بعد ابداء رأيي على السؤال الذي طرحه موقع بنكه الالكتروني حول المجلس السياسي لتسعة أحزاب كردية سورية في الثلاثين من تشرين الثاني 2010، وأشرت فيه بان الرؤية المشتركة غير منشورة رغم اعتمادها من قبل المجلس السياسي حسب ما جاء في وثيقة اعلانه، وفي اليوم التالي قرأت الرؤية في موقع يكيتي ميديا الالكتروني التابع لحزب يكيتي الكردي في سوريا، ووجدت نفسي لزاماً، ليس للرد على نص الرؤية أو ابداء المشورة لأطرافها بقدر ما ادهشني المتناقضات المحشوة فيها، و كونها صادرة عن أغلبية الفصائل الحزبية كان لا بد من أن أعيرها قدراً من الاهتمام، وخاصة ما جاء في مقدمتها من ان: “… سوريا من الدول التي تتميز في المنطقة بالتعددية القومية والسياسية والدينية، ولها دورها التاريخي في التفاعل والتمازج الحضاري على مستوى المنطقة…“.
أما على الصعيد السياسي والحزبي، فقد ذاق المناضلون في سبيل حقوق شعوبهم سنين طوال من انواع الظلم والتعذيب والاهانة في معتقلاتهم ومازالوا.
أما القوانين الاستثنائية والمشاريع العنصرية والتي هي معروفة للجميع فلم تطبق فقط على المناضلين والمنتسبين للتنظيمات غير المرخصة حسب مفهوم النظام، بل طال شريحة واسعة من الشعب الكردي، كما وشمل الكثيرين من غير المهتمين بالشأن السياسي الكردي أو الشأن الوطني العام أيضاً.
أما خارجياً، فلم تبادر الانظمة المتعاقبة على الحكم في سوريا بأي دور تفاعلي مع شعوب المنطقة، من الكرد والفرس والترك وغيرهم، لا تجارياً ولا ثقافياً ولا سياحة منظمة بقصد التفاعل بين شعوب المنطقة، كما كانت القطيعة في أوجها بين النظام السوري وأنظمة المنطقة وهما ايران وتركيا الى انتصار الثورة الاسلامية في ايران.
ومجئ التيار الاسلامي ـ المعتدل الى حد ما ـ الى الحكم في تركيا، لا بل كانت الاجتماعات الثلاثية بين سوريا وتركيا وايران وخاصة الامنية منها للتنسيق فيما بينهم على ايجاد الوسائل المجدية ليس فقط لعرقلة النهوض القومي الكردي، بل لتعريبه وتتريكه وتفريسه، فما هو دور سوريا التاريخي في التفاعل والتمازج الحضاري على مستوى المنطقة سوى سياسة الصهر والامحاء للشعوب غير العربية.
كما لا يمكنني أن أعتبر تلك الجملة من المحسنات البديعية في اللغة العربية لانها تمس واقعاً سياسياً حقيقياً، لا تحسن نص الرؤية المشتركة للمجلس السياسي بقدر ما هي مخالفة للتاريخ و لرؤية الاحزاب السياسية منذ نشأتها، حيث لا تخلوا الجرائد المركزية في أغلب أعدادها من وصف ممارسات النظام بالشوفينية، ولا يمكن لأي متابع لو بحث بين طيات الجرائد والبيانات والبلاغات والتصريحات المركزية للأحزاب الكردية على إشارة واحدة تدل على دور سوريا في التفاعل والتمازج الحضاري في المنطقة، هذه الجملة المتناقضة مع قناعة الخمسون عاماً من النضال تستدعي وبعين نقدية مراجعة أفكارها ورؤاها واعتبارها من الأخطاء المستمرة منذ تأسيس أول حزب كردي.
كما لا تعتبر تلك الجملة اطراءً في الخطاب السياسي الموجه للنظام إذا ما استعرضنا جملة المطالب المندرجة في نص الرؤية المشتركة وخاصة الفقرة الخامسة المندرجة تحت بند” المجال الثقافي والاجتماعي” وهي تدريس اللغة الكردية في المدارس والجامعات، فكم كان واقعياً وجميلاً لو كان المطلب انشاء قسم للأدب الكردي في كلية الآداب، لان الفرق شاسع حيث يفهم من تدريس اللغة الكردية في المدارس والجامعات، ادخال اللغة الكردية في كافة الكليات وأقسامها، فهل من المنطق الزام طلبة الجامعات في الفروع المختلفة على تدريس مادة اللغة الكردية؟
وفي المجال السياسي وحسب نص الرؤية المشتركة،” الاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد، وتأمين ما يترتب على ذلك من حقوق، سياسية وثقافية واجتماعية، وايجاد حل ديمقرطي عادل للقضية الكردية في اطار وحدة البلاد“.
وهل الاعتراف الدستوري وما يترتب عليه من حقوق لا يعني حل القضية الكردية ؟ وان هذه العبارة أو هذا المطلب لوحده كاف، كونه يشمل كل ما جاء في تلك القائمة.
فأية ادعاء يدعيها البعض في توصيفهم للمجلس السياسي بالعقلانية؟
وجاء في مقدمة نص الرؤية المشتركة، ” فسوريا بحدودها الحالية تشكلت في اطار التقسيم الاوربي للمنطقة، حسب تطبيقات اتفاقية سايكس بيكو”.
ومعلوم للجميع بان اتفاقية سايكس بيكو كانت اتفاقية سرية بين دولتين هما بريطانيا وفرنسا، ولم تكن لبقية دول القارة الاوربية أي دخل فيها، وعندما يقال “التقسيم الاوربي” هذا يعني بان أغلبية دول القارة الاوربية مشاركة في ذلك التقسيم وتلك الاتفاقية ، فليس فقط لم تتفق الدول الاوربية على تلك الاتفاقية فحسب، بل لم تسمع بها أيضاً، فمن المعلوم انها كانت اتفاقية سرية.
لذلك أرى
ان اية خطوة تقاربية تحت اية مسمى كانت، هي مدعاة فرح وسرور، لكن للتقارب شروطه، منها ألا تكون تكتلاً ضد آخر، وألا تحشر الجمل والكلمات والرؤى لكل طرف على هواه بدعوى هذه رؤية فلان وتلك رؤية الآخر وهكذا..، مما يشكل بمجموعه تناقضاً لم يعد بالامكان لملمتها بجمل مختصرة بحيث تشمل كافة الآراء، مما يزيد في التناقض تناقضاً، وتصبح الجبهات بين الفصائل الحزبية مفتوحة للحرب على الكلمات والجمل والمصطلحات.
09/01/2010
almosa@gmx.de