الإرهابي مخلص لإسلامه

د. محمود عباس

  دراسة سطحية للبيئة التي تربى فيها الطفل المسلم قبل أن يتحول إلى متدين راديكالي ومن ثم إلى إرهابي ويلتحق بمنظمات متطرفة، والتعمق في الثقافة التي تنشرها المراكز التعليمية الدينية والمساجد والخطب التي تلقن في أيام الجمعة وغيرها من الأيام كدروس تثقيفية دينية، والمراكز الإعلامية التي تستمد تأويلاتها من المثقفين المتدينين والذين بدورهم يستندون على نصوص دون غيرها، تبين الخلفية التي تدفع بالطفل البريء ليصبح مسلماً متطرفاً، وتوضح البنية التي تستسقي منها المنظمات الإرهابية شذوذها، ويستندون عليها في تأويلاتهم الذاتية للنص الإلهي أو تبريراتهم لجرائمهم وحقدهم على المذاهب والأديان الأخرى.
   لمعرفة الخلفية التي جمعت كل هذا الحقد والكراهية في الإنسان، يحتاج إلى تقصي طريقة تلقين الفكر الإسلامي، والأساليب التي تعرض بها، والتاريخ وكيفية عرضه، وبأية أوجه، وخلفية الملقن الذي يسود صفحات ويبيض أخرى حسب المذاهب المنتمية إليها. بناءً على كل هذا وغيرها من العوامل وفي حال الموجود أو المغاير، من الممكن أن يتربى الطفل على ماهية أخرى، قد يكون متطرفا سنياً إرهابياً، أو يصبح من اللطميين وإرهابيا شيعيا، وقد لا يكون أحدهما، بل متفتحاً فكرياً، حضارياً، إنساناً مسالماً، يؤمن بحقوق المرأة ولا يمانع بقيادتها للسيارة! 
  الإنسان كتلة خام عندما يولد، تتطور أفكاره حسب البيئة المحاطة، وتترسخ في اللاشعور ما يلقن له من المفاهيم، والأفكار الصادرة من شعور مربيه، والذين يعرضون عليه ثقافة معينة، وحسب أهواء ذاتية خاصة، والتي هم بدورها كانوا قد استخلصوها من بيئة مشابهة، ونادرا ما يستخدم الملقن المتدين وعلى مر العصور تأويلات مجردة للمفاهيم والثقافة الإسلامية المحاطة بهم أو التي تربوا عليها، ولا يتمعنون في الخلفيات أو المصير الآتي للإنسان المتلقي، ولا يحيطون بالثقافة أو الأفكار المطروحة ذاتيا فيما إذا كانت مشوهة وموبوءة، يلقونها مثلما تلقوها بمطلقها ويدرسونها كوحي، دون تمحيص أو تدقيق فيما سيحصد الجيل المتلقي من نتائج.
   الإرهابيون ليسوا مجرمون بالفطرة، كانوا يوما أطفال بريؤون، تربوا في مجتمع وبيئة، وحماتها يتحملون وزر ما سيفعله هذا الطفل مستقبلا، عن طريق التلقين والتربة الخصبة التي تربوا عليها بدورهم من منابع إما حرفت في تأويلاتها للنص الإلهي، أو النص في بعض أبعاده يخلق البيئة الملائمة لهذا الظهور والانحراف، وعليه فهم مع أجزاء من النص يحملون ذنوب المجتمع، والقادة الذين يرددون المفاهيم الشريرة المستندة على أجزاء من النص دون غيرها، بدراية وتخطيط، وبإيمان مطلق فيما يعرضونه على الطفل القادم بدماغ خام، يجب أن يحاكموا أمام البشرية مع الشاب المتطرف والإرهابي المسلم. 
