مسيحيو العراق و أزيدييه

عريب الرنتاوي

 

 لم يدور بخلد أكثرنا تشاؤماً، أن الاجتماع الموسع لمسيحيي العراق
الذي نظمه مركز القدس للدراسات السياسية في السابع من حزيران الفائت في عاصمة
إقليم كردستان، أن هذا اللقاء، ربما يكون الأخير من نوعه وموضوعه وجدول أعمالها…
فما هي إلا ساعات قليلة، حتى كانت قوات “داعش” تجتاح الموصل، وتقضي –
حتى إشعار أخر على الأقل – على آخر أمل للمسيحيين في استرداد حقوقهم وحفظ وجودهم. 
 
حين هبطت بنا طائرة الملكية الأردنية في أربيل، بدا أننا ندلف
عتبات دولة مستقلة ومستقرة … المطار يعج بالحركة، والطريق إلى الفندق آمن
تماماً، الشوارع نظيفة ومضاءة، وحركة الإعمار النشطة، لا تخطئها عيون الزائرين،
حتى قبل أن يشرعوا في جولاتهم الاستشكافية.
لكن المشهد بدا مغايراً، في طريق العودة إلى عمان، كان القلق قد
بدأ يتسرب وينتشر في الإقليم، مع توارد الأنباء عن حشود داعشية ومحاولات تعرض
لمدينة سامراء ومرقدي الإماميين العسكريين … نشرت قيادة الإقليم أكثر من خمسة
آلاف مقاتل من البيشمركة على امتداد حدود الإقليم مع العراق … وزعت الحواجز
العسكرية على طول طريق المطار، وبالذات حول منطقة عينكاوة، ذات الغالبية المسيحية.   
 

في الاجتماع المذكور، لم يكن يخطر ببال أكثرنا
تشاؤماً، أن مسيحيي هذه البلاد، سيواجهون واحدة من أخطر كوارث التهجير والتقتيل
والإذلال، التي يمكن لأسوأ العقول البشرية أن تخطط لها … جُل ما خطر ببال
مشاركينا، وهم ممثلون لمختلف المدارس والكنائس المسيحية، فضلاً عن ممثلين لتيارات
سياسية عراقية وازنة، جل ما خطر ببال مشاركينا، هو الاعتراف بالهوية الدينية –
القومية لمسيحيي العراق (المشرقيين)، وضمان حصولهم على ملاذ آمن في محافظة جديدة
يجري ترسيمها في سهل نينوى، يلوذون بها هم وبعض الأقليات الأخرى التي تبدو هدفاً
جاذباً للجماعات التكفيرية والإرهابية.

 

 

وأحسب، أنني شخصياً، وبعد المشاركة في عشرات
المؤتمرات الإقليمية والدولية، لم أر مؤتمراً من النوع الذي نتحدث، وقد تبخرت
نتائجه بالكامل، بعد ساعات قليلة من انفضاضه، حتى أن موضوعات البحث وجدول الأعمال،
باتت خارج التاريخ والجغرافيا، مع أننا كنا شديدي التفاؤل في إمكانية بناء توافق
وطني عراقي حول مطالب مسيحيي العراق، وأحسب أن تفاؤلنا كان مستنداً إلى مواقف
المكونات العراقية الرئيسة، من دون احتساب لمفاجأة داعش، التي استولت على ما يقرب
من نصف مساحة العراق، قبل أن نصل إلى بيوتنا ونعيد “تعليق” النظيف من
ملابسنا.

  

خيارات داعش للتعامل مع المسيحيين، معروفة
تماماً … الإسلام أو الجزية عن يد وهم صاغرون، وإلا فالسيف وتقطيع الأعناق
والأوصال، مصادرة الأموال والنساء إلى غير ما هنالك من ثقافة متخلفة.

 

 

اليوم، وبعد مرور شهرين فقط على ذاك المؤتمر،
يواجه الأزيديون وضعاً أسوأ وأكثر كارثية، مما واجهه إخوانهم المسيحيون … هؤلاء
ليسوا من أهل الكتاب، وهم في نظر داعش، من عبدة الشيطان، كفار ومشركون، ويعبدون من
دون الله آلهة لهم … هؤلاء تتقلص خياراتهم الداعشية إلى خيارين اثنين فقط: إما
الإسلام وإما السيف … لذا رأيناهم يفرون زرافات ووحدانا أمام طوفان داعش،
ويتسلقون جبال سنجار، مفضلين الموت جوعاً وعطشاً على الموت بسيوف المجاهدين، الذين
أفتت قيادتهم بجواز سبي نساؤهم ومصادرة ممتلكاتهم وتقتيل رجالهم، دع عنك تهديم
بيوتهم ومعابدهم. 

 والمؤسف حقاً، أن كل هذه الكوارث التي تحيق
بالعراق وتتهدد مستقبل مواطنيه، تجري في الوقت الذي يتلهى فيه المسؤولون في بغداد
بلعبة اقتسام السلطة والثروة … فالسيد المالكي يصر على ولاية ثالثة، حتى وإن
كانت نتيجتها تحويل العراق إلى ثلاثة دويلات فاشلة ومصطرعة، وخسرانه أقلياته
التاريخية المؤسسة لنهضة وحضارة ما بين الرافدين … المؤسف أن حرب داعش على
العراق، وأقلياته بشكل خاص، لم تحرك فينا ما يكفي من مشاعر التضامن، لم تحرك
“جامعتنا” العربية أو نظامنا العربي الرسمي، لكأننا أقوام فقدت القدرة
على الإحساس بالكرامة والمسؤولية.
 ———- 
 مركز القدس للدراسات السياسية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…