د. محمود عباس
مؤامرة بشرية ومن نسيج أفكار طغاة وسلطات شمولية يريدون الشر للكرد، وهم أحفاد حكومات صارعوا بعضهم على مر التاريخ، واتفقوا على كل ما يتصل بالكرد وقضيتهم القومية والوطنية.
المؤامرة ليست بمطلق إلهي، وما دامت في إطار الإنسان فالمستهدف قادر على إيجاد طرق للقضاء عليها، والكرد إذا كانوا على قدر الوعي والمسؤولية الوطنية وتمكنوا من دراسة البيئة التي نبتت منها هذه الخطة، وبالشراكة الكلية، من الممكن أفشالها وتغيير المسار التاريخي المراد تعميره حسب نزعات عنصرية، خاصة وأن هذه السلطات الشمولية التي تريد الشر للكرد يندرجون ضمن خانة أعداء شعوبهم، وهم منبوذون من شرائح غير قليلة ضمن شعوبهم، ومن الناس الوطنيون الشرفاء الذين يؤمنون بالإخوة ويقدرون حق الشعوب في تقرير مصيرها، وبينهم أقلام وأصوات وسياسيين ساندوا ويساندون الكرد في محنتهم والتي كثيرا ما تندرج ضمن محنة الشعوب المعانية من طغاتها، ويؤيدون مطالب الكرد.
مؤامرة مشتركة فيها الدول المستعمرة لكردستان مع دول مجاورة لها مصالح استراتيجية اقتصادية وسياسية وقرابة قومية. والأسباب تبدأ بالنزعة العنصرية، وثقافة إلغاء الأخر، الكردي بشكل خاص، وتنتهي إلى رؤية مستقبلية ترعبهم، وهي ظهور كردستان ديمقراطية ذات بنية اقتصادية متينة، ستحتل الصدارة في العديد من المجالات، بين دول الشرق ومع العالم الديمقراطي.
الخطة المرعبة ستنجح، إذا استمر الكرد على النهج المسار عليه، وبقيت الانتماءات الحزبية، والارتباطات مع أجندات الدول المشتركة في المؤامرة، وسيبلغ الأعداء إلى هدفهم، إذا لم يتمكن الكرد من الاستعجال في بناء جبهة كردستانية لمواجهتهم، وبقيت الخلافات الحزبية مسيطرة، وأصر الكل على ترسيخ ثقافة الانتماء للحزب لا إلى الوطن، وبقي التقديس لأنصاف الألهة لا إلى كردستان.
ولا شك أن الظروف السياسية الدولية الحاضرة، تبين أن ظهور هذه المؤامرة، والتي هي إعادة أحياء لمؤامرات سابقة جرت في التاريخ بحق الكرد ومن قبل الطغاة المتشابهة فكرا وثقافة وسياسة، رغم الاختلافات الزمنية الطويلة بينهم، فهي نتيجة لانتصارات قوى الظلام في المنطقة، ومن ضمنهم السلطات الشمولية والتي لا تزال تجد البيئة والبنية الملائمة لاستمراريتها، والتي فرخت تيارات ظلامية وتكفيرية وفاشية تشترك جميعها في ثقافة الإجرام والشر. وميزان القوى الدولية لا تزال مرجحة لكفهم، والكرد يقعون في المعادلة الخاسرة حتى الأن، حتى ولو كانت أطراف تريد إيجاد مركز قدم لذاتها في الطرف المقابل، متناسين أن ثقافة ذاك الطرف ومصالحهم لا تترك مجالا للوجود الكردي، فحتى الأعداء الذين هم في الجبهة الاستراتيجية الرافضة للطغيان، تنتقل إلى الطرف الأخر عند حضور القضية الكردية، وبالعكس، لهذا فالتشرذم الكردي بين معسكرين لن تؤدي سوى إلى ضياع مع التاريخ القادم، وسيبقون على نفس المصير الذي يسيرون عليه ومنذ قرون، والمطلوب هو الطرف الثالث الكردستاني والبحث عن المصالح الدولية الكبرى التي يمكن أدراج المصلحة الكردية ضمنها، أي التلاؤم مع مصالح الدول الكبرى، نعم المكيافيلية، التي يستخدمها الأعداء بكل أبعادها.
المذكور مطالب رددها كل كردي، وكتب عنها كل مثقف وسياسي، ولم يطبقها إلا القلة القليلة جدا من الكرد الذين لم يكن لهم قدرة على تغيير مسيرة. مع ذلك سيبقى من واجب كل إنسان وطني ترديدها إلى أن ترضخ تلك القوى الكردية والكردستانية لها.
1- تأجيل الخلافات الرئيسة، وخاصة تلك المتعلقة بالارتباطات الاستراتيجية مع الدول الإقليمية، أصحاب المؤامرة، وبشكل خاص إيران وتركيا والسلطة السورية.
البعض يود إلغاؤها، وهي ليست سهلة بعد مسيرة طويلة من السخرة لهؤلاء الأسياد وعلى مدى عقود، لهذا ليكن التخلي بالتدرج، لكن عليهم إظهار البدء بها.
2- بما أن المؤامرة وضعت غرب كردستان ومدينة كوباني بشكل خاص كبوابة للدخول إلى كلية كردستان، فيتطلب من القوى الكردية في غرب كردستان حمل عبء المواجهة والدفاع، وهم المعنيون بالاتفاق بين بعضهم وتأجيل الخلافات، وبناء التالي:
· قوة عسكرية مشتركة كردستانية لا تنتمي إلى الأحزاب، حتى ولو كانت في البداية منفصلة بعض الشيء لكن الهدف يجب أن يكون واحداً، ولابد بعدها من ظهور قيادة مشتركة. وإذا أصرت أل ب ي د على سيطرتها ستبقى مذنبة ومدانة أمام التاريخ والشعب الكردي. حدث مثل هذا في مسيرات التاريخ كثيرا، قوات مختلفة الانتماءات، لكن عندما يكون الهدف واحد، تزول الخلافات.
