الراشد يريده عراقاً عربياً

  علي شمدين*

في مقال نشره الكاتب السعودي المعروف عبد الرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ ( 3 ابريل 2010 ) العدد ( 11449) ، تحت عنوان (الهاشمي يريده رئيساً عربياً) ، ينتقد فيه الهاشمي على تصريحاته الداعية الى ضرورة كون الرئيس العراق القادم عربيا ، فيقول بانه :(تصريح يمكن أن يوصف بالعنصرية خاصة من قبل سياسي يشتكي من الطائفية البغيضة وعنصريتها في العراق وأسس طرحه الانتخابي على مفهوم العراق للجميع ) ، وبالرغم من عدم اعتباره للاستاذ جلال الطالباني الرئيس العراقي المثالي ، وتسجيله لبعض الاتهامات بحقه كوصفه لزيارته الأخيرة لايران بالمشبوهة ، الا انه مع ذلك لايمانع في انتخابه لولاية جديدة
حيث يقول (وإذا كان العرب يفاخرون في تاريخهم بقائد مثل صلاح الدين ولا ينتقدون في تاريخهم حكم الأيوبيين لنصف العالم العربي، فما الذي يضيرهم إن حكم كردي آخر بلدهم العراق، خاصة أن العرب هم ضد استقلال كردستان عن العراق، ويصرون على عراق موحد بكرده وعربه.

هنا يصبح الكردي عراقيا من حقه أن يتولى أي منصب يختاره مواطنوه لتقلده) .
وفي الوقت الذي يستحق فيه الاستاذ عبد الرحمن الراشد الشكر على مواقفه الجريئة القديمة تجاه معاناة الشعب الكردي وقضية القومية وخاصة في العراق ، ولاننا لانريد ان نفقد صديقا بحجم الاستاذ عبد الرحمن الراشد ، فاننا نرى من الضروري ان نضع امامه الملاحظات التالية على موقفه الوارد في مقاله المذكور :
1- اننا نفترض سلفا بان كاتب مثل عبد الرحمن الراشد يجب ان لا يكون محكوما بنظرية المؤامرة التي تحكم عادة مواقف الشوفينيين العرب تجاه الشعب الكردي ، هؤلاء الذين لايعتبرون الكرد الا متأمرون على الامة العربية وعملاء لاعدائها ..

ولكن هذه المرة وقع الاستاذ عبدالرحمن الراشد في هذه المصيدة الشوفينية ايضا عندما وصف زيارة الرئيس الطالباني الى ايران بالمشبوهة ، أجل مجرد زيارة عادية لدولة مجاورة ، مع انه لم يبق مسؤول عراقي الا وقام بمثلها ، وحتى قائمة العراقية التي ينتمي اليها العروبي السني طارق الهاشمي هي الأخرى زارت مؤخرا ايران وبالحاح من القائمة نفسها وليس بدعوة من ايران ، هذا فضلا عن ان الطالباني معروف بعلاقاته الطيبة مع الدول العربية وتحترمه الدول العربية ايضا ، ولايمكن ان تكون زيارته على حساب تلك العلاقات ، والراشد بنفسه يقر في نهاية مقاله بهذه الحقيقة ، قائلا 🙁 والرئيس طالباني على الرغم من قربه المقلق من الإيرانيين، لم يعادِ أحدا من العرب أو الحكومات العربية ، والعرب أيضا لم يقاطعوا العراق بسبب كردية الرئيس بدليل أنهم كانوا يقاطعونه عندما كان الياور، وهو عربي أصيل، رئيسا للجمهورية) ، فاذا كان الراشد يرى الأمر هكذا فمن الذي قاده الى فخ التخوين ونظرية المؤامرة اذا ؟! هل هي عدوى التحسس الطائفي السعودي السني من ايران الشيعية ؟!.
– مع ان المقارنة المطروحة من قبل الراشد بين القائدين الكرديين (الأيوبي والطالباني) هي موضع افتخارنا من حيث تأثيرهما التاريخي العظيم على مستقبل الحكم والادارة في منطقة الشرق الاوسط لابل حتى خارجها ايضا ، الا ان الراشد لم يكن موفقا في مقارنته بين صلاح الدين الايوبي كقائد اسلامي وبين الرئيس جلال الطالباني كرئيس وطني عراقي ، وكل منهما حكم في عصر اختلف عن الآخر ، ففي الوقت الذي كان يحكم فيه الأيوبي العالم العربي بهوية اسلامية خالصة بعيدة كل البعد عن الدوافع القومية ، وانما انطلاقا من مبدأ انما المؤمنون سواسية كأسنان المشط ولافرق بين عربي او اعجمي الا بالتقوى والعمل الصالح ، فأن الطالباني يحكم العراق الفيدرالي ككردي عراقي رشحته الرئاسات الكردية الثلاث (رئاسة الاقليم ، رئاسة البرلمان ، رئاسة الحكومة) ممثلا للشعب الكردي لمثل هذا المنصب السيادي ، كما ان الدستور العراقي حفظ له مثل هذا الحق على مبدأ انما المواطنون سواسية لتبوأ هذا المنصب ولافرق بين كردي او عربي او سني او شيعي او مسلم او مسيحي او يزيدي او ..

