اليوم نعود من جديد نطرق أبواب الزمان, نصرخ في ضمائركم التي تحيا يوما بعد يوم, أيها الصامتون أمام هول آلامنا,أيها الشهود على مأساة شعب ، يراد له أن يدفن حياً في وضح النهار, لغته الكردية, ثقافته وفولكلوره, أطفاله الذين يغنون نشيد الوطن.
اليوم ومن جديد وبعد ثلاث سنوات من عمر الجريمة, تلك الجريمة التي ارتكبت بحقّ الإنسان الكردي في ملعب قامشلو الكروي كبداية, ومن ثم لتمتد إلى كل المناطق الكردية وأيضا إلى دمشق العاصمة, لقد كانت خارطة للحقد والتشفي والعنصرية الدموية تجاه شعب مسالم ومحب للسلام, شعب يصل تعداده الآن إلى ثلاثة ملايين نسمة, وجد نفسه رغما ًعن إرادته ذات يوم استعماري ومؤامراتي من دول كبرى, حين صاغو اتفاقية سايكس بيكو, واقتطعوا جزءا ًمن وطن الكرد كردستان, وألحقوها بدولة سوريا رغماً عن إرادة شعب سوريا آنذاك.
فصول الجريمة بدأت حين انتصرت الدبلوماسية الكردية في كردستان العراق، وأصبح الكرد يقودون السفينة العراقية ببراعة ونجاح, وأخذ كرد كردستان تركيا يطرقون أبواب أوربا عونا لحكومة اردوغان, وكان ما زاد من الحقد تجاههم هو انهيار جمهورية طاغية العراق صدام.
أيضا كان الكرد السوريون قد بدأوا بكسر كل حواجز الخوف, وأخذوا يسعون نحو حقوقهم القومية والسياسية والمواطنة, وكانت بدايتها مظاهرة 10122002 أمام البرلمان السوري.
هنا، كان على بعضهم من صنّاع الظلم في سوريا, والحاقدين الشوفينيين بحقّ الكرد, من أن يفرغوا كلّ سمومهم, هم كانوا أعداء الوحدة الوطنية، وسياسة الإصلاح والتغيير, والقضاء على الفساد, لأجل ذلك ولأجل مصالحهم أرادوا أن يخلقوا حالة طائفية, ومعركة بين الشعبين الكردي والعربي, وكان ملعب قامشلو مسرحا لجريمتهم البشعة تجاه الإنسان الكردي.
طبعا ًكانت البداية أن أيتام صدام داخل الملعب بدأوا بشتم كل الرموز الكردية, ومن ثم الاعتداء على جمهور نادي الجهاد الرياضي، والذي معظم لاعبيه من الكرد, وظهرت فصول المؤامرة حين كانت قوات الأمن والبوليس السوري تقف متفرجة ولا يهمها ما يجري, ومن ثم مشاركتها في الاعتداء على جمهور نادي الجهاد, ومن ثم كانت الجريمة الأفظع حين مجيء محافظ الحسكة (د .سليم كبول), وأوامره بإطلاق النار على الأكراد الكلاب حسب تعبيره.
