فدوى درويش
السبي كما الاسترقاق والمتاجرة بالبشرمن الأفعال المنافية للقيم الإنسانية والعالم المتحضر إنه إهانة لكرامة المرأة و عمل لا أخلاقي، هو لفظ خارج لغة عصر الحرية والمساواة، و فعل يعيد البشرية إلى عصور الهمجية واللإنسانية. في الوقت الذي كان سبي النساء عرفاً متوارثاً في العصورالقديمة تمارسها الأمم والقبائل المتصارعة أثناء الحروب والغزوات فيما بينها وخاصة في شرقنا، جاء الإسلام ليجعله مقنناً بالشريعة كونه وردت في القرآن آيات تجيز السبي وقد تشدق بها المسلمون كتطبيق لشرع الله كما يدعون ومورست كأبشع انتهاك لحقوق البشرعبر التاريخ الإسلامي.
وها هو يخرج من جديد من مستنقعات التاريخ ليهين كرامة المرأة وإنسانيتها ويوشم العالم المتحضر بوصمة عار في القرن الواحد والعشرين. في مقارنة لرد الفعل العالمي على هذه الممارسة والتي قامت بها الجماعتان الإرهابيتان داعش وبوكو حرام الإسلاميتان، لفتني إزدواجية الموقف العالمي أمام نفس الفعل.
لقد لقيت حادثة اختطاف جماعة بوكو حرام الإسلامية المتشددة في 14 نيسان 2014 لأكثر من مئتي فتاة إثر اقتحامها لمدرسة في إحدى القرى في نيجيريا، إهتماماً وتعاطفاً وتضامناً عالمياً كبيراً على مستوى الدول والمنظمات والشخصيات، ابتداءً من الحكومة النيجيرية التي أعربت عن استعدادها للتفاوض مع جماعة بوكو حرام للإفراج عن الفتيات. و قامت حملات تضامن حققت أكثر من مليون مشاركة في يوم واحد كحملة (هاشتاغ) و(اعيدوا فتياتنا) التي شاركت فيها سيدة أمريكا الأولى ميشيل أوباما والكثير من المشاهير كالأفغانية مالالا يوسف زاي والممثلة انجيلينا جولي مما زاد عدد المتضامنين مع الحملة. وخرج آلاف الأشخاص في مسيرات بعدة مدن عالمية للمطالبة ببذل المزيد من الجهد للعثور عليهن.
وعلى المستوى الدولي أرسلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والصين فرقاً من الخبراء للمشاركة في البحث. وقامت طائرات استطلاع أمريكية بطلعات فوق نيجيريا بحثاً عن الفتيات. لقد انشغلت معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية بهذه القضية. لأنها تعتبر انتهاك صارخاً لحقوق الإنسان وجريمة ضد الإنسانية، فقد أثارت موجة غضب عارمة وإدانات دولية وإسلامية حيث أصدرت كل من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومنظمة التعاون الإسلامي بياناً واعتبرته عملا إجرامياً لا يمت للإسلام بصلة (يجدر بالذكر أن الفتيات وباعترافهن لم تتعرضن لمعاملة سيئة من قبل جماعة بوكو حرام).
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تلقى جريمة سبي أكثر من 600 إمرأة إيزيدية وعرضهن للبيع في أسواق النخاسة إثر الغزوة البربرية لتنظيم الدولة الإسلامية داعش لشنكال في آب 2014 هذا الإهتمام الدولي؟ فقد نشرت معلومات عن عرض داعش لمجموعة من النساء الإيزيديات في مدينة الرقة السورية للبيع. لماذا مرت هذه الجريمة التي تعيد الإنسانية إلى عصور الهمجية ولم تثر حفيظة العالم ومنظمات المجتمع المدني وخاصة منظمات حقوق المرأة وحقوق الانسان بالقدر الكافي.
لماذا صمت الإعلام العربي والعالمي وخاصة الكردي عن إثارة معاناة هؤلاء النسوة وعائلاتهن التي مازالت مستمرة وتجر المزيد نتيجة تعرضهن للإغتصاب والإنتحار ولأزمات نفسية تفقدهن الأمل بإمكانية التواصل مع المجتمع من جديد.
لماذا صمتت الدولة العراقية ولم تتخذ أي إجراء أو محاولة لإنقاذهن من براثن الوحشية الداعشية أين حكومة الإقليم ووزارة حقوق الإنسان وشؤون المرأة من متابعة القضية والبحث في إمكانية تحريرهن أين منظمات المجتمع المدني الكردية ؟
لحد الآن لاتوجد إحصائية دقيقة لعدد النساء والأطفال المخطوفين ولا أماكن وجودهن وبالتالي تتبع عملية نقلهن إلى عدة مدن في سوريا والعراق كالرقة وحلب والموصل لبيعهن بأثمان منخفضة لا تتجاوز 200 دولار عن كل إمرأة.
لماذا صمت علماء المسلمين والمنظمات الإسلامية عن استنكار هذه الجريمة البشعة التي اقترفت باسم الإسلام، لابل باركها بعض الشيوخ بفتاوى وتصريحات في وسائل التواصل الاجتماعي كما قال عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة علماء السعودية صالح الفوزان في تغريدة على التويتر:” الإسلام لم يحرم سبي النساء ومن يقول بتحريم السبي جاهل وملحد”. و” إن سبي النساء الإيزيديات حلال”.
إنها فضيحة العصر أن يكتفي دعاة حقوق الإنسان وحقوق المرأة فقط بمراقبة هذا الجريمة البربرية وفي أحسن الأحوال إدانتها ببيان. إنها مسؤولية كل مثقف وكل إعلامي وكل منظمة مجتمع مدني وكل جهة حكومية للعمل بشتى الوسائل لتحرير هؤلاء النسوة من تلك الطغمة المستجلبة من قاع التاريخ، وإعادتهن إلى الحياة. إننا جميعاً معنيون بحماية الإنسانية مادمنا نملك ضميراً حياً.