأولوية للمهمه الديمقراطيه بدلاً من أن تضع عشرين مهمه ولا تستطيع أَيِ منها .
أما عن الوضع الكردي فالحركه لاعباً أساسياً في الساحة السياسية وبعد إنتفاضة آذار المباركة تخطت بعض الحواجز الهامه نوعاً ما ولكن تراجع الحركة وعدم أستثمارها لتلك الخطوه أبقتها مكانها فيجب على الجيل الجديد أن يضغط على القيادات حتى يتم إعادة النضال الديمقراطي الكردي إلى وجهته الصحيحة والإستفادة من عدم الإستقرار في المنطقة في هذه المرحلة وإعادة النضال حتى يمكنهم أن يصبحوا رقماً أساسياً واضحاً في الساحة السياسية والكرد لوحدهم لايستطيعون أن يقدموا شيئاً لهذا يجب أن تكون هناك إتفاق عام مع كافة فصائل المعارضة السورية لتكون الثمار والإنتاج مشتركاً.
ماذا يريد السيد خليل ابو توليب أن يقول لنا في نهاية حديثه ؟ وخاصهً هناك لك رفاق لايزالون قيد الإعتقال؟ .
في الحقيقة يعني كل ما أستطيع أن أقول هو الحرية لهم لكل المعتقلين الذين لا يزالون في تلك المعتقلات التي لا تمت بصلة لإحترام حقوق الإنسان و لإحترامهم كمواطنين سوريين أعلم جيداً إنهم يشعرون بالراحة والأمان لما يسمعوه بأن الشعب
في سوريا يقف إلى جنبهم ومتضامنيين معهم .
شكراً للأستاذ خليل حسين حسين الذي أفصح لنا عمَ يريد ويرغب به في المستقبل وأنا أيضاً أشاركه التضامن مع كل المعتقلين السياسين ودعاة الرآي والناشطين في مجال حقوق الإنسان وفي مقدمتهم المحامي والناشط السوري الإستاذ أنو ر البني ومحمود عيسى وميشيل كيلو والخبير الإقتصادي الدكتور عارف دليلة الذي لايزال صورته أمامي عندما كان يمشي في معتقل “غوانتناموا” عدرا في سوريا ومعتقل التأخي الكردي العربي الأستاذ رياض ضرار.
والحريه لكل المعتقلين الكرد.