اذا استثنينا الساحة الكردستانية نرى المشهد العراقي الراهن عشية الانتخابات في العراق العربي موضع تجاذب كتلتين رئيسيتين لاتختلفان من حيث المنشأ المذهبي والقاعدة الاجتماعية والشعارات والبرامج والاعلانات حول الأوضاع الداخلية ولكنهما سرعان ما تختلفان وتفترقان في مجال الاستقطاب الخارجي بدائرته الاقليمية تحديدا التي يطلق عليها معظم السياسيين العراقيين تسمية – المخاطر والتهديدات القادمة من الجوار الشرقي والغربي والشمالي والجنوبي – ومن المفارقات الملفتة أن الجانب الأمريكي المعني الأكبر بالشأن العراقي بحكم قرارات هيئة الأمم المتحدة والاتفاق الأمني الثنائي الذي يربطه بالعراق وحضوره السياسي اللافت وتواجد الآلاف من قواته العسكرية والتزاماته المترتبة عليه أمام المجتمع الدولي بخصوص أمن واستقرار البلد الذي أزال نظامه الدكتاتوري ودعم ومازال حكوماته المتعاقية ونظامه السياسي هو أقل الأطراف الخارجية تدخلا بتفاصيل العملية الانتخابية أو انحيازا لكتلة دون أخرى والأكثر حذرا في اظهار دعمه لهذا الطرف أو ذاك حيث تقتضي المصالح الأمريكية نجاح العملية الديموقراطية بسلاسة ومجيء حكومة ائتلافية قوية تمثل الغالبية البرلمانية ترسي اتفاقيات عراقية – أمريكية جديدة في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والعلمية والسياسية في المرحلة القادمة وتساهم في تسهيل مهمة انسحاب قواتها حسب رغبة الادارة والكونغرس وارادة الرأي العام الأمريكي بغالبيته الساحقة في حين نرى بوضوح مدى تهافت أنظمة وحكام دول الجوار العراقي وخاصة من الغرب والشرق عبر المال والاعلام واستقبال متزعمي كتل معينة والارهاب والتسابق في التدخلات الفجة بدون مراعاة القانون الدولي وسيادة العراق وحرمة العراقيين وتشكل – الفزعة – العربية الرسمية الأخيرة من النظام السوري وبعض الأنظمة الخليجية وبينها المملكة السعودية لكتلة السيد – أياد علاوي – التي جاءت مباشرة بعد تنفيذ قرارات – هيئة المساءلة والعدالة – (هيئة اجتثاث البعث) سابقا باستبعاد عدد من المشتبه بهم من بعثيين صداميين من سجلات المرشحين مصحوبة بصخب اعلامي يتهم ايران ضمنا بدعم السيد – نوري المالكي – رئيس الحكومة .
اذا صح ما تتناقله المصادر المطلعة حول دوروفعل الثنائية الاقليمية الغربية – الشرقية بشأن العراق بصورتها السالفة الذكر فلابد من القول بادىء ذي بدء أن الطرفين المتدخلين يهدفان الاساءة للعراق وطنا وشعبا والنيل من سيادته واستقلاله ولكل منهما أجندته وأغراضه الخاصة ولاشك ولدى مقارنة الأحداث التاريخية الماضية المتعلقة بالطرفين المتصارعين على النفوذ في العراق ووسائلهما وشعاراتهما وخطابهما واهدافهما القريبة والبعيدة قد نتوصل الى نتائج تؤكد على استخدام الجانبين وسائل العنف والتفجير والارهاب في سبيل تحقيق النفوذ واجبار العراقيين على الرضوخ لمصالحهما (حتى الأمس القريب بل وحتى الآن هناك تنسيق سوري ايراني في ادارة العنف الارهابي في مناطق عدة من العراق) من جهة أخرى لايتنافس الطرفان من أجل تحقيق مكاسب للعراقيين أو اعادة اعمار بلدهم بل من أجل اذلالهم واذا كان الايرانييون أقل تحسسا من المكونات العراقية غير العربية وأكثر قبولا لواقع اقليم كردستان الفدرالي وكذلك أقل الماما واهتماما بالتفاصيل الداخلية لمصلحة استراتيجيتهم في مواجهة الغرب الى حين تثبيت برنامجهم النووي وفرض شروطهم على المفاوض الغربي ومن ثم لكل حادث حديث بشأن العلاقات المستقبلية مع الغرب التي تحمل آفاقا مشجعة رغم كل المزايدات الكلامية فان الطرف الآخر وبعكس الايرانيين لايخفي حنينه الى النظام المقبور والتعاطف مع من يرغب من القوى العراقية اعادة الأمور الى الوراء من بعثيين سنة وشيعة ومجاميع سنية ارهابية اضافة الى موقفه الحذر والمناوىء للعملية السياسية باتجاه التغيير الديموقراطي والمعادي للنظام الفدرالي وبالأخص لفدرالية اقليم كردستان والرافض لحقيقة العراق التعددية قوميا ودينيا ومذهبيا كما ينص عليه الدستور اسوة بمواقفه الشوفينية والاقصائية من القوميات والمذاهب في بلدانه بل الداعي عبر وسائل الاعلام ومن خلال التيارات القوموية الاسلاموية المتحالفة الموالية له مثل بقايا البعث المتعششين في قائمة السيد – علاوي – وجماعتي – الضاري – و – النجيفي – ومجاميع – قاعدية – وعشائرية التي لها مكاتب ومخابيء في سوريا الى اقصاء القوميات والمكونات غير العربية وطمس وجودها والدعوة غير المباشرة باستئصالها من خلال رفع شعارات – عروبة العراق – وعروبة الموصل وكركوك – من هنا وفي خضم حسابات ربح وخسارة العراقيين ومستقبل بلدهم ووضعهم الأمني ومصير انجازاتهم التي تحققت بدمائهم ودموعهم نتوصل الى حقيقة سوء وخطورة كل التدخلات الخارجية الآتية من منطق الاستخفاف بقدرات العراق العسكرية والاقتصادية واستغلال ظروف محنته في المرحلة الانتقالية الصعبة ولكن وبما أننا مازلنا في مجال المقارنة بين الشرور قد نجد أهونها في المشهد العراقي .