الانطلاقة الجديدة للبارتي

بير رستم*

انعقد المؤتمر العاشر للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) بين 17-19/5/2007 كما ورد في البيان الختامي للمؤتمر وبذلك يكون (البارتي) قد تخطى محطة جد مهمة وحساسة في تاريخها النضالي والذي تخطى يوبيله الذهبي منذ فترةٍ وجيزة، بل يمكن اعتبار هذه المحطة – المؤتمر العاشر للحزب – على أنها البداية والانطلاقة الجديدة أو الثالثة في حياة الحزب وذلك بعد محطتي التأسيس في عام 1957 والتوحيد عام 1970م.

وهكذا يمكن تسمية هذه المحطة – المؤتمر بمرحلة الانبعاث الجديد للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) ولنهج بارزاني الخالد وذلك بعد فترةٍ من ما يمكن تسميته بمرحلة الوهن والخمول والركود نتيجة لمرحلة المد الثوري وطغيان الفكر والمرحلة الماركسية – اللينينية على جزء كبير من الجغرافية السياسية العالمية وضمناً ما كانت تعرف بحركات التحرر للشعوب المضطهدة (بفتح الهاء) في العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط وكوردستان والتي كانت وما زالت “مستعمرة دولية” على حد تعبير الأستاذ إسماعيل بشكجي.

نعم..

يمكن تسمية المؤتمر العاشر للحزب بمرحلة التجديد والانبعاث وعلى مستويات عدة؛ تنظيمية – جماهيرية وكذلك على المستوى السياسي – الفكري، أي أن التجديد يشمل كل من الجانبين النظري – البرامجي؛ من (التقرير السياسي العام والمنهاج السياسي للحزب وكذلك النظام الداخلي) وأيضاً يشمل الجانب العملي – التطبيقي، وإننا سنقف عند هذه الجوانب المختلفة ولو على عجالة لنلقي بعض الضوء على تلك النقاط والمسائل.

ونبدأ أولاً من ناحية الفعل والممارسة وتأطير العديد من (الكتل والتيارات) السياسية والتي خرجت من الحزب في فترات سابقة ولأسباب ذاتية وموضوعية آنذاك وبالتالي تجميعهم من جديد ضمن الهيكلية التنظيمية الواحدة للبارتي أو ما عرف بـ”لم الشمل وعودة الرفاق” إلى الحزب والذي كان موضع تقدير واهتمام من الرفاق وكذلك من الوسط السياسي الكوردي والجماهيري عموماً، حيث ومن خلال إلقاء نظرة على المؤتمرين كنت تدرك حجم الامتنان والاعتزاز في عيون الرفاق وهم يجلسون تحت خيمة واحدة للبارتي والتي نأمل أن تشمل من هم ما زالوا خارج السرب والخيمة.

وهكذا..

فكان رفاق البارتي والذين كانوا يُعرفون من خلال شخصية الأستاذ عبد الرحمن آلوجي** يتجاورون مع الرفاق الذين جاءوا قبلهم من جناح الأستاذ نصر الدين إبراهيم وكذلك الرفاق الذين أتوا من حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا وانضموا إلى خيمة البارتي هذه، مكملين بذلك الحلقة مع الرفاق القدامى في صفوف الحزب ودون أن ننسى الرفاق والأخوة الذين كانوا قد تركوا صفوف الحزب والحركة الوطنية الكوردية في سوريا عموماً في فترات سابقة وذلك نتيجة لحالة اليأس والقنوط من الحالة السياسية الكوردية عامةً.

وهكذا كان هناك نوع من الطيف والفسيفساء السياسي في هذا المؤتمر والذي بدوره كان عامل تحفيز لكل الرفاق بأن يبذلوا المزيد من الطاقة والجهد لإنجاح المؤتمر وذلك عبر المزيد من التلاحم بين هذه (الكتل والتيارات) وبمزيد من الحوارات البناءة والشفافة والتي وصلت عند بعض المراحل والنقاط إلى نوع من المكاشفات الغير دبلوماسية ولكن من دون التجريح وإنما من باب الوصول إلى أفضل ما يمكن، بل يمكن الادعاء أن كل تلك المجادلات اتسمت بروح المسؤولية الحقيقية وإن كان البعض يخاف من توتير الأجواء أكثر من اللازم ولكن الجميع كانوا مدركين لحقيقة مفادها؛ أنه لا يمكن لأحد (أي كتلة أو تيار) أن يقوم عن الآخر وبالتالي يخرج عن شرعية المؤتمر ليعلن للجماهير عن ميلاد حزبٍ جديد؛ حيث تكون هناك محرقته، فالجماهير الكوردية لم تعد لديها قدرة التحمل وبالتالي القبول بالمزيد من الانقسامات البارامسيومية في صفوف الحركة السياسية الكوردية.

