هل وجوه المعارضة السورية ستعلن فشلها ؟

د. محمد محمود 

لابد ان يوجهوا كلمة لابناء سوريا و يقولون : 
عذرا لكم في هذه المرحلة فشلنا ….. و سبب الفشل ان هناك من اراد قطف الثمار قبل نضجه .
قبل الحديث عن اسباب فشل المعارضة في ادارةالمرحلة الراهنة بعد الثورة المباركة التي طالبت بالحرية و الكرامة لابد من الوقوف على جزء بسيط مما خلق النظام في سوريا بعد الاستلاء على الحكم بقوة النار و السلاح و حول سوريا من دولة مدنية الى دولة  المخابرات و البوليس العسكري ، و بنى النظام على انتاج اليأس بالجملة و تعميمه على السوريين و عبر ما لا يحصى من المقرات الامنية الرهيبة ، و عبر جيش مهول من المخبرين ، و عبر افساد الضمائر و تخريب الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و الاخلاقية ، و عبر الافقار المتسع النطاق ،
بالاضافة الى فتح الابواب بعد 2000 بشكل علني للنظام الملالي في ايران و بث ثقافة ولاية الفقيه  من خلال تشييع  المجتمع السوري عبرالحسينيات و الحوزات العلمية ، بعد ان وسع نطاق الافقار ، و حبس السوريين ضمن دائرة من التشاؤم من أنفسهم و اليأس من تغيير أحوالهم ، و من تقرير مصيرهم  مجتمعا و افرادا ، و كانت عبارات مثل ( سورية الاسد ) و ( الاسد الى الابد ) و ( الاسد او لا احد ) و( الاسد او نحرق البلد ) اعلانات صريحة لعموم السوريين بحيثوا يرضون ان يبقوا عبيدا سياسيا لحاكميهم ، و لا يتطلعوا أبدا الى ان يكونوا احرار مثلهم او مساوين لهم . 
و لكن انطلق السوريين من خلال المظاهرات السلمية لكسر ( جدار الخوف ) هذا الجدار الذي كان صنعه النظام على الشعب و كان سورا مرتفعا يمنع تسرب الامل الى الرعايا اليائسين المحاصرين داخله ، و لكن السوريين عرفوا لصنع الامل لابد من الشجاعة ، شجاعة الارادة و القلب . 
و لكن الشعب بعد الثورة خرج من القمقم الذي اصابه بكل الامراض و الاوبئة الاجتماعية و السياسية و الثقافية و الاجتماعية التي مورست بحقه من قبل النظام اربع عقود ، و بعد كسر الجدار و فتح الابواب على الغرفة المغلقة ظهرت كل التعفنات على السطح ، و كل سوري حاول ان يجعل من نفسه الحاكم الناهي الموروث من النظام و فكربطريقته الخاصة و عدم تقبل الاخر ، و ان كل واحد يمتلك الحقيقة المطلقة ، 
لذلك فانه عند دراسة اسباب فشل المعارضة في اداء المهام الملقاة على عاتقها و التي اسست اصلا للقيام بها سواء على الصعيد السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي او الاغاثي او العسكري كانت لا بد من الاشارة الى بعض ما مورس النظام بحق الشعب ، و هذه الاسباب يطول و يحتاج الى مجلدات كثيرة بسبب تعدد هذه الاسباب و تعقيدها و تضارب المصالح  الدولية و الاقليمية و الحزبية و الفئوية داخل المعارضة ذاتها . 
و لم تسمح النظام بممارسة السياسة في سوريا من خلال العمل المؤسساتي العلني و حول السياسة الى مجرد دعاية سياسية للافراد او مجموعات بشكل سري و بعد كسر جدار الخوف غالبيةالسوريين يتخبطون في التشكيلات السياسية فنجد شخص في اربع او خمس كتل اوحزب سياسي و اغلب قيادات الكتل السياسية تمارس انتهازية سياسية على شعبها و الذي ساعد على هذه الانتهازية في بعض هذه الكتل و الاحزاب هو مجموعة من العوامل : 
-عدم وضوح الخط السياسي للحزب ، فهو ينقلب بين عشية و ضحايا الى الموقف النقيض .
