ومراسُ المعطوبِ والتالف سياسيّاً، البحث عن هوامش للتحايل على الذات ومخاتلة النفس والرياء والدجل، وما شاكل هذه الآفات، في مسعى بلورة قناعات زائفة، هي محض وهم!.
وكذا حال البعض، من المثقّفين الكرد السوريين، ممن هم داخل الدوائر الأحزاب السياسيّة الكرديّة السوريّة، أو من كانوا ضمنها، والآن هم خارجها، لكنّهم لا زالوا تحت وطأة الدوران في فلكها!.
53 سنة مضت على ولادة التكوين السياسي الأوّل في سورية، والحال السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الكرديّة تتدهور من سيّئ إلى أسوأ، بفعل سياسات وممارسات النظام السوري، وتفاقم تشرذم الأحزاب الكرديّة السوريّة، التي البعض منها، لا يستوفي شرط اطلاق وصف الحزب عليها!.
ومنهم من تبلغ به الجسارة والشجاعة القوميّة والوطنيّة والثقافيّة والأدبيّة والأخلاقيّة…، الى مراتب التواري خلف اسماء مستعارة!.
كلّ ذلك، في مسعى التأكيد على أنّهم حماة القضيّة الكرديّة، الأوّلون والأعلون، لا زيدٌ أو عمرو!.
إذا اردنا البحث عن أكثر الناس براعة وشجاعة وغزارة في ترقيع القبائح وتبرير الفضائح والعطب والفشل السياسي في مجتمعٍ ما، فلن نجد أخير وأفضل من كتبة الأحزاب الكرديّة في سورية!.
فكثيراً ما حاولوا إحالة فشلهم وتشرذمهم وعطبهم وبددهم وتلفهم الى حزب العمال الكردستاني الذي كان ينشط بين أكراد سورية، ولبنان ومصر والأردن والمهجر، بالإضافة إلى تركيا والعراق وايران!.
وكثيراً ما كان يحيل المثقف الكرديّ المنتمي للأحزاب الكردية فشل أحزابهم إلى الدور “التآمري” و”التواطؤي” للعمال الكردستاني مع النظام السوري على حركته السياسيّة العتيدة والعريقة!.
وان الكردستاني فعل كذا وكذا، بحركتهم العملاقة، وقادة أحزابهم، وساق شبابنا وصبايانا للجبال، وزجّ بهم في حربٍ ونضال، ليست حربهم ولا نضالهم!، ولا يقولون: أن فشلهم وإفلاسهم، هو الذي عبّد الطريق أمام الكردستاني، لانقاذ المتبقّي من المجتمع والشباب الكردي من بؤس أحزابهم وتلفها!.
والآن، ثمّة ظاهرة جديدة، باتت تتفشّى رويداً بين هذا الصنف من الكتبة الكرد السوريين، وهي استهداف الحزب الشيوعي السوري، والكرد الشيوعيين السوريين، والنيل من تجربتهم السياسيّة، ومواقفهم السياسيّة تجاه قضيّة الكرد السوريين خصوصاً، والقضيّة والحقوق الكرديّة عموماً!.
كل ذلك، ليس بداعي التحرّي والتقصّي والنقد المنصف والحاذق والأمين لإرث الشيوعي السوري وتجارب الكرد السوريين الشيوعيين!.
وقد وصل الحدّ ببعض الكتبة الى مصاف الهذر والمذر ورشق الشيوعيين، والكرد المنتمين لهم، بسفاسف القول والنعوت، كـ”التوهان والخذلان والتواطؤ مع العروبيين على الكرد السوريين”… أو عنونة مقالاتهم _ تفاهاتهم، بكلامٍ عامّي، ممجوج، يثير الشفقة على أصحابه!.
ومن نافل القول: إنّ للحركة الشيوعيّة عموماً عيوبها ومثالبها وأعطالها في معاجلة القضايا القوميّة.
وقد ظهر ذلك جليّاً بعد انفراط عقد الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكيّة، وطوفان النزوع القومي، والنِزاعات القوميّة والعرقيّة في روسيا، وبين الأذريين والأرمن، وفي جمهوريات القفقاس ويوغوسلافيا السابقة.
وعليه، إذا كان الحزب الشيوعي السوفياتي، وعلى مدى 70 سنة من السلطة، فشل في معاجلة القضايا القوميّة والعرقيّة، فما بالكم في الحزب الشيوعي السوري، الذي لم يستلم السلطة في سورية منذ الاستقلال وللآن!.
