المؤتمر العاشر للبارتي وحوار مع الذات

صوت الأكراد*

هذه هي المرة الأولى التي أحضر فيها مؤتمراً حزبياً وألتقي بأناس لهم مكانتهم ومركزهم السياسي والاجتماعي ، ورزانتهم ، لديهم من المؤهلات والكفاءات ما يمنحهم القدرة على إدارة شؤون أوطان بكاملها ، وحضور مؤتمرات عالمية بأعلى المستويات ، التقيت بأعداد كبيرة من أناس يفتخرون بانتمائهم الوطني ويعتزون به ويدافعون عنه ، التقيت بجمع لا يعرفون إلا الصدق في أقوالهم ، والنبل في أفعالهم ، والوفاء بالتزاماتهم

 

التقيت بأناس سخروا أنفسهم وعائلاتهم وبيوتهم لخدمة قضاياهم القومية الوطنية ، التقيت بأناس لديهم من الاستعداد والتضحية بكل شيء في سبيل تحقيق أهداف سامية ونبيلة للشعب والوطن والقضية ، التقيت بهؤلاء الناس كلهم ، كان جمعاً كبيراً وغفيراً ، التقيتهم في صالة أشبه بالحظائر، ومن ضيق المكان يكاد الواحد منهم أن يجلس فوق الآخر ، ولولا قرار رئاسة المؤتمر بمنع التدخين في هذا الجو الخانق لشعرت بالاختناق بكل تأكيد من زحمة الناس في المكان ، وفي هذه الظروف القاسية جداً كان الجميع يتصرف بمنتهى الحرص والمسؤولية التاريخية والجدية والعمل على مناقشة المواضيع المطروحة على المؤتمر ، ويمضون ساعات طويلة يسرقون الوقت لإنجاز ما يجب إنجازه دون استراحة ولو بسيطة ، يعملون حوالي 20 ساعة من 24 ساعة ولا ينامون لأكثر من ساعتين والساعتان الباقيتان لوجبات الطعام والاستراحات القصيرة جداً .
بدأت أسأل نفسي عدداً لا نهائياً من الأسئلة تدور حول مكان المؤتمر وظروفه إلى القاعات الفسيحة والأرائك المريحة ، ساعات العمل المحددة ، وساعات الاستراحة التي يحتاجها الإنسان إلى نوع الماء والطعام والخدمات التي يجب أن تقدم لأناس سخروا أنفسهم لخدمة قضايا نبيلة وسامية ، وبدأت أسأل وأتساءل لماذا هذا السلوك ، وذلك الموقف المتشدد من السلطة ، وهل الأكراد يسعون إلى الظفر بالسلطة ؟ كان الجواب يأتيني مسرعاً ، لا بالتأكيد لا نريد ولا نسعى إلى ذلك رغم أننا مواطنون سوريون ويحق لنا وكأي مواطن سوري بذلك ، ولكن حتى هذا الكلام وحتى مجرد الحلم يعاقب صاحبه عليه بأشد العقوبات ، ولماذا يعقد قادة حزبنا وقواعده وكوادره مؤتمرهم في هذه الظروف اللا إنسانية ؟ هل يريدون الاستيلاء على سوريا ، هل يريدون اضطهاد الغير ، هل يريدون صهر الغير ، أو يسعون إلى تطبيق سياسات شوفينية عبر الآخرين ، هل يسعون إلى هضم حقوق الآخرين أو الاعتداء على حقوقهم ؟ ماذا يريدون ؟ يأتيني الجواب : يريدون العيش كمواطنين يتمتعون بالمساواة مع باقي مكونات الشعب السوري كل وفق خصوصيته وهويته القومية ، لا يردون الحصول على أكثر من حقوقهم القومية المشروعة ، لا بل يطالبون بما هو أقل بكثير من الحقوق المفترضة لهم كشعب يعيش على أرضه التاريخية وله حق تقرير المصير أسوة باقي شعوب الأرض ، هل يضمرون الشر لسوريا وللوطن حتى يعملون في هذه الظروف السرية القاسية جداً ، فيأتيني الجواب من الوثائق والأفكار والآراء والمواضيع المطروحة والتي في مجملها تسعى وبكل إخلاص إلى تحقيق الديمقراطية في سوريا ، إلى تحقيق العدالة والمساواة ، إلى محاربة الفساد والتخلف بكل مظاهره وأشكاله ، محاربة الأفكار العنصرية والشوفينية ، يسعون إلى تحقيق حرية العمل السياسي والإعلامي ، وحرية التعبير ، إنهم باختصار يعملون على تحقيق بلد ديمقراطي حر آمن مزدهر ومستقر ويحقق العدالة والمساواة لمواطنيه ، ويؤمن لكل مكون سوري خصوصيته ، وللمواطنين ممارسة حقوقهم الشخصية العامة ، وضمان احترام القانون لهذه الحقوق , وباختصار انهم يسعون بكل ما يملكونه من مؤهلات وقدرات إلى جعل بلدهم سوريا وطناً للجميع , ويحترم الجميع , بلد قادر على احتضان جميع مواطنيه وتوفير العيش والكرامة لهم , وطن له مركز بين أوطان العالم يحترم جواز سفره وهوية حامليه وكرامة مواطنيه .
إذاً لماذا تمنع السلطة هؤلاء الخيرين الوطنيين بامتياز , الذين يملكون من الكفاءات ومن العزم والتصميم على تطوير البلد , لماذا تمنعهم من العمل بحرية ؟ احترت في الحصول على جواب معين , وبدأت الأفكار والأجوبة تتلاطم داخل جمجمتي , تتصادم وتتنافر , تتراكم , استفزت جميع خلايا مخي دفعة واحدة و بأقصى طاقاتها مستخدمة جميع مخزوناتها من المعلومات والمحفوظات بحيث تركت خلايا الدماغ ذات الوظائف الأخرى وظائفها الأساسية للمساعدة مع الخلايا المختصة بالتفكير والذاكرة لعلها تسندها للحصول على جواب مقنع وشافي , أدركت وبعد طول التفكير والتأمل وبعد الاستماع إلى جميع خلايا مخي وأفكار وآراء النخب الواعية في المؤتمر إن ثمة خللاً بين الحاضرين في المؤتمر , وبين من هم في السلطة , وحاولت أن اختصر هذا الخلل بالمقارنة والفرو قات التالية :