هذه النقطة؛ الخوف من الشارع الكوردي بلفظ كل من يخرج عن قرارات المؤتمر وشرعيته، كان عامل تحفيز لطرح قضايا سياسية هامة ولرص وتوحيد الصفوف بشكل أكثر فاعلية، مما مهد الأجواء والمناخ لأن يبذل الأخوة والرفاق المؤتمرين جهود حقيقية للوصول إلى برنامج سياسي بحيث يكون معقولاً ومقبولاً من الشارع السياسي الكوردي وبالتالي منسجماً مع إرادة ورغبة الجماهير الكوردية من جهة ويلبي طموحه وواقعه الجيوسياسي ومن الجهة الأخرى أن يكون (أي البرنامج السياسي) مقبولاً ومنسجماً مع المناخ السياسي العام الإقليمي والدولي؛ حيث  وبالعودة إلى “البيان الختامي” للمؤتمر والقراءة فيه والشعارات الأساسية التي تبنته وعلى الصعد كافةً، الوطنية السورية والقومية الكوردستانية وأيضاً الإقليمية والعالمية، نلاحظ بأنها تشكل حالة نوعية بالنسبة للبرامج السابقة والتي كانت مطروحة من قبل الحزب؛ حيث الوضوح والشفافية في تحليل القضايا والمسائل السياسية ومن ثم اتخاذ المواقف الجريئة والواضحة تجاه تلك القضايا العالقة، إن كانت وطنية داخلية (انتفاضة آذار 2004) أو كانت تتعلق بالجانب التاريخي للحركة الوطنية الكوردية في سوريا وقضية تأسي أول تنظيم سياسي كوردي في البلد باسم “بارتي ديمقراطي كردستاني”؛ حيث كانت الدوريات والنشرات الكوردية السابقة تقول باسم (الحزب الديمقراطي الكردي – وليس الكردستاني – في سوريا)، وذلك تجنياً وتجنباً للحقيقة والواقع الجغرافي الكوردستاني في سوريا، والذي أكد عليه مؤخراً المؤتمر العاشر للبارتي وذلك عندما ثبت في كل من (التقرير السياسي العام وكذلك منهاج الحزب) بأن كوردستان مقسمة بين أربع دول، ألا وهي: تركيا، إيران وكذلك سوريا والعراق.

وبالتالي فكان طرح المؤتمر والرفاق جريئاً وواقعياً بصدد القضية الكوردية في سوريا؛ على أنها “قضية أرض وشعب” وبأن الكورد “يعيشون على أرضهم التاريخية” وبالتالي فهم ليسوا بأقلية عرقية هاجرت واستوطنت أو نزحت إلى هذه المنطقة منذ سنوات قلائل وعلى أيام الاستبداد الكمالي (نسبةً إلى كمال أتاتورك) والدولة التركية الحديثة، بل عندما نقول بأننا “نعيش على أرضنا التاريخية” نود أن نؤكد على مسألة وقضية جد حساسة ألا وهي؛ أن الكورد هم من أبناء هذه الجغرافية وليسوا بوافدين عليها ومثلهم في ذلك مثل جميع شعوب المنطقة من عربٍ وفرس وآشوريين وكلدان و..