الا بمدى اخلاصه للشعب وللوطن دون تمييز بين مكوناته ، وبمدى نصاعة تاريخه النضالى وسجله السياسي المشرف ، وبمدى نجاحه في ان يكون ابا لكل العراقيين وصمام أمان لوطن ينهش في جسده التكفيريين والعروبيين وفلول النظام البائد ، هذه الصفات التي جسدها جلال الطالباني ميدانيا على مدى الدورتين السابقتين ، ولعل رفض الحاقدين على العملية السياسية في العراق ، لترشيح الطالباني انما ينبع من هذه النقطة بالذات ، نقطة اعتزاز الطالباني بكرديته واخلاصه لها بنفس حجم اعتزازه بوطنيته واخلاصه لها ، وهذا ما يساهم في حجب الصبغة العروبية الشوفينية عن هوية العراق واضفاء الهوية الوطنية عليها ، هذه الهوية التي تضم في اطارها كافة الوان الطيف العراقي وبوجود الطالباني في هذا المنصب السيادي يكون للوجود الكردي في هذه اللوحة تاثيرا بارزا وفاعلا ، والحضور الكردي الحالي يعكس هذه الحقيقة بوضوح ، وهذا ما يثير حفيظة الشوفينيين امثال الهاشمي والنجيفي وغيرهما ، ولاشك بان دخول صلاح الدين الايوبي التاريخ بهوية اسلامية غير كردية اثلج صدور العروبيين ، فتغنوا ببطولاته وفتوحاته التي برع فيها ، وبالرغم من ذلك فلو انه هزم ولم ينتصر لكانوا وصفوه بالخائن الكردي على حد قول الشاعر الكبير معين بسيسو ..


– لايخفى بان الراشد كان موفقا في انتقاده لدعوة الهاشمي بان يكون الرئيس العراقي القادم عربيا ، وجاء ذلك منسجما مع آرائه ومواقفه السابقة المناهضة للعنصرية والتعصب ، الا انه مع الاسف الشديد لم يفسر الماء بعد كل ذلك الجهد في كتابة مقاله هذا الا بالماء ، فصحيح انه رفض دعوة الهاشمي لاختيار رئيس عربي للعراق ، الا انه بدلا من ان يكحلها عماها كما يقول المثل ، فقد جزم في سياق مقاله بعروبة العراق عندما قال : (فما الذي يضيرهم -اي العرب- إن حكم كردي آخر بلدهم العراق) ، لاشك بان الكوارث التي حلت بالعراق في عهد الطاغية صدام حسين هو نتيجة لاصراره على ترديده لمثل ما يردده الراشد في مقاله اليوم ، فكان صدام ونظامه المقبور ينفي اي هوية للعراق سوى (العربية) ، ولم يرى اي عدوا للعراق سوى ايران فنصب نفسه حاميا لبوابة (الوطن العربي) الشرقية ، وهذا مافعله الراشد ايضا عندما اعتبر العراق بلد للعرب فقط ويقبل رئاسة الكردي لبلدهم كهبة وصدقة على الكرد مثلما تصدقوا على صلاح الدين الايوبي ، وينصب نفسه حارسا على نفس البوابة الشرقية ليخون كل من يتجاوز هذه البوابة نحو ايران .
الا انه ولحسن الحظ فان صدام بات وشعاراته في مزبلة التاريخ ، وان تصويت العراقيين بدمائهم للفدرالية نظاما للعراق واصرار الشرفاء من قادة العراق الحديث على تزكية الرئيس الطالباني لدورة رئاسية جديدة ، انما هو اصرار على رفض مثل تلك الافكار السوداء التي قادت العراق والامة العربية الى المهالك والحروب الدونكيشوتية التي مازال الشعب العربي المسكين يدفع ضريبتها من دمائه الزكية وارواحه الطاهرة ..
السليمانية : 10/4/2010
—————–

* كاتب وسياسي كردي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…