العمال السوريون في عيدهم العالمي *

بقلم: رئيس تحرير جريدة آزادي

   معلوم واقع العمال السوريين وما يعانونه من الفاقة والعوز سواء لجهة طوابير البطالة التي تتقاطر في أسواق العمل وأمام حانات أرباب العمل وورشاتهم ومشاغلهم وهم يبحثون خنوعا عن قوت يومهم فمنهم من يحظى ولو بأجر بخس حيث الاستغلال الفاحش

 

ومنهم من يذهب أدراجه إلى حيث لا حول له ولا قوة، أو التزاحم أمام دوائر«الشؤون الاجتماعية والعمل» التي ربطت مصير العاطلين عن العمل بها للبحث عن الأدوار ليصار إلى الاختيار حسب الأمزجة أو الدعم أو المحسوبية أو من يستطيع شراء عمل بمبالغ قد تتجاوز أضعاف ما يتقاضاه لاحقا وتبقى الأفضلية هنا لمن يحالفه الحظ في المزاد، هذا فضلا عن الأجور المتدنية للذين يعملون في مؤسسات الدولة ومنشآتها تلك التي لا تتناسب مطلقا مع الارتفاع الجنوني للأسعار بشكل يكاد يكون يومياً مستمراً، لذلك فإن الطبقة العاملة السورية ومعها العمال الزراعيون وجماهير الفلاحين تكابد الواقع الحياتي من ضنك العيش والفقر المدقع أكثر بما لا يقاس من مكابدة ومعاناة الشرائح الاجتماعية الأخرى من الطبقات الدنيا التي لا يحسد عليها في المجتمع السوري، وفي هذا السياق حري بنا ذكر واقع العامل الكردي الذي يعاني الأمرين تارة لنفس الحالة العامة القائمة، وأخرى لحرمانه أو تضييق الفرص أمامه أكثر لدوافع وخلفيات عنصرية وتصل لدرجة الفصل الأمني من العمل عمدا لمن سبق له العمل في قطاع الدولة تحت حجج وذرائع واهية جاهزة كاليافطة المتبعة (خطر على أمن الدولة)، هذا ناهيك عن الإهمال المتعمد للمناطق الكردية وسد منافذ العيش في وجه المواطن الكردي بغية تجويعه وبالتالي إرغامه على هجرة مناطقه بحثا له عن لقمة العيش وقوت عياله..
الحقيقة أن واقع العمل والعمال بشكل عام وفي أي مكان في العالم يرتبط ارتباطا وثيقا بمستوى التطور العام وبطبيعة النظام السياسي القائم في ذلك البلد وهو جزء لا يتجزأ من مجمل الحالة السائدة أو التي ينتجها ذاك النظام، ففي البلدان ذات النظم الديمقراطية تتضافر الإمكانيات والجهود وتتفاعل من أجل التطور والتقدم عبر تعزيز البنية التحتية من خلال التركيز على زيادة الإنتاج وتطوير القوى المنتجة ببناء المزيد من المعامل والمصانع والمنشآت الحيوية وتوفير المزيد من فرص العمل وإعداد الكادرات المتخصصة، ومع ذلك تتمتع الطبقة العاملة بحرياتها السياسية والنقابية ولها قياداتها التي تدافع عن مصالحها سواء بزيادة الأجور أو بتقليل ساعات العمل أو بوضع السياسة السعرية المناسبة للسلع والمنتجات الضرورية للحياة بغية تعزيز القدرة الشرائية لها، فضلا عن أن الدول المتطورة تضع اعتمادات خاصة تحسبا لمن لم تتوفر لهم سبل العمل المناسب كراتب للحد الأدنى اللائق بمعيشة الإنسان درءا لتفاقم الأزمات، ورغم هذا وعند المنعطفات الحادة والعراقيل التي تعترض سبيل العمل والعمال سواء على مستوى البلاد أو على مستوى عدد من المنشآت أو المنشأة الواحدة فإن القيادات النقابية والأحزاب العمالية في تلك البلدان تطالب بتذليل هذه العقبات وتلجأ أحيانا إلى تنظيم الإضرابات العمالية عن العمل أو إلى الاعتصام والتظاهر أحيانا أخرى، في سعي منها لضمان العمل أو لزيادة أجور العمال أو لتقليل ساعات الجهد والكد أو للمطالبة بالمزايا التي تناسب نوع العمل أو بالحوافز الإنتاجية..
أما في البلدان ذات الأنظمة الشمولية أو الاستبدادية ومن بينها بلدنا سوريا، فقد عمدت هذه الأنظمة من خلال احتكارها للسلطة السياسية وسيطرتها على مصادر الثروة وثراء قياداتها على حساب قوت الشعب والجماهير الكادحة، عمدت إلى فرض هيمنتها العسكرية والأمنية على مختلف المجالات الحيوية من سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وتمكنت من انتفاء المجتمع المدني في معترك ميادين ممارساتها القمعية والاستبدادية، واستطاعت ربط المنظمات الشعبية والاتحادات والنقابات المهنية بفلك سياساتها الاحتكارية بما فيها النقابات العمالية وجعلها منظمات رديفة لحزبها الحاكم، في خداع لها أن السلطة هي التي تمثل مصالح الكادحين لدرجة أصبحت القيادات السلطوية هي ذاتها قيادات لتلك المنظمات والنقابات، مما حكمتها بين فكي كماشتها دون أن تترك أي مجال لحراكها خارج فلك ذات السلطة والنظام بل سخرتها بشكل فظ في ديمومة سطوتها وهيمنتها..
هذا وأمام واقع يدمي القلوب ويندى له الجبين من حياة العمال السوريين ومعهم الجماهير الشعبية الكادحة، الواقع الذي يهدد بالمجاعة والعيش الذليل، مقابل حياة البذخ والترف والتبذير التي تلف قيادات السلطة وتغمرها في نعم الحياة من امتلاك القصور والسيارات الفارهة وأكداس العملات الصعبة في البنوك الوطنية والأجنبية (دون أن يسأل من أين لك هذا؟) كل ذلك على حساب هذا الواقع المرير تأكيدا للقول المأثور «لا ثراء إلا على حساب فقر الآخرين»..

