إسماعيل عمر املٌ فقدناه
نبأ فاجأنا بأمر لم نكن نتوقع أن نسمعه ألا وهو وفاة الأخ الكبير إسماعيل عمر، معلمنا الأول في الكوردايتي.
هذه الشخصية الهادئة والمتزنة والعاقلة، هذه الشخصية التي علمتنا الكثير من المفاهيم النضالية في الحياة، علمتنا السلوك النبيل مع الأخر، هذه الشخصية التي حازت على محبة الجميع من أفراد مجتمعه وأعضاء حزبه، نظراً لما كان يقدمه من ود واحترام وتقدير بعيداً عن المكابرة والنرجسية والأنانية، كانت تتمتع بحيوية دائمة ونشاط واضح يقدم على العمل دون كلل أو ملل.
بحق يُعد اسماعيل عمر شخصية بارزة في المجتمع الكردي حيث كان يحظى على درجة كبيرة من الود والاحترام في الأوساط الشعبية الكردية نظراً لوقوفه الدائم إلى جانب شعبه وخاصة في المصائب والأحزان، بالاضافة إلى عنايته المستمرة برفاقه وتفاعله الايجابي معهم، ووقوفه إلى جانبهم في السراء والضراء.
كل هذه الصفات جعلت منه شخصية نادرة وفريدة من نوعها.
تعود معرفتي الأولى بالإستاذ إسماعيل عمر إلى عام 1969 عندما كنت طالباً على مقاعد الدراسة في المرحلة الإعدادية إذ كان يدرّسنا مادة الإجتماعيات في مدرسة زكي الأرسوزي، وعاد مرة ثانية درّسني مادة الجغرافيا في ثانوية الطلائع في عام 1975.
كان الإستاذ إسماعيل عمر شاباً وسيماً، طويل القامة، هادئاً في حديثه، وقوراً في ملامحه، رزيناً في حركته، فاتناً في ابتسامته، صادقاً في كلامه، والأمر اللافت للنظر أنه كان مدرساً ناجحاً بإمتياز، والمعلوم بين الطلبة أنه يُعْرَف بإلتزامه بقضيته القومية، لذا فأن صورته بين الطلاب والتلاميذ كانت مرتبطة بكرديته أي أنه ملتزم بحزب كردي يناضل من أجل تأمين الحقوق القومية الكردية، وهذا ما كان يضفي على شخصيته شيء من الكبرياء القومي حسب تصورنا في ذلك الوقت.
من هنا جاء دوره المميز والمؤثر في جذب الشباب الكورد للوقوف الى جانب قضيتهم.
وعندما نتذكر اسمه، نتذكر الكوردايتي والروح الكوردية النقية حيث يٌعد معلماً مخلصاً لمبادئه في النضال والكفاح في سبيل تحقيق الحقوق القومية لشعبه.
لم ينخرط في النضال من أجل مكاسب شخصية أو منفعة آنية، بل كرّس حياته في خدمة هدف واحد وهو النضال من أجل تأمين الحقوق الثقافية والسياسية والاجتماعية للشعب الكردي في سوريا، بمنهج يتسم بالاعتدال والعقلانية بما يخدم مصلحة شعبه فقط.
وجدير بالذكر أنه الشخص الوحيد من بين جميع قيادي الكورد، إذ كان يلتقي بين الحين والأخر بالمثقفين الكرد ويقدم لهم الدعم المعنوي والمادي من أجل تطوير الثقافة الكردية، ولا سيما أنه كان الداعم الأول في صدور عدد غير قليل من المجلات الكردية والعربية التي تميزت بمستواها الثقافي الرفيع بالمقارنة مع ما كان يصدر في الساحة الثقافية الكردية، ومنها مجلة (كلاويز) سابقاً ومجلة (برس) حالياً وصحيفة (نيروز) ومجلة (بروانة) إلى جانب صحيفة (الوحدة) لسان حال اللجنة المركزية، ومجلة (الحوار) باللغة العربية كل هذه الصحافة ماثلة أمامنا، وهي نتاج حزبه، هذه الصحافة المقروءة ساهمت على درجة كبيرة في تشكيل الوعي السياسي الكردي الصحيح من جانب، والعمل على خلق ثقافة ترتكز على قواعد علمية ومنهج سليم بعيداً عن التشويه والمغالطة، وخلق وعي ينبذ الفكر القومي الشوفيني القائم على اقصاء الأخر، هذا الإعلام ساهم كثيراً في تفعيل وتنشيط الحركة الثقافية الكردية باللغتين العربية والكردية.
