سوريا حالة الطوارئ: مشروعيتها القانونية والدستورية

رديف مصطفى*
الزمان: الجمعة صبيحة 8 آذار 1963
المكان: دمشق العاصمة .
 الحدث : أعلن ماسمي آنذاك بمجلس قيادة الثورة اثر انقلاب عسكري قاده البعثيون في الثامن من آذار (تعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية وحتى إشعار آخر) .
وذلك استنادا إلى المرسوم التشريعي رقم51 تاريخ22/11/1962 المسمى بقانون حالة الطوارئ.ورغم مضى أكثر من أربعة وأربعين عاماً لا تزال حالة الطوارئ سارية المفعول إلى يومنا هذا.

فما هي حالة الطوارئ؟ لقد أختلف الفقهاء ورجال القانون في تعريف حالة الطوارئ فقال بعضهم: إن حالة الطوارئ نظام استثنائي شرطي مبرر بفكرة الخطر المحيق بالكيان الوطني .وقال بعضهم: إنها الحالة التي بواسطتها تنتقل صلاحيات السلطات المدنية إلى السلطات العسكرية .وقال آخرون :إنه قانون مخصص لحماية كل أو بعض أجزاء البلاد ضد الأخطار الناجمة عن عدوان مسلح .

وبتعريف آخر للدكتور عبد الإله الخاني يقول (إن إعلان حالة الطوارئ نظام دستوري استثنائي قائم على فكرة الخطر المحيط بالكيان الوطني يسوغ اتخاذ السلطات المختصة لكل التدابير المنصوص عليها في القانون والمخصصة لحماية أراضي الدولة ).(1) في سوريا ليس هناك تعريف لحالة الطوارئ على الرغم من اقتباس أحكام الحالة من القانون الفرنسي المعرّف أصلاً.

وفي الحقيقة إنني أتفق إلى حد بعيد مع الأستاذ هيثم المالح في تعريفه لحالة الطوارئ بـ( حالة الطوارئ هو نظام دستوري استثنائي قائم على فكرة الخطر المحيق بالكيان الوطني يسيغ اتخاذ السلطات المختصة لكل التدابير المنصوص عليها والمخصصة لحماية أراضي الدولة وبحارها وأجوائها كلاً أو جزءاً ضد الأخطار الناجمة عن عدوان مسلح داخلي أو خارجي ويمكن التوصل لإقامته بنقل صلاحيات السلطات المدنية إلى السلطات العسكرية ).(2)على أن يتم إضافة عبارة (بشكل مؤقت وفي أضيق الحدود) في آخر التعريف .

مبررات إعلان حالة الطوارئ حسب قانون الطوارئ مضمون المرسوم التشريعي 51 لعام 1962 : تنص المادة الأولى من المرسوم المذكور آنفاً : يجوز إعلان حالة الطوارئ في ( حالة الحرب أو في حالةٍ تهدد بوقوعها أو بحالة تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الجمهورية أو في جزء منها للخطر بسبب حدوث اضطرا بات داخلية أو وقوع كوارث عامة) .

يتضح لنا من خلال إيراد النص المذكور أعلاه بأن المرسوم 51 لعام 1962 حدد حالات أربع يجوز فيها إعلان حالة الطوارئ سنأتي على مناقشتها بشكل تفصيلي لاحقاً.

ما هي المساحة التي تشملها حالة الطوارئ؟ نصت الفقرة /ب/ المرسوم/ 51/ على: (يمكن أن تتناول حالة الطوارئ مجموع الأراضي السورية أو جزء منها ).والمعلوم أن حالة الطوارىء المعلنة منذ عام1963 والسارية المفعول تشمل جميع الأراضي السورية.

من هو الحاكم العرفي الذي تؤول إليه الأمور في ظل حالة الطوارئ ؟ نصت المادة الثالثة من المرسوم 51 لعام 1963 : أ?- عند إعلان حالة الطوارئ يسمى رئيس مجلس الوزراء حاكماً عرفياً وتوضع تحت تصرفه جميع قوى الأمن الداخلي والخارجي .

ب?- للحاكم العرفي تعين نائب أو أكثر له مرتبطين به وذلك بمرسوم .

ج?- يمارس نواب الحاكم العرفي الاختصاصات التي يفوضهم بها ضمن المناطق التي يحددها لهم إن منح كل هذه السلطات إلى الجهات التنفيذية المتمثلة بالحاكم العرفي ونوابه في حالة الطوارئ وخصوصاً لمدة طويلة تشكل اعتداءً على السلطات التشريعية وخرقاً لمبدأ فصل السلطات ومخالفة دستورية وضرب بعرض الحائط لكل العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .

وهنا لا أعتقد أن من الأهمية بمكان أن أخوض في الأسباب والمبررات التي استدعت إعلان حالة الطوارئ في عام 1963 بقدر ما يهمني أن أخوض في مبررات استمرار هذه الحالة إلى هذا عبر تناول مشروعيتها من الناحية الشكلية والموضوعية ومخالفتها للقانون والدستور وللعهود والاتفاقيات التي صادقت عليها الدولة.

مشروعية حالة الطوارئ : أولاً – الشروط الشكلية لإعلان حالة الطوارئ: تنص الفقرة/أ/من المادة/2/من المرسوم /51/لعام1962 على ما يلي : أ?- تعلن حالة الطوارئ بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه ، على أن يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له .

ب?- يحدد المرسوم القيود والتدابير التي يجوز للحاكم العرفي اتخاذها والمنصوص عليها في المادة الرابعة من هذا المرسوم التشريعي دون الإخلال بأحكام المادة الخامسة منه .

والقيود والتدابير الواردة في المادة الرابعة من المرسوم /51/هي: أ-وضع القيود على حرية الأشخاص في الإقامة والتنقل والمرور في أماكن أو أوقات معينة وتوقيف المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفاَ احتياطياَ والإجازة في تحري الأشخاص والأماكن في أيّ وقت وتكليف أيّ شخصِ بتأدية أيّ عمل من الأعمال .

ب-مراقبة الرسائل والهاتف والصحف والنشرات وجميع وسائل الاتصال والنشر المسموعة والمرئية ، والمؤلفات والكتب قبل النشر أو الإذاعة .

ج-إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتحديد مواعيد فتح الأماكن العامة وإغلاقها .

ء-الاستيلاء على أيّ عقار أو منقول أو جواز فرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات ….).

أما أحكام المادة الخامسة من المرسوم فتتعلق بجوازية توسيع دائرة القيود والتدابير المنصوص عليها في المادة الرابعة من المرسوم ، وتضيق دائرتها من قبل مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبمرسوم.

بالعودة إلى الفقرة /أ/ من المادة /2/ من المرسوم /51/ المذكور آنفاَ، تتبين مجموعة شروط شكلية لإعلان حالة الطوارىء ، وذلك بوصفها الفقرة الخاصة من قانون حالة الطوارىء والتي تحدد كيفية إعلان تلك الحالة :1- بمرسوم -2- بحضور أكثرية ثلثي أعضاء مجلس الوزراء المنعقد -3- بحضور رئيس الجمهورية-4- بعرضه ، أي بعرض مرسوم إعلان حالة الطوارئ على مجلس النواب في أول اجتماع له بغية المصادقة عليه.

وبعودة سريعة إلى الأمر العسكري رقم/2/ لعام 1963 المتضمن إعلان حالة الطوارىء، نجده خالف جميع الشروط الشكلية الواردة في قانون الطوارىء (المرسوم /51/ لعام 1962 المادة الثانية (ف أ) الخاصة بإعلان حالة الطوارئ _ حيث إنها لم تعلن بمرسوم حسبما نص عليه المرسوم /51/ بل أعلنت بأمر عسكري ، كما أنها لم تعلن من قبل مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضاء المجلس ، وإنما أعلنت من قبل ماسمي بمجلس قيادة الثورة آنذاك .

ومن ثم لم يتم عرض إعلان حالة الطوارىء على مجلس النواب مطلقاً لا في أول اجتماع له ولا في اجتماعاته اللاحقة علماً بأن مصادقة مجلس النواب أساسية وجوهرية قصد منها المشرّع إشراك السلطات التشريعية في مناقشة وإقرار الحالات التي تستدعي إعلان حالة الطوارئ من جهة ، وإخضاع تلك الحالة لرقابة تشريعية من جهة أخرى ولكن هذا لم يتم مطلقاً .

