ندوة ثقافية في دمشق بعنوان (الخطاب السياسي الكردي واشكالية العلاقة مع الاخر)

  في أواخر شهر كانون الأول 2009 ، أقامت منظمة دمشق للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا ندوة ثقافية ، حضرها لفيف من الرفاق وأصدقاء الحزب ومن المستقلين ، واستضافت فيها الاستاذ ميداس آزيزي الذي تحدث فيها عن (الخطاب السياسي الكردي واشكالية العلاقة مع الاخر) .

وقد بدأ المحاضر بسرد تاريخي مختصر عن فحوى الخطاب السياسي للحركة الكردية والمراحل التي مر بها ، والارتدادات التي رافقته في عملية النشوء ، والجهود الكبيرة التي بذلت من اجل صياغة هذا الخطاب ، الذي برز على الساحة السورية مطلع الخمسينات مع بروز المد القومي العربي بشكله الاقصاءي، الذي استمد آلياته من الدولة العثمانية بعد رفض مشروع الدولة الحديثة التي حاول الانتداب إدخالها إلى المنطقة
  حيث أوضح المحاضر قائلا : (رفضنا الانتداب وهذا حق مشروع ، وبالتالي رفضنا معه مشروع الحداثة ، وهذا ما سبب إشكالية كبرى باعتقادي في عملية بناء الدولة الحديثة لدينا بحكم عدم وجود مشاريع سوى أفكار قومجية مبنية على نفي الأخر ، نابعة عن الجهل لخط التطور الإنساني ومسلمات الدولة الحديثة ،وكان طبيعيا من كل بد ان يولد لدى الأخر هواجس حول إقصاءه ونفيه من العملية السياسية وإنشاء خط موازي للحفاظ على وجوده .

 وهنا اقصد المكون الثاني ضمن المشكل السوري ، اي الشعب الكردي مع الفارق الجوهري بين الحاملين الاجتماعيين فيما يخص المسالة الوطنية وتقاطعاتها .

وتوضحت معالم ومفردات هذا الخطاب بعد صياغة البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البدايات ) في مفصلين أساسين، الأول المذكرة التي قدمها الدكتور نورالدين زازا أمام المحكمة عام 1960 حينما قال : (….واقع ملموس وموضوعي هو حقيقة وجود الشعب الكردي الذي كان ولا يزال يعيش على أرضه ضمن نطاق جمهوريته العربية المتحدة جنباً إلى جنب مع إخوانه العرب، وهو شعب له لغته وعاداته وتقاليده الخاصة به، وهو غيور على هذه اللغة والعادات والتقاليد، وحافظ على مقوماتها…   والآن نحن في هذا التاريخ من حياة البشرية التي تسعى حثيثة من أجل تعاون وتفاهم الشعوب،لتحقيق تقدم ورخاء أفضل للإنسان وتوطيد السلام والارتقاء بالشعور والكرامة الإنسانية إلى مستواها اللائق، كما قلت أن اللغة الكردية والعادات والتقاليد الكردية لدى الشعب الكردي وتمسكه بها لم يكن في يوم من الأيام مصدراً من مصادر التفرقة والخلاف بين الشعبين العربي والكردي..).

اما المفصل الثاني : فقد تمثل في  إدراك الأستاذ عبد الحميد درويش وفهمه طبيعة مطالب البعض لتحوير مسار الخطاب السياسي الكردي ، حينها عارضها بشدة وطالب قيادة الحزب بتحديد موقف واضح وصريح من مسألتين ،الأولى من شعار تحرير وتوحيد كردستان ، والثانية من اسم الحزب الذي تحول إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا.
 كان عبد الحميد درويش يعارض بشدة هذا الطرح ويطالب بموقف واضح وشفاف من هاتين المسالتين ،لما لهما من آثار وانعكاسات سلبية على القضية الكردية في سوريا ، وأصدر على أثرها كراسين في عام (1963) أحدهما يتناول الوضع السياسي ويدور حول شعار تحرير وتوحيد كردستان, ( وعدم ملاءمته مع واقع الشعب الكردي ، وما يسببه من إشكاليات سياسية وعملية لحزبنا وكوادره ، ومن ثم ضرورة تعديله بشكل يراعي الظروف الذاتية والموضوعية للشعب الكردي ،وخصائص الحركة الوطنية الكردية في سورية .

وهذا ما خلق ارتباكا في فهم ماهية السلطة من جهة وماهية المعارضة  من جهة أخرى ، وبالتالي أدى إلى خلل واضح في الرؤى في  الكثير من المنعطفات السياسية والاجتماعية….وفي مراهناتنا اللاموضوعية ضمن خطاباتنا السياسية ويتضح ذلك جليا في تعاملنا مع مختلف القضايا التي تمس مصير مجتمعنا عبر محاولات البعض منا إظهار القضية الكردية بأنها قضية تتجاوز الحدود الوطنية وذو أبعاد اخرى … ، بقصد إثارة المخاوف لدى الآخرين من شركاءنا في هذا الوطن ، واللعب على أوتار العواطف لدى البسطاء من أبناءنا،من خلال رفع الشعارات البراقة والجمل الرنانة و الطنانة ، وعلى ما يبدو هذا الطرح كان يستحسن لدى الكثيرين من الآخر ليبرروا مواقفهم وأفكارهم ، وتوجيه اللوم لمن يتعاطفون مع قضايانا ، من الذين يدعون الى عقد اجتماعي جديد ,ينتج عنه دستور ديمقراطي عصري يجعل المواطنة معيارا للانتماء .وختم المحاضر بالقول : ان الاعلام اليوم يلعب دورا بارزا في اظهار أهمية صياغة خطاب سياسي واضح واقعي وموضوعي للحركة الكردية تزيل كل إشكال أو لبس لدى شركائنا في الوطن ، كما يعمل في نفس الوقت على فتح باب الحوار لتفهم عدالة قضيتنا كونها قضية وطنية تهم جميع المكونات .

كما دعا المثقفين الكرد والمستقلين الى القيام بدورهم في أداء هذا الواجب الوطني .

و في نهاية الندوة جرت نقاشات مطولة شارك فيها الحضور بمداخلاتهم حول مضمون المحاضرة .

عن جريدة الديمقراطي العدد (534)

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…