-الانفصام بين الممارسة العملية و المواقف العملية و النظرية ، فترى الحزب و الحالة هذه يتمايل يمينا و يسارا في مواقفه العملية ، يؤشر الى اليسار و يذهب الى اليمين . 
-العجز القيادي او الانحراف النظري الايديولوجي للقيادات فمواقف الحزب او الكتلة  لا يلبي طموحات و مصالح الشعبية بل يسير عكس الاتجاه ، لذا فمن الطبيعي و الحالة هذه ان تندثر مثل هذه الاحزاب و الا تمثل شيئا ذا قيمة في مجرى التاريخ ، و قد تكون عقبة أمام تطور شعوبها و لحاقها بالمجرى الحضاري و الانساني ،و تقف امام تقدم شعوبها بالمعنى  التكنولوجي ، مثل هذه الاحزاب لا تكونو لا تشكل أكثر من ورقة في مهب الريح .
لذا فان الائتلاف المعارضة السورية انبثقت من هذه الكتل بالاضافة الى كتل اخرى كانت تمارس السياسة بشكل سري او في الخارج ، فلم يرقى الائتلاف بعد الى كونه مؤسسة سياسية تمثل شريحة واسعة من الشعب السوري و انما لا يزال عبارة عن مجموعة من الاشخاص او كتل يعملون في شركة خاصة ( دكانة ) يعمل كل واحد منهم بحسب ما تقتضيه مصالحه الشخصية او مصالح حزبه على أبعد تقدير بعيدا عن المصلحة العليا الوطنية او القومية او الشعب و الثورة ، و انما يعملون لاجندات دولية و اقليمية ، لذا نجد ان الانخفاض في مستوى الاداء السياسي للائتلاف نابع من انخفاض المستوى السياسي لاعضائه لان جل هؤلاء لم يسبق لهم العمل في مواقع سياسية او دبلوماسية او مواقع لها صلة بكيفية اتخاذ القرار السياسي .
ولابد من الوقوف بشكل ضروري و تقييم العمل المؤسساتي للمعارضة السورية ، ووضع دستور و قانون داخل هذه المؤسسة و ان تكون هناك رقابة حقيقية  تحدد مهامها و ايجاد خريطة الطريق واضحة و شفافة . 
و تجمع كل الدراسات و الابحاث العلمية و اراء السياسيين و المحللين ان هذه الامراض قد تمكنت من جسد النظام الاسدي و اذنت بانهياره ، الا ان فشل المعارضة  في توفير بديل سياسي ناضج يدرا عن دول الجوار مخاطر الانفلات الامني قد اخر ذلك السقوط . 
و من هنا لابد من مراجعة و تقييم عمل مؤسسات المعارضة و العمل من خلال النقد و النقد الذاتي  البناء بعيدا عن عقلية الاقصاء و التهميش و امتلاك الحقيقة المطلقة . و اجندات الدولية و الاقليمية و التركيزعلى المحاور التالية : 
-استرداد القرار السياسي الوطني و القومي 
-توحيد الجهود لمحاربة جبهة الفساد و الافساد من النظام و رموزه وكذلك كل من تسلقوا على الثورة من تجار الدم و اللصوص و الانتهازيين 
-التركيزعلى اسقاط النظام بكافة رموزه  و مؤسساته الامنية . 
-الاهتمام بالجرحى و المصابين و المرضى وتقديم كافة الخدمات الطبية و الانسانية . 
-الاعتناء بالمواطنين الذين فقدوا كل شيء بفقدانهم بيوتهم و مصادر رزقهم و تحولوا في لحظة قاسية بالنسبة اليهم الى مشردين و لاجيئين ومحتاجين . 
وحين تدير المعارضة السورية ظهرها لهذه الامور فلا تقل قساوة من مجلس الامن و المجتمع الدولي .
ان اي هدر للوقت و الجهد و المال في سبل أخرى قبل تغطية هذه الاولويات ، و الوفاء باستحقاقاتها سيكون – مهما تكن أهميته  – نوعا من الترف او الفتنازيا التي يعني الانشغال به – الانشغال بالنافلة عن الفريضة – .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…