ماذا عن الدستور السوري النافذ و الذي صدر في 13/3/1973 ؟ نصت المادة /101/ من الدستور السوري النافذ على أن ( يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ ويلغيها على الوجه المبين في القانون ).ومعلوم للجميع بأن رئيس الجمهورية في حالتنا التي نحن بصدد مناقشتها لم يعلن أية حالة طوارئ وهذا النص الدستوري يؤكد بطلان إعلان حالة الطوارئ واستمراريتها لمخالفتها للشرائط الشكلية المنصوص عليها دستوريا ، خصوصاً وأن الدستور واجب تطبيقه كونه القانون الأسمى أو كونه أسمى وأرفع شأناً من جميع القوانين الأخرى ولصدوره بعد عشر سنوات من إعلان حالة الطوارئ .

ألا يحق لنا بعد كل هذا أن نطعن في مشروعية إعلان حالة الطوارئ الشكلية قانونياَ ودستورياَ؟ إن صدور الأمر العسكري رقم /2/لعام/1963/من جهة ولائية لا تملك حق إصداره ، وبشكل مخالف للأصول القانونية الواجب إتباعها وفق المرسوم /51/ أي وفق قانون الطوارئ نفسه هذا بالإضافة إلى مخالفته الصريحة للدستور السوري النافذ .في الحقيقة إن كل هذا الذي تم ذكره يجلعني أعتقد جازما بأن إعلان حالة الطوارئ بموجب الأمر العسكري رقم /2/لعام 1963 تعد باطلة بطلاناَ مطلقاَ لأن ما بني على باطل هو باطل حكما, وهي منعدمة قانوناَ ، مما يستدعي إلغاء هذه الحالة الشاذة احتراماَ للدستور والقانون ، وللعهود والمواثيق الدولية ذات الصلة ، واحتراما لآدمية و لحرية المواطن وكرامته .

ما هي ردود الجهات الرسمية على عدم قانونية ودستورية إعلان حالة الطورائ ؟ نظراَ لقلة الردود الرسمية, اقتصرت على إيراد ردِ يتيم لمحكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية بدمشق ، والذي جاء رداَ على عدة مذكرات خطية وفي عدة دعاوِ منظورة أمام تلك المحكمة, تتضمن دفوعاَ شكلية بعدم ا لصلاحية الدستورية لها أي لمحكمة امن الدولة العليا الاستثنائية , كونها من مخلفات إعلان حالة الطوارئ وتمارس مهامها بأمر الحاكم العرفي, ليس هذا فقط بل إنها استحدثت من قبله بسند باطل قانوناَ.

حيث جاء حرفياَ في رد محكمة أمن الدولة العليا ما يلي : (إن نصوص هذه التشريعات لا تتناقض مع نصوص الدستور وليست ضارة بمصلحة الوطن والمواطن وهو أن الأمر العرفي “قانون الطوارئ” صدر عام 1962 وهو ساري المفعول حتى الآن )….( وكما أن الدستور السوري لعام 1973 ” والكلام عائد لمحكمة أمن الدولة” لم ينص على إلغائها أو إلغاء أي من المحاكم الاستثنائية لا صراحة ولا ضمناَ إذ جاء في المادة /153/ منه الآتي ((تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يوافق أحكامه)).وأريد بهذا النص” والكلام ما زال عائداَ إلى محكمة أمن الدولة ” أن تبقى جميع التشريعات النافذة قبله سارية المفعول إلى أن تزول الأسباب والظروف التي شرعت من أجلها ، وبما أن هذه الظروف ما زالت قائمة مما استدعى بقاءها والعمل بها حتى يومنا هذا ) .(3) من خلال استعراضِ أو قراءةِ سريعةِ لهذا الرد ألا يحق لنا أن نتساءل عن قوة هذا الرد وعن سنده القانوني والدستوري ؟ وكيف نقنع أنفسنا بأن نصوص قانون الطوارئ وحالة إعلانه لا تتناقض مع أحكام الدستور رغم مخالفتها للنص الصريح له؟ في المادة /101/منه ؟ ومن ثم بالعودة إلى المادة /153/ من الدستور فهل تجيز هذه المادة إبقاء التشريعات الباطلة قانوناَ والمخالفة لأحكام الدستور سارية المفعول كما في حالة الطوارئ ؟ وهل يجوز مخالفة مبدأ أساسي هو مبدأ عدم رجعية القوانين ليعود الدستور إلى عشر سنوات خلت قبل إصداره ويجيز سريان حالة غير قانونية ؟ألم تشترط المادة /153/ في نصها ((إلى أن تعدل بما يوافق أحكامه ))أي أحكام الدستور خصوصاَ وأن إعلان حالة الطوارئ لم تتم بشكل مخالف لحكم الدستور فحسب بل تمت بشكل مخالف للأصول المنصوص عليها في قانون الطوارئ نفسه وفي حال إقرارنا بان المادة/153/أجازت الإبقاء على حالة الطوارئ كما ذهبت محكمة امن الدولة فنصبح هنا أمام نص دستوري يعطل الدستور بشكل كامل .

وأما بالنسبة لموقف المحامين من حالة الطوارئ فأورد نص قرار الهيئة العامة للمحامين الصادر بتاريخ 29/6/1978 والذي جاء بما يلي ))اعتبار الأوامر العرفية الصادرة خلافاً َلقانون الطوارئ معدومة انعداماً مطلقاً وعدم التقييد بمضمونها، وعدم المرافعة استناداً إليها ومقاطعتها مقاطعةَ تامة ، ويعتبر كل محامي – كائناَ ما كان صفته – يقترح أو يشير باستصدار أوامر عرفية إنما يكون قد ارتكب زلةً مسلكيةً ويجب مساءلته مسلكياً باعتباره قد حنث باليمين الذي أقسم وأخل بالعهد الذي التزم وتصرف تصرفاَ يحط من كرامة المحاماة ومن قدرها العالي )) .(4)وذلك حفاظاَ على مبدأ سيادة القانون .

ولا غرابة أن يكون موقف القانوني السوري الأستاذ المرحوم نصرت منلا حيدر الرئيس السابق للمحكمة الدستورية العليا ، من محكمة أمن الدولة العليا ، موقفاَ مشرفاَ حيث عبر عن رأيه فيها بصراحة ووضوح ووصفها بأنها استثنائية وغير دستورية.

وأما بصدد عدم زوال أسباب حالة الطوارئ التي أدعتها محكمة أمن الدولة في ردها ، فسأتعرض لها بشكل مفصل لاحقاَ في هذه الدراسة ضمن المبررات والشروط الموضوعية للإبقاء على حالة الطوارئ .

ثانياَ-الشروط والمبررات الموضوعية لحالة الطوارئ من الناحية القانونية والدستورية: حددت المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم/51/لعام1962 والمذكورة آنفاً ، جواز إعلان حالة الطوارئ في أربعة حالات، حالتان تتعلقان بالحرب والتهديد بوقوعها ،وحالتان تتعلقان بالأمن والنظام العام في أراضي الجمهورية وتعرضه للخطر بسبب حدوث:أ- اضطرا بات داخلية ب-كوارث عامة 1-حالة الحرب : إن المرسوم /51/لعام 1962 (قانون الطوارئ ) الذي تمت بموجبه إعلان حالة الطوارئ السارية المفعول، لم يعرَف أو يحدّد حالة الحرب ،وإنما عرّفها قانون الجيش ( بأنها الحالة التي تلي إعلان التعبئة مباشرةً) علماً بأن حالة التعبئة في سوريا لم تعلن سوى مرتين مذ أعلنت حالة الطوارىء وذلك مرة إبان حرب 1967 ومرة وإبان حرب 1973 ، كما نصت المادة /2/من المرسوم التشريعي /109/ لعام 1968 على : أ?- زمن الحرب، و هو المدة التي تقع فيها اشتباكات مسلحة بين الجمهورية العربية السورية وبين العدو ، ويحدد بدءها وانتهاءها بمرسوم .

