وأخبرني أخي الكردي الإيزيدي بمرارة تتناسب
وجرحه الجسمي والنفسي: إيزيديونا لن يرجعوا إلى شنكال ؟
لعلّي كنت في صورة الوضع، وأنا متابعه منذ الغزو
الجرادي الداعشي الغادر، سوى أنني آثرت سماع صوته التالي، ليس حباً في الإيضاح،
وإنما ليخفف من ضغطه النفسي إذ يجد من يصغي إليه، في باب المؤاساة ، ويا
لها من مؤاساة؟:
الخوف الخوف من أن تكون هناك مصائد أخرى ؟
الإيزيدون منذورون لسلسلة من الفرمانات، كل فرمان موصول بالآخر، وكأن الفرمانات
المتسلسلة تريد أن تعلِمنا في كل جيل أن من المستحيل عليكم أن تنعموا بالراحة،
لنصبح في خط الضحايا الممتد إلى ما لا نهاية، ضحايا نزوات الآخرين وتحت أسماء
ومسميات شتى، لكن الجرائم الشنكالية الأخيرة فاقت كل تصور، وشكلت إنذاراً لكل
إيزيدي، أنه حتى بالنسبة لعهود سلام محدودة وعارضة، وفي ضوء ما نعيشه ونشهده، باتت
حالة ندرة…
كان كل شيء فيه ينطق بالمأساة: ملامح الوجه،
وتكفلت عيناه “وهو الواعي كما عرفته منذ مدة وألتقيه كثيراً في دهوك ” بإبراز الكثير من سخونة الجرح الروحي
والجسدي وعمقه الغائر ونفاذ فعله المدمر، وليستطرد قائلاً:
سيْدا … وتنهد وتابع: من يضمن سلامتنا نحن
الإيزيديين في شنكال بعد الآن ؟ والذين نفَّذوا جريمتهم وعبَّروا عن أهوائهم المقيتة، كما
يقول أهلنا عن قرب، هم من بينهم، في وسطهم، وعلى تخومهم جيراناً ومعارف، لا بل
و” كرفاء: ج كريف “، إنهم عرب منطقتنا ” تهجَّى اللفظة بمشقة لا
تخفي حرقة المردود “، أغلب الذين عرضونا للإيذاء والفظائع، وتقدموا داعش،
وحاصرونا كان هؤلاء الذين كنا نتصاحب ونتبادل الزيارات وهذه ” الكرافة
“، لقد طعنونا من الجهات كافة ؟ فكيف لنا بالعودة هاه؟ لكأنهم كانوا ينتظرون
يوماً كهذا ؟!
وأضاف، مفصحاً عن أسف لا يفارق قهراً تردد في
نبرة الصوت: البعض منهم أخذوا نساء لنا، وقد .. وقد اشتروهن من داعش، واحتفظوا بهن
أمانة ليرّدوهن إلينا عند اللزوم، لكن ذلك يبقي المشكل قائماً، لأن هناك ذبح
الرجال وإهانتهم، إلى جانب موت الأطفال وتجويعهم، والعجزة ، والبيوت المنهوبة،
والحيوانات و…القائمة طويلة ..
إن ما سمعته منه، وما تابعته إلى جانب غيري
عبر قنوات تلفزيونية، وما تناهى إلي من خلال أشخاص آخرين ألتقي بهم يومياً، حول الموضوع
ذاته، لا يدع المرء مطمئناً إطلاقاً، إنما يبقيه نهباً للمزيد من المشاعر
المتناقضة والهواجس وما لا يسر من هو حريص على الأمن والاستقرار، إذ إن المتحصل
الكارثي بكل المقاييس، يتحدى كل ذي معني بما هو أخلاقي، أو ما هو سوي في المجتمع،
فالمشكل أكبر من أن يحاط به، لأن الجرائم المنفَّذة لها منحى اعتباري واجتماعي
واثني خاص.
والجاري حتى الآن، وما يمكن أن يتَّخَذ بشأنه
من تدابير أمنية أو وقائية، يشكل تحدياً ثلاثي الأبعاد لكل الجهات ذات العلاقة، على مستوى
الإقليم بالذات، وحكومة المركز، وحتى بالنسبة للمهتمين بالأمور الإنسانية
والدولية.
على المستوى الأهلي والتاريخي، ثمة طرفان
متقابلان، لا بد أنهما متخندقان الآن، أو في وضعية الخندقة، دون التساوي بينهما من منظور
المخاوف والاحتياطات اللازمة في مواجهة كل الاحتمالات:
من كان لهم الدور الأكبر: دور إرشادي، وإسهام
في تنفيذ سلسلة الجرائم بحق الكرد الإيزيديين، وإسناد لداعش، ولا بد أنهم حتى الآن يحاربون
مع داعش، رغبة في المزيد من الحصول على الغنائم، رغم تسرب أخبار إلى أن القرى
المجاورة لشنكال وحتى بالنسبة لسد الموصل قد فرغت من أهلها العرب في المجمل،
تحسباً للتالي، ولا يخفى على كل ذي نظر أن هؤلاء، وبعد ضغط البيشمركة عليهم وسحق
الداعشيين بالتدريج، وهو ما لم يحسبوا له حساباً، بعد تلقّيهم السلاح
المطلوب، أيقنوا أن ثمة ما لا يسرهم في
انتظارهم، إلى جانب أن قسماً ممن نفذوا جرائمهم ارتدوا الزي المدني وقصوا لحاهم
” الموبوءة ” طبعاً،
وتحولوا باتجاه المدن لإخفاء الأثر الذي يدل عليهم، وهذا لا يجدي نفعاً، لأن هناك
شهود عيان على قسم ملحوظ منهم، وهذا يعني انفجار خزان العنف بشكل غير مسبوق تجاه
هؤلاء المجرمين الدواعش والمدعشنين .
ومن يشكلون أهل الضحايا والمنكوبين والذين
نجوا من الموت فعلياً، حيث إنهم يعيشون وعيداً وتهديداً لقتلة كبارهم في السن، وعجائزهم،
وأطفالهم، وخاطفي نسائهم، وليس من حواجز جغرافية تسمح بعدم التلاقي، كما هي الحدود
المفتوحة التي تعدّاها القتلة الدواعش والسائرين في ركابهم، وارتكبوا الموبقات .
إن من الصعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً إبداء
الرأي هنا من قبيل مقترح الحل، لأن المشكل أكبر من أن يحسَم برأي أو بوجاهة معينة، ليس
لأن دماءاً مسفوكة تمت فحسب، وإنما لأن عملية سفك الدماء تمت في مشاهد مرعبة لا
تُنسى، والأخطر والأمر والأنفذ في التأثير النفسي والاجتماعي، هو أسلوب التعامل مع
النساء، وحصار الشنكاليين لأيام متتالية هددهم بالموت جملةً، ومهما أمكن قوله،
يبقى الممكن قوله وهو في التالي: هل ستفلح حكومة الإقليم في إعادة هؤلاء المنكوبين
إلى جبلهم وقراهم، وهم يعيشون رعب ما كان، وحيثما تحركوا يتراءى أمامهم مشهد
القتلة وهم يرتكبون فعلتهم الشنيعة ؟ وأي استجابة سوف تجلو عليها حكومة المركز،
وهي تدرك جيداً، أن ثمة جرائم فظيعة مرتكَبة؟ وأخيراً، وليس آخراً: أي دور يمكن
للجهات الدولية أن تقوم به في مواجهة هذا المعضل، وحتى لا يكون فرمان ” 75
” وشيك الحدوث ؟