ابراهيم محمود
من المعروف للمعني بالشأن السياسي تحديداً أن ليس هناك من نموذج ثابت للديمقراطية، إنما نماذج، بمعنى أن هناك ديمقراطيات شتى في العالم بأممه وشعوبه، وهذا التنوع يرتبط بخصوصيات كل شعب أو أمة، ومن البداهة القول بأن العالم مميَّز بأحزابه، وعلى سبيل المثال ففي أميركا يوجد الحزبان المعروفان: الديمقراطي والجمهوري ” ولا بد أن الجمهوري ديمقراطي معين إنما على طريقته، والديمقراطي جمهوري معين بدوره إنما على طريقته “، وفي انكلترا، يوجد الحزبان المعروفان: العمال والمحافظين، ولكل منهما نسبة من الآخر، وسمّيت هاتين الدولتين لأهميتهما في موضوعنا، لأصل إلى ” زبدة ” الموضوع، إذا كان له ” زبدة ” وأعني بذلك، كما يعرف الفطين الكردي: أحزابنا الكردية، والكُرد، كما أعتقد ، أصحاب فطنة لا بطنة، وأستثني من هذا التنسيب من لم يشب بعد عن طوق البطنة أو حقيقة الواقع الكردي المخضوض.
وأكتفي في مقالي هذا بالحديث عن أحزابنا الكردية في ” روجآفا ” : العبارة المروَّجة منذ عدة سنوات ربما كردياً، تجاوباً مع معلوماتي القليلة جداً، ولكيلا أضيّع نفسي الموسوسة، ومن خلال متابعتي الاضطرارية للحوار الأخوي، كما هو معلَن عنه، بين مجموعة ” مجموعة فقط ” من أحزابنا الكردية الرئيسة تلك ” في إحدى القاعات الكبرى في أوتيل دهوكي مرفَّه في إقليم كردستان العراق، حوار مضى عليه أكثر من أربعة أيام، منذ ثلاثائه 14 تشرين الأول 2014، حوار غني ودسم ومنوع ومؤثر بالتأكيد كما هو الأوتيل المذكور بقاعته التي تملأ واجهة شاشة التلفزيون وأضوائه وممراته وأسانسوره وغرف نومه المريحة جداً و: طعامه المدهش…الخ المتناسب مع أهمية الحوار وفحوى انعقاد جلسته، ويبدو أن الحوار سيستمر ولا بد أن يستمر لأنه يتعلق بمصير أمة تبحث عن نفسها، مصير شعب كأي شعب، سوى أنه مختلف تماماً، كما أشرت منذ البداية بديمقراطيته التي لا بد أن تكون لها علامة فارقة خاصة. ولأوضح قليلاً:
لدى كل شعوب الأرض تقريباً” أقول تقريباً استناداً إلى معلوماتي المتوافرة والمحدودة ! ” ثمة أحزاب مسماة، معروفة، ومحدودة أيضاً لتحسن التفاهم فيما بينها سريعاً في القضايا المصيرية والحاسمة كما في الانتخابات وتمثيل الشعب في مجالات مختلفة. وهذه بداهة! سوى أن لكل قاعدة شواذ، أو استثناء، واستثناء القاعدة هنا يسمّي الكرد ممن يصعب أحياناً حصر أحزابهم، حيث يصعب مجدداً من يمكنه الزعم بأن حزبه يتميز بحضور عددي أكثر من سواه وأكثر فاعلية، حيث يبرز زعيمه أو رئيسه أو سكرتيره قائلاً: لا أحد يستطيع تجاوز الآخر، ولا بد أن يكون الآخر هو بالذات، ولعل حضور هذا الكم العددي الكبير والمدهش من الذين حضروا إلى دهوك ودخلوا سباق المسافات الطويلة من روجآفا بالغ الدلالة جهة التأكيد على بدعة هذه الديمقراطية الكردية الروجآفية بامتياز، وحكمتها العددية.