ب?- العمليات الحربية والأعمال أو الحركات التي يقوم بها الجيش أو بعض وحداته في الحرب أو عند وقوع العدوان .

لا أعتقد بأن ما سلف بحاجة إلى تعليق ، كوني أعتقد بأننا متفقون جميعاً بأن البلد لا تعيش في حالة حرب الآن .

2-حالة التهديد بوقوع الحرب : أما فيما يتعلق بحالة التهديد بوقوع الحرب ، فنعلم جميعاً بأن أكثر شيء يتفاخر به مسؤلونا وتتغنى به وسائل الإعلام الرسمية لدينا ، ويردده مثقفو السلطة وأبواقها في بلدنا هو الأمن والاستقرار في جميع المناسبات ، حتى حدا ذلك بمثقف سوري إلى القول 🙁 ما بالكم تتحدثون كثيراً عن الأمن والاستقرار ، فأكثر الأماكن أمناً واستقراراً هي القبور) .

ولا شك أن المفاوضات التي جرت في مؤتمر مدريد للسلام وما نتج عنه ، جعلت خيار السلام مع العدو الإسرائيلي خياراً استراتيجياً وذلك وفق الخطاب الرسمي المعلن وكحالة واقعية أيضا، والاستمرار في المفاوضات في مشروع سلام عادل وشامل وفق مرجعيات دولية سلمية لاستعادة الجولان المحتل ، ولاحقا تأكيد السيد الرئيس بشار الأسد عدة مرات على السلام العادل والشامل في المنطقة وتبنّي السلام كخيار استراتيجي ، ومن ثم اعتبار خرق الهدنة بيننا وبين إسرائيل جرم يطاله القانون .

ومن خلال قراءة أولية وسريعة للأوضاع الراهنة في المنطقة نرى استحالة دخول حرب مع إسرائيل حالياً على الأقل ، نتيجة التغيرات الهائلة التي حصلت في موازين القوى الدولية والإقليمية ، هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب الأخذ بالحسبان التغيرات الحاصلة مؤخراً في السياسة الإسرائيلية عبر سعيها الحثيث للهيمنة الاقتصادية على المنطقة عبر طرحها لمشاريع التطبيع بدلاً من الحرب رغم عدم تخليها عن سلوك العدوان .

في كل الأحوال لا أعتقد بأن هناك أي ظرف حقيقي يبرر حالة الطوارئ السارية المفعول ناهيك عن أنها لا تخدم مصالح المجتمع .

وهنا لابد لي أن أطرح بعض التساؤلات: هل أفادتنا حالة الطوارئ في حرب ال1967 ؟ هل أفادت حالة الطوارئ الطاغية صدام حسين صاحب جمهورية الرعب والمقابر الجماعية ، حيث شهد العالم السقوط المريع لنظامه المقبور لأن الشعب لم يدافع عنه ببساطة؟ ومن جهة أخرى لماذا لا يوجد في لبنان أي إعلان لحالة طوارىء رغم أنه في حالة حرب شبه دائمة مع إسرائيل ، ورغم تميزه بتركيبة مجتمعية سياسية أكثر تعقيداً بكثير من التركيبة السورية ؟ هل حالة الطوارئ والأحكام العرفية هي التي ساعدت اللبنانبن على تحرير أراضيهم من إسرائيل وهل هي ما جعلتهم صامدين في وجه العدوان الإسرائيلي الأخير؟ومن ثم هل أعلنت جميع الدول التي خاضت الحرب عبر تحالف دولي على نظام صدام حسين ، إثر قيام الطاغية الأرعن بغزو الكويت واحتلالها ، حالة الطوارئ ؟ وهل تخدم حالة الطوارئ السارية المفعول في بلدنا مشاريع الإصلاح والتطوير والتحديث أم إنها تعد عقبة حقيقية في وجه هذه المشاريع وتعرقلها بشكل جدي ؟ إن كون حالة الطوارئ استثنائية ومشروطة ومؤقتة فإن انتفاء الشروط المسوغة لإعلانها وانقضاء وقتها ، يستدعي إلغاءها وعدم إعمالها وتسييد القانون بدلاً منها ، خصوصاً وأن تبرير حالة الطوارئ مرتبطة بفكرة الخطر المحيق بالكيان الوطني ، حيث يجب أن يكون هذا الخطر حالاً وجدياً وجسيماً ومحدقا ولا يمكن دفعه بالطرق القانونية العادية.

كما لا يجوز أن تستبيح حالة الطوارئ الأفراد وحرياتهم وأملاكهم إلا بما تقتضيه الضرورة وفي أضيق الحدود .

وبهذا الصدد يقول الأستاذ القدير نصرت منلا حيدر : (( لا يجوز للقانون وهو في سبيله لتنظيم الحقوق والواجبات أن يمحق هذه الحقوق بحجة التنظيم ،فلا سيادة لحاكم أو طبقة وإنما السيادة للقانون وفيه وحده يتمثل السلطان )).(5) وكما يقول العميد دوجي ( إن الدولة تنقاد للقانون ولا ينقاد القانون للدولة ).

وما أحوجنا للقانون وسيادة القانون للخروج من هذه الحالة الاستثنائية الشاذة التي أنتجت آثاراً كارثية انعكست على الوطن و المواطن .

3-فيما يتعلق بالحالة الثالثة والرابعة لإعلان حالة الطوارئ في البلاد لخطر أ-اضطرا بات الداخلية ب- كوارث عامة ، وفق المرسوم /51/لعام1962 فإن هاتين الحالتين غير متوفرتين على أرض الواقع ولا أعتقد حاجتهما إلى أي تعليق لوضوحهما .

مخالفة حالة الطوارئ لأحكام الدستور : إن العمل بقانون الطوارئ أدى إلى خلق حالة استثنائية وشاذة أدت بدورها إلى التغول الشديد على القانون والحريات ، كما أن حالة الطوارىء أدت إلى تعطيل مجمل أحكام الدستور عبر مخالفتها من الناحية الموضوعية علاوة على مخالفة الشروط الشكلية المذكورة آنفاً .

وهنا لا بد لي أن أعرض بعض مواد الدستور وأحكامه على سبيل المثال :المادة/25/ ف/2/ :(سيادة القانون مبدأ أساسي في المجمتع والدولة).

المادة /26/: (لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك).المادة /15/ :(لا تنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفق القانون).المادة/28/ ف/1/:(كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم).ف/2/ (لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون) .المادة /31/(المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون).المادة /32/(سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية مكفولة وفق الأحكام المبينة في القانون).المادة /38/(لكل مواطن الحق أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى).المادة /39/(للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً في إطار مبادىء الدستور وينظم القانون هذا الحق).المادة /133/ ف /1/(القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم غير القانون).

من خلال عرض مواد الدستور المذكورة أعلاه نتبين بشكل واضح وجلي بان حالة الطوارئ قد فعلت فعلها ولم تكتف بمخالفة مجمل أحكام الدستور وتعطيلها فحسب بل حرمت المواطن من أبسط حقوقه الدستورية .

فضلاً عن كونها اختراقاً لمبدأ علوّ الدستور وسموه الذي هو مظهر من مظاهر مبدأ علو وسيطرة أحكام القانون أو ما يطلق عليه رجال الفقه أحياناً مبدأ المشروعية .

ويفيدنا الفقيه بار تملي بالقول : (( أن كل قرار عام يجب أن يكون موضع احترام من السلطة التي أصدرته )).

(6)فكيف الحال إذا كنا نتحدث عن الدستور ؟ما أروع مونتسكيو عندما يتحدث عن الطاقة الكبرى والتي يصفها (بجمع السلطات كلها بيد شخص أو هيئة واحد ة لأن الحريات العامة تصبح أثراً بعد عين ) ألم تصبح الحريات في بلدنا أثراً بعد عين بعد منح صلاحيات طويلة وعريضة للحاكم العرفي حيث صدق مونتسيكو؟(6) إن من أهم متطلبات بناء دولة عصرية حديثة هو العمل بأحكام الدستور وتعديل هذه الأحكام لتواكب التطور والحداثة في هذا العالم المتغير باستمرار لتلائم مصالح العباد والبلاد ، خصوصاً وأن الدستور السوري النافذ صدر بعد عشر سنوات من إعلان حالة الطوارئ مما يقتضي وفقاً لقانون العقل والمنطق الأخذ به وتطبيق أحكامه واحترامها و إلغاء حالة الطوارئ التي تكبله ،و إلا فما حاجتنا لهذا الدستور إذا كانت حالة الطوارئ أبدية .