غيرهم وإن كانت المنطقة قد عرفت المد والجزر في داخلها؛ حيث وبحكم قوة ونفوذ هذه الشعوب وإمبراطورياتها والتي هي متجاورة تاريخياً كانت مناطقهم وجغرافياتهم تعيش حالة الامتداد أو الانحسار، كما هي حال كوردستان في العصر الحديث؛ حيث يتم اقتطاع أجزاء منها هنا وهناك وذلك نتيجةً لظروف الاحتلال التي تعيشها وآخرها ما نراه اليوم في مدينة كركوك الأقضية الأخرى التي هي موضع خلاف بين حكومة إقليم كوردستان العراق وبعض التيارات السياسية في الحكومة المركزية في بغداد أو تلك الجماعات السلفية الدينية أو القومية المتشددة.

وهكذا تم التأكيد في المؤتمر، ومن خلال الوثائق التي قدمت إليه، على أن القضية الكوردية في سوريا هي “قضية أرض وشعب” وبالتالي يجب التعامل معها وحلها على هذا الأساس ووفق ما تمليه الاتفاقات الدولية وتقرها الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي والأمم المتحدة وحقوق الإنسان.

وبداية وذي بدء وكمدخل حقيقي لبناء الدولة الحديثة والمدنية في سوريا وتحقيق التغيير الديمقراطي السلمي المتدرج، يجب الاعتراف والإقرار الدستوري بوجود الشعب الكوردي في سوريا وبذلك يتعزز العلاقات بين القوى المجتمعية والسياسية في البلد بحيث يشعر الجميع بأنهم شركاء حقيقيين تشملهم هذه الجغرافية السورية وبأقاليمها المتعددة، من دون أن يكون هناك هاجس التقسيم والتقطيع؛ حيث من مصلحة الجميع أن يبقوا متحدين سوريا واحدة على الأقل ضمن هذه الشروط والمعطيات السياسية الراهنة.

نقطة أخرى، وهي في الجانب القومي، أكد عليه المؤتمر العاشر الاعتيادي للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)؛ ألا وهي مسألة التمسك بالنهج البارزاني الخالد و”ترسيخه في الفكر والممارسة” وبالتالي جعل التجربة والمدرسة النضالية للحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق والثورة الكوردية هناك عموماً نبراساً نضالياً يهتدي به الحزب في سلوكه العملي وذلك قبل جعله منهاجاً نظرياً وسياسياً له وبذلك بقي البارتي وفياً لخطه السياسي وتاريخه النضالي؛ حيث لم يتخلى يوماً عن هذا النهج وحتى في أحلك الظروف والشروط التي مرت بها الثورة الكوردية في جنوب كوردستان وأجواء ومناخات النكسة والهجرة والتنكيل بالبارتي وبالثورة وأبناء الشعب الكوردي كافةً ومن قبل كل محتلي كوردستان وليس فقط الدولة العراقية آنذاك.

وهكذا أكد البارتي مرة أخرى على أهمية البعد القومي الكوردستاني للقضية الكوردية ومدى تفاعلها في الأجزاء الأربعة لها، وهي بذلك تؤكد على خطها السياسي الاستراتيجي العام.

كما وقف المؤتمر عند العديد من القضايا والمسائل السياسية الأخرى مثل: “إيجاد مرجعية كردية على أسس واقعية وسليمة” وكذلك العمل ” من أجل تعزيز دور المرأة في الحياة العامة” و”من أجل نبذ العنف والإرهاب والتطرف والعنصرية” وأيضاً “من أجل تعزيز العلاقات مع القوى الوطنية والديمقراطية والمجتمعية” وغيرها من القضايا والمسائل إن كان في الجانب السياسي النظري أو الجانب العملي التطبيقي من ممارسة وسلوك حزبي تنظيمي، ولكن هذه تحتاج إلى قراءاتٍ متأنية وأكثر اتساعاً وشموليةً ولا يمكن لهذه المقالة التنويهية أن تقف عند كل تلك المفاصل وبأجزائها الدقيقة والمفصلية.

وهكذا فمن حق المؤتمرين وأعضاء ورفاق ومؤازري وجماهير البارتي أن تدعي بأن المؤتمر العاشر الاعتيادي للحزب؛ (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) هي بداية وانطلاقة جديدة لها ولنهج بارزاني الخالد في هذا الإقليم الكوردستاني.

(*) عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي (بصفة احتياط).
(**) المقال كتب قبل أن يعلن الأستاذ عبد الرحمن آلوجي انسحابه من البارتي.
جندريسه – 2007

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…