كيف ننساك وأنت الذي علمتنا الاخلاص والوفاء.
لقد كنتَ الأب الروحي والقوة المعنوية للكثير من الشخصيات الكردية: حزبيين، ومستقلين، ومثقفين … أجل، كنتَ الأمل بالنسبة للكثيرين من أبناء الكورد في سوريا، ولا سيما في ترتيب البيت الكردي سياسياً واجتماعياً وحتى ثقافياً، وتحقيق صيغة نضالية للإجماع الكردي.
بفقدانك خسرنا وخَسَرَت الحركة الكردية في سوريا أحد أبرز قياديها.
ما نتمناه الآن وبعد أن رحل الأخ المناضل اسماعيل عمر أن نلتقي بمن هو قادر على حمل رايته والسير على دربه ونهجه في الاخلاص والتفاني ونكران الذات من أجل رفع راية الكوردايتي بخطوات ملموسة تتجسد في انجازات طال انتظارنا لها وهي توحيد الحركة الكردية في إطار واحد وخطاب واحد، والعمل على لملمة التجمعات الحزبية الصغيرة سواء دمجها في أحزاب أخرى، متقاربة من حيث المنهج وطريقة العمل، أو البحث عن أية آلية قادرة على إيجاد الحلول المناسبة للوصول إلى شكل مقبول للحركة الكردية التي أصبحت محل النقد والانتقاد من قبل الإصدقاء والأعداء.
وأخيراً وداعاً أبا شيار، وتحية لا بل الف تحية إلى روحك الطاهرة، ستبقى خالداً في ذاكرتنا.
لإعطاء صورة كاملة وشاملة لفكر إسماعيل عمر السياسي لا بد أن نقرأ جميع مقالاته السياسية والتي من الصعب حالياً أن نجدها لأن معظمها كانت تنشر باسم هيئة التحرير، إلا أن رفاقه في هذا المجال بإعتقادي قادرون على جمعها ونشرها في إطار كتاب أو مجموعة كتب.
لكنني في هذه العجالة سأحاول قدر الامكان، ومن خلال بعض مقالاته ومقابلاته ومداخلاته في القضية الكردي التي نشرت باسمه في الصحافة الكردية السورية والصحافة العربية والعالمية، أن القي الضوء على بعض الجوانب من فكره السياسي على صعيد الحركة الكردية من جانب، وعلى صعيد المسألة الكردية من جانب أخر.
أولاً: على صعيد الحركة الكردية
1.
من بين المنطلقات الأساسية التي تبناها اسماعيل عمر ورفاقه هو استقلالية الحزب والاعتماد على الذات بعيداً عن التبعية الحزبية والفكرية والسياسية.
2.
شخصية اسماعيل عمر وما يتمتع به من كارزمية كانت تحظى على قدر كبير من الاحترام والتقدير لدى معظم الشرائح الاجتماعية والسياسية الكردية في سوريا، وهذا كان العامل الأساسي في التفاف الجماهير حول حزبه أي أنه كان يشكل نقطة محورية وجذابة في نمو وازدياد عدد أعضاء حزبه.
والموكب الجماهيري الكبير الذي رافق جنازته يٌعد دليلاًً واضحاً على شخصيته الكارزمية في مجتمع القامشلي، كرداً وعرباً، مسلمين ومسيحيين.