أما آن الأوان أن يعمل جميع الخيرين أي كان موقعهم بجد للخروج من هذا الوضع الاستثنائي والشاذ ،من هذه الحالة الجنونية في الاستفراد بالسلطة والاستئثار والانتشاء بها نتيجة لحالة الطوارئ التي لا تخدم الدولة والمجتمع ،بل إنني أعتقد بأنها لا تقوي النظام والدولة حتى للوقوف في وجه الأخطار الخارجية علاوة على جعلها البنية المؤسسية للدولة تتآكل من الداخل .

وكما يقول عالم الاجتماع غوستان لوبون :(إن للسلطة نشوة تعبث بالرؤوس هذه النشوة تشبه نشوة الخمر ).

أهم الآثار السلبية لحالة الطوارئ : لقد كان وما زال غالبية أطياف المجتمع السوري المتعدد بجميع فئاته وقومياته وأقلياته وطبقاته وانتماءاته السياسية يعاني من الآثار السلبية لحالة الطوارئ التي أضرت ضرراً شديداً وبالغاً بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،والثقافية وتم خرق مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء وفصل السلطات ،بإخضاع البلاد والعباد لحالة استثنائية شاذة تتجه نحو منحدر سحيق ، اختلط فيها الحابل بالنابل عبر التركيز الشديد لمعظم السلطات بيد الحاكم العرفي ونوابه الذي أطلق بدوره يد الأجهزة الأمنية التي توغلت بشكل ملفت وعجيب ليعم البلاد خراباً وفساداً ،وقمعاً واضطهاداً .

– أهم الآثار السياسية : لقد أدى إعلان حالة الطوارئ والعمل بها /44/ عاماَ إلى طغيان الأجهزة الأمنية وتحكمها بالحياة السياسية في البلاد عبر قمع المعارضة وشل حركتها السياسية وزرع الخوف في قلوب المواطنين ، وحالة الطوارئ كحالة استثنائية قمعية أدت تلقائياً إلى نشر ثقافة الكراهية والعنف التي ساهمت بشكلٍ أساسي قي احتقانات عديدة تفجرت بشكل عنفي كان أبرزها الحالة العنفية التي ظهرت إلى السطح في الثمانينات.والتي يتحمل مسؤوليتها التيار الإسلامي أيضاً كونه طرفاً ارتكب أخطاءً جسيمة .

وكما أن حالة الطوارئ كانت وما تزال تشكل سبباً هاماً في ضعف المعارضة السلمية وأحزابها السياسية التي تعمل في ظروف قاسية الشروط أدخلتها في نفق العزلة، حيث أنهكت قواها بشكل شبه تام عبر القمع والسجن والتعذيب والتصفيات الجسدية حتى بات البلد سجنا ً بلا جدران حسب تعبير البعض ، هذا كله فضلاً عن ابتلاع حزب البعث للجبهة بشكل كامل وفرض التبعية السياسية التامة على أحزابها .

مما أدى إلى تمركز شديد للسلطة بيد فئة قليلة تحكم البلاد وفق نموذج شمولي استبدادي تدخلي وإقصائي يتضمنه العقل البعثي، ضعيف من الناحية الاقتصادية بمعنى المنجز الاقتصادي ,ضعيف من الناحية السياسية بمعنى المنجز السياسي و ضعيف من الناحية الاجتماعية والثقافية بمعنى المنجز الثقافي والاجتماعي, جلّ قوته تكمن في الناحية الأمنية والأمنية فقط.

يورد مونتسكيو في كتابه {روح الشرائع} قولاً للمفكر والسياسي البريطاني اللورد آكتون : ((إن كل سلطة مَفْسدة،والسلطة المطلقة مَفْسدة مطلقة)) – أهم الآثار الفكرية والثقافية: فإن حالة الطوارئ أدت إلى تراجع الفكر وخنق الحريات والإبداع ، وتغيّيب العقل والثقافة النقديين ، فتردت وساءت حالة البحث العلمي والتربية والتعليم وغابت حرية الرأي والتعبير وأُفقِر البلد ثقافياً لسيطرة الثقافة البعثية الفقيرة والضحلة و الأحادية التي طبعت جميع مناحي الحياة في المجتمع بطابع سلبي ، وحال الصحافة ليس بأحسن في ظل حالة الطوارئ وقانون المطبوعات الذي أقل ما يمكن وصفه بأنه غير عصري وربما هو كما وصفه الزميل أنور البني فك الله أسره بأنه كتب في مخفر شرطة ، حيث لم نشعر يوماً بأن الصحافة في بلدنا سلطة رابعة كما يقال عنها في البلدان الديمقراطية بل أنحسر دورها في تمجيد السلطات وشرح الإنجازات وهي لا تعدو كونها بوقاً دعائياً للسلطة ، وهي قليلة عددياً مقارنة بالبلدان الأخرى ورغم قلّتها فهي تتشابه مضموناً ، والصحيفة الوحيدة المستقلة ( الدومري) التي دامت فترة قصيرة وأغلقت رغم أنها لم ترتق إلى كونها صحيفة معارضة أبداً ومؤخرا إقفال قناة الشام الفضائية وحول هذا الموضوع يقول المفكر السوري د.

عبد الرزاق عيد في إحدى مقالاته (( إن عدد الصحف التي كانت تصدر في عهد أديب الشيشكلي كانت أكثر من الصحف التي تصدر في العهد الحالي )).

حقيقة إن حالة الطوارئ المعلنة في بلدنا سورية والتي من المفترض أنها حالة استثنائية تساهم في حماية البلاد من العدوان الخارجي ، لا تعدو كونها أداة سياسية بيد السلطة وأجهزتها الأمنية لقمع المعارضة السياسية في الداخل وللتحكم برقاب العباد .

– أهم الآثار الاقتصادية والاجتماعية : لقد ساهمت حالة الطوارئ بشكل ملفت في تفشي الفساد والرشوة , وطاحونة الفساد العمياء لم تتوقف ، بل تغلغلت في غالبية أجهزة الدولة إن لم نقل جميعها , حتى وصلت إلى رئيس مجلس الوزراء وبعض الوزراء السابقين ، كل ذلك في ظل تغييب حالة الطوارئ لأنظمة الرقابة الفعلية والصحافة الحرة وبالتالي إمكانية إتاحة الرقابة الشعبية.

إن تمتع الفاسدين بحماية قانون الطوارئ هو من أهم الأسباب التي أدت إلى استشراء الفساد والحفاظ على ديمومته.

لقد ظهرت فئات لا تعيش فقط على الفساد بل تعمل على إفساد الآخرين, حسب الدكتور الطيب التيزيني, حتى أمسى حال البلد فساد وإفساد وفقر وإفقار وشراء للذمم عبر الترهيب والترغيب والتلويح بقطع الأرزاق والأعناق .

لقد ساهمت حالة الطوارئ في خلق فئة من الوصوليين المنتفعين المرتزقة الذين ينهبون الوطن والمواطن أمام مرأى العيون وفي وضح النهار، كل هذا أدى إلى توسيع دائرة الفقر والمرض والبطالة والتفكك الاجتماعي وانتشار الدعارة وعمالة الأطفال و زادت نسبة الجريمة ، فابتعد غالبية المواطنين عن الشأن و الهم العام وانكفؤا إلى ذواتهم للبحث عن لقمة العيش .

– أهم الآثار السلبية لحالة الطوارئ على حقوق الإنسان : عندما نتحدث عن حقوق الإنسان فإن الصورة تصبح أكثر قتامة ، إذ الانتهاكات مستمرة بشكل يومي وبأشكال عديدة لا تعد ولا تحصى وسأورد أمثلة على أهم حالات الانتهاك لحقوق الإنسان في ظل حالة الطوارئ : 1- انتشار الاعتقال الكيفي والتعسفي دون إصدار أية مذكرة قضائية ، وتوقيف المعتقلين احتياطياً لمدد طويلة جداً تخالف حتى قانون الطوارئ ، حيث حددت المادة الرابعة الفقرة /ز/ العقوبات التي يتعرض لها من يخالف أمراً عرفياً حيث لا يتجاوز سقف العقوبة عن الثلاث سنوات.

