مواجهة داعش… كرديا

فارس
عثمان
   

 بداية
لابد من الاقرار بان الحركة السياسية الكردية في سورية – رغم ضعف الإمكانات المادية،
وظروف العمل السياسي السرية، والملاحقة الأمنية – لعبت دورا رئيسياً في نشر سياسة
وثقافة الانفتاح وتقبل الآخر مع جميع مكونات الشعب السوري، وساهمت بشكل فعال في
التقارب بين مكونات المناطق الكردية من خلال العلاقات السياسية والاجتماعية التي
تعود جذورها إلى فترة ما قبل تأسيس الدولة السورية الحديثة .
  ومن جهة أخرى يحسب لها وبامتياز في عدم
ظهور تيارات أو أحزاب دينية كردية بحتة بين الكرد ” عدا شريحة قليلة جداً
ومحددة انتمت إلى حركة الاخوان المسلمين “، لذلك لم يكن هناك أي حاضنة
للتيارات الدينية المتطرفة في المناطق الكردية رغم المد الإسلامي في المنطقة، وبقيت
المناطق الكردية في سورية إلى حدٍ ما بمنأى عن بقعة الزيت هذه. وحافظ الكرد على
تسامحهم الديني وتقبلهم للآخر. وكان ذلك لافتاً لجميع المراقبين المحليين
والعالميين.

والنقطة
الاخرى التي تحسب للحركة الكردية هي تمسكها بشعار سلمية الثورة السورية منذ
انطلاقتها ورفض تسليحها ، تحت أي شعار كان لأن ذلك سوف يدفع إلى لجوء النظام إلى
كل الوسائل لتحويل الثورة عن مسارها وهذا ما تم إلى حدٍ كبير. 

 
واليوم
بعد تمدد التيار الديني المتشدد والمتطرف في
سوريا والمنطقة ، وتهديد المناطق الكردية في راس العين وكوباني وريف قامشلو وحتى
في كردستان العراق ، وبعيداً عن الشعارات والخطابات الحماسية والرغبة في تحقيق مكاسب
حزبية آنية. توصل غالبية الكرد إلى أن مواجهة هذه الكائنات المتوحشة التي تنشر الموت
والدمار، والتصدي لها والحيلولة دون انتشارها وخلاياها السرطانية في المنطقة الكردية،
تكمن في إجراءات وخطوات عملية وفي مقدمتها وحدة الصف الكردي ونبذ الخلافات والصراعات
الحزبية الآنية والضيقة، والتركيز على مصالح وأهداف وحقوق الشعب الكردي، الذي يتطلع
إلى تحقيق مكاسب واستحقاقات مثله مثل بقية ابناء الشعب السوري. لأن الخصم والعدو
أي النظام والتيارات الدينية المتطرفة سيستغلون الخلاف الكردي وسيلجؤون إلى شق
وحدة الصف بكل السبل والوسائل الممكنة . لتحقيق أهدافهم وغاياتهم.  
 

ولتحيق
ذلك لا بد من توحيد
الخطاب السياسي الكردي والاتفاق على أهداف ومبادئ محددة ” كالفيدرالية أو
الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية ” لأن أي غياب لماهية المطالب الكردية وفي
ظل هذا التسارع الدولي والمتغيرات الدراماتيكية في المنطقة سيؤدي إلى ضياع حقوق
الكرد كما حصل ذلك في فترات تاريخية سابقة. لذلك على المجلس الوطني الكردي في
سوريا ومجلس شعب غربي كردستان التوصل إلى رؤية مشتركة وواضحة حول مطالب وحقوق الشعب
الكردي في سورية ، وصياغتها بشكل دقيق وعلمي لتكون جاهزة للنقاش والحوار ، لا أن
ننتظر الطرف الآخر وساعة الاستحقاقات لنجتمع ونناقش ماهية مطالبنا وحقوقنا. 

 
والخطوة
الثالثة تكمن في التواصل مع مكونات الشعب
السوري المختلفة ” عرب ، آشوريين ، أرمن ، تركمان …” وخاصة أن هذا
التواصل له أرضية جيدة لتبديد بعض الأوهام وربما المخاوف لديهم عن الكرد الذين يطالبون
بـ ((تقسيم سوريا وتأسيس دولة كردية)) ، لأنه بدون إقرار هؤلاء واعترافهم بحقوق
الشعب الكردي لا يمكن تحقيق أي مكاسب حقيقية.

وهناك
نقطة أخرى لا بد من الاقرار بها ألا وهي ضرورة وجود دعم ومساندة كردستانية للحركة
الكردية في سوريا ، لأن ذلك سيساعد على خلق نوع من الثقة بالنفس ، ويدفع الطرف
الآخر إلى اخذ البعد القومي الكردستاني بالحسبان. 

 
نحن
خلال هذه الفترة بحاجة ماسة إلى وسائل إعلام
متنوعة وهادئة وهادفة موجهة للكرد وشركائهم، تنقل وتنشر وتحلل الأحداث والوقائع
بواقعية بعيداً عن الفكر الشوفيني المتعصب الذي لا يقبل إلا بما يراه، لأن تقبل
الآخر والتواصل معه هي حالة نفسية وثقافية، قبل أن تكون حالة اجتماعية واقتصادية
تفرضها الظروف والواقع، وفي هذا المجال ورغم ثورة المعلوماتية وكثرة وسائل الإعلام
الكردية إلا أننا لم نوفق في هذه النقطة، فالإعلام الكردي مع الأسف غير موجه
للمكونات الأخرى كشركاء في المصير، فهو حتى الآن غارق في الحزبية، و كل وسيلة موجهة
لشريحتها أو لجمهورها الخاص، مستخدمة شعارات وعبارات بعيدة كل البعد عن كل القيم
الصحافية والإعلامية. 
 
ومن
هنا يأتي نداء الأستاذ عبد الحميد درويش
بالدعوة إلى لقاء تشاوري كردي وكردستاني كمدخل للوقوف على واقع الشعب الكردي في
سوريا وربما الواقع والعلاقات الكردستانية- الكردستانية، لمواجهة الإرهاب وكافة
امتداداته وفي المقدمة تنظيم داعش الارهابي، وكذلك إعادة ترتيب البيت الكردي
وتجاوز الخلافات التي يستغلها أعداء الشعب الكردي لتمرير أجنداهم ومخططاتهم
والقضاء على المكتسبات التي حققها الكرد بنضالهم الدؤوب لأكثر من نصف قرن.

    

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…