لما تقحم نفسك ؟ رد على مقالة «حين يتحول حماة القضية الى قتلتها»

علي صالح ميراني

  بداية اعتذر سلفا من الاخوة القراء الاعزاء، لاني لم اتحل بطول الاناة، ولان مدى تحملي وصبري وتجلدي كان قصيرا هذه المرة، واصدقكم القول، اني كنت فيما مضى من الوقت، اتحاشى المشاركة في الكثير من المواضيع المنشورة في شبكة الانترنيت، وخصوصا في بعض المواقع الكوردية السورية، لاني كنت قد وجدت ان ابواب تلك المواقع وشبابيكها، قد اصبحت ساحات وميادين للتناطح والتجاذبات، وافتعال الازمات الوهمية، اكثر مما هي موجهة ومكرسة لخدمة القضية واكتساب معرفة انسانية مفيدة، غير اني اجد اليوم نفسي ـ وللاسف الشديد ومن دون سابق ترصد ـ انجر في هذا النوع من السجلات العقيمة، مع رغبتي الاكيدة في عدم جعل سجالنا كورديا ـ كورديا،
وكم كان بودي ان يكون خصمي وغريمي ومعارضي الفكري، جهة اغتصبت حقوق شعبي واهانت ابناء امتي، وليس شخصا مقهورا، كسير النفس والقلب من ممارسات الدولة، مهيض الجناح من تسلط السلطة مثلي واكثر، ومع كل ذلك مادفعني الى الرد هو رغبة الكاتب بالتمالح مع بعض الشيوعيين، وتوهمه ان لاملجأ او مأوى او ملاذ من قلمه، واصارحه اني من منتسبي الحركة القومية الكوردية في سوريا ولي كل الشرف في ذلك، مع التأكيد في الوقت نفسه باني لست قيادي في اي حزب، وبالتالي لم يكلفني احد بالكتابة والرد، لان جل طموحي يتمحور في كثرة القراءة والتأليف والبحث العلمي، وخدمة شعبي.

     ان الذي دفعني الى ما قلت اعلاه، هو قيام احد الاخوة الكتاب الكورد السوريين، بخطوة باح فيها بمكنون صدره، وظن من وراء كلماته انه قدح زناد فكره، و بدد صمت خلانه، و ابطل مفعول سحر اعدائه الوهميين، بكتابة مقالة تحت عنوان “حين يتحول حماة القضية الى قتلتها” يوم الاحد 8 اب 2010، في موقع “ولاتى مه” والمقالة هي اشبه بالسروال المتسع الاطراف الذي يرتديه البحارة عادة ـ ولكل الحق بابداء رأيه ـ في الدفاع المجاني عن مسألة لم يفقه ماهية موضوع الخلاف فيها، مستعملا كلمات كانت للاسف بذيئة ونابية.

   ولا اخفي عليكم سرا، اذا قلت ان الذي حيرني اكثر من غيره، كان بسبب اطلاعي على بعض مقالات الكاتب نفسه، وشكواه من مظلوميته وقيام الاحزاب الكوردية وكتابها الفاشلين ـ كما يصفهم ـ بالتهجم عليه في السابق، فقط لانه يجهر بقول الحق وانه لايتوانى في فضح الحقائق دون مواربة، نتيجة انغلاق الاحزاب على نفسها وتقوقعها، وانها تعادي مشاريعه التنويرية، وترغب بشج رأسه المعرفي، واليوم استنتجت ـ او هكذا خيل الي ـ من المقالة الاشبه بالقصبة المرضوضة، والحائط المائل، والمنتفخة والمتكورة على نفسها، ان ذلك لم يكن صحيحا، ويبدو ذلك واضحا من خلال سعيه للدفاع عن تهجم بعض الاقلام الفاسدة من الشيوعيين، وثبا وعدوا، اقبالا وادبارا، على الحركة القومية الكوردية في سوريا من دون مبرر، و بالتالي اقحام اسمه عمدا في مسألة لاتعنيه ، ناسيا ان احبابه بدأوا العداوة اولا وليس اليوم، بل منذ فترة سابقة، وان الكتاب الكورد انتبهوا الى حقيقة موقفهم منذ البداية، وكتابات الشاعر القومي الكبير جكرخوين، ومذكرات الاستاذ رشيد حمو وغيرهم، ادلة ساطعة في هذا المجال، ولايمكن انكارها باي حال من الاحوال، ولذلك لا افهم ولا اعي قصد وهدف الكاتب الازلي في تصوير حركة الشعب، على انها اصبحت يبابا وارض قفر، وخرقة وممسحة يجب تحطيم روحها المعنوية؟ واذا كان المبرر في رأيه انها تعاني الامراض المزمنة ، كم يسرنا ان تخرج من جيبك مستحضرا طبيا جاهزا ومن ماركة مسجلة باسمك وتشفي لنا هموم الحركة.
       و مما يثير الدهشة اكثر، هو ان الاحزاب الكوردية اصبحت في عقلية الكاتب، مخلوقات يجب التخلص منها والقضاء عليها قضاءا مبرما، وهي في رأيه كائنات مملة ومضجرة وثقلية الدم والظل، ومقابل ذلك نراه مفضالا، طلق اليدين، فياضا تجاه الاخر، بالرغم من الانشقاقات والتشظي الفكري الذي يعانيه الشيوعيون، ومع اني اوافقه ان الحركة تعيش واقعا مأزوما نتيجة تراكم اخطاء الماضي والحاضر، غير اني التخفي وراء مقولات النقد تلك، لا تشفع، لاحد التهجم على نضال المنضوين تحت عباءة تلك التنظيمات، والتي تعاني ما تعانيه من ضربات النظام، وليس له اي معنى، واسأله هل هذه ضلاعة؟ ام انها مبالغة ومغالاة وتهويل وتضخيم للامور، وبدلا من محاسبة ردود البعض المبتذلة، التافهة، ودعاياتهم المضللة، وجعجعتهم، وتهويشهم.

و رداءة كلماتهم وفسادها، نراك تنبري لمهاجمة بعض المثقفين الكورد، الذين لاتوافقهم الرأي والفكر.


    وبخصوص قولك: ” وحين يغامر أحدهم في كتابة بضعة أسطر في نقد الحال السياسيّة الكرديّة وأوبئتها وفسادها وإفسادها، ترى كتيبة الكتبة جاهزة ومتربّصة بك لإطلاق أشنع وأفظع النعوت والأوصاف عليك، وبل تصل الهسترة ببعضهم الى النيل من كرامتك وثقافتك وشرفك القومي والوطني والاجتماعي والمِهني!.

ومنهم من تبلغ به الجسارة والشجاعة القوميّة والوطنيّة والثقافيّة والأدبيّة والأخلاقيّة…، الى مراتب التواري خلف اسماء مستعارة!.

كلّ ذلك، في مسعى التأكيد على أنّهم حماة القضيّة الكرديّة، الأوّلون والأعلون، لا زيدٌ أو عمرو!.”
     ارى ان ما تكتبه عن الحركة، ليس في اكثره اي نقد، بقدرما هو اسلوب غروي، لزج، دبق، لانك تسيء فهم ما يقال، ومرد هذا في رأي المتواضع، اما انك تريد الاصلاح بالفعل، الا ان اللغة لا تعينك على ايصال فكرتك الى مبتغاها، واما انك متحامل كما يروج عنك بشهادتك، وان محاولاتك التستر وراء الاصلاح فاشلة وغير خافية على احد، و ان مجموعة “الكتبة” التي تعيرها بالفظك هذه، لا يهمها ان تكتب عنك او ان تهاجمك، ولن تطلق عليك الا اجمل الاوصاف، وارقها لا ابشعها و افظعها كما تتوهم، وما دمت متأكدا بصدق شرفك القومي والمهني والاجتماعي، فكن على ثقة ان لا احد يستطيع نزعها منك.
  واصارحك ان لا احد سيتوارى خلف الاسماء المستعارة، لانك ببساطة لست اكثر عنجهية وحبا في التعتيم والاقصاء والاساليب التهميشية مثل البعث العفلقي، ومع هذا نكتب باسمائنا، ولانخشى عاقبة الامور.
   ـ وبخصوص قولك ” إذا اردنا البحث عن أكثر الناس براعة وشجاعة وغزارة في ترقيع القبائح وتبرير الفضائح والعطب والفشل السياسي في مجتمعٍ ما، فلن نجد أخير وأفضل من كتبة الأحزاب الكرديّة في سورية!.

فكثيراً ما حاولوا إحالة فشلهم وتشرذمهم وعطبهم وبددهم وتلفهم الى حزب العمال الكردستاني الذي كان ينشط بين أكراد سورية، ولبنان ومصر والأردن والمهجر، بالإضافة إلى تركيا والعراق وايران!.

وكثيراً ما كان يحيل المثقف الكرديّ المنتمي للأحزاب الكردية فشل أحزابهم إلى الدور “التآمري” و”التواطؤي” للعمال الكردستاني مع النظام السوري على حركته السياسيّة العتيدة والعريقة!.

وان الكردستاني فعل كذا وكذا، بحركتهم العملاقة، وقادة أحزابهم، وساق شبابنا وصبايانا للجبال، وزجّ بهم في حربٍ ونضال، ليست حربهم ولا نضالهم!، ولا يقولون: أن فشلهم وإفلاسهم، هو الذي عبّد الطريق أمام الكردستاني، لانقاذ المتبقّي من المجتمع والشباب الكردي من بؤس أحزابهم وتلفها!.”
   نرد بالقول، انه بعد كل تلك الاوصاف غير المستحبة والقبيحة بحق الحركة، و هجومك على الفصائل الكوردية دون هوادة، و اهانة بعض زملائك المثقفين الكورد السوريين، ماذا تركت للبعث والاجهزة الامنية من مصطلحات وتعابير بذيئة؟ و بالرغم من ان الاحزاب الكوردية في سوريا كانت في تلك الفترة ولاتزال تعاني من صعوبات جمة في اكمال رسالتها، فانك لن تستطيع باي حال من الاحوال، انكار التأثير السلبي للحزب الذي ذكرته، على الساحة الكوردية السورية و حقيقة انهم كانوا الى الامس مدعومين من قبل الجهات التي حاولت انكار علاقتهم بها.
ـ بعد تلك المقدمة البائسة والسرد التاريخي المموج، المتقاطع مع المذكرات الشخصية، تاتي وتتحدث لنا عن الازمة، وتصل الى نتيجة ان المثقفين الكورد  يحاولون خلق الاعداء للقضية، ونسيت يا مهندس العلاقات ومبدعها، ان الكورد ونخبهم كانوا والى اليوم ضحايا كراهية الاخرين، ونظرتهم الفوقية، ولم يكونوا يوما من منتجي العداوة مع الطرف المقابل.


ـ نحن لم نقل ولم يدر في بالنا يوما الدعوة الى مناهضة الاحزاب الشيوعية بين ابناء شعبنا او في اي مكان اخر في العالم باقلامنا، وما عددته من الافضال الشيوعية لاتساوي شيئا امام مساهمة الكورد في تثبيت اقدام الحزب، والحب والاخلاص الذي قدموه لقيادة الحزب على مر العهود، و المجتمع الكوردي لم يتقوى يوما بالشيوعيين امام خطر الاقطاعيين كما تتوهم، فالفلاح الكوردي كان يدافع عن لقمة عيشه قبل وبعد ان ظهر الحزب، ولم يتحرك نتيجة قرارات حزبية نافذة، والعقلية القبيلة الصرفة التي تحدثت عنها لم نعهدها ولم نقرأ عنها الا في بدايات القرن المنصرم، وبخصوص مكافحة الامية، لم نسمع ان احدا من الفلاحين الكورد الاميين، تعلم و تثقف في المدارس والمعاهد التي فتحها الشيوعيون في المناطق الكوردية او دعوا رفاقهم في الجبهة الى فتحها، او حتى المطالبة بالتدريس والتعليم باللغة الكوردية الى جانب اللغة العربية، و اعلم ان الكورد كانوا ولايزالون متحفزين للتعامل مع باقي المكونات،  وحتى المنح التي كان يمنحها الحزب لبعض الطلبة كانت تشكو في الكثير من الاحيان من التمييز والمحسوبية، وهي بالمحصلة كانت وسيلة دعائية للحزب مقدمة من السوفيت، ولم يكن القصد منها، توعية الجماهير والاخذ بيد ابنائها الفقراء.


ـ  وبخصوص قولك : “وبالنسبة الى ” وإذا كانت كبرى أخطاء الحزب الشيوعي السوري، تكمن في أنّه لم يضع القضيّة الكرديّة في سوريّة على رأس أولويّاته الاستراتيجيّة، كقضيّة وطنيّة وديمقراطيّة بامتياز، ولم ترقَ مواقفه من القضيّة الكرديّة في سورية إلىَ المبتغى والمأمول والمفترض، وتماهت، في بعض الزوايا والحيثيات، مع التوجّه والموقف البعثي السوري، كالموقف من كردستان العراق مثلاً، وإذا كان لا يمكن إغفال؛ أن الشيوعيين العرب، لم يصلوا لدرجة البراءة من القوميّة العربيّة والاندماج التام في الفكر الأممي العابر للقوميّات، فبديهي أن يكون هنالك تأثير قومي للغالبيّة العربيّة في كتلة الحزب القياديّة والتنظيميّة والجماهيريّة، حتّى لو كان قائد الحزب (الراحل خالد بكداش) ينحدر من أصول كرديّة، وهذا ما لا يمكن للشيوعيين السوريين ترقيعه.

وبل ينبغي عليهم الخوض فيه، مراجعةً ونقداً، بأناةٍ وتمعّنٍ، ودون عصبيّة أيديولوجيّة أو حزبيّة”
فهذا عين ما قلناه سابقا عبر مقالاتنا، اي انك لم تأتي بجديد ، فعلام كل هذا التهويل؟.
– الاحزاب الكوردية تمثل صوت القومية الثانية في البلاد، وعلى هذا الاساس لها الحق في مطالبة الحكومة بحقوق الشعب والجلوس على طاولة الحوار، وهذه ليست اساءة بالغة او اعتداء اثيم، او انتهاك لحرمة، او اخلال سافر بحق شعبنا الكوردي، واية علاقة تخرج من هذا الطابع، هي بلا شك موضع شجب، ويجب فضحها امام ابناء الشعب اجمعين.

      الاخ الكاتب، كم كان بودي ان نتعارف في وضع افضل، وان نتبادل الخبرات المعرفية والبحثية، و ان لا نتقابل بهذا الشكل المشحون، العقيم، المجدب، كما احب في الوقت نفسه ان  الفت انتباهك الى ان ما جاء في مقالتك لن يفت في عضدنا، ولن يثبط عزيمتنا في خدمة شعبنا، وسننبذ ما جاء فيها نبذ الّنواة، لاسيما انها جاءت مشوشة الفكر، منتحلة، لا ابتكار ولا اصالة فيها، وبالتالي نحن لا ننتظر لا رسامة ولا سيامة منك او من احد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…