وإذا كانت السلطة هي الامتحان والمحكّ الأصعب لأي تكوين فكري سياسي، بغية تبيان موقفه من القضايا القوميّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدينيّة، بالتأكيد أن أخطاء الحزب الشيوعي السوري، ستكون أخفّ بكثير من أخطاء الشيوعي السوفياتي أو اليوغوسلافي، في ما خصّ القضايا القوميّة!.
وليس هنا مربط الفكرة ومضمار النقاش، بل في ما أتينا عليه أعلاه من ظاهرة اختلاق أعداء للقضيّة الكرديّة في سورية، بدلاً من كسب الأصدقاء، أو أقلّه؛ التقليل من المناهضين للقضيّة الكرديّة، أو تحييدهم!، من قبل بعض المثقفين الكرد!.
وحين يأتي أحدهم على تعداد مساوئ أو عيوب الحزب الشيوعي السوري، على عدم التعامي على المحاسن والأفضال والإيجابيّات أيضاً.
فنشاط الفكر والتيّار الشيوعي بين الكرد السوريين، كان الدرئة الأولى للشعب الكردي، وغالبيّته من الفلاحين والفقراء، في مواجه وطأة الإقطاع والأغوات ونير القبيلة وأغلال القبليّة.
لقد كان للتيّار الشيوعي الدور البارز في مكافحة الأميّة والحضّ على الثقافة والقراءة والمطالعة.
وكان لهم الدور البارز في تنشيط نزوع الأفراد والمجموعات نحو الفلسفة وطرح الأسئلة الكبرى حول الوجود والحياة والتاريخ والكون…، ومنازعة أوهام وخرافات وشعوذات بعض الملالي الكرد والأشخاص المتدثّرين بلبوس الدين!.
وكان لهم دورهم في تحفيز الانفتاح الاجتماعي على القوميّات الأخرى التي تجاور الكرد، من عرب وأرمن وسريان وآشوريين، عبر العمل ضمن تكوين سياسي، يحمل هموم وأفكار طبقيّة وفلسفيّة ورؤى سياسيّة مشتركة!، بخلاف الأحزاب الكرديّة، التي لم تستقطب حتّى مواطن سوري من أصول آشوريّة أو سريانيّة أو عربيّة، بخلاف الحزب الديمقراطي الكردستاني (الراحل فرانسو حريري) وحزب العمال الكردستاني الذي استقتطب الاتراك والارمن والسريان والعرب والأوروبيين!.
وينبغي ألاّ ننسى أنه كان للشيوعيين دور هام في تنبيه هاجس التحرر لدى المرأة الكرديّة وإفساح المجال أمامها للانخراط في الفعل السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي، أكثر من الاحزاب الكرديّة في سورية!.
ودون أن ننسى أيضاً أن الحزب الشيوعي السوري، ساهم في تثقيف آلاف الشباب الكرد السوريين الفقراء، عبر تأمين مِنح دراسيّة لهم!.
وينبغي ألاّ يفوتنا أن التيّار الشيوعي الناشط بين الكرد السوريين كان من محاسنه التأثير الإيجابي المساهم في ولادة اليسار الكردي، ولو بشكل غير مباشر!.
وإذا كانت كبرى أخطاء الحزب الشيوعي السوري، تكمن في أنّه لم يضع القضيّة الكرديّة في سوريّة على رأس أولويّاته الاستراتيجيّة، كقضيّة وطنيّة وديمقراطيّة بامتياز، ولم ترقَ مواقفه من القضيّة الكرديّة في سورية إلىَ المبتغى والمأمول والمفترض، وتماهت، في بعض الزوايا والحيثيات، مع التوجّه والموقف البعثي السوري، كالموقف من كردستان العراق مثلاً، وإذا كان لا يمكن إغفال؛ أن الشيوعيين العرب، لم يصلوا لدرجة البراءة من القوميّة العربيّة والاندماج التام في الفكر الأممي العابر للقوميّات، فبديهي أن يكون هنالك تأثير قومي للغالبيّة العربيّة في كتلة الحزب القياديّة والتنظيميّة والجماهيريّة، حتّى لو كان قائد الحزب (الراحل خالد بكداش) ينحدر من أصول كرديّة، وهذا ما لا يمكن للشيوعيين السوريين ترقيعه.
وبل ينبغي عليهم الخوض فيه، مراجعةً ونقداً، بأناةٍ وتمعّنٍ، ودون عصبيّة أيديولوجيّة أو حزبيّة!.
وبالتالي، كان ولا زال على الحزب الشيوعي، أقلّه تبنّي قضيّة الكرد السوريين المجردّين من الجنسيّة السوريّة على خلفيّة الإحصاء العنصري الذي جرى سنة 1962، وإثارة هذا الأمر، قياماً وقعوداً، ودوماً، في البرلمان والجبهة الوطنيّة التقدميّة، وفي إعلام الحزب، وتحريك الشارع الشيوعي بهذا الخصوص، بشكل فاعل ونشط ودائم، بغية تحريك الرأي العام السوري، وصولاً لرفع هذه المظلمة عن كاهل 300 ألف مواطن كردي سوري!.
كان على الحزب الشيوعي الاهتمام باللغة والثقافة الكرديّة، كجزء بارز من الموزاييك الوطني السوري، الثقافي والحضاري!.
كان على الحزب الشيوعي تبنّي قضيّة الحقوق الثقافيّة للكرد والآشوريين والسريان والشركس والارمن، بشكل فاعل ونشط ومؤثّر، والضغط على السلطة في المسعى، على اعتبار ذلك جزء من حقوق 3 ملايين مواطن سوري، ومن واجب الشيوعي السوري الدفاع عنها، حتّى أكثر من الاحزاب القوميّة الكرديّة!.
يستكثر كتبة الاحزاب الكرديّة على الحزب الشيوعي وجوده في الجبهة الوطنيّة التقدميّة، وكأن أحزابهم الكرديّة، أعلنت رفضها التامّ والمطلق الانضمام للجبهة الوطنيّة التقدميّة تحت قيادة البعث.
والحقّ أن الاخير اذا فتح الباب أمام الاحزاب الكرديّة، فسينضم 99 حزب كردي سوري للجبهة، ويغدو هذا التشكيل: الجيش الوطني التقدمي، بدلاً من الجبهة…!؟.
وحين يقرأ المرء كتابات أولئك، وسخريتهم من علاقة الحزب الشيوعي من حزب البعث، والانقياد الأوّل للثاني، وكأنّ الأحزاب الكرديّة، لا تتهافت على حزب البعث، ومكاتب الشعب الأمنيّة، اذا لمحوا ببصيص أو إشارة من الجهات الأمنيّة بالجلوس مع قيادات هذه الاحزاب!.
والأنكى، أنك حين تقرأ كتاباتهم وسخرياتهم وتهكّمهم من الحزب الشيوعي، تنسى أن قادة بعض هذه الأحزاب، هم أعضاء في نقابات مهنيّة، كنقابة الأطباء، تابعة لحزب البعث!.
القارئ لتلك المقالات، ونبرة الاستعلاء والسخرية التي فيها، يخيلّ لهم أن الاحزاب الكرديّة، فتحت القسطنطينيّة، والحزب الشيوعي هو الذي أعادها للروم البيزنطينيين!.
والمثير للدهشة أن الكثير من مثقفينا الأكراد، إبراهيم اليوسف وابراهيم محمود وصالح بوزان وآخرون…، نموذجاً، صامتون على هذه المهزلة التي يتعرّض لها نضالهم وماضيهم الوطني الشيوعي السوري، ليس دفاعاً عن الحزب الشيوعي، بل إنصافاً لتجارب الناس!.
وبل على كل من كان للحزب الشيوعي دور أو فضل في تحصيله العلمي، من الكرد السوريين، ألاّ يسكتوا على هذه السخافات والتطاول، وكأنّ أحزابهم الكرديّة، ستعلن كردستان سوريّة مستقلّة ومحررة، خلال بضعة ساعات، وليس أن أحزابهم، تهلل وتهلهل، لأي تصريح مناور وغير جدّي، وجدّ عادي، يصدر عن رأس البعث!.
حاصل القول: إذا كان كتبة الأحزاب الكرديّة، يظنون بالحزب الشيوعي السوري “متخندقاً” إلى جانب حزب البعث، ضدّ حقوق الشعب الكردي في سورية، فأقّله ينبغي عليهم البحث عن طرق وسبل كسب الحزب الشيوعي، لا الدفع به نحو المزيد من التخندق مع النظام السوري.
لكن، ماذا تقول في معشر أثبتوا للقاصي والداني أنهم المفلسون والفاشلون في تحريك القضيّة الكرديّة السوريّة، داخليّاً وخارجيّاً، خلال 53 سنة، وأنهم الأجدر على اختلاق أو خلق أعداء لهذه القضيّة، بدلاً من كسب أصدقاء لها؟!.
ناهيكم عن ثقافة الشقاق والفساد والإفساد، المستشريّة في الجسد الساسي الواهن والمتضعضع للحركة الكرديّة في سورية!