وأحياناً تلجأ السلطات إلى اعتقال أقرباء المعتقلين أو المطلوبين للضغط عليهم, علما بأن هذا العمل يعد خرقاً لمبدأ شخصنة العقوبة، وخلافاً للمادة التاسعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الصادرة في عام 1966 والذي انضمت إليه سوريا في / 1969 /.(7) 2 – انتشار التعذيب بشكليه البدني والعقلي في السجون وحماية المعذبين بموجب قوانين استثنائية، حيث أدت كثير من الحالات التعذيب الوحشي إلى الوفاة ومرت دون محاسبة وذلك خلافاً للمادة /7/ من العهد الدولي .

3 – منع السلطة القضائية من ممارسة صلاحياتها في إصدار أمر الاعتقال و إجراء التحقيق وفرض العقوبات وتوقيع الإفراج، وحرمان المعتقل من الطلب من القضاء للبتّ في شرعيّة توقيفه في أسرع وقت ممكن وذلك خلافاً للفقرة الثالثة والرابعة من المادة التاسعة للعهد الدولي المذكور.

4 – منع ذوي المعتقل من زيارته وأحياناً من معرفة أراضيه وحجب حق الدفاع وتوكيل محام عنه وذلك خلافاً للمادة /14/ من العهد.

5 – انتشار المحاكم الاستثنائية الغير دستورية التي لا تخضع لأبسط قواعد العدالة والقانون، ومحاكمة المدنين أمام المحاكم العسكرية.

6 – الاعتداء على الحق في حرية التنقل واختيار مكان الإقامة حسب المادة /12/ من العهد بمنع جوازات السفر عن المعتقلين السابقين ومنع سفر بعض المواطنين إلى الخارج ومنع مجموعات أخرى من دخول البلاد .

7- الاعتداء على حق الملكية الفردية دون أي تعويض وذلك خلافاً للعهد عبر مصادرة العقار والمنقول.

8 – تستبيح حالة الطوارئ الإنسان الفرد عبر التنصت على هاتفه ومراقبة رسائله وتفتيش منزله بشكل غير قانوني كما تقوم السلطات الأمنية بحجب مواقع الانترنت ومراقبة البريد الكتروني بهدف حجب المعلومات عن البشر، خلافاً للمادة السابقة من العهد.

كما أن حالة الطوارئ ضيقت بشدة على حرية الرأي والتعبير وحرية الفكر والوجدان، ومنعت الحق في التجمع السلمي والحق في معاملة عادلة وألغت حرية تكوين الجمعيات والأحزاب السياسية السلمية.ورغم التحسن الطفيف الذي شمل بعض الحالات الأنفة الذكر بعد خطاب القسم للرئيس بشار الأسد فجميع هذه الحالات مجسدة واقعياً على أرض الواقع بشكل أخف وطأة بقليل من الماضي وربما نحن مؤخر بصدد تراجعات.

ضوابط إعمال حالة الطوارئ وفق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية : تتضمن المادة الرابعة من العهد الدولي المذكورة ضوابط إعمال حالة الطوارئ الواجبة الالتزام بمقتضى العهد نفسه من قبل الدول الأطراف فيه و المنضمة إليه ومنها سورية .

حيث تنص تلك المادة على : 1) في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسمياً، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي.

2) لا يجيز هذا النص أي مخالفة لأحكام المواد 8,7,6 ( الفقرتين 1 و 2) والمواد 11و 15و 16 و18.

أولا- في مقارنة الفقرة (1) مع الحالة السورية: لنفترض أن حالة الطوارئ السارية المفعول في بلدنا تم إعلانها بناءاً على حالة خطر تهدد حياة الأمة وفق المادة الرابعة من العهد فهل التزمت السلطات القائمة في هذا البلد بضوابط إعمال تلك الحالة؟ وهل اتخذت التدابير التي يتطلبها الوضع في أضيق الحدود؟ وهل وفت بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي الإنساني؟ إن الجواب هو مع الأسف لا.

ومن ثم فهل فعلاً أن السلطات السورية لم تقدم على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس ..الخ ) في ظل حالة الطوارئ؟ إن حال الشعب الكردي في سوريا يقول لا ويؤكد أن السلطات السورية أقدمت على فرض العديد من السياسات التمييزية العنصرية على الشعب الكردي مبررها الوحيد هو العرق.

إن شكل التعامل الرسمي للسلطة مع الكرد السوريين قبيل إعلان حالة الطوارئ وبعد إعلانها استند بشكل أساسي إلى دراسة عنصرية شوفينية مقيتة أعدها ضابط الأمن السياسي محمد طلب هلال بعنوان دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية عام/1962/ .

كما استند إلى خطاب بعثي قومجي شوفيني إقصائي وإلغائي يهدف إلى صهر وتذويب الآخر المختلف قومياً وثقافياً في بوتقة القومية العربية بشكل قسري.

صحيح أن غالبية المجتمع السوري مازال يعاني من حالة الطوارئ, إلا أن الكرد, بالإضافة إلى اشتراكهم في المعاناة مع إخوتهم العرب ومع باقي أبناء الأقليات القومية, كانت لهم معاناة إضافية لأسباب عرقية كونهم كرداً فقط, وذلك عبر سياسات شوفينية اشتملت على محاولات تعريب البشر و الأمكنة, بتغير أسماء القرى والمعالم الكردية واستبدالها بأسماء عربية ومنع تسمية المواليد الجدد بالأسماء الكردية، ومنع التكلم باللغة الكردية وخصوصاً في الدوائر الرسمية وللموظفين، فصل الطلبة الأكراد من المعاهد الدراسية، وعدم قبولهم كضباط متطوعين في الجيش إلا ما ندر، إغلاق محلات الأشرطة والكاسيت التي تحتوي على الأغاني الكردية، وضع العراقيل والعوائق الجدية أمام توظيف الأكراد فنسبة الموظفين الأكراد لا تتناسب مطلقاً مع تواجدهم السكاني، منع الغناء باللغة الكردية في الحفلات واعتقال العديد من العرسان ليلة زفافهم لأن مطرب الحفل غنى باللغة الكردية، من قبل الأمن السياسي، منع المواطنين الأكراد من أهالي منطقة تل أبيض من تسجيل عقاراتهم ومحلاتهم بأسمائهم وعدم السماح لهم بشراء العقارات ، مما دفع البعض إلى تسجيل عقاراتهم بأسماء معارف لهم من العرب أدت إلى مشاكل قانونية وإرثية عجيبة، مروراً يتثبيت نتائج الإحصاء الاستثنائي الذي جرى في محافظة الحسكة عام/1962/ والذي جرد بموجبه آلاف الأكراد من الجنسية السورية، وصولاً إلى مشروع الحزام العربي الذي ابتدأ تنفيذه في عام /1967/ إلى نهاية عام /1977/ كل ذلك في ظل حالة الطوارئ كتدبير عنصري له أسباب عرقية يخالف كافة العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وخصوصاً العهد الدولي الخاص المذكور- هذا المشروع الذي سأتعرض له بشيء من التفصيل بعد عرض عدة قرارات وأوامر إدارية و عرفية تنطوي على تميز بسسب العرق بحق الأاكراد: 1- قرار وزير الإدارة المحلية رقم/4524/ تاريخ 20-12-1997 والقاضي بتعريب اسم /104/ قرية كردية في محافظة الحسكة وقراره رقم/2123/تاريخ 5-5-1998 القاضي بتعريب اسم /120/ قرية أخرى في محافظة الحسكة 2- قرار وزير الإدارة المحلية رقم /580/ تاريخ 18-5-1998 والقاضي بتعريب اسم /325/ قرية كردية في مناطق عفرين وعين العرب والباب 3- قرار محافظ الحسكة رقم/334/ لعام 1998 والقاضي بتعريب اسم 209 قرية ومدرسة في محافظة الحسكة.

