نحو أفق أ عمق في النقد و التحليل ..

عبد الرحمن آلوجي

حينما أطلقنا مشروع “العمل الوطني المشترك” كنا على إدراك تام بقيمة الشراكة التاريخية و الوطنية بين مكونات المجتمع السوري و أطيافه واتجاهاته , مؤكدين على ضرورة أن يأخذ كل مكون – في إطار المواطنة الحقة – بعده الكامل غير المنقوص قوميا و ثقافيا و تاريخيا و في إطار الوحدة الوطنية المرتقبة , في ظل انتفاء التمييز و التهميش و الإقصاء لأي مكون أولا , و على اعتبار وضوح هذا الانتماء , و درجة الوعي الوطني به , مع ملاحظة إدراك دقيق لخصوصيته القومية لكل مكون , لغة و ثقافة و تاريخا و انتماء إلى الأرض التي يعيش عليها ثانيا, و بما يحافظ على هذه الخصوصية دون اعتداء أو تغريب أو احتواء أو تذويب أو استعلاء كما يمارس في واقع الحياة ثالثا… و أن يكون كل ذلك في إطار الاعتراف الدستوري في سوريا – و الذي لم يدرج فيه أدنى اعتراف – و هو من أكبر خصوصيات نضال الحركة الكردية – بمختلف فصائلها , و درجات اختلافها – رابعا ..
و على الرغم من فهمنا الكامل لما يطرحه الأخوة في الجانب الآخر – عربيا و آشوريا و سريانيا … – و على الرغم من الخوف و التردد من مواجهة حقيقة أصالة الانتماء الكردي إلى سوريا في الأرض والهوية والتاريخ , و على الرغم من أن التقسيم الذي طال سوريا و العراق و لبنان و سواها كان بالرغم من إرادة شعوب المنطقة …  و كون كردستان الجغرافية كانت محل تساؤل من كثير من الباحثين و الأكاديميين امتدادا وانحسارا على مر التاريخ , إلا أن الدراسات الأكاديمية , أكدت على الحيّز الجغرافي الموزع بين أربع دول وبخاصة في الدراسة العلمية الدقيقة للبروفسور اليوغسلافي بافيج  , كان التقسيم الأول الطولاني لكردستان بعد معركة جالديران , غرب إيران 1514 , و التقسيم الثاني الرباعي كان وفق اتفاقية سايكس بيكو 1916 ..

و هو ما أكدت نضالات الشعب الكردي و انتفاضاته و حركته التحررية في كل جزء على التدخل الخارجي القسري في هذا الإجراء التقسيمي , والذي يعد قسريا ودون إرادة من السكان الكرد الأصليين , والذي كان محل اعتراف المنصفين والدارسين المحايدين شرقا وغربا , وعلى مستويات علمية وجيوسياسية وأكاديمية وسياسية موثقة ومحايدة ..

إلا أن الهاجس الأكبر و الذي تمثل في النضال الكردي , كان يسعى – و بشكل أخص في سوريا – إلى الاعتراف بالهوية الكردية , كمدخل إلى المواطنة المتكاملة , بما تحمل من حقوق قومية و سياسية و اجتماعية و ثقافية غير منقوصة, و واجبات أداها الكرد خلال مواقع و مواقف وطنية و نضالية مشهودة , وعلى مستوى معارك التحرير والاستقلال , لا تحمل أي بعد انفصالي , دون أن يعني ذلك بأي شكل من الأشكال غياب الخصوصية القومية , و تشكل المكون الكردي من خلال وجوده على أرضه منذ آماد سحيقة , و هو ما أكدنا عليه في مختلف دراساتنا و لقاءاتنا و تحليلاتنا , دون أن يعني هذا الالتحام بالأرض و الهوية و الثقافة تماديا على حق المواطنة , أو سلخا أو انفصالا , و هو ما تنادت إليه , واتفقت عليه فصائل الحركة الكردية في سوريا , و التي خرّجتها مدرسة وطنية واحدة , وواضحة المعالم , والذي أكد عليه كل الباحثين والمستقصين والمهتمين بالشأن الكردي وحركته في سوريا… و لكي يكون نقدنا و تحليلنا أعمق و أعدل و أكثر جدية ووطنية , فإن علينا – في ظل الإطار الوطني السوري , و في إستراتيجية العمل الوطني المشترك – أن ندرك حقائق التاريخ و الجغرافيا, و ملابسات التطورات و المواكبات السياسية, و استحقاقات المرحلة , فنفهم ما يراود الثقافة السائدة من محاولات الإقصاء و الاحتواء و الاستعلاء , و ما تسرب إلى أذهان الناس على مدى سنوات من التربية القومية الأحادية , موالين و معارضين , من التردد و الخوف من أي طرح قومي كردي , يؤكد على خصوصية الانتماء , وبخاصة فيما يتعلق بالأرض والهوية والانتماء في خلط بين ما هو وطني يراعي مقومات التعايش المشترك , وما يدعو إلى التنابذ والافتراق والكراهية وتهيئة الأرضية لمزيد من الاحتقان وتهديد مقومات الوحدة الوطنية , والتنكر لخصوصيات الآخرين , ممن يشاركونه في الهوية الوطنية , وهو ما تؤكد عليه فصائل الحركة الكردية وتحذر منه , وتدعو إلى أن يلتحم البعدان الوطني و القومي و يتكاملا , و يحققا طموح العمل الوطني المشروع , و هو ما ناقشتُ فيه الأخ عمار عكلة , و بينتُ له الفرق بين المطالبة بالانفصال و تحقق البعد الوطني لكل مكون سوري, بما فيه المكون الكردي , الذي يحق له أن يفكر قوميا , و أن يدرك أنه يملك أرضا و هوية و تاريخا و ثقافة تخصه , و لكنه يستظل بوطن يتشارك في مع إخوته من العرب خاصة ممن يملك الخصائص ذاتها أرضا ولغة وتاريخا , وكذلك شأن المكونات الأخرى , لتتحقق قيم العدل والمساواة والشراكة التاريخية دون تخوين أو تآمر من أي مكون ينشد طموحه القومي ويسعى إليه دون تغييب شراكته في عمل مشترك ومتكامل , كما و يسعى – من خلال عقد اجتماع واضح المعالم – في صنع القرار السياسي , كل في موقعه و بإرادة جامعة مشتركة , و مواطنة أصلية ..