ناضل بإرادة صلبة، ومنذ المؤتمر الأول لحزبه في عام 1988، حيث عمل بصفته الرجل الأول في حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا، على خلق فكر وحدوي يعمل على رفض الانشقاقات ونبذ الخلافات، والبحث عن آلية تضع حداً للتشتت والتشرزم القائم في جسد الحركة الكردية في سوريا، ويحفز الأخر على الوحدة بكل اشكالها: الاندماجية، والاتحادية، والتحالفية، والعمل المشترك، والتنسيق، ….
الخ.
ففي مقابلة له يقول: ((أما بالنسبة للوحدة التنظيمية، فإن قرارات مؤتمرنا الخامس تشجع عليها مع مختلف الأطراف، وعلى ضوء تلك القرارات فقد تم تبليغ كل من طرفي (البارتي) بإرادة رفاقنا لإجراء حوار وحدوي تشرف عليه القيادة، ويمهد له بتطوير علاقات التعاون والتنسيق في مختلف المناطق.))[1]
في الأونة الأخيرة طرح فكرة التمييز بين من يمارس (الكوردايتي) من جانب، ومن يمارس (الحزبايتي) من جانب أخر، والعمل على توحيد الجانبين في إطار معين بغية تكوين آلية قادرة على تنظيم جميع أشكال الطاقات الكردية وتسخيرها في النضال من أجل الوقوف ضد الممارسات الشوفينية المطبقة تجاه الانسان الكردي في سوريا، وتحقيق مطالب الشعب الكردي في الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية.
من هنا جاء فكرة المرجعية الكردية، أو البحث عن أية آلية أخرى غير المرجعية قادرة على تنظيم طاقات الكرد وتوحيدها لتغدو قوة ذات تأثير ونفوذ كبيرين في الساحة الكردية في سوريا.
وفي مقابلة له يطرح فكرة عقد مؤتمر وطني كردي عام إذ يقول: ((أن عقد مؤتمر وطني كردي عام في سوريا سيظل مطلوباً مهما طال الزمن، لأن الهدف منه هو تأمين مرجعية كردية، ولما كان المقصود بقوام وملاك هذا المؤتمر هو مجموع ممثلي الأحزاب الكردية بالإضافة إلى المستقلين من الفعاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرهم، فإن الحلقة الأولى من المشروع هي وحدة وتلاقي كل التنظيمات الكردية لتتفق على آلية اختيار المستقلين، كحلقة ثانية، ولهذا فإننا نسعى في البداية لتأطير تلك التنظيمات، ونعتبر كلاً من التحالف الديمقراطي الكردي والجبهة الديمقراطية الكردية مقدمتين للإطار المنشود، ونعمل بالتعاون مع الأطراف الأخرى على توحيد الإطارين في إطار أوسع.))[2] .
وفي كلمته التي القاها في مناسبة تكريمه يؤكد على عزمه في التواصل في مسيرته النضالية فيقول: (( أشكر لجنة التنظيم لمنحي جائزة الدكتور نور الدين ظاظا، وأعتبر ذلك تكريماً لكل من يواصل المسيرة النضالية التي دشنها الدكتور ظاظا ورفاقه الأوائل، وتشجيعاً لكل من ينتظر دوره ليناضل مستقبلاً في مواجهة الظلم الذي يحيق بشعبنا، ويقتدي بالدكتور ظاظا في محبته للشعب الكردي ودعوته للصداقة مع الشعوب، وتمسكه بلغته الأم، والتضحية في سبيل هذا وذاك، مثلما ضحى الدكتور نور الدين ظاظا…وشكراً لكم))[3].
يتمتع اسماعيل عمر برؤية سياسية واضحة وبإمكانيات خلاقة في صياغة الخطاب السياسي الكردي معتمداً على وعي عقلاني ومنهج سليم في الطرح حيث تتميز مقالاته بالايجاز والتكثيف والتعبير الدقيق الواضح.