لقد اكتشفت مؤخراً، وبعد أن استهلكت، أو استهلكني العمر المديد نسبياً، أن مواليدي تترافق مع ميلاد أول حزب كردي في سوريا ” 1957 “، وأن الانقسامات والانشقاقات التي تعرضتُ لها، وأهوال الواقع وآلامه ومخاضات العيش لا تنفصل عن الانقسامات والانشقاقات والمصاعب التي تعرض لها الحزب الكردي الأول، ليكون لدينا، وخاصة في الآونة الأخيرة، ما يصعب أحياناً حصره من الأحزاب، مقارنة بالشعب الكردي في سوريا أكثر من أي مجموعة بشرية في أي جهة في العالم، ومع فارق لا بد من تأكيده وتنويره، وهو أن انقساماتي وانشقاقات العلوية والسفلية وأهوالي اقتصرت علي، إلا في تلك الحالات من الشكوى إزاء ما يجري، في شظف العيش، والعزلة المتصاعدة ذاتياً وبيئياً، بينما الأحزاب، فقد أفصحت عن قابليتها للتحدي: الحزب حزبان والحزبان ثلاثة وأربعة وخمسة، وهكذا ، وبمبدأ المتوالية الهندسية انتشرت أحزاب كردية في جهات روجآفا، وصار في وسع كل حزب أن يسمي من يتكلم باسمه، ويسمّي لسان حاله وقواعده وهيئاته، ويكون له جمهوره، وليس في وسع أي حزب تجاهل الآخر، تأكيداً على فرادة هذه الديمقراطية، فالزعيم الحزبي الكردي الذي كان يحيل إليه الحزب بكامل طاقمه المنتشر أرضياً حتى الأمس القريب، وهو الوحيد الأوحد، كان من شأنه تتالي سلسلة الولادات لأحزاب كردية، ليبرز زعماء، ويظهر ذاك الذي كان يجلس أمام زعيمه، كما المريد إزاء شبخه، زعيماً بدوره بعد أن انشق عنه ” أعني شقَّه “، لتكون له ” شقة ” حزبية “، ويصبح زعيماً، وهو معترف به، نداً للذي كان شيخاً رغماً عنه، ولنشهد هذا الكم المنتشر من الزعماء/ الشيوخ، الوجهاء الجدد وليكون بالمقابل المريدون والدعاة، وفي ضوء الواقع، لا بد أن هناك مريدين ودعاة يخططون من جهتهم ليصبحوا كما كان ” أسلافهم الأوَل ” في الأمس القريب، لتحقيق فضيلة لم أفطن إليها إلا بعد انصرام العمر، تتمثل في التالي:
سيكتشف العالم الجاحد ممن ينكر وجود شعب كردي أو أمة كردية، أو يستخف به حضوراً وعدداً، أنه موجود حضوراً نوعياً وكمياً، قياساً إلى أحزابه هو، إذ إن رؤية هذا الكم اللافت من الزعماء أو ممثلي الأحزاب الكردية، ومن قبل هذا العالم المذكور، لا بد أن تصدمه ليعترف على الأقل بينه وبين نفسه زيف دعواه ووهم اعتقاده، وأن الجاري في الأوتيل المذكور أبلغ شاهد على ملايين الكرد المؤلفة في روجآفا وحدها فما بالك بـ” روج ” الأخرى، وفي الجهتين الأخريين، وفي روجآفا الخبر اليقين، وأن المتابعة المكشوفة للدائر والصائر ” وليس الحائر ” في قاعة الأوتيل الكبرى تُري صاحبها غنى الموضوعات المتناسبة مع شعب كبير وعريق في التاريخ، حيث تداعى الزعماء الوجهاء الشيوخ السادة طبعاً.
اكتشفت في الوقت الضائع من عمري ضعف حيلتي وضحالة فطنتي لأنني لم أعرف مدى وجاهة أن تكون حزبياً وكردياً، لأن ما أدركته وبعد فوات الأوان، أن أصغر حزبي كردي أفضل من أكبر من ليس حزبياً فناناً أو كاتباً مهما علا مقداره، ويشرّفه من ” ساسو لراسو “، وثمة قاعدة شعبية تشهد على ذلك، وخصوصاً في الفترة الأخيرة في ظل انفجار الأوضاع في سوريا إذ لم يشب الحزبي الكردي الروجآفاوي عن طوق المحلية الروجآفاوية فحسب وإنما عن طوق الإقليمية الكردية لنشهد صورته وكلامه المتلفزين في أقاليم مجاورة وأبعد، ويصبح محسوداً، وبموازاة الحزبية، وهذا ما يجب ذكْره لضرورة الحالة، ثمة من ” شغَّل ” فطنته، فصار أو صير ائتلافياً، أو ناشطاً حقوقياً أو منسقاً إعلامياً أو شبابياً في مجال أفرزته المستجداته، لتنفتح الممرات والمسالك أمامه إلى الجهات الأربع، مع تأمين على حياته وحياة أهله وربما أكثر من ذلك، وثمة من استدرك في الوقت الضائع ربما ما لم يتنبه إليه إذ قدَّم أوراق اعتماده إلى جامعة حزب ما مميَّز بالدسم، ليتمكن من حرية التصرف والتحرك والتأمين على حياته في الظروف الصعبة جداً، وفات كل ذلك من اعتبر البقاء خارج الحزبية والائتلافية وما يرادفهما من براعة الأوربة والأمركة ومعادلهما، فضيلة اعتبارية بالمقابل، وأن الحياة لن تضيق به، ولعلّي من بين هؤلاء الذين أغفلوا هذا الجانب النافذ، وكاعتراف لا بد منه، لأصفّي على الحديدة ” باردة جداً أو ساخنة جداً ومسننة ” وأنا أتابع رغم كل الآلام المبرحة ما يجري من قبل زعماء/ قادة/ سادة/ شيوخ/ وجهاء/ سكرتارية نجوميين كرد من القاعة الأوتيلية الكبرى ووجوههم الكاميراتية المتلفزة، وتردد ما يمكن أن يقول: نبشّر شعبنا الكردي بأننا حققنا ما نريده..أرأيتم ماذا تفعل الديمقراطية على الطريقة الكردية .. انتظروا تروا المزيد …!