ومن هذا التصور جاءت ضرورات البحث عن آلية قادرة على تنظيم العلاقة بين (الحزبي والمستقل) في الحراك السياسي الكردي، من خلال مؤتمر وطني، يشارك فيه الطرفان بنسب عادلة، وتتمخض عنه ممثلية تقود هذا الحراك وفق برنامج سياسي موضوعي ومقرّر.
لكن هذا المشروع لا يزال يواجه بعض الصعوبات خاصة من جانب التنظيمات الكردية بسبب نزعة الاحتكار التي تحكم تعاطيها مع الشأن السياسي الذي تعتبره امتيازاً حزبياً خاصاً، علماً أن الوقائع على الأرض تؤكد أن منطق احتكار حزب واحد أو عدة أحزاب لقيادة المجتمع لم يعد يجد مبرراً مقبولاً، خاصة بعد أن عجزت الحركة المنظّمة عن إنجاز أحد أو بعض أهدافها، في ظل تزايد الهجمة الشوفينية، وتعمق حالة الإحباط داخل المجتمع الكردي، وبالتالي بروز فجوة، تتسع مع الوقت، بين هذه الحركة ومحيطها الجماهيري، مما يستدعي البحث عن آليات جديدة للتواصل والتقارب.
وفي هذا الموضوع، فإننا لا نقلّل من الشأن الحزبي، بل بالعكس، فإننا نعمل ونتمنى توسيع مساحة التنظيم الذي لا يمكن الحديث بدونه عن الاستثمار الأمثل للطاقات الوطنية الكردية وتوحيدها، بل ندعو لتحويل العمل السياسي الكردي إلى شأن عام يهم الجميع، مما يعني توسيع دائرة الدعم والتضامن مع القضية الكردية، التي لا يكون الإخلاص لها فقط من خلال التضحية في سبيلها، بل كذلك من خلال توحيد كل المناصرين لها، والمدافعين عن عدالتها، والإكثار من الأصدقاء حولها..
ثم أن إشراك ممثلي الفعاليات المجتمعة المستقلة في مؤتمر، إلى جانب ممثلي التنظيمات القائمة هو بالنهاية شكل آخر وجديد من التنظيم لا يقلل من شأن الأحزاب بل ينهي احتكارها فقط، وينقل تلك الفعاليات إلى جانبها، بدلاً من الانزواء في الصفوف الخلفية، ويمنحها حق المشاركة في الفعل السياسي، ويعمل على توسيع وتنويع البنية المجتمعية للحركة الكردية، بدلاً من اقتصارها على البنى الحزبية فقط رغم تضحياتها الثمينة.
كما أننا بنفس الوقت، لا نقلل أيضاً من أهمية الإطارات الحزبية التي تؤطر وتوحّد نضالات منتسبيها، لكنها تشكل بالنهاية مرجعية لعدد من الأحزاب التي تبقى أحيانا أسيرة لبرامجها أو شعاراتها التي قد تكون موضوعة لغايات حزبية بحتة، قد تتباين مع المصلحة العامة.
ثم أن تجربة مثل تلك الإطارات لم يكتب لها دائما النجاح المطلوب، حيث تفككت بعضها حتى دون إعلان رسمي، لكنها ظلت على الدوام تشكل مجرد تحالفات مرحلية تخدم أهدافا حزبية تنتهي بانتهائها، وتترك وراءها المزيد من الإحباط والتشكيك في مصداقية العمل المشترك الذي يشكل التشتت سمته الأساسية، ويستمد هذا التشتت أحد أسبابه من عقلية الاحتكار الحزبي للعمل السياسي، لان التجربة أثبتت أن هناك العديد من الكوادر التي لم تعد قادرة على مواصلة عملها داخل أحزابها، كان بإمكانها العمل داخل مؤسسات تخضع للمرجعية الكردية، بدلاً من تورطها في بناء أحزاب منشقة، ترى فيها وسائل وحيدة لمتابعة نضالها السياسي .
ومن هنا، فإن البحث عن إمكانية المرجعية المنشودة، لا يستمد ضروراته فقط، من توحيد وشرعية مركز القرار الوطني الكردي، بل كذلك من ضرورة وضع حد لحالة التشتت، التي ستبقى مفتوحة طالما بقيت الأحزاب هدفاً بحد ذاتها بدلاً من أن تكون وسائل نضالية تعمل على تنظيم المجتمع ككل بما في ذلك تنظيم أعضائها، خاصة بعد أن تصاعدت الأصوات في الآونة الأخيرة من جانب فعاليات مجتمعية واسعة، تبدي استعدادها للمشاركة في إنجاز مهام الحركة، وتطالب بإنهاء حالة الاحتكار والانتقال من خلف هذه الأحزاب إلى جانبها، بعد أن عجزت التجربة الحزبية عن استيعابها ..وهو ما يدعو من جديد لدعوة المجلس السياسي وغيره لحوار مسؤول حول إمكانية تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر الوطني الكردي المنشود، الذي تجمع الحركة على عقده، وينتظر المجتمع انعقاده، لكن لا تزال تنقصه الإرادة الواعية.
__________________________
*- افتتاحية جريدة الوحدة (yekiti) العدد – 198
لتنزيل مواد العدد انقر هنا