ويمكن أن نورد هنا بعض من اطروحاته وأفكاره في المسألة الكردية:
1.
في مقال له بعنوان ((الحركة الوطنية الكردية في سوريا، مسيرة شاقة، وطموحاتٌ تنتظر التحقيق))[4] يقدم لنا صورة واضحة ومكثفة عن الظروف السياسية التي أحاطت بولادة أول تنظيم سياسي كردي في سوريا في حزيران 1957 إذ يقول: ((فإن التطورات التي تلت الجلاء أظهرت نزعة الهيمنة والإستفراد لدى نخب الأكثرية الحاكمة، حيث مارست الشطب على كل ما هو غير عربي بهدف صهر القوميات الأخرى، ليشكل ذلك مقدمة لتنامي النزعة الإقصائية الرامية لتحويل سوريا إلى بلد العنصر الواحد واللون السياسي الواحد، ثم إلى بلد الحزب الواحد فيما بعد.
وتعرض مفهوم المواطنة للمرة الأولى إلى الضرر والتشوّه، وتراجعت الآمال المعلّقة على كونها بلداً لجميع مواطنيها، ومنهم الكرد الذين داهمهم الخوف والقلق من هذا التوجه ومن احتداد الشعور القومي العربي الذي بدأ يهددهم، كقومية ثانية من حيث العدد، إما بالانزواء أو بالانصهار في بوتقة القومية السائدة، وذلك في ظل القراءة الشوفينية الخاطئة لتاريخ وتركيبة المجتمع السوري والتي هدّدت بشروخ عميقة في نسيجه الوطني الذي يستند إلى حقائق تعود إلى عمق التاريخ، تؤكّد أن هذا المجتمع متعدّد الألوان والقوميات، وأن التنكّر للوجود الكردي يسيء إلى سوريا ويعيق تطورها الطبيعي.
وكان من شأن تلك الظروف التي استجدت بروز ضرورات البحث عن إمكانية صيانة الذات القومية الكردية وحمايتها.
وعلى هذا الأساس، تداعت بعض النخب السياسية في المجتمع الكردي لتشكيل جمعيات شبابية وثقافية والقيام بحراك سياسي توّج في 14 حزيران عام 1957 بالإعلان عن أول تنظيم سياسي كردي، وذلك تعبيراً عن إرادة الشعب الكردي في التمسك بوجوده والتصدي لمحاولات التنكر لدوره، وإصراره على التمتع بحقوقه القومية بموجب مبادئ الشراكة الوطنية واستحقاقات التآخي العربي الكردي القائم على أساس أن سوريا يجب أن تكون وطن الجميع بعيداً عن الاستئثار والتمييز، وأن الشعب الكردي لا يشكل حالة طارئة أو أقلية وافدة، لأنه يعيش منذ القدم في مناطقه التاريخية إلى جانب المكوّنات القومية الأخرى التي ارتضت جميعها العيش المشترك في إطار الدولة السورية الناشئة، رغم أن اتفاقيات سايكس- بيكو جمعتهم دون إرادتهم، لكنها جعلت من سوريا وطن الجميع بحكم الأمر الواقع، وفرضت عليهم بموجب ذلك أن يكونوا شركاءً في تحريرها وبنائها والمحافظة على سيادتها واستقلالها وتحديد معالم مستقبلها، مقابل أن يكونوا جميعاً متساوين في الحقوق والواجبات وأمام القانون، لا أن يكون الأكراد متساوين فقط أمام القوانين الاستثنائية والمشاريع العنصرية التي تحوّلت فيما بعد إلى عنوان رئيسي للسياسة الشوفينية المتبعة بحق الشعب الكردي، وإلى شواهد حية للاستدلال على الإمعان في التنكر للوجود الكردي الذي ولدت الحركة أصلاً من أجل الاعتراف به دستورياَ وتأمين الحقوق القومية المترتبة عليه.))
