تركيا فقدت الدين و الدنيا !!

هشيار بنافي
 
مما لا شك فيه إن عقلية المجتمع الاستبدادي هي من لدن حكامه و العكس صحيح أيضا ، و نستطيع فهم هذه المعادلة بشكل أوضح إذا تتبعنا سياسات الدولة (التركية) منذ تأسيسها و إلى ألان فهي نموذجا  للدول الاستبدادية، فالجزء التركي من مجتمعها متزمت مستبد عنصري و حاقد لكونه  ناتج أفكار باني دولتهم (( مصطفى كمال اتاترك )) .

فكان هذا الاتاترك ( والد الترك ) عسكريا متعصبا مستبدا .

لذا من المفيد جدا دراسة نفسيته و عقليته ضمن ظروفه الذاتية و الموضوعية في ذلك الزمان و المكان لمعرفة سبب حقد الترك على جميع قوميات الشرق الأوسط  و الاستعلاء عليهم ، بغرور و صلف واضح تتولد عندهم  نتيجة لذلك غباءً  سياسيا حادا ، فيشعرون بالنقص من ثقافتهم الشرقية ! و لا يهضمون الثقافة الغربية أيضا !!، لذا يتوجسون من محيطهم دائما ، و ما تلك الغطرسة و التكبر الظاهري عندهم إلا نتيجة عدم الثقة بالنفس ، و يعيشون حالة رهاب دائم و قلق فضيع على مستقبل كيانهم السياسي العنصري المقيت (تركية) .

كان اتاترك رجلا ولد و لم يولد ،عسكريا و سياسيا مراوغا ، متأثرا بالثقافة الغربية ، و متحاملا على العقيدة الإسلامية لنفاذ صلاحيتها ! ، حسب ما كان يرى ، لذا و بجرة قلم قام بتحرير قوانين ! قرقوشية (علمانية) منع بها كافة الطقوس والمظاهر و الدلالات الدينية الممكنة المنع ، واستترك البقية القليلة الباقية منها كالأذان مثلا في أرجاء دولته (التركية) ، بذلك دار ظهر المجن للإسلام و العرب و العربية مستهزأ بكافة المسلمين اللذين قبلوا حكم الأتراك طيلة ستة قرون ! و ظهرت للعيان خديعتهم الكبرى باستغلالهم الدين لأغراض سياسية استعمارية بحتة  على حساب بقية الشعوب ، كما استغل قبلهم من قبل الأمويين العرب و غيرهم لنفس الأغراض و الأهداف الدنيئة .


كان لابد من بديل أيديولوجي جديد لاتاترك و لقد وجد ضالته في الأيديولوجية القومية العنصرية المزدهرة آنذاك في أوربا لكي يتمكن بقدر ما يمكن الاحتفاظ بأراضي إمبراطورية أسلافه المتهالكة ، عندها سقط القناع عن وجهه القبيح و ثارت ثائرة ((الكورد)) بعد إلحاق شمال كوردستان بدولته العنصرية بموجب معاهدة لوزان التامرية ، و لم يهدأ لهم بال و قاموا بثورات و انتفاضات متتالية قمعت جميعها بالحديد و النار و سالت انهار من الدماء بل تسيل إلى ألان وستسيل مستقبلا و لحين الاعتراف الشامل و الكامل بحقوق الكورد و الأقوام الأخرى من أرمنية وعربية و لازية و شركسية و جورجية و يونانية و اذرية و غيرها في دولة الطوران الفاشية باسمها و جسمها (تركية) .
لم يكن اتاترك سياسيا عبقريا أبدا ، بل هو ناتج ظروفه و زمانه و مكانه ، نفخ الغرب في أوداجه من روحه وحقنت بعدئذ ميزانية دولته بمليارات الدولارات ناهيك عن إهدائها كافة أنواع الأسلحة و الذخائر ليقف جيشها المليوني خادم آليا مطيعا في خدمة المعسكر الغربي و ليمنع السوفييت سابقا من التمدد نحو الشرق الأوسط .

إن (فلسفة) اتاترك مبنية على أنقاض الفكر النازي و الفاشي مع الاستفادة من تجارب أخرى قامت بصهر قوميات عديدة في بوتقة كيان سياسي واحد ، كان الهدف في معظمها تصبوا إلى الاتحاد لمواجهة عدو مشترك أو لخلق شعور وطني لدى المواطنين مجتمعا يفوق الحس القومي عند ملل و نحل ذلك البلد .

ولكن الفكر الاتاتركي بعيدة كل البعد عن ذلك و لا تؤمن بحقوق الإنسان و المبادئ العلمية و الحضارية و التقدمية و لا يخدم مصالح العنصر المهيمن المستبد نفسه و هنا اقصد العنصر التركي بكافة تلاوينه الفكرية ، بل يخدم مجموعة من الأوباش و الطفيليين و السراق وكذلك الطغمة العسكرية الحاكمة المستبدة التي تهيمن على جميع مرافق الدولة و مؤسساتها من دينية و مدنية و تعليمية و قضائية ..الخ .


لقد خلق اتاترك في ( تركية) مجتمعين متناقضين ، أحدهما يتالف من الترك و المستتركين و الآخر من بقية القوميات ( التركية ! ) ، الأول فاقدا للهوية و يحكم اسميا و الثاني مسلوب الإرادة محكوم فعليا ، و لضمان تعايش ! الاثنين معا لا بد من قوة عسكرية غاشمة مغسولة الدماغ لتفرض الولاء للوطن المشترك ! ، و لهذا الغرض تحتاج دولة الجنرالات دائما إلى جيش عقائدي متحجر التفكير ليس لديه أية مشاعر إنسانية ومهنته الأساسية التعسف و الاستبداد و قمع الحريات ، و دعم فرق الموت السرية وتشكيل ميليشيات من المرتزقة الجحوش والى آخره من قبائح الأمور .

هذه هي صفات الجندرمة التركية حامي حمى الجمهورية الاتاتركية ! التي تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوربي !! .

إنها فعلا فقدت عقلها أو بلغت أعلى درجات انفصام الشخصية و الحماقة فمن سابع المستحيلات قبول دولة الترك! في أي كيان ديمقراطي.
عشرون مليون كوردي لا يشعرون بأدنى درجة من حب الدولة على استعداد كامل لتمزيق جسم (( المرأة المريضة )) تركية وهدم أسوار سجنها المظلم ليتنفسوا هواء الحرية كأخواتهم و إخوانهم كورد الجنوب إن آجلا أو عاجلا إذا بقيت تركيا على فاشيتها و لم تركع أمام إرادة شعوبها! في نضالهم من اجل تقرير المصير .
أخيرا أقول ..

على النخب التركية تقيم فكر مؤسس دولتهم من جديد ورمي دستورهم القذر في مزبلة التاريخ و البحث عن حلول موفقة لمشاكلهم المستعصية لكي يستقر بلادهم في حضن الشرق الأوسط من جديد لنكافح معا من اجل منطقنا و مصيرنا المشترك نحن العرب و الترك و الكورد و الفرس و العبريين و الأخريين، و إن لغة التهديد و الوعيد و العنتريات قد ولت و إلى غير رجعة .
 

برلين
 
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…