القاضي محمد ربيب الوجودِ الكورديّ

نارين عمر


في وصيّته الأخيرة إلى شعبه قال القاضي:

((…..نصيحتي لكم ووصيّتي إليكم أن تعلّموا أولادكم على أنّنا -نحن الكرد- لسنا أقلّ كفاءة وإمكانيّاتٍ عن الأمم والشّعوب الأخرى إلا بالعلم, شجّعوهم على طلب العلم, به نتخلّص من تخلّفنا. تعلّموا حتى لا تتأخّروا عن ركب التّقدم والتّعليم لأنّه السّلاح الحقيقيّ الوحيد بوجه العدو. ثقوا تماماً أنّكم لو اتفقتم واتحدتم وتعلّمتم, وكانت محبتكم ووحدتكم وتعليمكم بطرق سليمة وجيّدة سوف تتغلّبون على عدوّكم, ويجب ألا يخيفكم إعدامي مع إخوتي وأبناء عمومتي, وعليكم التّضحية بالمزيد من أمثالنا في سبيل هذا الهدف….)).
ثمّ يتابع مخاطباً:
((…. ربّما تساءلتم لمَ لم أنتصر؟  أقسم بالله عل أنّني منتصرٌ,  وأي نصر أعظم من هذا الذي أضحّي به روحي ومالي في سبيل الشّعب والأمّة والوطن؟ صدّقوني أنّني كنت أتمنّى أن أموت ميتة كهذه حيث أكون أمام الله ورسوله وشعبي وأمّتي مشرق الوجه ومرتاح الضّمير, وهذا هو النّصر الحقيقيّ بالنّسبة إليّ)).


ثمّ يختمُ بالقول:

((أحبّتي! كوردستان دارٌ وبيتٌ لكلّ كورديّ, فاذا كان بإمكان أيّ فردٍ أو عضو القيام بعمل ما, دعوه يعمل ولا تضعوا العراقيل والعقبات أمامه. لا تضيقوا ذرعاً إذا تسلّم أحدكم المسؤولية الكبرى, ضعوا ثقتكم فيه لأنّ أخاكم الكرديّ هو أفضل لكم من العدوّ الذي يحمل البغض والكراهيّة لكم في كلّ الأحوال. اعلموا جيّداً أنّه لو لم أتحمّل المسؤولية الكبرى لما وقفت الآن هذه الوقفة التاريخيّة وتحت أعواد المشنقة, لذلك لا يجوز أن يطغى عليكم الطّمع تجاه بعضكم البعض… الذين لم ينفذوا أوامرنا, لم يقتصر فعلهم على عدم التّنفيذ فحسب, بل كانوا يعادوننا كوننا اعتبرنا نفسنا خدماً للشّعب. هؤلاء ينامون الآن هانئين بنومهم في بيتهم وعند أطفالهم ولكنّنا وكوننا قرّرنا أن نكون خدماً لشعبنا نقف الآن تحت أعواد المشانق, ولو لم أحسن تحمّل المسؤوليّة الوطنيّة والقوميّة لكنت مثل غيري الآن غارقاً في النّوم العميق, ولكنّني رفضتُ ذلك….. هذه وصيّتي الأخيرة لكم, وهي من المهام التي أراها واقعة على عاتقي لكم…..عاش الشّعب وعاشت كوردستان)).
بهذه الكلمات, بهذه العبارات أراد القاضي محمد أن يرسمَ طريق خلاصٍ لكلّ كورديّ في كوردستان وفي كلّ أماكن تواجده. أراد لكلّ كورديّ أن يضع يده على قلبه, ويعمل وفقاً للعواطف التي ينطق بها كلّ نبضٍ يدغدغُ حسّه وشعوره, ويحصل منها على تعهّدٍ بالحبّ والودّ والأمان للأهل والدّار والأحبّة. أن يلامسَ خلايا فكره وذهنه, وينال منها على قَسَمٍ بالوفاءِ والإخلاص للأرض والتّرابِ والشّعب والمجتمع.
سعى من خلال وصيّته إلى قطف بعض ثمار تجربته في الحياة والمجتمع كإنسانٍ أوّلاً وقاضٍ ومتعلّم ومناضل وخادم للشّعب والوطن كما كان يودّ أن يسمّي نفسه بذلك- 
ركّزَ على مسألة التّعليم وأكّد عليها لكي نلحق بركب الحضارة, ونتخلّصَ من تخلّفنا. أكّدَ على مسألة الضّمير, الذي عدّه الباعث الأوفر حظّاً في جلبِ الرّاحة والطّمأنينة إلى النّفس والبال, بل في سلامته وصحوته يكمنُ النّصر الحقيقيّ للإنسان.
جعل من “كوردستان دار, بيت كلّ كورديّ حينها شبّه الكورد, كلّ الكوردِ بأفراد الأسرة الواحدة, العائلة الواحدة, ولا يحقّ لأحدٍ أن يضع العراقيل أمام الآخر, عليهم أن يعملوا ككلّ واحدٍ متماسكً, متعاضد لكي ينجزوا الوحدة الكبرى, الاتحاد المنشود للشّعب الكورديّ, للأمّة الكورديّة.
يدعو كلّ كورديّ أن يناضل ويقوم بواجبه تجاه شعبه وأمّته دون أن ينتظرَ ما يفعله الآخر حين يشير إلى أنّه لو لم يتحمّل هذه المسؤوليّة الكبيرة لما وقف هذه الوقفة التّاريخيّة وتحت أعوادِ المشنقة, ولو لم يحسن المسؤوليّة الوطنيّة والقوميّة لكان مثل غيره الآن نائماً في بيته.


وأخيراً يظلّ هذا التّنبيه يطرحُ نفسه:

بعد هذه السّنواتِ الطّويلة من عمر الوصيّة, لو كان القاضي حيّاً يُرْزَق أما كان سيكتب وصيّة أخرى مثلها بل أكثرَ شدّةً وحدّة؟؟!!
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…