انتهت الدعاية الانتخابية وبدأت الواقعية السياسية

عبدالباقي اليوسف
     مع انتهاء كل عملية انتخابية في البلدان الديمقراطية تبدا مرحلة جديدة واكثر واقعية ، خاصة في الدول المتعددة القوميات والاديان والقوى السياسية ، على خلاف مرحلة  ما قبل الانتخابات والتي تتميز بتقديم  الوعود السخية للشارع بتأمين الامن و الاستقرار وتحسين المستوى المعاشي والصحي والخدمي للناس الى جانب القاء كل النواقص على الطرف الاخر خاصة اذا كان ذلك الطرف في دفة الحكم .

     نحن الان في كردستان العراق امام مرحلة جديدة ، مرحلة التحضير للذهاب الى البرلمان العراقي والدخول في اللعبة السياسية  و البرلمانية لاختيار مرشحي المناصب السيادية ومن ثم تشكيل الحكومة القادمة بعد الاتفاق على البرامج الحكومية القادمة وصياغة البيان الوزاري .
     لهذا تواجه الكيانات السياسية الكوردستانية و التي فازت في الانتخابات البرلمانية جملة من المهام المصيرية ، خاصة وان هذه الكيانات قد وعدت جماهير كردستان بحل العديد من المهام ، و في مقدمة هذه الوعود تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي لتقرير مصير سكان محافظة كركوك ومناطق النزاع الاخرى بين حكومة اقليم كردستان والحكومة المركزية مثل سنجار و زمار وشيخان ومخمور وخانقين وجلاولاء وغيرها ، و تأتي تنفيذ هذه المادة على درجة عالية من الاهمية، لضرورة تقرير سكان هذه المناطق لمصيرهم  لاستحواذ الامن و الاستقرار النفسي و الاقتصادي و بالتالي توفير الارضية المناسبة للتنمية الاجتماعية والخدمية  والصحية لسكان هذه المناطق وهذا ما يطالب به سائر جماهير كوردستان .

لقد مضى نحو سبع سنوات ومصير سكان هذه المناطق غير واضح ، خاصة وان الحكومات السابقة تقصدت عدم حلها ، مما تسبب بتقصير كبير في توفير الامن و الاستقرار ، و تاخر مشاريع التنمية والاعمار في هذه المناطق وتوفير الخدمات والوظائف لسكانها ، وبالتالي اصبحت مرتعا للقوى الارهابية والظلامية التي قتلت على الهوية  الميئات من الكورد والمسيحيين والكورد الايزدين والبعض من الاقليات الكوردستانية الاخرى.

     من جهة اخرى وبسبب عدم تنفيذ المادة 140 فان حدود كردستان العراق تبقى غير واضحة وبالتالي فان مجالها الجغرافي  والبشري غير محدد ويحدث تداخل بينها وبين حكومات المحافظات المجاورة وبالتالي تتوفر على الدوام الارضية لحدوث المشاكل واستمرار النزاع وبالتالي خلق وتغذية الاحقاد في هذه المناطق المتنازعة عليها من فبل بعض القوى الحاقدة على النظام الديمقراطي الجديد ، و بالتالي يسهل تدخل بعض دول الجوار في الشأن العراقي الداخلي .
      في الواقع سكان مناطق النزاع قررت مصيرها من خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 7 من اذار من خلال تحديد ممثليها ، لقد قرر سكان كركوك و المناطق الاخرى  مصيرهم عندما أدلوا باصواتهم لمرشحي التحالف الكوردستاني ، و أكدوا على تصريح مام جلال : بان كركوك هي كوردستانية، ولم تعد تحتاج الى استفتاء ، و بالتالي الكرة اصبحت في ملعب القيادات والكيانات البرلمانية الكردستانية المختلفة .

هذا يعني جملة من الحقائق يأتي في مقدمتها الالتقاء و بأسرع وقت على برنامج عمل مشترك لتشكيل كتلة برلمانية كوردستانية واحدة ضمن البرلمان العراقي قبل ان تبدا الحوار مع الكتل الاخرى حتى لا تستغل الاخر تشتتت الجانب الكردي وبالتالي التهرب من تنفيذ الالتزامات حيال شعب كردستان .
      نبض الشارع الكردستاني يوحي الى ضرورة الاحتفاظ بمنصب رئيس الجمهورية لكونهم القومية الثانية من حيث الحجم في البلاد خاصة اذا ما تمسك الجانب الشيعي بمنصب رئيس الحكومة .

لكون مام جلال هو مرشح التحالف الكردستاني الفائز الاكبر بالمقاعد البرلمانية في الوسط الكوردستاني ، لذا من الحكمة ان لا يكون مصدر خلاف  وذلك لدور مام جلال السابق والذي يكاد ان لا يكون له منافس لهذا الموقع .
لاشك ان هناك تباينات واختلافات بين الكيانات الكردستانية المختلفة لكن ما يتطلع اليه الشارع الكردستاني هو تجاوز هذه الخلافات والتخلص من حالة عدم الثقة كى لا تعود بنا الايام الى مرحلة ابان تحرير العراق والتي كانت السبب في بقاء مناطق النزاع خارج حدود الاقليم وربطت مصيرها بالمادة 58 من دستور العراق المؤقت ، ومن ثم ترحالها  الى المادة 140 من الدستور الدائم .

  9/3 / 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…