4- تعميم وزير الداخلية رقم 122 تاريخ تشرين الأول 1998 القاضي بمنع تسمية المواليد الجدد بأسماء كردية .

5- تعميم سري من محافظ الحسكة مستند إلى قرار القيادة السياسية يحمل الرقم 1865/س/ 25 تاريخ 1-11-1989 يمنع فيه التكلم باللغة الكردية وخاصة للموظفين.

6- كتاب محافظ الحسكة رقم 276 /ب/ تاريخ 14-3-1996 والقاضي بضرورة إغلاق المحلات التي لها أسماء غير عربية.

7- تعميم محافظ الحسكة رقم 7014/هـ/ تاريخ 3-10-1996 والمستند إلى كتاب فرع حزب البعث في المحافظة رقم 380/س/ تاريخ 29-9-1996 والقاضي بمنع التكلم بغير اللغة العربية.

8- قرار محافظ حلب رقم 786 تاريخ 20-4-2000 المستند إلى طلب الأمن السياسي رقم 1999 تاريخ 10-4-2000 القاضي بضرورة إغلاق محلات بيع أشرطة والكاسيت والفيديو الكردية في أحياء الأشرفية والشيخ مقصود .

9- تعميم صادر عن محافظ الحسكة برقم 7889 /ح/ تاريخ 15-10-1999 يتضمن مصادرو وإتلاف أية وثيقة سورية (شهادات تعريف أو وثائق مماثلة ممنوحة من مخاتير القرى) من مكتومي القيد استنادا إلى كتاب وزارة الداخلية رقم 567/س/4/9/611/2/18/س/ تاريخ 24-7-1986.

10-تعميم وزير الداخلية رقم 1028 /س/ تاريخ 31-12-2000 والقاضي بضرورة التحقق من مسألة الحصول على بدل ضائع للهوية الشخصية حيث خص المواطن الكردي بأعباء إضافية في البند الرابع من التعميم (ألا يتم منح هوية جديدة للمواطنين من أصل كردي إلا بعد الحصول على موافقة شعبة المخابرات العامة والأمن السياسي والأمن العسكري) .(8) إن ما ذكرناه غيض من فيض يؤكد مخالفة السلطات لجميع العهود والوثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وخصوصا للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

مشروع الحزام العربي مشروع عنصري و تدبير ينطوي على تمييز عرقي فقط: ابتدأت الخطوات التنفيذية الأولية لهذا المشروع بقيام السلطات بمصادرة الفائض عن سقف الملكية من أراضى الملاكين الكرد، وقد جرت هذه المصادرة بشكل مخالف للأصول والقوانين المرعية الخاصة بكيفية إجراء حساب ملكية العائلة، حيث جرى حساب الفائض عن سقف الملكية في منطقة الحزام العربي بشكل تعسفي لم يتم الاعتداد فيها بملكية جميع أفراد العائلة الواحدة، رغم استقلالهم الاقتصادي، بل أعيدت ملكيات جميع أفراد العائلة الواحدة إلى ملكية فرد واحد هو على الأغلب كبير العائلة مما أدى إلى زيادة الفائض، وذلك خلافاً لما جرى في المناطق الأخرى.

ولم تقم السلطة بتوزيع تلك الأراضي على الفلاحين الكرد من سكان المنطقة، بل ضمت إليها الأراضي العائدة للمجردين من الجنسية وأنشأت ما يسمى بمزارع الدولة كمرحلة تنفيذية ثانية لهذا المشروع تستهدف إخراج الأكراد من المنطقة الحدودية امتدت هذه الأراضي على الحدود السورية والتركية بطول /375/كم وعمق يضيق ويتسع بين 10 إلى 15 كم, جميعها أراضي خصبة صالحة للزراعة أما في المرحلة التنفيذية الثالثة فقد جرى استقدام العرب الغمر من محافظتي حلب والرقة الذين غمرت أراضيهم بمياه سد الطبقة، وتم توطينهم بعد بناء قرى نموذجية لهم إلى جانب قرى السكان الأصليين الذين حرموا من زراعة أرضهم التي سلمت للقادمين الجدد الذين منحتهم الدولة مكافآت مالية تشجيعية سخية، وجرى تهجير العوائل الكردية وإخلاء القرى الكردية الواقعة في منطقة الحزام من سكانها الكرد.

ولا بأس أن نذكر ما ورد في مجلة المناضل العدد /11/ منتصف ك1 عام 1966 في الصفحة 12و13 نص المشروع المقدم من رئيس مكتب فلاحي البعث بخصوص مشروع الحزام العربي نورد منه ما يلي: (إن المخاطر التي واجهت وتواجه شعبنا العربي في شمال العراق والتي خلقت من قبل الإمبريالية، بدأت تهددنا أيضا منذ بضعة أعوام في محافظة الحسكة، أهملتها الحكومات السابقة ولكن تحتاج اليوم إلى حل جذري و صريح… إن حجم القسم الذي ندرسه من الحزام العربي يبلغ حوالي /3001911/ دونم ويمتد من المالكية وحتى حدود محافظة الرقة … إن أفراداً غير عرب وأغلبهم أكراد هاجروا إلى هذه المنطقة من تركيا والعراق وفقا لخطة تؤيدها وتشجعها الإمبريالية….

ولأن هذه المنطقة واقعة بالقرب من الحدود التركية والعراقية المأهولة بالأكراد وهم مطلوبون للمؤامرات والجاسوسية التي تحاك ضدنا في منطقة الحدود فمن العاجل جدا أن تتخذ الإجراءات الضرورية لكي ننقذ العرب في المنقطة….

إذ أخذنا في الاعتبار أهمية المنطقة زراعياً وصناعياً وخاصة بعد اكتشاف البترول، لقد اتخذت هذه الإجراءات من قبل السلطات والحزب لتنفيذ خطة الحزام: أ?- أصدر الرفيق محافظ الحسكة إنذارا نهائيا إلى السكان الريفيين المزارعين والفلاحين والملاكين يمنعهم فيه زراعة واستثمار الأراضي المصادرة من منطقة الحزام.

ب- بدأ مكتب الأراضي بتنظيم الأراضي المصادرة.

ج- بدأ مكتب الإصلاح الزراعي باتخاذ الإجراءات لترحيل /4/ آلاف عائلة من منطقة الحزام إلى مناطق أخرى، لكن من جهة أخرى فإن هناك حوالي 25 ألف نسمة داخل منطقة الحزام، مسجلين كأجانب عند السلطات.

فكر الحزب والحكومة في محافظة الحسكة أن هؤلاء الأجانب يجب أن يمنعوا من السكن في منطقة الحدود.

إن الطريق الصحيح لتحقيق هذا الغرض هو إجبارهم ومنعهم من الحصول على أية وظيفة لكي يهاجروا بالتدريج إلى البلاد الأخرى خلال خمس سنوات ويجب أن تستخدم القوة ضدهم إذا كان ذلك ضروريا.

ء- إن الحزب ومكتب الفلاحين يحاولان إن يستخدما عناصر عربية شابة من بين الذين يؤمنون بالعرب وبالقومية العربية لكي يعملوا كعمال مسلحين في منطقة الحزام.

ذ- هناك صعوبة كبرى نظرا لتداخل الأراضي الزراعية المصادرة مع غيرها من الأراضي الخاصة، فمن أصل 497 قرية كردية موجودة في منطقة الحزام تم مصادرة أراضي 385 قرية وبشأن الباقي نقترح: ـ إصدار الحكومة لمرسوم تصادر فيه الأراضي الزراعية للقرى الأخرى.

ـ يجب توسيع منطقة الحزام لتشمل كل المنطقة الكردية مستقبلاً.

– إن التجمع العرقي للسكان يجب أن يبدل بنقل أو نفي العناصر غير العربية.

