القضية الكردية في ظل المتغيرات الاقليمية والدولية

عبدالباقي طاهر


القمع والاضطهاد والملاحقة كانت تلاحق الكرد أينما كانوا, وثمة مجازر وعمليات ابادة جماعية ( الجينوسايد ) شهدها الكرد خلال القرن العشرين المنصرم وما قبله , واتفاقات دولية كانت على حساب حقوق الكرد وجغرافيتهم التاريخية  الا أن القرن الذي شهد مآسي الكرد لم يودعهم قبل أن يمهد لتغيير باتت ملامحه تبدو في الأفق المنظور . 
في القرن الحادي والعشرين شهدت القضية الكردية تطوراً ملحوظاً والمنطقة مقبلة على تغييرات جذرية , وان كان من الصعب التكهن بمصير المنطقة وما يمكن أن تؤول اليه خلال السنوات القادمة , بسبب الأحداث المتسارعة والتغيرات الدراماتيكية على الساحة الدولية , الا أنه يمكن وفق دراسة الواقع السياسي تسجيل الملاحظات التالية :
 1 – الحدود السياسية للدول المتشكلة لم تعد بذلك التقديس منذ اصدار الأمم المتحدة قرار التدخل الانساني في الدول التي تخرق قوانين حقوق الانسان مع اختلاف أشكال التدخل بين منطقة و أخرى , واتفاقية سايكس بيكو التي جزأت الكرد و أرضهم بين دول كانت تتفق على معاداة الكرد و تطلعهم الى التحرر بالرغم من خلافاتها العميقة والجوهرية في حين قسمت المنطقة وفق مصالح الدول المتنفذة في السياسة الدولية ورسمت حدوداً اكتسبت درجة القدسية لدرجة أن محاولة المساس بها كانت تعتبر جريمة  بدأت أسسها الفولاذية تصدأ وتتآكل , وبدأت جدرانها الاسمنتية الصلبة تتصدع , حتى تكاد تتلاشى أو نحو ذلك , اذ لابد لها أن تسقط ان لم تكن قد سقطت فعلاً , وباعتبار الاتفاقية قد تمت بشكل رئيسي على حساب الشعب الكردي الذي عانى التجزئة والاضطهاد وسياسات القمع والتنكيل في ظل حكم البلدان التي اقتسمت أرض كردستان فيما بينها فان أي تغيير في واقعها يكون لصالح الشعب الكردي.فالمنطقة مقبلة على تغيير يلامس جغرافيتها وحدودها السياسية ما يفرض علينا التهيؤ والتحضير للتغيير القادم لا محال وتوفير مستلزمات ومتطلبات التطور والتأقلم مع الظروف بما يخدم قضيتنا القومية , وتأتي الوحدة القومية كأحد أهم العوامل الذاتية لإمكانية استثمار السياسة الدولية لمصلحتنا القومية , فبقدر وحدتنا نستطيع فرض ارادتنا وتحقيق مكاسب قومية .
 2 – الدول التي أنتجتها الاتفاقية لم تعد صالحة بشكلها الحالي لحماية الأمن الاقليمي والسلم العالمي وبالتالي أصبحت خطراً على مصالح الدول الكبرى ذات التأثير المباشر على السياسة الدولية أو أنها قد استهلكت بسبب أنظمة الحكم الشمولي التي ابتليت بها شعوبها , والظلم والجور والطغيان الذي بات العنوان الرئيسي لممارسات حكام تلك البلدان واضطهاد الشعوب والأقليات القومية والدينية والمذهبية لديها , ما أدى الى تفشي العنف و تنامي ظاهرة التطرف التي تهدد مستقبل العالم بأسره . ومن هنا يبدو أنه لم يعد بإمكان فئة واحدة أو قومية أو طائفية التفرد بالسلطة والقرار السياسي , وكل محاولة للاستفراد بالسلطة عن طريق العنف وتطويع الآخرين بالقوة لم تعد مجدياً وتكون هدراً للوقت والجهد وتزيد الوقت الضائع وعدد الضحايا فلابد من الشراكة الحقيقية والتعددية والتنوع الفكري والسياسي , وهذا يفرض علينا جميعاً الاتفاق على القواسم المشتركة . 
3 – أصبح الكرد رقماً صعباً في معادلات المنطقة ولم يعد بإمكان أحد التعدي عليهم أو حل خلافاتهم على حسابهم , ليس هذا فحسب بل يبدو أن دولة كردستان قادمة ولم تعد حلماً أو خيالاً جميلاً يراود الكرد بل باتت شبه حقيقة , واقليم كردستان العراق اذ يمارس حالياً دور دولة مستقلة في كثير من سياساته  الا أن دولة كردية يرفرف علمها فوق مباني الأمم المتحدة باتت أقرب الى الواقع , وان لم تكن في متناول اليد حالياً فأصبح اقليم كردستان ممثلاً بالرئيس مسعود البارزاني لاعباً سياسياً أساسياً في المنطقة , وأصبح شريكاً فعلياً في حل قضايا المنطقة وفي مقدمتها القضية الكردية في كافة أجزاء كردستان , ولعل ما يؤكد هذا الدور الذي يلعبه في حل القضية الكردية في تركيا وما يقوم به تجاه القضية الكردية في سوريا . وبكلمات مختصرة يمكن القول ان المشروع القومي الكردستاني التحرري الذي يحمل في جنباته معاني التسامح و التعايش و التنوع ويحمل لواءه الرئيس مسعود البارزاني يجد طريقه الى التنامي والتقدم على المستوى العالمي وهو المستقبل المشرق للأمة الكردية . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…