بركان الموصل

توفيق عبد المجيد
 
البركان المدمر الذي تعرض له العراق ، وخرجت حممه ومقذوفاته من فوهة الموصل التي كانت محتقنة أصلاً وقابلة للانفجار في أي وقت ،  غيّر الكثير من المعادلات ، ووضع العراق برمته أمام واقع جديد من الصعب تجاوزه أو إهماله ، أو القفز فوقه .

لن أطيل كثيراً في الحديث بل سأكتفي بالتركيز على المكون الكوردي الذي وصل به الأمر إلى حد القطيعة مع مركز المالكي ، الذي أوصل الأمور إلى هذه المواصيل ، ووضع العراق برمته في عنق الزجاجة ، ناهيكم عن كل الشعب العراقي الذي عانى الأمرين من تلك السياسة الشمولية الإقصائية الإهمالية ، ليجد الكرد انفسهم أمام واقع جديد طال ترقبهم له ، لكنه جاءهم على طبق من ذهب ، فما المطلوب من القيادة الكوردستانية ؟
في مقالة سابقة عنونتها بـ ” كل الأنظار باتجاه أربيل ” قصدت منها ، بل وتوقعت أن تكون أربيل الملتقى لمعظم الأنشطة الدبلوماسية والمحاولات التي ستبذل أو بذلت للخروج بالعراق من هذه الأزمة المستعصية التي تفتح الباب لشتى الاحتمالات قد لا ترضي غيرنا كما ترضينا نحن كشعب كوردي ليس تشفياً من أحد ولا انتقاماً من العراق الذي لا يسعدنا الرقص فوق مآسيه ، ويوماً بعد يوم يتوضح المشهد العراقي ، وتبدو الصورة الضبابية أكثر وضوحاً ، ومن خلالها يتوقع المرء سيناريوهات عدة لمخرجات هذا الواقع الذي فرض نفسه بقوة على الساحة ، وما هو المنحى الذي تمر به هذه الأحداث لتبلغ مآلات الأمور الأخيرة .
ما أتوقعه من القيادة الكوردستانية هو المزيد من الحيطة والحذر ، والتصرف بحكمة وعقلانية اشتهروا بها ، وهي نابعة من استيعاب المشهد وتفهمه ، والبعد كل البعد عن الشعارات الارتجالية والمواقف المبنية على ردود الأفعال ، والنأي بالنفس عن الفتنة المذهبية التي تجد لها أرضاً خصبة ومناخاً ملائماً في العراق ، والاكتفاء بالحفاظ على الأرض الكوردستانية التاريخية ، وعدم التمدد خارجها مع التركيز على التنسيق مع كل الأطراف بشكل متواصل وبالأخص منها الأطراف المعروفة باعتدالها ، والابتعاد عن الوقوع في فخ القومويين الشوفينيين الذين هدفهم تحويل مجريات الأحداث إلى صراع عربي كردي أو كردي مذهبي ، والتعامل مع المكون السني على قاعدة أنه ليس الحليف الاستراتيجي ، وعدم الوثوق به والركون إليه لأن الأخوة السنة – وهم في محنتهم هذه التي لا يحسدون عليها – لم يتخذوا بعد الموقف الذي كان من المفروض أن يتخذوه وهو الانسحاب من الوزارة بعد انسحاب الوزراء الكورد .
ما يقلقني جداً في هذه العجالة ، وهذه المرحلة التاريخية المواتية للكورد لتحقيق حلمهم وإعلان دولتهم ، أو الاتفاق مع المركز على الصيغة المستقبلية التي ترضيهم ، هو المساعي المحمومة التي ستبذلها جهات كثيرة وكلها معادية للكرد للإيقاع بهم وجرهم إلى فتنة داخلية هدفها تضييع الحق الكوردي مرة أخرى ، لكنني على ثقة تامة أن كل القيادات الكردية وبدون استثناء تدرك هذه المكيدة ولن تسمح لأعداء الكورد والمتربصين بهم شراً أن يحققوا أغراضهم الخبيثة ، وسينتصر الشعب الكوردي ويقيم دولته الحلم التي طال انتظار الملايين الكردية لها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استنبول

13/7/2014

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…