وفي مداخلة له في منتدى جمال الأتاسي بتاريخ 28/12/2004 القى الضوء على ((معاناة شعبنا الكردي في سوريا من سياسة التمييز القومي وأوجه الاضطهاد والحرمان الممارسة بحقه، مما تسبب إلى حد كبير في عرقلة تطوره الاجتماعي والثقافي والسياسي، وخلق بين أوساطه حالة من الاغتراب، وأحدث خللاً في نفسية الإنسان الكردي نتيجة عدم التوازن بين واجباته التي تصدى لها دائماً، وحقوقه التي حرم منها على الدوام، إضافة إلى إخضاعه لجملة من المشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية التي لا يستطيع مشرّعو سياسة التمييز هذه الدفاع عنها، والتي تعبر عن حالة شاذة في تعامل الدول مع مواطنيها.))[5] ثم ينتقل إلى قضية الإحصاء والحزام العربي حيث يقول: ((فالإحصاء الجائر الذي تجاوز عدد ضحاياه اليوم ربع مليون إنسان بين مجردين من الجنسية ومكتومي القيد – والعدد يزداد عاماً بعد عام نتيجة التكاثر الطبيعي – لا يستطيع أحد حتى في السلطة الدفاع عن شرعيته، لكن، ولأن الموضوع يتعلق بالأكراد، فإن هناك تجاهل لهذه المأساة الإنسانية التي تجبر آلاف الناس على الهجرة إلى المدن الداخلية وإلى دول أوربا التي تمنحهم جنسياتها بعد مرور المدة القانونية لإقامتهم فيها، في حين يحرمون فيه ويجردون من جنسية وطنهم، مما يشكل مفارقة عجيبة تدعو للتساؤل عن ماهية الجهة المستفيدة من استمرار هذا الاستهتار بالإنسان المواطن وحقوقه.
فمنطقة الحزام لم تتحول إلى مزارع نموذجية مثلما ادّعى أصحاب (الحزام الأخضر) الذي سمي به المشروع في بداية الأمر)).
وبعدها يلقي الضوء على الموقف السلبي للمعارضة السورية من المسألة الكردية في سوريا، إلى جانب سياسة الإضطهاد التي تمارسها السلطة ضد الكرد وحركتها الوطنية، إذ يقول: ((وبالمقابل ، فإن معظم أطراف المعارضة الديمقراطية السلمية خارج السلطة، لم تستطع حتى الآن، رغم معاناتها، أن تتفهم الجوهر الوطني الديمقراطي لطبيعة القضية الكردية، وظلت العديد من أطرافها تتعامل معها حتى الآن بمزيد من التشكيك في طبيعتها وأهدافها….
وبين هذا وذاك ، بين سياسة الاضطهاد التي تمارسها السلطة، وسياسة التجاهل التي تمارسها أطراف أساسية من المعارضة ، فإننا لا نخفي عليكم بأن المجتمع الكردي يشهد تنامياً لحالات الاغتراب واليأس والانعزال، خاصة في ظل الغياب الطويل للبديل الوطني الديمقراطي لحل قضيته القومية والديمقراطية، مما يضعف دور الحركة الكردية في قيادة هذا المجتمع وتحصينه، ويهدد بنتائج سلبية في المستقبل))[6].
2.
يؤكد إسماعيل عمر على أن مطالب الكرد في سوريا هي مطالب قومية لا انفصالية ووصف اسماعيل عمر في تصريحات خاصة لـ “قدس برس” الحديث عن أكراد سورية بصيغة “غرب كردستان” مجرد شعار للمطالبة بحقوقهم القومية ولا يعكس أي طموحات انفصالية، وقال: “نحن في حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سورية “يكيتي” لا نستخدم مصطلح غرب كردستان، فنحن جزء من سورية بموجب اتفاقية سايكس بيكو ونحن والعرب شركاء في وطن واحد، ولا توجد لدينا أي رغبة في الانفصال، حتى الذين يستخدمون هذا المصطلح من الأحزاب الكردية ذات الارتباط الكردستاني لا يقصدون به الانفصال ولا أرى فيه أي تهديد للوحدة السورية لأنه يرفع فقط للمطالبة بحقوقهم القومية ضمن الوحدة السورية”.
