ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السيد دى ميستورا الباحث عن السلام في سوريا لا يتقدّم خطوةً واحدة إلى الأمام، مثلما فشل سلفه الاوّل كوفي عنان وسلفه الآخر الأخضر الإبراهيمي، المعروفان كدبلوماسيين من الطراز الأوّل عالمياً، فكلاهما تقدّما بالاستقالة، على الرغم من إصرار كل الأطراف الدولية على ضرورة إيجاد حل سياسي بتعاون دولي جيد، وهذا البحث سيكون أطول من نبش كومة كبيرة من التبن لإيجاد دبوس صغير بينه، ما لم يبدأ السوريون أنفسهم في تمهيد الطريق ووضع خارطةٍ له حتى ينقذوا ما تبقّى من سوريا المنكوبة وشعبها المشرّد، وإعادة الملايين من أبنائهم وبناتهم من مخيمات اللجوء في شتى أنحاء الدول المجاورة، بعد أن كانت سوريا ملاذاً للاجئي تلك البلدان عقوداً من الزمن.
يصعب جداً إقناع السوريين بأن وطنهم الجريح هذا، بعد كل ما جرى ويجري على الساحات السورية، سيخرج من غرف الإنعاش ومن تحت ركام المباني المنهارة وزنزانات التعذيب وأقفاص السجون، وسينطلق مواطنوه يداً بيد لإعادة إعماره وترميم سياساته وبناء اقتصاده المنهار والتعاون فيما بينهم لإيقاد مشاعل تنير لهم الطريق صوب المستقبل وطي صفحات الفترة العصيبة التي مرّت عليهم جميعاً. ولكن هل هناك حل في أجواء استمرار القتال الذي لا يستطيع به أحد دحر الآخرين تماماً والسيطرة على الأوضاع والقيام لوحده برصف الطريق للشعب السوري؟ وهل سيقدر نظام الأسد على إحراز النصر على الجيش السوري الحر والإسلاميين المتطرفين؟ وهو الذي كان يعد الشعب السوري بالقضاء عليهم خلال أسبوعين أو ثلاثة فقط؟ إلا أنه يحارب حول دمشق العاصمة، ويستولي الإسلاميون لمتشددون على مطاراته العسكرية وثكناته، وبخاصة في جنوب البلاد ووسطها؟ أم أن الجيش السوري الحر سيتمكن من إلحاق الهزيمة بالنظام وبالتنظيمات الإسلامية الأقوى منه عدة وعتاداً؟ فالأوضاع في المحافظات الشمالية تحكي عكس ذلك، بل نرى أوساطاً إقليمية ودولية تخاف من سقوط حلب في أيادي الإرهابيين والنظام وانسحاب الجيش السوري الحر منها، وما حدث لحملة الساحل معروف لا حاجة للحديث عنه. وما المعارك التي لم تحسم في “طروادة كوردستان” مدينة كوباني في الشمال السوري إلا صورة من صور عدم القدرة على الحسم والانتصار النهائي لأي طرفٍ كان على الأطراف الأخرى.
بعد قراءةٍ متأنية للخارطة العسكرية والسياسية السورية، توصلنا إلى قناعةٍ تامة بأن لا بديل عن الكفاح السلمي من أجل السلام في سوريا، فالكل مرهقون والكل صاروا ضعفاء والجراح بليغة والخسائر عظيمة والبيت السوري منهار. وعليه فإن البحث عن السلام يقتضي بعض التضحيات الجسيمة أيضاً من قبل كل الأطراف السورية، ولا يعني ذلك إحداث الخلل في جهةٍ دون أخرى، وإنما إزالة العوائق التي في طريق السلام الذي صار مطلباً شعبياً عاماً من قبل كل السوريين الذين يريدون العودة إلى مواطنهم رغم كل المصاعب.
لقد وضعنا مشروعاً للسلام، يمكن القول عنه بأنه “خارطة طريق” تتألف من 4 مراحل.
وقف القتال وتحديد مهلة للبدء في عملية السلام والموافقة على الجهة الراعية للسلام
تحديد الأطراف الموافقة على وقف القتال من السوريين والدول الإقليمية المنخرطة في الصراع بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وكذلك الجهات الدولية الداعمة لأطرافٍ معينة في الصراع كجهات مستعدة للحوار وتقديم مشاريعها الخطية الواضحة إلى الجهة الراعية للسلام
البدء بالاجتماعات التي يجب تقييدها بجدول زمني واضح وبوضع أولوياتها، وفي مقدمة ذلك: إمكانات عودة اللاجئين السوريين إلى مناطق آمنة غير مسلحة من قبل أي طرف وتحت رعاية دولية صارمة.
وضع خطة مشتركة لإعادة الإعمار وإنقاذ البلاد من كارثة اقتصادية مدمرة وبناء البيت السياسي المشترك لكل السوريين بكل متطلباته الدستورية والقانونية.
من أجل تحقيق هذه البنود لابد من إلقاء الضوء عليها لفتح الباب أمام السوريين من أجل الدخول في نقاش جادٍ ومثمرٍ حولها.
وقف القتال من دون القيام بعملٍ ما لا يجدي ولا يحقق هدفاً، ولذلك يجب تحديد مهلة للبدء في عملية السلام، دون شروطٍ مسبقة من أي طرفٍ كان، فوضع الشروط إعاقة للسلام ومضيعة للوقت الذي تراق فيه دماء المواطنين وتهدّم بيوتهم وتدمّر مؤسساتهم الوطنية وتخرّب أسس حياتهم. وهذه المهلة يجب أن يتم تحديدها باتفاق بين أولّ طرفين يقدمان على وقف القتال من بين الأطراف المتحاربة في البلاد. كما يتم التفاهم بينهما حول الجهة الراعية للسلام المأمول: الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو الاتحاد الأوربي.
طبعاً، يمكن دعوة كلٍ من المملكة العربية السعودية وإيران، ودول أخرى في المنطقة في حال تخلّص بعضها من الحساسيات التي قد تكون عوائق لحضور هذه الجهة أو تلك، ولكن الأساس الذي يجب بناء الحوار من أجل السلام عليه يجب أن يبقى السوريون أنفسهم وألا يتحوّل أي اجتماعٍ أو مؤتمرٍ هدفه السلام في سوريا إلى مؤتمرٍ لحل التناقضات الكثيرة في الشرق الأوسط كله. لذا من الأفضل لتلك الجهات الساعية إلى استغلال مآسي السوريين لخوض حروبهم الجانبية أن لا يحضروا الجهود التي ستضر بالسوريين ولن تنفعهم. بل على السوريين رفض الدخول في أي نقاشٍ يبدد انتباههم ويحيل أنظارهم عن قضيتهم الأساسية التي هي: وضع حجر الأساس من أجل سلام لكل السوريين.
على كل الأطراف الطامحة إلى مساعدة هذا الشعب بإخلاص أن تتقدم بمشاريعها خطياً وبوضوح لا لبس فيه، ونشر تلك المشاريع في الإعلام قبل حضور المؤتمر، ليتمكن الشعب السوري من الضغط على الأطراف المتحاربة على أرض بلاده، وليتمكن المجتمع الدولي من الضغط على حكومات الدول المساهمة بشكلٍ أو بآخر في الأزمة السورية.
إن أهم المشاكل التي يتفق كل السوريين على ضرورة حلها قبل أي مشكلة أخرى، ليس مشكلة السلطة السياسية في البلاد، حيث لا يمكن لأي سلطة الاستمرار ووضع برنامج مالم يكن الشعب موجوداً، فإن ملايين السوريين لاجئين، وبدون عودتهم إلى بلادهم لن تستطيع أي سلطة سياسة بناء شيءٍ مفيد للشعب السوري الذي هدفه الأوّل اليوم ليس انتخاب رئيسٍ وإنما الأمن والغذاء والاستقرار ووجود سقفٍ يحمي تحته الأطفال والجرحى والعاجزين والمنكوبين. ومسألة العودة الشاملة للسوريين تتطلّب وجود منطقة سورية واسعة كبداية صحيحة للاستقرار والأمن في بلادهم، وتكون تحت إشراف دولي – إقليمي – سوري مشترك ولذا يجب أن تكون النقطة الأولى في الجدول الزمني للاجتماعات والنقاشات، وقبل الخوض في موضوعات مثل من يتحمل مسؤولية كل ما جرى ويجري في سوريا، ومن يجب تقديمه لمحاكمات، ومن يجب إخراجه من سوريا من القادمين للقتال فيها، سواءً من المدافعين عن الشعب السوري أو عن أطرافٍ سورية محددة دون غيرها. ووضع مناطق معينة آمنة ومجردة من السلاح في سوريا لإيواء اللاجئين السوريين يجب ألا يكون تحت مظلة دولة معينة، وإنما بإشراف دولي وتحت أمرة الأمين العام للأمم المتحدة بالذات.
في الاجتماعات التي لها جدول زمني يجب التركيز على تخفيف وطأة هذه الحرب المدمّرة على سكان البلاد واللاجئين، كما يجب مناقشة وضع المليشيات غير السورية المساهمة في الحرب وكيفية إعادة المقاتلين الأجانب إلى بلادهم لأن وجودهم يساهم في توسيع الشرخ بين السوريين وجلب للبلاد الدمار مع الأسف عوضاً عن مساعدة الشعب السوري للتخلص من أزمته الخانقة.