· الشراكة السياسية والإدارية في المنطقة، وإلغاء الفوقية وتصغير الأخر، فالقوة المتواجدة وضعف الآخر ظهرت جراء ظروف استثنائية، وقد تزول بزوال الظروف، وعليه يتطلب قبول بعضهم بالسوية الحاضرة، وستكون حتما على حساب قطع علاقات مع الدول الإقليمية المسيطرة على قرارات الأحزاب.
· العمل معا على عرض القضية الكردستانية في المحافل الدولية.
3- بما أن الاجتماع الجاري الأن في هولير بين أحزاب غرب كردستان، نطالبهم بالاتفاق على مراحل الدفاع، وعدم الخروج ببيان شكلي لخداع الشعب الكردي، بل يجب أن تلحق البنود خطوات فعلية عملية على الساحة، وهي تبدأ بظهور قوات دفاعية مشتركة في غرب كردستان وفي شوارع كوباني أو على أطرافها بالتحديد، وبأسرع وقت.
4- كردستانيا، نطالب الأحزاب الكردستانية، ونقصد الديمقراطي، والاتحاد بتفرعاته، والعمال الكردستاني، التحرر من الانتماءات الإقليمية الدولية والذاتية الحزبية، والعمل على جعل القرارات الرئيسة صادرة من المصالحة الوطنية الكردستانية، وعدم الاستئثار بالمصالح الحزبية أو الجبهات الحزبية، فلا القنديل بإمكانها خلق كردستان دون الأخرين ولا هولير تملك تلك الإمكانات منفردة رغم موارها وتدرجها في العلاقات الدولية، ومهما بدى النجاح فستبقى آنية، وبدون شراكة كردستانية فستكون ضعيفة وسهلة تدميرها بمؤامرة كالتي تجرى الأن على كردستان.
5- كردستانيا ثانية، المتطلبات اشمل وأعمق، وهي التي لها تأثير على غرب كردستان وغيرها وأحزابهم التابعة، والكلام موجه بالتحديد إلى هولير وقنديل وسليمانية، كأحزاب، الذين لهم سطوة مادية وسياسية، ولا نعني أنهم يملكون رؤية سياسية أو عمقاً ثقافيا أفضل من الأطراف الكردستانية الأخرى، بل ومن هذا المنطلق أنهم مطالبون في إشراك الإخوة الأخرين في القرارات والرؤى السياسية الكردستانية، والمطلوب فعلها الأن وليس غداً.
6- مطالبون بنقل العلاقات السياسية والحزبية مع الأطراف الكردية من الذاتية إلى المنطق الكردستاني الوطني. ومثلها أثناء إقامة علاقات دولية، يجب أن تبنى من الرؤية الكردستانية لا الإقليمية، وإشراك القوى الكردية الأخرى في العمليات الدبلوماسية حتى ولو كانوا كمراقبين.
7- عقد اتفاقية دفاع مشترك بين أطراف كردستان عامة، وإظهارها للعالم، على بنية أمة واحدة، وتاريخ واحد، وأن الوجود الحاضر المجزء وجود استعماري مرفوض، ومبني على رؤية عنصرية استعمارية لم يقدر بناؤها إرادة الشعب الكردي ووجوده كشعب مثل غيره من الشعوب الموجودة في المنطقة. قد يقول البعض إنها مواجهة خطيرة وستضر بالكرد، فلا أظن أن الكرد سيتضررون أكثر ما هم فيه الأن، حيث المؤامرة التي تطبق بنودها اليوم على أرض الواقع. ونتوقع أن الشرفاء من الشعوب المجاورة سيتقبلونها كما يتقبلون تغيير السطات الشمولية في المنطقة، والعنصريون سيرفضون الوجود الكردي مهما قدم لهم من تنازلات.
8- عمليا، هناك أبواب دولية شبه مشرعة للكرد، وتحتاج إلى الاتفاق على كلمة سواء، والاستقبال سيكون ليس للذات الكردية بل لأن المصالح ستلتقي، والمطلوب هو عرض ذاتنا كقوة ثالثة، وباتفاق على نقاط مشتركة، تبدأ بإيقاف الحرب الإعلامية، وعدم تخوين الآخر، وتقبلهم ككردي ووطني، وتجاوز منطق الصراعات الحزبية معا وفي المحافل الدولية.
9- الكرد كطرف ثالث، هو المطلوب وطنياً في الظروف الجارية، وقوميا في القادم من الزمن، وسيقودون بها الثورة الحقيقية، وسيجابهون العدوين التاريخيين، الأول هم السلطات الشمولية، وهنا سيشترك معهم في الصراع المعارضات الصادقة والوطنية لإسقاط الحكومات الفاسدة، والثاني هم التيارات الظلامية والأشرار من التكفيريين، وفي هذه سيجدون قوى واعية وطنية ودول كبرى مساندة لصراعهم.
المؤامرة متشكلة من جبهة واسعة، أصحابها يملكون أمكانيات اقتصادية ضخمة وسياسية إقليمية ودولية واسعة، ولمجابهتها، نحتاج إلى خلق قوة ذاتية كردية قوميا، وجبهة إقليمية وطنية مع الشعوب الأخرى، ويتطلب تأجيل جميع الخلافات، والتركيز معا على خلق جبهة وطنية مع الشرفاء من الشعوب المجاورة والوصول إلى أروقة الدول الكبرى السياسية والدبلوماسية لإحداث التغيير المطلوب.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية