إن مراجعة منصفة لواقع الحركة , وأسباب انقساماتها , وتشتت شملها , وبعدها التدريجي عن طموحاتها وأهدافها , وما حيك بحقها من دسائس ومؤامرات وفتن , وما أحاط بها من تعقيدات جمة , وبخاصة في ظل الإعلان عن ولادة تنظيم ينهض بأعباء الوعي النضالي وقيادته في الثلث الأخير من خمسينات القرن الماضي , وفي ظروف دولية وإقليمية عصيبة , وقدرات تنظيمية واقتصادية واجتماعية محدودة , وإمكانات سياسية وإدارية لم تكن ترقى إلى ما كانت تملكه الحكومات من وسائل وقدرات وإمكانات وأدوات , ورفض قاطع لمجرد الوجود الكردي , وعدم الاستعداد إلى الإصغاء للصوت الآخر , بل الذهاب إلى قمعه واعتقاله ومصادرة رأيه , ومحا سبته حسابا عسيرا , إن مثل هذه المراجعة تضعنا أمام الهوة الواسعة بين الحركة والمتصدين لها والعازمين على وأدها في المهد , وقبر كل طاقاتها وسحق كوادرها , وهو ما حصل في بدايات الانطلاق , وما حصل بعد عقود من عدم الاعتراف بمجرد الخطوة الأولى , والعتبة الأساسية التي بنت عليها الحركة الكردية بفصائلها استراتيجيتها القومية والوطنية , من خلال الدعوة المفصلية إلى الاعتراف بوجود الشعب الكردي في سوريا على الخارطة السورية جغرافيا وسياسيا , وهو أمر جدير بوقفة تأن وتمل لما هو قائم إلى يومنا هذا , وما تبعته من إجراءات , وأساليب ومشاريع وخطط وبرامج , تحول دون هذا الاعتراف , وتخطط لمنعه بمختلف القدرات والوسائل التي تتفوق بها الحكومات المتعاقبة على الحركة وكل ما تملكه من طاقة وقدرة , إن في مثل هذا الاعتبار الموضوعي ما يخفف إلى حد ما من مسؤولية الحركة , دون أن يعفيها ذلك من مسؤوليتها الذاتية , أو فيما تملك من ضرورة الحفاظ على جسد الحركة من الترهل , والأدواء الناخرة فيه , وما تحتمله , وتتحمله من ألوان الصراع ودرجات عقمه , ومبلغ المهاترة فيه , ومقدار ما حرصت عليه من الأنانية الحزبية الضيقة , وما راودت الكثير من الانتهازيين والوصوليين , ومنعدمي الكفاية والكفاءة من إساءات ومغامرات , وأساليب ملتوية قادت إلى الكثير من العنت والمكابدة والرهق والخصام المصنوع والمفبرك والمعد بعناية , مما ساهم في تعقيد الجانب الذاتي , ليتلاقى مع الصيغة الموضوعية في منهجية التفتيت وبعثرة القوى والطاقات , وضربها في آفاق التيه , ليتجرع الطامحون إلى الأفضل والأرقى مرارة واقع , ورهق تشظيه وتباعده , وصعوبة رأب صدعه مع عدم إغفال ما كان لهذه – عبر تاريخها – من قيادة النضال ,ورفع درجة الوعي التاريخي والتقافي لدى جماهير واسعة وعريضة بالقضية الكردية في سوريا , وما خرجته من آلاف الكوادر المثقفة وما هيأته من أرضية الممانعة ومعاندة المحو والتذويب , باتجاه تعزيز الوجود الوطني والقومي للكرد في بلد تدعو فيه الحركة برمتها إلى احترام التنوع في المكونات والخصائص والأفكار والقيم والتقاليد في ظل إخاء وطني وازدهار وعيش مشترك ومتكافئ ومتوازن .