وأشار عمر إلى أن رفع العلم الكردي أيضا في بعض التظاهرات التي نظمها الأكراد السوريون في عدد من الدول الأوروبية يندرج في إطار التعريف بالقضايا الكردية والمطالبة بالحقوق القومية ضمن الوحدة السورية وليس دعوة للإنفصال.
وأضاف: “العلم الكردي لا يرمز لدولة معينة وإنما يرفع للمطالبة بالحقوق”، على حد تعبيره.
وفي مقابلة له، عبر عن موقف حزبه من أحداث 12 آذار ((نحن نعتبر أن 12 آذار كان موعداً لفتنة أرادت منها السياسة الشوفينية تحطيم إرادة شعبنا ووضع حد لتصاعد وتيرته النضالية، وقد تجلت تلك الفتنة أو المؤامرة في الشعارات الاستفزازية التي أطلقتها بعض العناصر المندسة بين جماهير نادي الفتوة في شوارع القامشلي وملعبها، كما تجلت في القتل المتعمد الذي أقدمت عليه قوات الأمن السورية بإيعاز مباشر من المحافظ (سليم كبول)، كذلك في السرعة التي قام بها فرع حزب البعث في الحسكة بتسليح البعثيين العرب فقط، وتكليفهم بمهمة القتل والإرهاب ونهب ممتلكات المواطنين الأكراد في كل من رأس العين والحسكة.
ومن هنا فإن المناسبة تعنينا كحركة، مطلوب منها حماية شعبنا الكردي من التآمر الشوفيني وصيانة كرامته وتأمين حقوقه القومية المشروعة.))[7]
وفي مقال أخر له يؤكد على أن قومية المواطن الكردي السوري لا يتعارض مع القوميات الأخرى ولا مع يتعارض مع مصلحة سوريا كوطن للكرد وللعرب ولغيرهم من القوميات، وأن مشاريع الصهر القومي ستنتهي إلى الفشل، حيث يقول في هذا المجال: ((أما المواطن الكردي، الذي كان وسيظل كردياً بقدر ما هو سوري، فلن يكون يوماً معرّباً ومجرداً من خصوصيته القومية التي لا ينتقص التمسك بها من كرامة أحد، ولا يسيء ذلك لمصلحة الوطن، بل بالعكس تماماً: فإنه يضيف لوناً جديداً إلى ألوان الطيف الوطني ويزيد من جمال لوحة سورية ويغني الثقافة الوطنية.
وفي الوقت الذي يجب أن يكون فيه كل السوريين، بكافة انتماءاتهم، متساوين أمام القانون، آن الأوان لطي الصفحة السوداء التي يتساوى فيها الأكراد فقط أمام القوانين الاستثنائية، ويتم تعريب أسماء الولادات والمعالم الطبيعية والبشرية في المناطق الكردية.
فالتجربة التاريخية للشعوب أثبتت أن مشاريع الصهر القومي لن يكتب لها النجاح، وتغيير المعالم القومية لأي شعب سيكون مصيره الفشل.