– إنشاء قرى نموذجية للعناصر المهاجر من قبل الدولة ….) لا أعقتد أن ما سلف بحاجة إلى تعليق وساكتفي بإيراد إحدى فقرات النظام الأساسي المعتمد في روما للمحكمة الجنائية الدولية:(على أن الترحيل أو النقل القسري للسكان من المنطقة التي يتواجدون فيها شرعا، والذي يتخذ شكل التشريد القسري سواءً بالطرد أو بإتباع أساليب قسرية أخرى, دون الاستناد في ذلك إلى أسس يجيزها القانون، يشكل جريمة ضد الإنسانية).(9) نفذ مشروع الحزام العربي بدم بارد كما يقولون من قبل سلطة البعث وبدعم من جبهته الوطنية وكان أكثر المواقف نفاقاً هو موقف الشيوعيين السوريين الذين أيدوا الحزام العربي على الرغم من ادعاءاتهم الأممية وادعاءاتهم بكونهم حزب العمال والفلاحين خصوصاً وأن غالبية أعضاء هذا الحزب كان من الأكراد الذين استخدموا فقط كوقود لإملاء الخزانات التنظيمية لهذا الحزب تاريخيا.

ثانياً في مقارنة الفقرة /2/ والتي تنص على ذكر عدة مواد لا يجوز مخالفتها من قبل الدول الأطراف في العهد حتى في حالة إعلان الطوارئ , والمواد هي أــ /6-7-8 / الفقرتين (1و2) ب ـ المواد /11-15-16-18/ من العهد .

مع الحالة السورية: 1- المادة 6 : الحق في الحياة وعقوبة الإعدام : ف1: (الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان وعلى القانون أن يحمي هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا).

ف2: (لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام, أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقاً للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة).

يعد حرمان الإنسان من حياته من قبل سلطات الدولة أمرا بالغ الخطورة ، وينبغي على الدولة أن تضع الضوابط والقيود القانونية الصارمة لمنع أعمال القتل التعسفي التي ترتكب من قبل قوات الأمن التابعة لها وحظر أية دعاية للحرب أو أي تحريض على العنف ومنع خطف الأشخاص ،كما ينبغي على السلطات اتخاذ تدابير إيجابية تحمي بها حق الحياة : أ- اتخاذ تدابير فعالة في حالات الأشخاص المفقودين والمختفين .

-ب- اتخاذ التدابير الفعالة لتخفيض وفيات الأطفال ، عن طريق مكافحة الأمراض السارية والقضاء على حالات سوء التغذية .إن انتهاك حق الحياة من قبل السلطات الأمنية المستندة إلى حالة الطوارئ في بلدنا مستمر مع الأسف ، فمواجهة المواطنين الأكراد بالرصاص وقتل العديد أثناء أحداث القامشلي الدامية ، دون اللجوء إلى اختراع معروف لكل العالم هو الرصاص المطاطي، أو إلى القنابل الدخانية أو المسيلة للدموع من قبل الجهات الأمنية ، والتكلم بلغة الرصاص الحي مع المواطن وإردائه قتيلا لاشتراكه في مظاهرة ، يعد كارثة إنسانية .

علاوة على ذلك تلى الأحداث خمسة حالات قتل تحت التعذيب لمواطنين أكراد على اعتقلوا خلفية الإحداث ، كخير شاهد على هذه الانتهاكات .

إن أبرز انتهاك لحق الحياة في سوريا وبشكل تعسفي جرى أثناء أحداث الثمانينات العنيفة الدامية ، سواء من قبل السلطة أومن قبل التيار الإسلامي الذي أنزلق إلى دوامة العنف, وأعتقد أن الجهتين مطالبتين بمراجعة نفسهما بإدانة العنف، لأن العنف لا يولد إلا العنف, عبر مراجعة نقدية شاملة وجريئة لطي الماضي وتجاوزه نحو مستقبل أفضل.

وأعتقد بأن على السلطة القائمة, وكخطوة عاجلة, القيام بإلغاء المحاكم الاستثنائية التي تفتقر إلى ابسط قواعد العدالة والقانون وإطلاق الحريات ، خصوصا وأن هذه المحاكم هي التي أصدرت قرارات الإعدام بحق العشرات بل مئات المواطنين .

وبما أن الضمانات المتصلة بعدم التقييد ترتكز أساسا حسب المادة “4” من العهد على مبدأي المساواة وسيادة القانون المتأصلين في العهد .

وبما أن الحق في محاكمة عادلة مكفول بوضوح في القانون الإنساني الدولي في حالات الصراع المسلّح فليس هناك أي مبرر لعدم التقييد بهذه الضمانات في حالات الطوارئ أيضا ، وبالتالي إلغاء المحاكم الاستثنائية .

وكذلك مبدأي المساواة وسيادة القانون يستتبعان بالضرورة احترام الشروط للمحاكمة العادلة في حالة الطوارئ ، ولا يجوز إلا للمحاكم القانونية أن تحاكم وتدين الأفراد لارتكابهم جرما جنائيا ، ويجب احترام افتراض البراءة وكما يجب البتّ في طلبات شرعية الاحتجاز المقدمة من قبل الأفراد دون إبطاء لكي يتم المحافظة على حق الحياة بشكل أفضل .

2- المادة 7: الحماية من التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو الاإنسانية أو الحط بالكرامة ( لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو للعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحط بالكرامة وعلى وجه الخصوص لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر) .

الهدف من هذه المادة هو حماية كرامة الإنسان الفرد وسلامته البدنية والعقلية ، لذلك أوجبت على جميع الدول الأطراف حظر التعرض للأشخاص في سلامتهم البدنية والعقلية والحفاظ على كرامتهم ومعاملة جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة المتأصلة في شخص الإنسان في أي ظرف كان وفي ظل أية حالة كانت ، وينبغي على السلطات أن تتخذ جميع التدابير التشريعية والقانونية والقضائية الزجرية سندا للقواعد الآمرة في المادة السابعة من العهد لقمع حالات التعذيب وسوء المعاملة وتشديد العقوبات على منفذي التعذيب ، وعدم منح أي عفو أو أية أسباب مخففة لمرتكبي هذا الفعل البشع, مرورا بمنع السجن الإفرادي لمدة طويلة لأنه يرتقي إلى كونه تعذيبا نفسيا ، وصولا إلى الحظر القانوني في الإجراءات القضائية على استخدام أو جواز قبول أية أقوال أو اعترافات تم الحصول عليها عن طريق التعذيب, ولضمان الحماية الفعلية للمحتجزين ينبغي على الدول الأطراف في العهد أن تضع المحتجزين في أماكن معترف بها رسميا كأماكن احتجاز ، كما ينبغي حفظ أسمائهم واسم أماكن احتجازهم وأسماء المسئولين عن احتجازهم في سجل يتاح الإطلاع عليه من قبل المعنيين ، بما في ذلك الأقرباء والأصدقاء والمحامين .

وتسجيل وقت ومكان الاستجواب وتخليه أماكن الاحتجاز من وسائل التعذيب ، وتقديم المعلومات عن أوضاع المحتجزين وإتاحة الإطلاع عليها ، وإجراء التحقيق العادل والمنصف في قضايا المعترضين للأذى .

أما بالنسبة للمشرفين على أماكن الاحتجاز فسأكتفي بإيراد المادة الخامسة من مدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ، الصادر عن الأمم المتحدة في 17 ديسمبر 1979 والتي تنص: (لا يجوز لأي موظف من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يقوم بأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الاإنسانية أو المهنية أو أن يحرض عليه أو أن يتغاضى عنه كما لا يجوز لأي من الموظفين المكلفين بإنقاذ القوانين أن يتذرع بأوامر عليا أو بظروف استثنائية كحالة الحرب ، أو التهديد بالحرب ، أو إلحاق الخطر بالأمن القومي ، أو قلقلة الاستقرار السياسي الداخلي ، أو أية حالة أخرى من حالات الطوارئ العامة .

لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية ) .

(10) على الرغم من خطاب القسم الذي أدلى به الرئيس الدكتور بشار الأسد والذي أستبشر به الناس خيرا ، كونه حمل مضامين إصلاحية إيجابية ، وعلى الرغم من توقيع سورية مؤخرا وبتحفظ على الاتفاقية العالمية لمناهضة التعذيب ، ما زال التعذيب يمارس ضد الأشخاص في أماكن الاحتجاز بشكل منهجي ومنظم كأحد الوسائل الأساسية لقمع المعارضة وإدخال الخوف والرعب إلى قلب المواطن لإبعاده عن الشأن العام .