 مجازاً يمكن القول، أن التيارات المتطرفة والراديكالية والمنظمات الإرهابية، أخلص التيارات الإسلامية السياسية في الواقع الإيماني، وأصدقهم مع ذاتها ورؤيتها الدينية، ومفاهيمهم عن علاقة الله مع الإنسان، والتي لهم فيها صراحة من حيث التبيان وكلامهم فيها وضوح ساطع، لا يلفقون على الأخرين بازدواجية فكرية وثقافية، كما يتبناه أغلب المثقفين المسلمين دعاة الرحمة والليبرالية في الإسلام، يهاجمون الجميع من لا ينطبق ومعتقداته، يطبقون بشكل عملي ما لقنوا عليه نظريا وآمنوا به، وهم أعمق تأثيراً على اللاشعور في المجتمع الإسلامي، لأنهم أكثر إخلاصا في تطبيق ما لقن لهم في المدارس الإسلامية المتنوعة، والمراكز المذهبية المتضاربة، وكتابات أغلبية الشريحة المثقفة المتدينة، وبيئة المجتمع الإسلامي الذي يهاجم كل من لا يؤمن بالإسلام دينا بطريقة أو أخرى، حتى ولو كانت الأغلبية من الأمة الإسلامية لا تبين عن انزياحها للمنظمات الإسلامية  المتطرفة، والتي تحجم عن إسنادها علناً إما خوفا من الجريمة، أو مواجهة القوى الكبرى أو السلطات المحلية، لكنهم في اللاشعور، يؤيدونهم، لمواجهة الكفار، والدول الكبرى، المرفوضة سياسة وأخلاقا وحضارة من قبل أغلبية العالم الإسلامي.
أغلبية المراكز الإسلامية  السنية بكل مذاهبها و مثقفيها وأئمة ولاية الفقيه بكل مرجعياتهم الشيعية يهاجمون المنظمات الإرهابية الإسلامية علنا، لكن بشكل خجول، وقلائل جدا من المسلمين يحاربونهم عن جد، وفي الحقيقة معظمهم بل الأغلبية المطلقة يؤيدونهم في السر، ويقدمون لهم الدعم من كل النواحي، وأهمها الدعم المعنوي والفكري، والسند الروحي، لغايات مذهبية، لا علاقة للإله أو الإنسانية بها، والمجتمع السعودي خير مثال على هذه البيئة الفاسدة، رغم ما تدعيه الدولة في تصريحاتها الرسمية، أما في الواقع الفعلي التثقيفي فمراكزها الدينية ومساجدها تخرج الحشود المتتالية من المتطرفين الإرهابيين، وهي دلالة على أن البنية التحتية الثقافية للمجتمع السعودي والمدعوم من قبل المذهب المسيطر، مستنقع ملائم لتوصيل الطفل إلى سوية المتطرف وتصديره إرهابيا، وهنا، فالدولة يجب أن تحاكم قبل المجموعات التي تنطلق من جغرافيتها لتنشر الإرهاب.
   ويبقى السؤال من يساعد على زرع هذه الثقافة، ويساندها مادياً ومعنوياً؟ في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن بعض الدول الكبرى مثل أمريكا وروسيا وبريطانيا تدعمهم لمصالحها الذاتية، أو لتمرير أجندات خاصة، لكن يبقى الفرق بين دعم الجهتين واسعاً، فدعم الجهات الإسلامية لهم تحتضن الازدواجية المنافقة، وهي أكثر شراً، وتدميرا من دعم الدول، فمصالح القوى الرأسمالية تتحرك وقد تنتهي في فترة، لمخططاتها زمن ومكان محدد، لكن الإسناد الثقافي الخاطئ، تدوم إلى حيث اللقاء مع الله، أو تدمير الأخر المخالف لهم كليا، دينا أو مذهباً.  
   جميع المراكز الإسلامية السنية والمرجعيات الشيعية وإعلامهما وكتابهما، وأئمة المساجد والمثقفين المسلمين، يحاربون ويهاجمون الديمقراطية والحضارة الأوروبية وأمريكا ومصالحها والاتحاد السوفيتي سابقا واليوم روسيا، بطريقة أو أخرى، يمجدونهم في بعضه ويكفرونهم في نفس الوقت، وفي النهاية يصورونهم لأطفالهم كفار وزناديق أمام الإسلام، وهم أعداء لا يؤتمن جانبهم، ويطالبون بقتل اليهودي أينما حل، ويهاجمون كل الإيديولوجيات غير الدينية، كالشيوعية والأحزاب القومية، والعلمانية، يرهقون دماء المفكرين والكتاب المتفتحين ثقافياً، ويحللون دماء البشر حسب ذهنية بعض الأئمة والمشايخ، ويكفرون كل من لا يتدين بالدين الإسلامي، ولا يقبلون بالتذكير أو سرد النصوص حول السبي والقتل والجزية والتكفير، وطريقة تلقينها للناس، إلا بمنطقهم، وحسب تأويلاتهم التي يسندونها إلى النصوص القطعية، المطلق الإلهي، التي لا تتغير مع تغيير الحضارة والمفاهيم البشرية  ومراحل التطور الإنساني وثقافته، والمستمر حتى الأبد.
   وينشرون هذه الأفكار بعمق وشراهة، بكتب ومقالات غارقة في التحليلات والاسنادات النصية الذاتية من القرآن أو الأحاديث النبوية، أو سيرة الصحابة، وكثيرا ما ترافقها تأويلات غائصة في الحقد والكراهية، ونادرا ما تسند بمفاهيم وتحليلات فكرية منطقية قابلة للنقاش. فعند الأغلبية المسلمة السند النصي مطلق ولا يقبل النقاش إلا في المجال المحدد الملائم لثقافة المرغوبة فيه، والتي بناءً على مثلها، يكفر غلاة مشايخ السنة الطوائف الإسلامية الأخرى كالنصيرية (العلويين) والشيعة وغيرهما، ويطالبون بمحاربتهم كجهاد إلى أن يقضوا على أخر فردا منهم على الأرض، وقد نشر في هذا العديد من التسجيلات، والخطب الصوتية، وأغرقت الثورة السورية بمثل هذه الأحقاد، ومعظم التيارات المسلحة المحاربة اليوم على الساحة يتلقون مثل هذه الأفكار، وبالضبط هذا ما عملت عليه سلطة بشار الأسد الشمولية وغذتها وساهمت فيها أئمة ولاية الفقيه وبقوة. 
  وبالمقابل والأبشع منه في كثيره، الثقافة التي تلقنها أئمة ولاية الفقيه والمرجعيات الشيعية ومنذ قرون، وينشرونها بين الناس ويربون الطفل على الأحقاد وتكفير كل من لا يؤمن بالشيعة وروادها الأوائل، يكفرون معظم صفحات التاريخ الإسلامي، بدءً من أول الصحابة، أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، اللذين يعدان أهم شخصيتين في الإسلام بعد الرسول، ويكفرون العديد من الشخصيات المهمة في الإسلام، ويرفعون من شأن علي وحسين وأنجالهما وغيرهما إلى درجات التقديس، في الوقت الذي هما في الإسلام وتاريخه لا يفرقان عن غيرهما من الصحابة، بل يمجدون في البعض المكروه في المذهب السني، كقاتل عمر. الأمثلة هذه تبين مدى التشويه الذي يلقنونه للطفل القادم من العدم، ويخلقان منه إرهابيا حاقدا، كارها للأخر المخالف، والذي يتحول إلى متطرف يعتبر أصدق مع ذاته وأخلص مع ما لقن من ثقافة وأفكار، بعكس الملقن الحامل للازدواجية النفسية والفكرية والذي ينتقده علنا ويؤيده سرا.
   
أليس هذا التهجم الممنهج والمركز على الأخر المخالف، هي التي تخلق البنية التحتية لجيل حاقد وتهيئ بيئة ملائمة لظهور المنظمات المتطرفة والإرهابية العنفية، كداعش وجبهة النصرة وبوكو حرام والقاعدة ومجموعات طالبان وغيرهم؟ وتعطيهم التبريرات الكلية لتطرفهم في الدين، وجرائمهم ضد الإنسانية؟ ألا يتحمل الخطيئة أمام البشرية المراكز الإسلامية والحكومات المحتضنة لها والمثقف المسلم الذي ينشر أفكاره وبحقد؟ أليس من العدل محاكمة هؤلاء مع المجرم الإرهابي؟ أليس من واجب العالم المتطور إلغاء هؤلاء المسؤولين من المجتمع أو حضهم وبقوة على تغيير مناهجهم؟
   فبقائهم  هي ديمومة الإرهابي والمنظمات المتطرفة، وسيستمر الإسلام الراديكالي، مادام هذا النبع يتدفق، فهم مصدر ذاك المسلم الليبرالي أو المدعي بالليبرالية  علنا والراديكالي ضمنا، ومغذي المثقف والشيخ والمرجعيات والمراكز الإسلامية والمساجد التي تلقن الخطب الحاقدة، وهؤلاء جميعا يجب أن ينحنوا أمام قبور الضحايا، وعائلاتهم ويعتذرون على ما فعلوه ويفعلونه، وإن لم يكن، فلا بد وأنه هناك إله كلي القدرة، وليس الإله البشري الذي يصفه كل مذهب بخاصية معينة ويعبدونه حسب رغباتهم البشرية لا الإرضاخات الإلهية،  وسيحاكمون أمامه بعدالة غير عدالتهم، وفتاويهم، وتكفيرهم. 
لقد حان لإزالة هؤلاء وإجبارهم على إعادة النظر في طرق نشرهم للدين الإسلامي والتعديل على مهاجمة البشرية  ومحاربة الأخرين من غير المسلمين.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…