فالاسم الكردي لقرية، مثلاً، لن يمحى من ذاكرة سكانها مهما بلغت قوة المعرّبين لأنه يرتبط بملاعب الطفولة وبالوجدان والتاريخ.))[8]
في رده على أسئلة عامودا كوم حول اعلان دمشق وفيما يخص بالمسألة الكردية، يرى الاستاذ إسماعيل عمر أنه يترتب على الحركة الكردية العمل في إقناع الأخرين ولا سيما القوى الوطنية العربية داخل سوريا بقضيتهم وبعدالتها إذ يقول: ((أود التأكيد على أن أي شعار أو هدف لا يستمد شرعيته فقط من عدالته, بل كذلك من إمكانات تطبيقه.)) ثم يستمر قائلاً: ((فإن إخلاصنا للقضية الكردية لا يقاس فقط بمقدار وحجم التضحية من أجلها, بل كذلك بقدرتنا على إقناع الآخرين بها، لرفع سقف ذلك الحد الأدنى المشترك، وتوسيع دائرة الأصدقاء والأنصار حولها , ومن هنا فإن إعلان دمشق، بما جمعه من طيف واسع، وبالصيغة التي أقرها للقضية الكردية، نقل هذه القضية إلى موقع متقدم، حيث دخلت معه إلى كل محفل وتجمّع وطني سوري في مختلف أنحاء البلاد وخارجها,أي أنها أصبحت قضية وطنية سورية، وأصبح النضال من أجل حلها على أساس ديمقراطي عادل، في إطار مجموع الأفكار والتوجهات التي تضمنها الإعلان، مطلباً وطنياً سورياً عاماً , ويعتبر ذلك مكسباً لا يستهان به لشعبنا الكردي في سوريا..
وفي تاريخ 17/1/2005 وافق جميع أطراف الحركة الكردية على بيان تأسيس (لجنة التنسيق الوطني للدفاع عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان ), وأعتبر ذلك البيان، في حينه، برنامجاً للعمل المشترك لجميع الأطراف الموقعة، وتضمن بند( العمل على إيجاد حل ديمقراطي للمسألة الكردية..) مما يؤكد أن الإقرار بوجود وحل القضية، أو المسألة الكردية، هو مطلب عام لا يمكن المساومة عليه، وهو يعني بالضرورة وجود شعب كردي يعيش على أرضه التاريخية))[9].
6.
وفي رده على سؤال أخر بخصوص علاقة الحركة الكردية في سوريا بالحركة الكردية في بقية أجزاء كردستان، يقول: ((إن قيامنا بواجباتنا القومية تجاه أبناء الشعب الكردي في بقية أجزاء كردستان، انطلاقاً من احترام خصوصية كل جزء، لا يخضع لموافقة أحد، ونحن نتفق مع بقية أطراف إعلان دمشق في حدود كل ما من شأنه إحداث التغيير الديمقراطي المطلوب وصيانة وحدة البلاد، وأن تضامننا مع نضال شعبنا الكردي في تلك الأجزاء لا يتعارض مع مبادئ وثيقة الإعلان)).
وفي مداخلة له في منتدى جمال الأتاسي بتاريخ 28/12/2004 يطرح القضية الكردية على أنها قضية وطنية تعني الجميع إذ يقول: ((فالقضية الكردية هي قضية وطنية بدون أي شك، لأنها تهم أكثر من مليوني انسان كردي في سوريا، ولذلك فهي تعني الجميع، وأن المهمة الأساسية لجميع الأطراف الكردية هي إدراجها بين القضايا الوطنية العامة في البلاد التي تتطلب حلولاً عادلة وعاجلة، ولن يكتب النجاح لهذه المهمة ما لم تنجح هذه الحركة في تعريف الشعب السوري بعدالتها من خلال التواصل مع مختلف الأحزاب والقوى الوطنية والفعاليات الاجتماعية والثقافية، والانخراط في النضال العام الديمقراطي للعمل معاً من أجل إيجاد الحلول للقضايا الوطنية الأخرى.