و لتقريب المواقف بين الجميع و إدراك سلامة النوايا , و قراءة منصفة لما كتبه الأخوة جان كرد , و حسين عيسو , و هوشنك أوسي و عمار عكلة , كان لابد من توضيح أبعاد نقد موضوعي بعيد عن سياسة الاتهام و القصور و التحامل , إلى الانفتاح و إدراك ما هو مطلوب من عملية التصالح و المواءمة و البناء والنقد الموضوعي الهادئ , علما أن نزغات ونزعات عنصرية مقيتة تحاول دق الأسافين بين أي تلاق وتحاور , بل تذهب إلى اتهام الكرد تارة بالغجرية” د.

غازي عبد الغفور” , وأخرى بالهمجية وضرورة اقتلاعهم وسحقهم وتجويعم وتجهيلهم وتشريدهم ” محمد طلب هلال , وتارة بضرورة قبولهم شرف الانتماء إلى الأمة العربية أو ترحيلهم نهائيا من الوطن العربي ” إسماعيل العرفي ” ,أو استئصالهم بمجرد تفكيرهم في سوريا تفكيرا قوميا , وهو نص ما ذهب إليه “منذر الموصلي ” القومي المستعرب  , إلى غير ذلك من الرؤى والنظرات التي تهدم أي تصور لعلاقة ودية وحميمة ومتآزرة بين الكرد والعرب خاصة , مما يجعل من ثقافة الحوار التي يطرحها الأخ “عمار عكلة ” ذات مغزى ” , وإن كان يطرح آراءه من منطلقاته ورؤاه , مما يستلزم مزيدا من التأني والتواصل والحوار , و عدم الخوف من أن يأخذ كل مكون عربيا كان أم كرديا أم سريانيا أبعاده القومية و طموحاته الكاملة –كما أسلفنا – في إطاره الوطني الجامع و المتكامل , و إعلاء شأن عمل مستقبلي يستشرف أفقا وطنيا , لا تتنافى معه الإدارة الحرة في بناء حالة وطنية تستوفي الخصوصية القومية و الثقافية لأي مكون في سوريا , لم يأتِ عابرا و لم يتوطن هذه الأرض عرضا أو سائحا عابرا أوضيفا يتفضل عليه بإطعامه وإكرام وفادته مكون ما , يعتبرنفسه وصيا عليه حتى إذا ضاق به ذرعا أنكره انتماء وتاريخا وثقافة وحاول اضطهاده وسحق تطلعاته بل إنكار وجوده أصلا  , بل كان للظرف التاريخي و السياسي أن يكون قدر الجميع اللقاء و التجاور , مما يفرض منطق التحاور و التناغم و التلاقي , بدلا من الغبن و التمييز و الكراهية و الاستعلاء و السياسات التي تطبق بحق هذا المكون أو ذاك , مما يتنافى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , و المواثيق الدولية , وشرعة حقوق الإنسان, و التعايش و التكامل في مجتمعات متطورة هضمت و تمثلت قومياتها و أديانها و مذاهبها و اتجاهاتها كما في الهند و كندا و سويسرا و بلجيكا و النرويج ..

ليكون قوام الوحدة الوطنية الحقة احترام خصوصية كل مكون و إعطائه البعد الأمثل لصنع القرار السياسي و المشاركة الديمقراطية فيه, و إدراك دوره في الإدارة و التشريع و القضاء … و رفض كل تشكيك و تعويق و تمييز لبلوغ قيم مواطنة لا تقتصر على جانب دون آخر , بل تتعمق الحياة بكل أبعادها اعترافا و إقرارا و إعلاء لشأن كل مكون , يبدع ويرتقي و يبني بلدا حرا مزدهرا ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…