لماذا «كوباني» دون غيرها؟

جان كورد

لايزال عدد كبير من السياسيين، ضمن صفوف المعارضة السورية ومن بين الناشطين الكورد، والعديد من الصحافيين، يتساءلون: -لماذا هذا الاهتمام الكبير بما يجري في مدينة كوباني الحدودية التي ليست إلا منطقة تابعة لمدينة حلب، وفي سوريا كلها معارك ساخنة ومجازر متتالية، يقوم بها النظام ومرتزقته، الذي فقد اتصاله بالحياة البشرية، كما تقوم بها المنظمات المتطرّفة التي لا تؤمن بحقوق الإنسان أصلاً. 
والإجابة عن هذا السؤال بأن المدينة كوردية، والكورد مدعومون من قبل الأمريكان وحلفائهم لا تكفي، فالوقائع التاريخية تثبت بأن الكورد تعرضوا مراراً إلى حملات إبادة كبيرة وواسعة فلم يساعدهم أحد في العالم، فعندما حرر الغربيون مع حلفائهم العرب دولة الكويت من الغزو العراقي سمح الأمريكان لصدام حسين استخدام حواماته لقصف المدن الكوردية المنتفضة بوحشية لا توصف.
كما لم يفعل أحد شيئا، لا من مسلمين ولا من مسيحيين ولا من يهود، عندما تم قصف مدينة حلبجة بالغازات الكيميائية وراح ضحيتها آلاف المدنيين الكورد… كما تعرضت مدينة كوباني  و لا تزال إلى هجمات متواصلة أمام أعين جيش تركيا الذي يعتبر أحد أقوى جيوش حلف الناتو، فلم يحرك جيش الناتو هذا ساكناً.  
وحقيقةً هناك الآن تعاون وتنسيق بين الكورد والولايات المتحدة في مواجهة إرهاب “تنظيم الدولة الإسلامية” بدافع الاهتمام المشترك والمصلحة المشتركة في وقف هذا التنظيم عند حده، وذلك طبيعي لأن التحالفات العسكرية والسياسية والاقتصادية واردة في كل مراحل التاريخ بين القوى والدول، وحتى بين الأعداء كما جرى أثناء الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء الغربيين والاتحاد السوفييتي، أو كما استعان العرب بالمستعمرين البريطانيين للاستقلال عن الدولة العثمانية المريضة، منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى.
من وجهة نظر القادة العسكريين الذين يخططون لداعش وغيره، وهم بعثيون من قيادات الجيش الصدامي المنحل ومن الجيش السوري الذي تعرض إلى انهيارات شديدة، فإن كوباني ليست مجرد منطقة غير أساسية في محافظة حلب التي يتنافس للاستيلاء عليها الإسلاميون فيما بينهم ويتعارك فيها وعليها الجيش السوري الحر والجيش النظامي مع مرتزقته من حزب الله والقوى الأخرى الداعمة له، بل تشكل كوباني إحدى أهم فقرات المنطقة الكوردية الثلاث (الجزيرة، كوباني، جبل الأكراد “كورداغ”) في شمال البلاد، وبالاستيلاء عليها يمكن تحقيق عدة مكاسب معاً، منها:
بالهجوم على كوباني التي – حسبما كان يظن المخططون للهجوم– ستكون سهلة المنال كأي منطقة أو ناحية من نواحي سوريا، لعدم وجود قوات عسكرية ضخمة فيها، يمكن تعزيز معنويات مقاتلي تنظيم الدولة الذي يتلقى ضرباتٍ جوية موجعة في كل المنطقة الواقعة بين كوباني والعاصمة العراقية بغداد. كما يمكن تبديد مساعي القوى الكوردية (البيشمركه) والجيش العراقي على أطراف الموصل التي ستتعرض إلى الهجوم عليها قريباً.
في حال سقوط كوباني أمام ضربات تنظيم الدولة ستصبح حدود “دولة الخلافة” متاخمة لتركيا العضو في حلف الناتو، وبذلك يمكن ارغامها على العمل مع هذه الدولة أو الدخول معها في حرب، والحاضن الإسلامي الواسع في تركيا سيخلق مشاكل جمة للحكومة التي تزعم أنها قائمة على أسس إسلامية، والوصول إلى هذه الحدود سيؤمن لتنظيم الدولة باباً واسعاً للاتصال بالعالم الخارجي تأتي من خلاله المساعدات الضرورية وتنفذ منه الجماعات الإسلامية القادمة من شتى أنحاء العالم وتريد العمل مع الدولة وفيها، ويمكن تسويق البترول من خلال البوابة الحدودية، وما إلى هناك من منافع كثيرة.
إن سقوط كوباني سيمهد الطريق لغزو منطقتي الجزيرة الشمالية في شرق البلاد وجبل الأكراد (عفرين) في غربها، وهذا يعني إحداث هجرة مليونية من الكورد صوب تركيا، تحدث فزعاً كبيراً وترغم تركيا على إحداث منطقة عازلة تسرح فيها قواتها العسكرية داخل الأراضي السورية من الحدود العراقية شرقاً إلى حدود هاتاي (لواء إسكندرون) غرباً، وبذلك يتم إحداث شرخ واسع بين العرب والترك، وتزداد الأمور في سوريا تعقيدا بحيث تطور “دولة الخلافة نفسها” في ظل التعقيد والفوضى، كما يصطاد الصيادون المراوغون في الماء العكر.
من خلال السيطرة على الجزيرة يمكن لتنظيم الدولة الضغط على إقليم جنوب كوردستان، من خاصرته وفتح جبهة قتالية جديدة ضده، وبالتالي إرهاق قوات البيشمركه التي تقاتل الآن على جبهة طويلة جدا. كما يمكن باحتلال جبل الأكراد (كورداغ) في الشمال الغربي من سوريا تعزيز المواقع القتالية في (جبل الأكراد الثاني) الذي يقع بالقرب من رأس البسيط. 
لذا، فإن اتخاذ قرار من قبل قيادة إقليم جنوب كوردستان بمساعدة الإخوة الكورد في منطقة كوباني ومدينة كوباني لم يكن قرارا عاطفياً وغير مدروس، والأهداف من إرسال البيشمركه عديدة، منها قبل كل شيء:
منع تنظيم الدولة من فتح جبهة قتالية على الإقليم من ناحية الجزيرة السورية التي ستسقط بسرعة بسقوط كوباني
منع حدوث هجرة مليونية شاملة للشعب الكوردي من غرب كوردستان، إذ تم إخلاء منطقة كوباني خوفاً من قيام تنظيم الدولة بمذابح واسعة ضد المدنيين فيها.  
عدم السماح لهذا التنظيم الخطير من القضاء على روح المقاومة لدى الشعب الكوردي
إضافة إلى أسباب أخرى تطرقنا إلى بعضها في مقالنا السابق عن إرسال البيشمركه من جنوب كوردستان إلى غربها….

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…