1-     المؤتمرون يسعون إلى تحقيق تحولات ديمقراطية حقيقية في سوريا توفر لكل مواطن حقه في الرأي والتعبير , بينما السلطة تسعى إلى فرض أجندتها وخياراتها , وتلجم أي تحول ديمقراطي حقيقي في البلد
2- المؤتمرون يسعون إلى تحقيقي المساواة بين المواطنين كافة بغض النظر عن خلفياتهم الفكرية والثقافية والسياسية , بينما السلطة ترفض هذه المساواة ,  وتعتبر الانتماء السياسي هو الأساس لتحديد درجة مواطنية المواطن .
3- المؤتمرون يسعون إلى الإقرار بحقيقة سوريا الطبيعية كونها بلداً متعدد الأعراق والمذاهب والأديان وبالتالي احترام خصوصية كل مكون , بينما السلطة تسعى إلى القفز فوق الحقائق والواقع وتشويه بنية المجتمع السوري وتكوينه ومحاولة صهر باقي المكونات ضمن البوتقة العربية .
4- المؤتمرون يطالبون بالمساواة أمام القانون دون تمييز, بينما السلطة تعمل على تقسيم الناس إلى طبقتين احدهما فوق القانون ( السلطة والموالين لها ) والأخرى تحت القانون باقي فئات الشعب .
5- المؤتمرون يطالبون بالتغيير الديمقراطي السلمي ,والمشاركة الفعلية لكافة القوى الوطنية والديمقراطية , وكافة مكونات المجتمع السوري , برسم سياسات البلاد العامة , بينما السلطة ترفض ذلك وتحتكر لوحدها الاستئثار بكل مقدرات البلاد السياسية والاقتصادية والإعلامية وذلك حسب المادة الثامنة من الدستور .
6- المؤتمرون يطالبون بسن قانون عصري للأحزاب وآخر للصحافة ينظمان الحياة الفكرية والسياسية والديمقراطية في سوريا , بينما السلطة ترفض أي نشاط سياسي أو إعلامي إلا تلك التي تدور في فلكها وتخدم أجندتها .
7- المؤتمرون يطالبون بإطلاق الحريات العامة والحريات الشخصية واحترام منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني , بينما السلطة ترى أن الأحكام العرفية وحالة الطوارئ هي المفتاح في التعامل مع قضايا الإنسان وحرياته العامة .
8- المؤتمرون يسعون إلى جعل صناديق الاقتراع هي الحكم في كل شيء , بينما السلطة ترفض ذلك بشكل قاطع وتعتبر ان الأجهزة الأمنية هي المرجعية في كل شيء .
أدركت حينها لماذا انعقاد المؤتمر في هذه الأجواء التي أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها غير إنسانية , غير لائقة لمكانة أناس لا يريدون سوى الخير لبلدهم والتعبير عن آرائهم بحرية , فاقترحت على رفاق المؤتمر تصوير المكان وحالة الناس فيه وطريقة نومهم وإرسالها إلى وكالات الأنباء العالمية والتي بالتأكيد ستكون العنوان الرئيسي والمانشيت الأساسي لعناوين العديد من كبريات المجلات العالمية التي ستصلها تلك الصور , لتدل على واقع ومأساة ومعاناة الشعب السوري وقواه الوطنية والديمقراطية , فقالت رئاسة المؤتمر بالتأكيد سيكون ذلك ولكن أيضاً سيصبح جميع الحضور في سجون البعث والتي تعبر حرية الرأي والنشاط السياسي الديمقراطي من الجرائم الكبرى في البلد , فاقترحت أن يتم التصوير بعد أن يلبس جميع الحضور الأقنعة لإخفاء وجوههم , فرفضوا الفكرة بشكل قاطع قائلين : نحن دعاة الديمقراطية والعدالة والمساواة , ونحن دعاة احترام إرادة الإنسان وحريته وكرامته , أما المقنعون فهم دعاة التطرف والإرهاب والعنصرية والشوفينية , سواء المقنعون بالوجوه أو وراء الشعارات ونحن نرفض أن نكون مثلهم , فأدركت كم هو عظيم حزبنا وكم هو عظيم نهجنا , وكم هي عظيمة القيم والأخلاق والمفاهيم التي نسعى إليها ونناضل من اجلها ولا بد في النهاية أن تنتصر , وهل سأبقى أحاور نفسي للبحث عن الأفكار والحلول ؟ كلا … سأحاور الكل المتفق والمختلف معي , فأنا احترم رأي الجميع وإرادة الجميع وأطالب باحترام آرائنا و إرادتنا وليكن الحوار الديمقراطي البناء هو الأساس في التعامل بدلاً من الاستعلاء والشوفينية والتي اندثرت مفاهيمها وانهارت ركائزها وفقدت مبررات وجودها في النظام العالمي الجديد والذي نسعى أن نكون جزء منه , بل جزءاً فاعلاً ومتفاعلاً لان بناء الحضارات وتطوير الثقافات والعلوم هو نتاج التفاعل البشري بغض النظر عن خلفياتهم الفكرية والسياسية ومكوناتها الإثنية .
——-

* الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي )

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…