وبناءً على هذا الشعار قام بشار الأسد بأبشع المجازر، مستخدما الأسلحة المحرمة دوليا ومنها الكيميائية، وبقيت المعارضة على النهج نفسه، خوفا من الأوائل الذين رفعوا الشعار الخاطئ، والتي كان سببا لما آل إليه الوطن حاليا، من حيث الدمار والقتل والتشريد والتهجير، وظهور التيارات التكفيرية وتوسعت تلك التي دعمتها السلطة على مرأى من المعارضة والقوى الدولية دون أن تتمكن من الاعتراض أو التدخل لحلها، لأن الشعار ساعد على تقسيم القوى الإقليمية بينهم وبين السلطة، وهو الشعار الذي ركزت عليها السلطة بذاتها وتمسكت به بقوة في كل المحافل الدولية، والطرفين كانوا يدركون أنهم يتقاطعون في زاوية، فاستخدمت السلطة خدعة المزاودة الوطنية في هذا الشعار، ومرقت تكتيكها، على المعارضة بكل أطيافها، بتجنيب القوى الكبرى، لأن تدخلهم كان سيؤدي ببشار الأسد إلى مصير مشابه لمصير معمر القذافي، مرقت الخطة على بعضهم لانتهازيتهم والبعض لجهالتهم، والبعض كانوا أدوات للنظام وكانوا يرددون رغبات السلطة.
مقابل ذلك كانت المعارضة السورية، السياسية والعسكرية تطالب بالأسلحة والأموال، ورغم الشعار المذكور، لم تتوانى معظم الدول الكبرى من تقديم الأسلحة والمعونات المادية، فحدث الكثير من التجاوزات، ونحن لسنا بصددها، بل ما حدث من جهة الأسلحة، بعضها فرزت إلى القوى المتطرفة، وخاصة النصرة التي كانت في بداياتها مجموعة تابعة لداعش، أو بالأحرى كان فرعها في سوريا، وكانت في بعدها المخفي منظمة تمرر أجندات السلطة السورية، إلى أن قويت فارتبطت بالقاعدة، وتخلت عن داعش أي تخلت عن أجندات الهلال الشيعي، وغيرها من المنظمات الإسلامية المتطرفة الأخرى الموجودة على الساحة السورية حتى اللحظة، والتي لا تمثل الثورة السورية فكرا ولا هدفا، فاستلامهم للأسلحة سهلت على النظام توجيه مسار الثورة بين الشعب والسلطة إلى صراع بين السنة والشيعة، وكان ملائما للسلطة توازن القوى، إلى أن تتأكد أن الثورة اختفت من الساحات العامة والفكرية، وبعد مرور سنوات على الثورة والأسلحة والدعم لا تزالان تتكالبان على المنظمات المسلحة رغم تطرفها وعداوتها الفكرية والعقائدية مع الدول الكبرى التي تدعمها، والتي تدركها تلك الدول وتدرك مدى ضرورة محدودية المساعدات، وهنا كانت على المعارضة السورية الوطنية، أن تعلم مدى خطئها وأسباب ضعفها أمام السلطة، وحالة التوازن الاستراتيجي العسكري بينهم وبين النظام.
تلقفتها بعض القوى العراقية، ونشرت مفهوم الاستعمار الأمريكي، على عملية إزاحة سلطة الدكتاتور صدام حسين، بل وصل ببعضهم أن يمجدوا بسلطته، واليوم هذا المفهوم أصبح دارجا، والشريحة الكبرى من المثقفين العرب والسياسيين يزاودون على بعضهم بالطريقة التي يمكن أن يوصفوا تحرير أمريكا للعراق من الدكتاتورية بالاستعمار الأمريكي، علما أن العديد من نفس التيارات السياسية عندما كانت تنزلق إلى مطبات كبرى طالبت بالدعم الخارجي، ورفضته في زمن الاستجمام، ويعلم الكثيرون منا كيف أن الأطراف السنية والشيعية عندما رغبت بفيدرالية لمناطقها استنجدت بأمريكا، وشاهدنا الزيارات المكوكية للعديد من الشخصيات الرئيسة لواشنطن بالتدخل، ولا شك هذه السياسة المخادعة والنفاق في التعامل مع الخطاب الدبلوماسي معروف بحذافيره للإدارة الأمريكية، فنأت، بعد سحب جنودها من العراق، بذاتها التدخل بشكل (مباشر) في النزاعات الداخلية والإقليمية، إلى جانب إنها السياسة المتبعة من قبل الديمقراطيين وخاصة الجناح الليبرالي فيهم والذي يمثلهم الرئيس براك أوباما، مكتفين بدراسة الواقع بهيئة مراقبة ضمن سفارة تعد من احدى اكبر السفارات في العالم، ليس فقط لمراقبة العراق بل كل الشرق الأوسط وخاصة تحركات الهلال الشيعي في المنطقة، فكانت المنطقة الكردية من ضمن اهتماماتهم الواسعة، ولهذا فقنصليتهم تعد من كبريات القنصليات، وهناك وبشكل مباشر دون العودة إلى المركز، يستقبلون إدارة الإقليم الفيدرالي، الذين لم يتوانوا يوما من تكرار مطالبة الإدارة الأمريكية بتقديم الدعم لهم، ومطالبتهم بإقامة جميع أنواع العلاقات الاقتصادية إلى السياسية وغيرها، ولم تتوانى الإقليم من تحريك كل لوبيها في أمريكا وأوروبا ليكون لهم هيئات اقتصادية وسياسية دائميه في هولير، وكثيرا ما قدموا طلبات لتدريب قواتهم العسكرية، البيشمركة، ولم يعتبروا عملية تحرير العراق من صدام حسين بالاستعمار كما يزاود عليها البعض ويبيعون الوطنيات، خاصة أولئك الذين لا يزالون يقبعون تحت تأثير ثقافة البعث العروبي، وفيما بعد ثقافة التيارات الإسلامية، السنية والشيعية، التي تغلغلت ضمنها خلايا البعث وضباط صدام حسين.
تحرك العالم بكليته وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، نحو الإقليم، دبلوماسيا وعسكريا وسياسيا، على خلفية المجازر التي قام بها التكفيريون بمساندة الجماعات التي يشاركونهم الحقد على العنصر الكردي قوميا وعلى المكون الإيزيدي دينيا.
النقلية النوعية هذه، للعلاقات الأمريكية، والمدعومة مسبقاً من حكومة الإقليم بالسند القانوني، وبموافقة الحكومة المركزية، حصلت وتسارعت بسبب المجازر التي تعرضت لها الإيزيديون وقبلهم المسيحيون والصائبة، واقتراب مجموعات داعش من حدود الإقليم المتواجد فيه الألاف من الأمريكيين والأوربيين، كانت أثقل من أن يستمر الرئيس الرافض دوما التدخل في قضايا الشرق الأوسط بعد العراق، فتنازل عند رغبات العديد من جنرالات جيشه، ومستشاريه حول خطر المنظمة الإسلامية الظلامية في القادم من الزمن، إلى جانب أصوات بعض الجمهوريين من السنت، أمثال جان مكين، مضافة إليهم نداء النائبة الإيزيدية المؤثر في البرلمان العراقي فيان دخيل، وغيرها من النشاطات الإنسانية أمام البيت الأبيض من قبل الجالية الإيزيدية، والتي كانت تصل إلى مسامع الرئيس براك أوباما مباشرة، وتترجم له، خاصة نداء السيدة فيان دخيل والتي ذكرها الرئيس الأمريكي في لقائه الصحفي، فكانت النتيجة الإيجابية بالنسبة للإقليم أولا وللإيزيديين نسبيا ثانيا، ولا شك إن حماية السفارة والقنصلية كانت على رأس اهتمامات الإدارة الأميركة، وتعني هنا مصالحها السياسية والاقتصادية، والتي احتضنت ضمنها مصالح الإقليم وحماية الطوائف التي اجتاحتها مجازر داعش تحت راية الإسلام وشعار الله أكبر، مع ذلك هذه المساعدات مثل دفاعات الإقليم جاءت متأخرة كثيرا، وكلفت المكون الكردي الإيزيدي الكثير والتي ستبقى وصمة عار في كرامة الإنسانية والعراقية والكرد عامة.
وبعد سنوات أربع من الثورة السورية، والمجازر التي غطت كل بقاع الأرض السورية، بدأت المعارضة تشعر بان التدخل الخارجي يعتبر أحد أهم الحلول للمشكلة السورية والحد من مجاوز الدكتاتورية، فظهرت نداءات بالتدخل الخارجي بطرق ملتوية، مثل نداء الائتلاف الوطني السوري، ومقارنتهم الدعم المقدم للإقليم بما يعرض على المعارضة المسلحة في الداخل السوري، مطالبين بعمليات مشابهة، متناسين بأن المعارضة الداخلية العسكرية لا تزال أغلبيتها تتشكل من أشد التيارات الإسلامية تطرفا مقارنة بالجيش الحر والذي فيه الكثير الذي لا يؤمن جانبه أيضا كمعارضة معتدلة، أو بمجموعات قليلة من القوى الثورية الحقيقية والتي تطالب بإسقاط النظام بكل أبعاده، ومعها يرفضون التطرف الديني والقوى التكفيرية. والكلمة الأخيرة لرئيس الائتلاف كان فيها من الحسد أكثر من أن يكون مطلبا منطقيا دبلوماسيا، من خلال المقارنة بين التعامل الأمريكي مع واقع الثورة السورية بكل المجازر التي تمتد على مدى السنوات الأربع الماضية، وما يجري اليوم في الإقليم على خلفية المجازر الوحشية ضد المكون الكردي الإيزيدي في شنكال وما حولها، متناسين نوعية النداءات والرفض السابق، من قبل كل أطراف المعارضة، ونوعية البنية التي يتكون منها المعارضتين الداخلية والخارجية، ودون أن يقارب الائتلاف مطلبه وما يتطلب منه بالتخلي عن التيارات التكفيرية كممثل عن الثورة في الداخل، وإعادة النظر في بند (التدخل الخارجي) مقارنة بالإقليم الواقفة في وجه أبشع التكفيريين والظلاميين في المنطقة، كما ولا ينتبه الائتلاف على أن القوى الدولية الداعمة لهم فقدت الثقة بالمعارضة السورية بشكلها الحاضر حيث سيطرة التيارات الإسلامية المتعددة عليها أمثال النصرة التابعة للقاعدة، وغيرها المرتبطة بها بشكل أو آخر، مقابل الكرد الذين يمثلون النواة التي ستتكون حولهم المعارضة المعتدلة الحقيقية لإسقاط النظام الأسدي، إلى جانب إثباتهم للعالم على أنهم أصدق القوى الديمقراطية في المنطقة، وهذا ما يتطلب من المعارضة السورية أن تقوم به، لتحصل على الدعم الخارجي الكافي للإطاحة بالنظام والقوى التكفيرية معه.
رغم المجازر وطلب الإقليم المستمر في طلب التدخل الخارجي للمساعدة في دحر التيارات التكفيرية المتطرفة، وتوسيع غيرها من العلاقات، لا تزال الإدارة الأمريكية تقنن من مساعداتها، وتبحث في كل خطوة مطولا، إلى جانب دول أوروبية لا تزال تعترض على الاعتراف بالإقليم وتقديم المساعدة العسكرية المباشرة، علما أن تجربة الإقليم في الديمقراطية والتطور وبناء الدولة المدنية وفي فترة قصيرة جدا بالنسبة لعمر الدول، ومقارنتها بكل الدول العربية وتركيا وإيران المجاورة، تعتبر مثالا ساطعا على أن للكرد الإمكانية التامة في بناء الدولة الكردية المستقبلية بأفضل النظم الديمقراطية وبمؤسسات مجتمع مدني حضاري، بجانب دول العالمين العربي والإسلامي.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية