أمجد عثمان
من الطبيعي إن كنت تقيمُ في بلدٍ متقدمٍ، أن يحترم الآخرون أي انتماءٍ تشعرُ به سواء القومي، الديني أو السياسي, فبمقدورك تبديل ديانتك، واختراع الديانة التي تناسبك، كما بإمكانك أن تبدل مشاعر الانتماء القومي وفقاً لظروفك وقناعاتك (بفتح القاف لا بكسرها)، وبإمكانك كذلك الانتقال بحرية بين تيار سياسي وآخر، وبالرغم من أن بعض مما سبق ليس محبذاً لما يعكسه من عدم استقرار وقلق في الشخصية، إلا أني، وهو جوهر حديثنا، سأحترم أيضاً قوميتك الجديدة! حين يكون بإمكانك التأسيس بالفعل لقومية مستقلة متميزة عن سواها, تستوفي العناصر المعروفة التي تتحدد بها الهوية القومية لأي شعب في العالم.
لقد أثير الكثير من الجدل حول استبدال البعض مصطلح الديانة الإزيدية بآخر مختلف الدلالة كالقومية الإزيدية، وكي لا نكون ممن يقولون ما لا يفعلون علينا ومن منطلق ديمقراطي أن نقبل مؤقتاً جداً، بهذا الاصطلاح أي (القومية الإزيدية) إلى آن برهانه أو نفيه.
ولحينه علينا أن نبحث عن أدق التفاصيل التي قد تدفع بمجموعة من الشباب المنتمي للديانة الإزيدية لاستسهال الإدعاء بأنهم قومية وشعب مستقل عن القومية الكردية.
ولحينه علينا أن نبحث عن أدق التفاصيل التي قد تدفع بمجموعة من الشباب المنتمي للديانة الإزيدية لاستسهال الإدعاء بأنهم قومية وشعب مستقل عن القومية الكردية.
المهمة بدايةً أُحيلت إلى شريحة المثقفين وتحديداً الإزيديين، وقد أغدق المثقفون الإزيديون بالفعل وسائل الإعلام والصفحات الإلكترونية بالمقالات التي لم تقف عند حدود كُردية الإزيديين فحسب بل وجعلتهم أصلاء الكرد -وهذا ما اعتقده.
لكن الأكثر إلحاحاً هو أن نوّكل أنفسنا بمهمة البحث في الدافع وراء رغبة الإزيدي في خلع قوميته الكردية، بدلاً من لعب دور الواعظ الذي يحاول إثبات ما هو مثبت، في خدمة المنطق الذي يبرر الرغبة في تملك الإزيدي وتطويعه ومصادرة حقه في (تقرير مصيره-مجازاً) تارةً، ونفي ما هو مثبت تارةً أخرى بروح لا تخلو من الانتقاء العفوي ربما، لكل ما يجعل من فكرة (حق تقرير المصير) بالنسبة للإزيدي مجرد نزوع مسيس تدعمه أجندات (خارجية) تستهدف النيل، ووهن، وسلخ..
إلى ما هنالك من هذه القوالب الاتهاماتية التي تواجهها أية أقلية في أي مجتمع لا يحترم خصوصية وحقوق الأقليات.
لكن الأكثر إلحاحاً هو أن نوّكل أنفسنا بمهمة البحث في الدافع وراء رغبة الإزيدي في خلع قوميته الكردية، بدلاً من لعب دور الواعظ الذي يحاول إثبات ما هو مثبت، في خدمة المنطق الذي يبرر الرغبة في تملك الإزيدي وتطويعه ومصادرة حقه في (تقرير مصيره-مجازاً) تارةً، ونفي ما هو مثبت تارةً أخرى بروح لا تخلو من الانتقاء العفوي ربما، لكل ما يجعل من فكرة (حق تقرير المصير) بالنسبة للإزيدي مجرد نزوع مسيس تدعمه أجندات (خارجية) تستهدف النيل، ووهن، وسلخ..
إلى ما هنالك من هذه القوالب الاتهاماتية التي تواجهها أية أقلية في أي مجتمع لا يحترم خصوصية وحقوق الأقليات.
إن ما يدفع الكردي المسلم للاسترخاء إسلامياً اليوم هو المنطلق ذاته الذي يدفع بالكردي الإيزيدي لأن يسترخي على صعيد القومية الكردية، وأقصد ردة الفعل الطبيعية والتي ليس بالضرورة أن تكون منطقية دوماً, فالمظالم التي وقعت على الإيزيدية والتهميش المديد لأبنائها والتمييز الذي تعرضوا له، وما لقوه من قهر ودحر من قبل (المسلمين) وأخص أبناء جلدتهم من الكرد المسلمين خلال قرون, لا يمكن التعبير عنه واختزاله ببضعة عبارات إنشائية وإنما يحتاج إلى دراسة نفسية، تاريخية واجتماعية, وإلى تناول المسألة دوماً في حدود دائرة الذاكرة الجمعية التي تمتاز بها كل فئة اجتماعية دينية كانت أو قومية، ويكفي أن نتذكر حينها أن إذلالُ ذي القربة أشد مضاضةً.
ويمكن التعبير عن الأسباب الرئيسية التي تدفع الإزيدي ليسقط عن نفسه كرديته ويحاول أن ينفصل ويؤسس لنفسه وجود خاص به في نقاط ثلاث هي:
أولاً : “تعبير عن الألم الذي يعيش في ذاكرته الجمعية إذ ليس من السهل نسيان الماضي الخاص بالجماعة التي ينتمي إليها, وإحساسه الدائم بأن كل ما وقع لأسلافه من تمييز وقهر إنما وقع عليه, هذا إن كان ذلك القهر قد انتهى فعلياً؟” (حسب تعبير-د.مصطفى حجازي) والاستفهام هنا برسم المجتمع الكردي بكل شرائحه.
أضف إلى ذلك أن آلام الماضي عادةً ما تتضخم في وعي الإنسان وذاكرته وتبقى مرتبطة وثيقة الصلة وممتزجة بتجربته الحاضرة.
أضف إلى ذلك أن آلام الماضي عادةً ما تتضخم في وعي الإنسان وذاكرته وتبقى مرتبطة وثيقة الصلة وممتزجة بتجربته الحاضرة.
ثانياً : مطالبة ضمنية برد الاعتبار لكل أبناء الإيزيدية الذين طالما قلل من شأنهم بشكل ممنهج في ما مضى من قرون قريبة حين كانت الأساطير التحقيرية (عذراً على اللفظ) وسيلة الأغلبية المسيطرة, تقوم من خلالها بتهيئة المبررات لممارسة إجرامها وإبادتها للمختلف, فتزاول التحقير الثابت للهدف (الخطر) وتجعل منه رمزاً في الفساد والسوء وانعدام القيمة وهذا كاف ليجعل التعدي في نظر المعتدي شيئاً طبيعياً له ما يبرره دون أن يثير لديه إيُ إحساسٍ بالذنب.
ثالثاً : الأبعاد الثلاثة لديمومتنا هي الماضي, الحاضر والمستقبل ولئن كان كلُ بعدٍ منها يتحدد وفقاً للبعدين الآخرين، فآلام الماضي تجعل من الحاضر أشد وطأة وتخاطب المستقبل فتجعله مدعاةً للقلق, وهذا ينعكس عند الإنسان الإزيدي كشعور بانعدام الأمن, والقلق حول مصيره، ما يدفعه إلى الانفعال والتوتر الذي يتمخض عنه ردود فعل متطرفة، تماماً كالدعوى للانفصال عن قوميته الكردية.
وكل ذلك في سبيل ضمان مستقبل هادئ يحفظ له قدره كإنسان ويحمي له عقيدته من الانتهاك مجدداً.
وكل ذلك في سبيل ضمان مستقبل هادئ يحفظ له قدره كإنسان ويحمي له عقيدته من الانتهاك مجدداً.