وهذا يستدعي ارتقاء مختلف القوى والنخب العربية والكردية إلى مستوى المسؤولية المطلوبة، لوضع أسس متينة لشراكة وطنية، فسوريا كدولة ، تشكلت بحدودها الحالية وفق تقسيمات سايكس – بيكو، وهذا يعني أن مواطنيها الحاليين من عرب وأكراد وأقليات أخرى، وحّدتهم تلك التقسيمات دون إرادتهم، وربطتهم أواصر التاريخ والإرادة المشتركة، وبالتالي، لم يتم في حينه أن ألحق أحد من مكوّنات هذا الوطن المكوّن الآخر بالقوة، وبذلك، أصبحت سوريا وطن الجميع كأمر واقع … وفي حين سعى الجانب الكردي لتعزيز وحدة هذا الوطن مقابل الحفاظ على مقوماته والتمتع بحقوقه القومية، كان من المفروض أن يستوعب الطرف الآخر أيضاً هذه الحقيقة ويحترم هذا الحق الطبيعي، لكن قواه السياسية التي تشكلت بعد الاستقلال تصرفت بمنطق الأكثرية ومارست عملية الشطب على كل ما هو غير عربي بهدف صهر القوميات الأخرى، وفي المقدمة منهم الأكراد … ومع الزمن، تنامت النزعة الإقصائية التي مارستها الأنظمة المتعاقبة على دست الحكم مما ألحق أفدح الأضرار بمفهوم المواطنة ..وبقضية الوطن، الذي كان ولايزال، يفترض أن يكون للجميع حتى يكون الجميع للوطن، يدينون له بالولاء ويدافعون عنه بكل الإمكانات، ويحافظون في ظله على خصوصيتهم القومية ويصونون وحدته وسيادته، ويتمتعون فيه بحقوقهم المشروعة، التي لا تتعارض مطلقاً مع ولائهم الوطني، بل بالعكس، فهناك علاقة جدلية وثيقة بين درجة هذا الولاء بالنسبة للمواطن الكردي ،ومدى تمتعه بحقوقه وخصوصيته القومية، فهو بهذه الحالة يكون سورياً بقدر ما هو كردي، لا كما يريد له دعاة التمييز أن يكون معرّباً مجرّداً من خصوصيته القومية، او كرديا” محروما” من حقوقه الوطنية، ليصل الحرمان حتى إلى حق الجنسية … أي إن تمسكه بانتمائه القومي والوطني السوري معاً لا يعيبه ككردي، ولا ينتقص شيئاً من كرامة الأشقاء العرب وحريتهم، ولا يسيء إلى مصلحة الوطن، بل على العكس تماماً، فإنه يضيف لوناً جديداً إلى ألوان الطيف الوطني ويزيد من جمال اللوحة الوطنية، ويغني الثقافة الوطنية، فالوجه الجميل لا يبرز جماله الا بوجود كافة أجزائه))[10].
وفي نهاية المداخلة يرى ((أن حل المسألة الكردية في سوريا مسؤولية وطنية يترتب على كافة القوى السياسية أن تعمل على حلها إذ يقول: ((إن الحكمة والمسؤولية الوطنية تقتضيان من كافة القوى الوطنية داخل السلطة وخارجها، والفعاليات الثقافية والاجتماعية في البلاد، البحث عن حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، وذلك من خلال تمكين الشعب الكردي، باعتباره جزءاً أساسياً من النسيج الوطني السوري، من ممارسة حقوقه القومية من سياسية وثقافية واجتماعية وإلغاء المشاريع الاستثنائية المطبقة بحقه، لكي يستطيع مواصلة دوره الوطني والتصدي لكل التحديات الداخلية والخارجية ..))[11]
في الختام أرى أن الإستاذ إسماعيل عمر بإمكانياته الإسلوبية الفائقة، ونظرته السياسية الصائبة، واحدٌ من ابرز مَن استطاع أن يطرح القضية الكردية برؤية سياسية سليمة، ومعالجة منطقية متفهمة، وبهذا يكون قد أشعل مصباحاً لتنوير طريق النضال السياسي أمام الأجيال القادمة من أبناء الكرد.