منذ التصريحات الاستفزازية للسيد طارق الهاشمي، نائب رئيس جمهورية العراق، حول “ضرورة تولي عربي سني رئاسة جمهورية العراق!”، والمقالات والتصريحات المستنكرة لذلك القول (الذي أقل ما يقال عنه، إنه عنصري وطائفي) تتوالى، سواء من الكورد أم العرب، سنة وشيعة.
وهو قلق مشروع؛ لأنه يثير مخاوف من عودة تفكير البعض، في حصر منصب رئاسة العراق بقومية معينة، أو طائفة بعينها؛ مما يعني عودة شبح القلق وفقدان الثقة، ودوامة الاضطهاد وسفك الدماء، بين أبناء البلد الواحد، على اختلاف أعراقهم وانتماءاتهم، ووضع العراق مجدداً على كف عفريت!.
هل نقول إن أجداد السيد الهاشمي، كانوا ملتزمين النصوص القرآنية، الواضحة المعنى والدلالة، في عدم التفريق بين مسلم وآخر، إلا بدرجة الالتزام بالإسلام وخدمته؛ مما دفع أشخاصاً عظاماً في التاريخ الإسلامي (مثل السلطان نور الدين زنكي التركماني، والسلطان صلاح الدين أيوبي الكوردي، والسلطان الظاهر بيبرس الشركسي) إلى قيادة معارك الأمة الإسلامية ضد أعدائها، وتسطيرهم الانتصارات والأمجاد، التي خلدها التاريخ جيلاً بعد جيل؛ بينما السيد الهاشمي قد نسي، أو تناسى، تلك النصوص القرآنية والأمجاد التاريخية الإسلامية؟.
وعلى قاعدة (الشيء بالشيء يُذكـَر) نقول: لننظر أيضاً إلى التاريخ السياسي الحديث لسورية والعراق.
ألم يكن أول رئيس للجمهورية السورية كوردياً (محمد علي العابد)؟، مع كثير من الساسة والقادة السياسيين والعسكريين الآخرين، الذين تركوا بصماتهم الواضحة على صفحات تاريخ سورية الحديث.
أوَلم يكن أشهر رئيس وزراء في تاريخ العراق الحديث (نوري باشا السعيد) كوردياً أيضاً؟.
إذ تشير المصادر التاريخية السياسية العربية المعتبَرة، إلى أصله الكوردي الواضح، إضافة إلى الكثير من الساسة والقادة السياسيين والعسكريين الآخرين، ممن تركوا بصماتهم الواضحة على صفحات تاريخ العراق الحديث.
الرئيس جلال طالباني، في الحقيقة، لا يحتاج إلى من يدافع عنه، أو يشيد بانجازاته للعراق – أرضاً وشعباً- منذ أيام المعارضة الوطنية العراقية، وحتى الآن.
فعلى أيام المعارضة الوطنية العراقية، مثلاً، كان الصحافيون والإعلاميون العرب، يلقبون السيد طالباني بأنه “دينمو” المعارضة العراقية وحركتها الوطنية (منذ أيام الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية/ 1981).
والمؤتمرات العديدة لتلك المعارضة، تشهد للسيد طالباني، بدوره الوطني التوفيقي، بين مختلف أطياف المعارضة الوطنية العراقية.
وتشهد له أيضاً ببلاغته العربية الفذة، في خطاباته السياسية المعروفة، في تلك المؤتمرات.
وأذكر أنه قبل مؤتمر بيروت للمعارضة الوطنية العراقية، تمنى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، على صديقه مام جلال، السعي إلى لملمة صفوف المعارضة الوطنية العراقية، بكل اتجاهاتها وأطيافها؛ في محاولة لعقد “مؤتمر قِمّة” بين هذه الأطراف، لما فيه خدمة العراق والعراقيين.
تمكن مام جلال، بحنكته السياسية المعروفة، من توحيد الخطاب السياسي الكوردي والعلماني العراقي، تاركاً مهمة توحيد الخطاب السياسي الديني العراقي، لصديقه (آية الله العظمى مولانا محمد باقر الحكيم) رحمه الله.
وحين أثمرت جهودهما في توحيد الخطاب الوطني العراقي المعارض، توجها معاً إلى مكتب السيد (عبد الحليم خدام)، نائب الرئيس السوري آنذاك، لإيصال تلك البشارة إلى الرئيس حافظ الأسد (رحمه الله)، للبدء بالعمل على عقد ذلك المؤتمر.
تناول السيد خدام جهاز الهاتف، وهو يقول:
– وأخيراً… سأخبر الرئيس الأسد بأن السيدين طالباني والحكيم، تمكنا من إقناع الأطراف العراقية الفاعلة، لعقد مؤتمر “قـُمّة”.
هنا، ضحك مام جلال، قائلاً:
– الله يخليك أبو جَمال، احنا ما اتفقنا على مؤتمر “قـُمّة”!، شنو هذا الحكي يا أخي؟.
استغرب خدام ذلك أشد الاستغراب، والتفت إلى مولانا الحكيم؛ الذي كان بدوره مستغرقاً في الضحك، مثل مام جلال.
وحين استفسر منهما عن سبب هذا الضحك، أجاب مام جلال:
– اخبرْ صديقنا الرئيس حافظ الأسد، بأننا اتفقنا على عقد مؤتمر “قِمّة”- بكسرة تحت القاف، وليس مؤتمر “قـُمّة”- بضم القاف!.
عندها سأله خدام عن الفرق بين الكلمتين؟ فأجاب مام جلال:
– قِمّة (بكسرة تحت القاف) تعني: ذروة أو أعلى الشيء.
بينما قـُمّة (بضم القاف) تعني: الزبالة!.
وهذا موجود في القواميس العربية، وليس في القواميس الكوردية!.
استغرق الثلاثة في الضحك، وقال السيد خدام معقباً:
– والله شي حلو، كوردي يعلمنا العربية!.
لا نريد أن نغمز من قناة السيد الهاشمي؛ لكن المسألة تحتاج حقاً إلى وقفة ضمير!.
ألم يكن السيد الهاشمي أحد أقرب المقربين إلى الرئيس طالباني، بحكم كونه نائباً له وصديقاً مقرباً إليه؟.
أوَلم يسمع بنفسه من فخامة الرئيس، مراراً، تمنيه مجيء ذلك اليوم، الذي لا يعود فيه العراق بحاجة إلى خدماته كرئيس، بعد أن ينعم بالأمن والاستقرار؛ ليستريح هو أيضاً مرتاح الضمير، بعد طول عناءٍ في عالم السياسة المرهق، الذي خصص له كل عمره؟.
ومتى كان السيد طالباني طالِبَ رئاسة، لو لم يكن العراق في حاجة إلى رئاسته؟.
أليست الأطراف السياسية العراقية، العربية منها قبل الكوردية، هي التي تسعى إلى إقناع سيادته بالاستمرار في مسؤولية الرئاسة؛ لأن في ذلك ضمانة لوحدة وأمن العراق، أرضاً وشعباً؟.
لقد أثبتت الأحداث، وتثبت في كل يوم، أن منصب الرئاسة يزدان برئيس مثل مام جلال، وليس العكس أبداً، ولو كرهَ الكارهون!.