قراءة في أحداث كوباني

توفيق عبد المجيد *

مشهد آخر من التراجيديا الكوردية التي
توالت فصولها على مر التاريخ ليضاف إلى جملة المآسي التي شهدها الكورد في القرنين
، الماضي والحالي كانت شنكال مسرحها بعد الأحداث الفاجعة والفظيعة التي مورست
 فيها مختلف أنواع القمع والبطش والتنكيل ، مشهد آخر يطل بوجهه الدموي مرة
أخرى ، لكن هذه المرة في مدينة كوباني التي عرّبها البعث الشوفيني إلى ” عين
العرب ” ليؤكد لنا الداعشيون والمتعاونون معهم  أن حملة البطش مازالت
مستمرة وهي مرشحة للمزيد من التصعيد إذا استمرت هذه المجموعات في زحفها على
المنطقة دون أن تردعها قوة أخرى – أعتقد أن غيابها عن المشهد لن يطول – لتكون
النتائج الكارثية  الناتجة  والناجمة عنها والمخلفة على الأرض المزيد من
الضحايا الأبرياء ، وهم يتركون كل شيء ، ويتدفقون على الحدود التركية بعشرات
الآلاف طلباً للأمان . 
لقد باءت
بالفشل أهداف ومخططات تلك الحملة الوحشية على شنكال المنكوبة من قبل العصابات
الداعشية ، وخلفت وراءها جراحات عميقة ، وعميقة جداً لا يمكن أن تندمل في وقت قصير
، كما يستحيل على الذاكرة الكوردية أن تمحوها من تعاريجها بسهولة ، واختيرت هذه
المدينة ذي الخصوصية المتميزة  لتكون مسرحاً لتنفيذ تلك الجريمة ، لعدة أسباب
يأتي في المقدمة منها – ربما – كونها الخاصرة الرخوة التي تمتاز ببعدها الجغرافي
عن الإقليم ، ويعزلها عنه حزام من قرى غير مشكوك في موقف سكانها السلبي واللاودي
من الإقليم والكورد  ومن ثم لتكون سنجار الساحة التي منها توجه رسائل التهديد
والوعيد إلى القيادة الكوردستانية . 
أما المشهد
المستحدث والمستجد ، والذي تكرر ، لكن ساحته هذه المرة ” كوباني ” فهو
متمم لما حدث في شنكال ويأتي في نطاق ضرورة توجيه ضربة للشعب الكوردي في سوريا في
مكان ما ومدينة يتفق عليها ، فاختيرت كوباني لنفس الأسباب مع الأخذ بعين الاعتبار
المستجدات التي طرأت على الموقف الدولي ، والضرورة الملحة للبحث عن لاعبين جدد في
الميدان ليبسطوا سيطرتهم على المحرر من الأرض ، ومحاولة تلك المجموعات التي تدعي الدفاع
عن كوباني أثبات وإظهار جهوزيتها واستعدادها لتكون القوة الميدانية المعتمدة لدى
التحالف الدولي ،   
ولا أبوح بسر إذا قلت إن المستهدف من
تلك العمليات الإجرامية أولاً وأخيراً هو إقليم كوردستان العراق لكي يستدرج إلى
معارك بعيدة عن ساحته الجغرافية وثقله العسكري ، ولم يكن  
مستعداً لها
، بل فرضت عليه ، أما
الجهة التي تبنت مسؤولية الدفاع عن كوباني وغيرها من القرى التابعة لها فهي أولا
وأخيراً وحدات حماية الشعب لأنها وحدها المسؤولة عن حماية الكانتونات التي شكلتها
، وسيفشل هذا المخطط كسابقه بفضل الدفاع المستميت من قبل سكان كوباني المشهود لهم
بالشجاعة التي يعرفها الجميع ، واستبسالهم واستماتتهم في الدفاع عنها وعن القرى
التابعة لها ، والتي يقرها ويعرفها الجميع ، ولن ينجح الغزاة في تفريغ المنطقة من
سكانها الكورد ، لكن الخسائر ستكون فادحة ، والضحايا كثر ، ولن يدوم
هذا الواقع المفروض على الأرض كثيراً لأن المعادلة السياسية والعسكرية في طريقها
إلى التغير ، وستنقلب الطاولة على رؤوس أصحاب المخطط  والمخططين ، وستبرز على
الساحة الكوردية وربما السورية أطراف أخرى مرحب بظهورها 
20/9/2014 

* قيادي في الحزب
الديمقراطي الكوردستاني
سوريا   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…