وهنا بدأت المظاهرات والغضب الكردي، حينما اخذ ت قوات الأمن والبوليس السوري تقتل المدنيين الكرد, وبدأت تلك المظاهرات السلمية تجوب كل شوارع قامشلو وغيرها من مناطق الكرد، ومن ثم امتدت إلى جميع مناطق سكنى الكرد, وفكّرت القيادة السورية بالتعامل بشرا سة منقطعة النظير معهم ، وهو ما قامت به , وبدأت جحافل الأمن وقوات الشرطة والجيش تجوب كل المناطق الكردية وتشهر أسلحتها في وجه المواطنين الكرد الأبرياء, هؤلاء الكرد الذين تسلحوا بالحرية والسلام والحبّ, وكانت لغة الرصاص هي رسالة الحكومة السورية لشعبها الكردي المضطهد منذ عام 1962, لكنّ رجاحة الحركة الكردية وبراغميتها السياسية, وحرصها على سلامة وامن شعبها الكردي, وحفاظاً على الوحدة الوطنية وعدم الوقوع في شرك الطائفية, دفعها لأن تقف جنبا مع كل منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في سوريا, لأجل عودة الهدوء والدّخول في حوارات سلمية وهادفة مع السلطة, ورغم ذلك, ورغم الحوارات إلا أن الأمن السوري اعتقل أكثر من عشرة آلاف كردي ومن بينهم أطفال وأحداث ونساء وشيوخ, ومورس بحقهم أبشع أنواع التعذيب الجسدي داخل الزنزانات ووفاة البعض منهم نتيجة التعذيب الشديد, وتعريضهم لإهانات فظيعة وحرب نفسية أودت ببعضهم إلى الجنون.
ومن هول تلك الجرائم أن امرأة حاولت أن تنتشل شابا جريحا برصاص متفجر من قارعة الطريق فما كان من البوليس، إلا أن اعتقلتها، وأخذها إلى المعتقل, مع تعرّضها للضرب والتعذيب, وحين وقفت أمام الضابط غير خائفة ولا تذرف دمعاً قائلة بأنها مدّرسة، وناشطة في مجال حقوق الإنسان، وزوجة محام, فما كان من الضابط سوى الاستهزاء بها، وهو ما تم توثيقه آنذاك..!
هذا هو واقعنا, واقع وطن يسير في دروب المعاناة والاضطهاد, إلا أن أكثر فصول المعاناة تقع بحق الشعب الكردي في سوريا.
لقد تحولت تلك الجريمة بحق أبناء شعبنا الكردي إلى انتفاضة شعبية عارمة, رافضة لسياسات الظلم وكتم الحريات, واغتصاب الحقوق والأماكن تحت سقف قانون الطوارىء والأحكام العرفية, وثقافة العنصرية وعدم الاعتراف بالآخر المختلف, انتفاضة خرجت من رحم الآلام والمأساة الكردية.
لقد سكت العالم اجمع عن تلك الجريمة البشعة بحق الكرد في سوريا على يد النظام السوري وميليشياته الحزبية, حتّى الإعلام العربي ناور ،واظهر الضحايا الكرد كمشاغبين ومجرمين من الدرجة الأولى, في حين بدت صورة الجلادين والمجرمين تظهر بمظهر ممارسة السلطة، والواجب الوظيفي والقضاء على “الغوغائيين الكرد “حسب تعابيرهم الصحفيةالمسيسة الارتزاقية.
إن الجريمة المنظمة والمؤامرة السياسية التي حبكت ببراعة لأجل تلقين الكرد درسا قاسيا, وتهديدهم بالعصا وفوهة البندقية, لأجل تحطيم آمالهم وطموحاتهم في الحصول على الحرية والحقوق القومية والحياة الهادئة والعادلة, وعدم التمادي أكثر, أو مجاراة تطلعات الغير من الأكراد في العراق وتركيا وإيران.
بالنسبة للسلطات السورية، فقد أظهرت مدى تورطها ومشاركتها في رسم كل الخطوط العريضة لتلك الجريمة العنصرية, وظهورها كلاعب أساس, لا ثانوي, وما أكد تورطها هو ثنائها على كبول وبقائه في هرم السلطة، وممارسة حياته العادية، دون عقاب، أو ردع,أو محاكمة ، وهو ماأثار حفيظة كرد سوريا ، وكان تحدياًلعدالة القضاء في سوريا ، ناهيك عن أن جميع الضباط والعناصر والميليشيات المسلحة، بقيت بعيدة عن الخضوع للتحقيق، أو للمحاسبة القضائية.
هنا القانون والمحكمة كلها بيدهذه السلطة، صاحبة القرار, وما على الضحايا الكرد إلا أن يذهبوا للجحيم.