وقد حاولت السلطات – يائسة –  مرارا كيل الوعود المتكررة بمحاربة الفساد وبمكافحة البطالة والعمل باتجاه توفير فرص العمل، لكن دون جدوى ودون أن تعمى الأبصار عن الحقيقة، لأن هذا الواقع قد فرضته طبيعة السلطة القائمة فكيف بها إذاً المعالجة الصحيحة؟؟.
واليوم وأمام هذه المتغيرات التي تعصف بالعالم ومن بينها منطقتنا والتي ستنسحب على بلدنا سوريا سواء طال الزمن أم قصر والتي تظهر بوادرها هنا وهناك، لتلقي بأعباء جديدة على القوى السياسية المؤمنة بالتغيير والتحول الديمقراطي السلمي وعلى مؤسسات المجتمع المدني كافة ومجمل القوى والفعاليات الجماهيرية ومؤسساتها وبالأخص النقابات العمالية والمهنية، لتفرض عليها مهام ومسؤوليات جديدة وفي المقدمة منها العمل معاً من أجل بناء حياة سياسية جديدة تبنى على أسس ديمقراطية ينعم الجميع في ظلها بالحريات الديمقراطية العامة ولاسيما حرية التنظيم السياسي والنقابي وحرية الكلمة والرأي..

وفي هذا السياق فإن الطبقة العاملة السورية مدعوة إلى تحرير نقاباتها من هيمنة أي حزب أو سلطة لتشق طريقها بكل اعتزاز نحو بناء مؤسساتها وفق ما تقتضيها المرحلة وبما يخدم مصالحها في إطار العدل والمساواة دون تمييز بسبب أي انتماء سياسي أو قومي أو ديني وما يعزز دورها في العمل الجاد من أجل عيش لائق بإنسان العصر وبما يخدم  تطور البلاد ويحقق تقدمها وازدهارها..
وتحية عطرة للطبقة العاملة السورية في الأول من أيار يوم عيدها العالمي..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* افتتاحية جريدة آزادي (العدد385): جريدة يصدرها مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…