إن ما تعرض له الإزيدي من “تهشيم نفسي” وهلاك حقيقي على خلفية معتقده الديني، لا بد أن يفعل دوره في شخصية الإنسان الإزيدي (وعيه ولا وعيه) حيث أبسط ما يمكن أن يخلقه في باطن الإزيدي هو “فك الارتباط العاطفي” القومي والذي لم يشفع له أصلاً خلال تاريخٍ طويل, فتنهار روابط الألفة بينه وبين الكرد غير الإزيديين كذلك من الطبيعي أن تنهار روابط المحبة والتعاطف والمشاركة في المصير خاصة أن الإزيدي عاش لسنين طويلة حالة من الاغتراب الحقيقي داخل بيئته الكردية ما أدى به قسراً لأن يتقوقع على ذاته.
لست هنا أبرر الدعوى للاعتراف بقومية إزيدية مستقلة, خاصة أني لا أملك القدرة البتة على إثبات وجودها كقومية, وليس من الممكن أن يكون الإزيديون يوماً ما غير كردٍ أصلاء ولكن ليس من المجدي تجنب الحقيقة مهما كانت قاسية ومحرجة ولابد من استيعاب الإنسان الإزيدي وما يحمله من ندبٍ قديمة يفترض بنا لثمها، لا تناسيها لمجرد أن ذاكرتنا الجمعية ككرد مسلمين قامت بتسوية باطنية لا شعورية لكل ما اقترفناه تاريخياً في إطار الجماعة، بعد صحوتنا القومية والعلمانية المتأخرة.
لا بد أن الكرد بصورة عامة يعرفون ما معنى أن يكون للأقليات المضطهدة ثقافتها الخاصة التي تنعكس ملامحها في الأدب والفن والموسيقى وفي التعامل مع الآخر خاصة حينما يكون من غير الممكن لأبناء هذه الأقلية أن يعبروا عن ذاتهم التي يعتزون بها فلا يمكنهم حينها إلا أن يطَعِّموا إبداعهم بجرعات من سيل معاناتهم فترى ألحان موسيقاهم أكثر إقناعاً من المرافعات ولوحات فنانيهم وكتابات أدبائهم أفضل تعبيراً من الخطب السياسية, لذلك أعتقد أن كل كردي سيعي جيداً خلفية الدعوى لقومية إزيدية، كما علينا أن نعلم أن الوعي الإزيدي الذي واجه هذه الدعوة هو الحائل الأبرز حتى الآن دون تحولها إلى أزمة حقيقية.
وأخيراً أعتقد أن واجبنا الرئيسي ليس في البحث عن الجذور والأصول الكردية للديانة الإيزيدية لأن ذلك ليس سوى مضيعة للوقت كما أنه لن يحل المشكلة, أضف أن محاولة حصر المشكلة في بعض الحركات الإيزيدية المشبوهة ممن تبنت هذا الطرح ليس سوى تهرب من مواجهة المشكلة وكأن إثبات الشبهة ضد هذه الحركة أو تلك سوف يبرئ التاريخ من البغي والجور الذي لحق الإزيديين أو سينفي حقيقة الشقاق النفسي الموجود مع وبدون تلك الشبهات, وإنما علينا الإحاطة بعمق المشكلة وجذورها, حينها فقط ربما ننجح في خلق الأمان, الأنس, والفرح الذي من شأنه تخفيف وطأة المعاناة القديمة وإدخال بعض التفاؤل إلى المستقبل.
فأبعاد الديمومة الثلاث كما ذكرت سابقاً يحدد كل منها الآخر ونحن نمتلك تقرير الحاضر وجعل المستقبل يحمل آمالاً جدية, علنا نتمكن من تبديل لون الديمومة لدى الإزيدي بآخر أكثر زهواً وأماناً.
……………
هذا المقال ليس رداً على أحد، مع تقديري لجميع الآراء.
Amjad_ib@hotmail.com
فأبعاد الديمومة الثلاث كما ذكرت سابقاً يحدد كل منها الآخر ونحن نمتلك تقرير الحاضر وجعل المستقبل يحمل آمالاً جدية, علنا نتمكن من تبديل لون الديمومة لدى الإزيدي بآخر أكثر زهواً وأماناً.
……………
هذا المقال ليس رداً على أحد، مع تقديري لجميع الآراء.
Amjad_ib@hotmail.com