اليوم وبعد مرور ثلاث سنوات على تلك الجريمة, لم يتغير أي شيء, بل ما زالت القضية الكردية لا تلقى أي حل عادل وديمقراطي, ورغم كل وعود السلطة, وكل الحوارات ومسرحيات الإصلاح, لا يزال الإنسان الكردي في سوريا يتعرض للظلم والطغيان, والحرمان من حقوقه المشروعة, ورغم أن الانتفاضة الكردية قد أظهرت للنظام مدى فاعلية الحركة الكردية وانتظامها وتواصلها مع أبنائها الكرد, وعرّت الجرح الكردي بهمومه وويلاته ومعاناته التي بحاجة لحلول جذرية وواقعية, إلا أن النظام بقي على عنجهيته وأنانيته وأفكاره الشمولية, فاللغة الكردية والثقافة ممنوعة ممارستها, ومازال الحزام العربي قائما, والمستوطنات جاثمة على أراضي الفلاحين الكرد, ومازالت الأماكن والمناطق والأسماء الكردية تستعرب بشدة, ولم تتوقف المداهمات الأمنية بحق الناشطين الكرد, حيث الاعتقالات تمارس باستمرار, والسجون تضّج بالكثيرين من النشطاء الكرد ، إلى جانب سواهم من السوريين ،إذ يتم إجراء محاكمات ظالمة أمام محكمة امن الدولة العليا غير القانونية, حيث التهمة الجاهزة دوماً:( محاولة اقتطاع جزء من ارض سوريا وإلحاقها بدولة معادية)!.
ناهيك عن سياسة الضغط على نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني من المثقفين والكتاب والصحفيين الكرد, وتعريضهم لاستجوابات أمنية وإرهاب فكري وحياتي, وأيضا المحاولات العديدة لأجل منع الحركة الكردية من ممارسة نشاطاتها السياسية, من خلال اعتقال القيادات, والاستدعاءات المتواصلة بحقهم وأعضاء الحركة, وإدخال البلبلة والشقاق في صفوفها من خلال الدسائس والجواسيس, وفرض منع السفر بحقهم, وغيرها من فصول الاضطهاد والتسلط الممنهج.
كما أن سياسة الحكومة تجاه المناطق الكردية زادت بلاءاً وتهرباً من تحسين ظروف المعيشة فيها لأسباب عنصرية مدروسة, ولأجل تجويع المنطقة وإفقارها, مما زاد من قوافل الفقراء ومن هم تحت خطّ الفقر, وهذا ما أكده تقرير مكتب التنمية في الأمم المتحدة عام 2005, حيث أشار إلى أن معدل من هم تحت خط الفقر في سوريا يصل إلى(8 ,35) بالمئة وهم من الأكراد السوريون!!!!
كما أنه مازال في السجن بعض ممن اعتقلوا منذ انتفاضة12 آذار2004( وهو الحدث طارق عبد القادر العمري) رغم صدور عفو عن رئيس الجمهورية آنذاك عن كل معتقلي أحداث قامشلو ، بل وتم تغريم ومحاكمة عدد من المتهمين في أكثر من محكمة في الحسكة وعين العرب” كوباني ”
ومن الجدير بالذكر أن المئات من الجرحى ممن تعرضوا للضرب والتعذيب والنار من قبل قوات الأمن السوري,وبأبشع الأساليب ، تلقوا العلاج سراً وعلى نقتهم الخاصة, أو من خلال الحصول على الدعم الصحي المجاني والرعاية من قبل بعض الأطباء الكرد, لم يحصلوا على تعويض من الدولة السورية, مع العلم أن حالة البعض منهم خطيرة جدا وتحتاج العلاج خارج سوريا, لكن السلطات السورية تمنعهم من السفر, وأيضا العواصم الأوروبية لا تستقبلهم ومنهم (مسعود دخيل محمود-أصيب بطلق ناري في العمود الفقري وهو مصاب بشلل نصفي-محمد أمين حمزة محمد أصيب بطلق ناري في الرأس), ومن الجدير أن الكثيرين من هؤلاء الجرحى لا يفصحون عن هوياتهم خوفا من تعرضهم للاعتقال من قبل الأمن السوري، كما أن الطلقات المستخدمة كانت من النوع المتفجر والحارق والخارق الممنوع دولياً.