أن أهم الجهات التي ما زالت تقوم بتعذيب المحتجزين هي جميع الفروع الأمنية ، وخصوصا إذا كان المحتجز سياسيا .

كما أنه ما زال بعض أقسام الأمن الجنائي والشرطة وبشكل أقل وطأة تقترف جريمة التعذيب, ومسيرة التعذيب بالنسبة للمعتقل بشكليها البدني والعقلي تبدأ من لحظة اعتقاله عبر الاعتداء عليه بالضرب وقذفه بجميع الشتائم بهدف خلف مشهد رعب حقيقي, وبعد اقتياده إلى أماكن الاحتجاز يخضع لتعذيب منظم بوسائل لا يمكن وصفها ، أما أماكن الاحتجاز فهي عديدة تبدأ من المفارز الأمنية حتى تصل إلى السجون الكبرى .

رغم أن قانون العقوبات السوري على المعاقبة نص على جرم التعذيب ، فالتعذيب جار على قدم وساق, وذلك لأن مرتكبي جرائم التعذيب محصنون من عقوبة الجرم بموجب أوامر أمنية استثنائية مدعومة بحالة الطوارئ, والذي يؤكد ذلك سؤال مفاده لماذا لا يستطيع القضاء السوري أن يحرك ساكنا عندما تحال إليه عشرات الحالات التي تعرض للتعذيب وتكون آثار التعذيب بادية على أجساد الضحايا ؟ في الحقيقة أن الخوض في موضوعة جرم التعذيب في بلدنا مؤلم جدا وبشكل خاص في الفروع الأمنية, فهو قد يسبب عاهة ناهيك عن انتهاك آدمية البشر وقد يؤدي حتى إلى القتل كما حدث مع عديد من المواطنين الكرد مؤخرا.

إن انتشار التعذيب والحبس الإفرادي والاعتقال العرفي أضرَّ بكثير من المواطنين الأبرياء ….

آمل و أرجو أن يغلق هذا الملف نهائيا 3- المواد “18،16،15،11،8” من العهد : المادة 8 : حظر الرق أو العبودية أو السخرة أو العمل الإلزامي .

ف -1- لا يجوز استرقاق أحد ، ويحظر الرمق والاتجار بالرقيق بجميع صورها .

ف -2- لا يجوز إخضاع أحد للعبودية المادة 11: عدم جواز السجن لمجرد العجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي .

المادة 15: عدم رجعية القوانين .

المادة 16 : حق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية .

لكل إنسان في كل مكان بأن يعترف له بالشخصية القانونية .

المادة 18 حرية الفكر والوجدان والدين .

لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين .

ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما ، وحريته في ـ أي دين أو معتقد يختاره .

وبتعليق سريع على المواد المذكورة أنفا نستنتج إن حرمان الناس من حقوقهم المدنية قد يعتبر نوع من أنواع العبودية ، وأن التوقيف الاحتياطي لمدة طويلة تتجاوز العقوبة المقررة قانونا ، يعتبر اعتداء على مبدأ عدم رجعية القوانين, وكذلك عدم الاعتراف بالشخصية القانونية للمواليد الجدد من الأكراد يشكل اعتداءا على ا لمادة /16/ .

وأميل إلى الاعتقاد بأن جرم إساءة الأمانة الناتج على علاقة تعاقدية مع المصارف الزراعية في القطر تخل بالمادة “11” من العهد ، أما بالنسبة لحرية الفكر والدين فسبق وتحدثنا عن حرية الفكر وأعتقد بأن الوضع جيد بالنسبة للحريات الدنية في بلدنا ، ولكنني وحسب اعتقادي الشخصي بأنه ينبغي علينا جميعا سلطة ومعارضة ومثقفين أن نعمل على مبدأ الفصل التام بين الدين والدولة وأن نكرس مبدأ شخصنة الدين ، وعدم جواز استخدامه كأداة سياسية لا من قبل السلطة ولا من قبل أية جهة أخرى والتركيز على الجانب العبادي والأخلاقي فيه.

من خلال ما تم عرضة نتبين بان حالة الطوارئ المعمول بها في بلدنا حالة باطلة قانونا ودستورا وهي تخالف العهود والمواثيق الدولية ذات الصلة وتشكل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان بالإضافة إلى كونها عاملا هاما ساهم في إضعاف الدولة والمجتمع ، وخلاصة اعتقد بأن الخروج من هذه الحالة الاستثنائية المزرية يتطلب : -1- إلغاء حالة الطوارئ ورفع الأحكام العرفية وإلغاء المحاكم الاستثنائية والقوانين القمعية التي صدرت في ظل حالة الطوارئ ، ووقف حالات الاعتقال التعسفي ، وإناطة الاعتقال إلى القضاء العادي المستقل وفقا للقانون , -2- الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير وإعادة الاعتبار للمجردين من حقوقهم المدنية والتعويض لهم والسماح بعودة المنفيين وفتح ملف المفقودين والكشف عن مصيرهم وتسوية أوضاعهم وتعويض ذويهم .

-3- الاعتراف الدستوري بالوجود الكردي وحقوقه المشروعة في إطار المتحد الوطني كشعب صاحب قضية عادلة تحتاج قضيته إلى حل ديمقراطي وفق العهود والمواثيق الدولية لحقوق الانسان وإلغاء السياسات التمييزية والقوانين الاستثنائية المطبقة حيالهم وتعويض المتضررين منهم هذا بالإضافة لوجود حلول عادلة لقضايا أبناء باقي الأقليات القومية في سوريا كالآشوريين وغيرهم.

-4- إطلاق الحريات العامة وحرية الصحافة وإصدار قانون عصري للمطبوعات وفسح المجال أمام حرية الرأي والتعبير ، وإصدار قانون عصري يضمن حرية العمل السياسي عبر تشكيل الجمعيات المدنية والأحزاب السياسية السلمية .

5-إجراء إصلاحات وتعديلات دستورية باتجاه استيعاب كافة مكونات المجتمع السوري وإلغاء المادة الثامنة والمادة 153 من الدستور وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة ضمان مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات والعمل باستقلالية القضاء وضمان المشاركة السياسية وتامين مبدأ المساواة لجميع المواطنين في المشاركة في حقهم في اقتسام السلطة والثروة دون أي تمييز.-6- نبذ ثقافة الكراهية والعنف والدعوة إلى حوار هادئ وجاد وديمقراطي بين الجميع على قاعدة المصالحة الوطنية والتسامح والتعدد وبدون شروط مسبقة بغية إصلاح حال السلطة والمعارضة والمجتمع عبر إصلاح شامل يطال كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإصلاح حال القضاء وتأمين استقلاليته وإجراء إصلاحات دستورية تضمن للمجتمع العمل بمبدأ المساواة وسيادة القانون واحترام العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، بهدف الوصول إلى مجتمع ودولة ديمقراطية تعددية علمانية وحرة يتم فيها تداول السلطة سلميا عبر اللجوء إلى صناديق الاقتراح ، لنبني جميعا دولة الحق والقانون ، دولة المواطن والمواطنة .

 

 * محامي وناشط في مجال حقوق الإنسان سوريا- كوياني في 7/3/2007

 

 

 مراجع البحث:

 

 1.

د عبد الإله الخاني-نظام الطوارئ والأحكام العرفية منشورات فرع ريف دمشق-نقابة المحامين
 2.

الاستاذهيثم المالح-دراسة بعنوان أربعون عاما على حالة الطوارئ في 6/7/2003
3.

رد محكمة أمن الدولة أثناء محاكمة النشطاء السياسيين والحقوقيين.
 4.

مجلة المحامون تاريخ 29/6/1978 ص 18 .
 5.

مجلة المحامون العددان 9-10 لعام 1966الاستاذنصرت منلا حيدر رئيس المحكمة الدستورية العليا.
 6.

مونتسكيو-روح الشرائع.
 7.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ16/12/19660
8.

دراسة للأخ الكاتب مشعل التمو –بعنوان المسكوت عنه0000عام20030
9.

مركز حقوق الانسان لمساعدة السجناء بمصراعداد الدكتور علاء قاعود اكتوبر2002 .
10-مركز مصر لحقوق الانسان –المواطن مصري 20020
11-الإعلان العالمي لحقوق الانسان.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…