إن محاولات بعضهم من الشوفينيين، وبمشاركة من السلطات السورية، في افتعال أحداث 12 آذار كما يسميها البعض, وتحولها إلى انتفاضة كردية حسب تعبير آخرين, قد فشلت في تحقيق أهدافها, بل زادت من حرص الشعب الكردي على الالتزام بطريق الحريات وحقوق الإنسان, والعمل على نشر ثقافة الحق الإنساني والمجتمع المدني داخل البيت الكردي, والتواصل الجاد والفاعل مع جميع قوى المعارضة السورية الشريفة، لأجل التحول نحو دولة القانون والمؤسسات, وإحياء الدستور, والعيش معا في وطن معافى ديمقراطي عادل, تحت سقف القانون والولاء للوطن الواحد.
إننا في منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف ندعوكم جميعا, منظمات ومؤسسات ودعاة ديمقراطية وحقوق إنسان, أن تقفوا لحظات مع الذات, وتتعمقوا في مأساة الشعب الكردي في سوريا, حينها يمكنكم أن تحكّموا ضمائركم وقناعاتكم بعدالة قضية الإنسان الكردي, والوعي بحقوقه وطموحاته الديمقراطية ضمن الوطن الواحد والمصير المشترك.
تذكروا- أيها الأخوة- معنا ضحايا انتفاضة الثاني عشر من آذار، حيث بلغ عددهم أكثر من ثلاثين ضحيةً ، قمنا بإعدادها ونشرها في بيانات سابقة ، من قبل..
نحن إذ نتذكر المأساة الإنسانية, و تلك الجريمة السوداء بحق الشعب الكردي السوري, وانطلاقا من الحق في ممارسة الحريات, وقناعتنا وتمسكنا بثقافة حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها, لاسيما وأن الدولة السورية عضو في الأمم المتحدة ومسؤولة عن شعبها وعن أفعالها, فإننا نطالب السلطات السورية تحقيق مايلي:
1- السماح لمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني السورية بتشكيل هيئة قضائية مستقلة للتحقيق في مجريات وأسباب أحداث قامشلو 2004 لأجل محاكمة نزيهة وعادلة للجناة.
2- التعويض على كل من جرح أو تأذّى أو تعرّض لآلام نفسية ومعنوية, وكل من فقد حياته وقتل على يد قوات الأمن والجيش والشرطة, من المدنيين الكرد دون قيد أو شرط.
3- محاسبة كل المجرمين من المسؤولين والعناصر الأمنية وميليشيات الحزب الذين ارتكبوا جرائم قتل وتعذيب وإرهاب بحق المواطنين الكرد, وممارستهم التعسف السلطوي، وفي مقدمتهم محافظ الحسكة المخلوع (محمد سليم كبول).
4- إطلاق الحريات العامة والسماح بتداول السلطة والتعددية السياسية والانتخاب الحر والمباشر.
5- حل القضية الكردية في سوريا وفقا للمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان, حلا عادلا وديمقراطيا انطلاقا من سوريا وطن الجميع.
6- العمل على إحياء المجتمع المدني ونشر ثقافة حقوق الإنسان داخل المجتمع السوري.
7- إغلاق ملف الاعتقال السياسي وتبييض السجون.
8- إعادة الاعتبار لكل السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي والتعويض عليهم.
9- إلغاء كافة القوانين الاستثنائية والسماح بعودة المنفيين إلى الوطن.
10-إلغاء قانون الطوارىء والأحكام العرفية ومحكمة امن الدولة العليا.